عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-07-27, 01:20 رقم المشاركة : 257
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: خلق موسوعة تربوية ثقافية خاصة بنساء ورجال التعليم


تطوير المناهج الدراسية في المنظومة التعليمية المغربية : المنهاج المندمج نموذجا


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]إعداد : د. محمد الدريج
أولا : مدخل عام : التعريف بالمنهاج وبدواعي تطويره
لم يكن مفهوم المنهاج موظفا و شائعا ، سواء في الأدبيات أو الممارسات التربوية ، في قطاع التعليم. وكانت البرامج الدراسية إلى عهد قريب ،

تختزل في لوائح المواد و المحتويات المعرفية التي يتم تدريسها في مختلف المستويات التعليمية . كما كانت تختصر في جداول و استعمالات الزمن ، تحدد التوزيع الأسبوعي لتلك المواد . فعمل الرواد الأوائل في تخطيط البرامج ، وحتى يثبتوا تميزهم عن هذا التقليد الذي يولي أهمية كبرى لمحتويات التدريس ، على التركيز على التلميذ بدل المادة الدراسية و مضامينها ، فتم نحت مصطلح المنهاج curriculum )) و الذي يعرف بشكل عام ، بكونه " جملة ما تقدمه المدرسة من معارف و مهارات و اتجاهات ... لمساعدة المتعلم ، على النمو المتوازن و السليم في جميع جوانب شخصيته" .

وتبقى الأسئلة الأساسية التي تطرح في العادة عند الحديث عن المنهاج الدراسي ،هي:

- لمن يعود أمر بناء المنهاج الدراسي بمعناه الواسع ؟
- وكيف يتم بناؤه في بلادنا ؟
-ومن يتخذ القرار في ضبط احتياجات التلاميذ و تحديد أولويات المجتمع ومتطلباته
و بالتالي رسم الأهداف واختيار المحتويات والأساليب؟
وكيف يتخذ قرار تطوير المنهاج ؟
وما هي دواعي و آليات التطوير ومعيقاته ؟
كل هذه الأسئلة وغيرها... ، والتي لن نجيب الآن سوى عن بعضها وخاصة ما ارتبط منها بمشكلات ومعيقات ممارسة المنهاج وتطبيقه في المدرسة المغربية... ، تثبت، أن بناء المنهاج ليس مجرد مسألة تقنية ولا يطرح قضايا إجرائية فحسب ، بل يطرح بناء المنهاج و في المقام الأول ، قضايا فلسفية و سياسية واجتماعية وثقافية ، حيث تتدخل المبادئ و الانتماءات و جماعات الضغط والمصالح... مما يفسر ويبرر في نفس الآن، إلحاح معظم الباحثين على تفصيل الحديث ، في بدايات تقاريرهم و مؤلفاتهم ، على الأسس الفلسفية و الاجتماعية و المعرفية و النفسية وغيرها ، في تصميم المناهج وتطويرها.
ذلك لأن بناء وتطوير المنهاج ، يتأثر بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية، فمنها ما يرتبط بسوء وقصور المناهج السائدة ، ومنها ما يرتبط بالتغيرات التي تطرأ على المجتمع و البيئة أو تلك التي تصيب التلاميذ،أو التي تمس النظام التعليمي ذاته ، بحكم تأثير ما يستجد على الساحة التربوية محليا وعالميا وغيرها ...
و عموما وحتى لا نخرج من هذا التقديم دون تحديد أي مرتكز لعرضنا هذا، فإن ما يفسر حدوث التطوير و الإصلاح في المجال التربوي/التعليمي وخاصة في جوانبه البيداغوجية، هو أن التربية و التعليم نشاط اجتماعي بالأساس ، يؤثر فيه المجتمع ويتأثر به . و بما أن المجتمعات تخضع باستمرار للتحول ، فإن التربية (بالمعنى البيداغوجي هنا) كذلك لابد أن تتطور و بشكل مستمر، مما يسمح لها بالتكيف مع الاحتياجات الجديدة . ومن هنا يكون من الخطأ الاعتقاد في إمكانية الانتهاء إلى نموذج تام ومثالي للمنهاج . ذلك أن الأنظمة التعليمية تعمل على التلاؤم باستمرار مع التغيرات في الاحتياجات و الناتجة عن تحول المجتمعات ...
كذلك من دواعي التطوير ، الضغوط التي تمارس من خلال المنظمات و البنوك الدولية ووكالات تمويل مشاريع التنمية أو من خلال بعض الجامعات ذات الصيت العالمي أو من خلال الشركات متعددة الجنسيات أو مكاتب الدراسات ومن يرتبط بها من ذوي المصالح...أو مباشرة من بعض الحكومات...
وكما أسلفنا فإننا لن نفصل و نعمق الحديث عن كل تلك الجوانب في هذه الدراسة، ولكننا سنلامسها بشكل غير مباشر،حيث سنعالج موضوع بناء و تطوير المنهاج الدراسي ، من زاوية خاصة تتمثل في تقديم مقترح متكامل ، يذلل مبدئيا الكثير من الاختلالات والمشكلات التي تعاني منها منظومتنا التربوية ، مقترح سبق ان وضعنا أسسه وبعض أهم عناصره ووظائفه منذ أزيد من 16 سنة عندما نشرنا العديد من الدراسات والمؤلفات أواسط التسعينات من القرن الماضي ، ومنها على سبيل المثال ،كتابنا:
"مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في المدرسة المغربية"، (في جزئين)، سلسلة دفاتر في التربية ، (1996)ـ الرباط.
وكذلك الكتاب الذي نشرناه سنة 2004، بعنوان :
”الكفايات في التعليم : من أجل التأسيس العلمي للمنهاج المندمج“
منشورات رمسيس، الرباط.
وتنتظم هذه الدراسة وفق العناصر التالية :

محاور الدراسة وعناوينها الرئيسة

أولا : مدخل عام: التعريف بالمنهاج الدراسي و دواعي ومرتكزات تطويره

ثانيا : إشكالات تعيق تطوير مناهج التعليم في المغرب
أو مبررات إنشاء المنهاج المندمج

1- الإشكالية المرتبطة بتحديد مفهوم المنهاج والسياسات والنظريات الموجهة
لبنائه في منظومتنا التعليمية .
2- الخلل الملاحظ في مشاريع تطوير النموذج البيداغوجي .
3- إشكالية مواءمة المنهاج واندماجه في محيطه .
4- اللامساواة و انعدام تكافؤ الفرص أمام المنهاج الدراسي ، ومن أهم مظاهرها:
4 .1 - مسألة تعدد المدارس و تعدد المناهج السائدة
2.4 - إشكالية الفروق الفردية و تكافؤ الفرص
3.4 -إشكالية مستويات المنهاج .
5- الخلل المالي و التدبيري وظروف العمل التي يعاني منها قطاع التعليم
وتأثيره في تطبيق المنهاج .
واضطراب تأمين الدعم المتزايد للفاعلين داخل القطاع وخاصة المدرسين
الذين يمارسون المنهاج والمشرفين على تطبيقه .
6- هدر الزمن المدرسي الضروري لتطبيق المنهاج .

ثالثا : أسس بناء ”المنهاج المندمج “ ومكوناته

1- إعادة صياغة مفهوم الإدماج/الاندماج
2- إعادة صياغة مفهوم الكفايات وربطه بمفهوم معايير الجودة
3- الربط في المنهاج بين المعرفة النظرية والمعرفة التطبيقية
4- مأسسة المدارس وخلق الظروف الملائمة للتطوير
1.4 - تحويل المدارس إلى مؤسسات
2.4 - الإدارة المدرسية و قيادة التطوير
3.4 - متطلبات قيادة التطوير
5- الاندماج الاجتماعي و مشاريع المؤسسة والشراكة التربوية
1.5 - إحداث مشروع المؤسسة
2.5 - نظام الشراكة التربوية

ثانيا : إشكالات تعيق تطوير مناهج التعليم في المغرب
أو مبررات إنشاء المنهاج المندمج

1- الإشكالات المرتبطة بالتحديد النظري لمفهوم المنهاج في منظومتنا التربوية ، وغياب الفلسفات والسياسات والنظريات الموجهة لبناء المنهاج وتطويره . وبخصوص هذا الغياب وما يعاني منه المشهد التربوي في بلادنا من ضبابية مفاهيمية و منهاجية ، من حقنا أن نطرح بعض التساؤلات المصيرية :
ما هي شخصية الإنسان المغربي الذي تنشده منظومتنا التربوية ؟ وما هي المواصفات التي نسعى لتنشئة أبنائنا وبناتنا عليها ؟ أي ما هي القدرات والمهارات والاتجاهات والقيم التي نرغب في ان يعمل نظامنا التربوي على ترسيخها ؟ وهل تنسجم مع نوع المجتمع الذي سنسعى الى إيجاده من خلال المنظومة التربوية ،خاصة في جوانبها البيداغوجية و المنهاجية ؟
إن طرح هذه الأسئلة يعني أننا في حاجة إلى نظرية اجتماعية - تربوية شاملة ، ضرورية لأي إصلاح...والخروج بالتالي ، من دوامة اعتماد النظريات المستوردة و الخبرات الأجنبية. و نشير بهذا الخصوص ، إلى ازدياد الدراسات التي تنبه من مخاطر اقتباس التجديد و استيراد الإصلاح في المجال التربوي و في المنهاج الدراسي وأهدافه العامة على وجه الخصوص ( مخاطر ما يعرف بالتحويل أو النقل التربوي ) دون التأكد من ملاءمته لواقع المجتمع التعليمي المستقبل ، وقابليته للتطبيق . ولن نبالغ حين نقول ، بأن السبب الرئيسي وراء الفشل في مشاريع التجديد و الإصلاح التربوي في الدول النامية ، يعود إلى النقل التربوي ، والذي يؤدي في الغالب ، إلى عدم التحام منظومة الإصلاح الجديدة مع المنظومة التعليمية المحلية وعدم ملاءمة محتوياته مع الاحتياجات الفردية وتطلعات الجماعات المحلية ومنظومتها القيمية، فتحدث ردود فعل رافضة للجسم الغريب .( محمد الدريج ، 2004).

2- ضعف جودة و فعالية و مردودية النشاط التربوي داخل الأقسام وداخل المدارس، و المتمثلة في الاختلالات الملاحظة في مشاريع تطوير المقاربة أو النموذج البيداغوجي،وما يسبقها وما يرافقها وما ينتج عنها في العادة في منظومتنا التربوية من اضطراب في التنزيل ،كما حدث على سبيل المثال ، في تجربة تطبيق المقاربة بالأهداف الإجرائية أو التدريس بالكفايات أو بغيرها، وعدم تكييف البرامج الدراسية لتلائم الوافد الجديد وتكوين المدرسين وتمكينهم من الظروف الملائمة والاساليب الضرورية لتوظيف تلك المقاربات على الوجه الصحيح ، و الارتقاء بنظام التقويم والامتحانات و بنظام الإعلام والتوجيه ، و إدماج التكنولوجيات الحديثة في العملية التعليمية و غيرها من مكونات المنهاج بمعناه الشمولي .
3- إشكالية مواءمة المنهاج (والمدرسة عموما) واندماجه مع محيطه : حيث نلاحظ انعدام مخطط عملي ناجع ، كفيل بتوفر كل مؤسسة تعليمية على برنامجها البيداغوجي ومشروع المؤسسة الخاص بها و الذي يمكن أن يربطها بالخصوصيات البيئية والمجتمعية والاقتصادية في محيطها ومنطقتها ، مخطط ينطلق من تشخيص الوضع الخاص بها ويستجيب في نفس الآن لحاجيات الأفراد والجماعات المستفيدة من خدماتها...
4- اللامساواة و انعدام تكافؤ الفرص أمام المنهاج الدراسي ، ومن أهم متغيراتها :
1.4- مسالة تعدد المدارس و تعدد المناهج المطبقة :
من الصعب الحديث عن المدرسة المغربية ، كما لو كانت تشكل وحدة منسجمة ،لأننا لازلنا نجد أنفسنا في الواقع ، أمام عدة مدارس مغربية، وليس مدرسة واحدة ، وهذه المدارس المتعددة هي انعكاس موضوعي لأشكال اللا مساواة الفئوية و المجالية السائدة في المجتمع المغربي: إذ نجد مدرسة النخبة والأغنياء، ومدرسة الفقراء( المدرسة العمومية والتي بدورها تنقسم إلى مستويات) التي توجد غالبا في الأحياء الهامشية والفقيرة وفي المجال القروي...إن كل مدرسة من هذه المدارس تتميز عن الأخرى في جودة خدماتها البيداغوجية وبنياتها التحتية وخصوصياتها البشرية ، الأمر الذي ينعكس على طبيعة التكوين وجودته وكثيرة هي الأصوات التي تحذر من مخاطر هذا التعدد والتفاوت.
وكمثال على هذا "التعدد" ملاحظة النقابات والجمعيات (الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية على سبيل المثال) أن بعض مؤسسات التعليم الخاص تعرف تكريسا لما وصفته بالمد الفرنكوفوني، وذلك باعتمادها برامج ومقررات مستنسخة عن مناهج فرنسية بكل حمولتها الثقافية والحضارية، دون مراعاة الخصوصيات الحضارية والتاريخية للمجتمع المغربي.
وبناء عليه تصوغ العديد من الهيآت ، النقد الذي يعيب على وزارة التربية الوطنية تبنيها لمشروع صاغه مكتب للدراسات ، بعيدا عن الاستشارات الضرورية مع الفاعلين التربويين و النقابيين و الجمعويين، يسير في بناء منظومة تعليمية تقوم على مبدأ الاعتماد على القطاع الخاص، ويتضمن هذا المشروع رؤية، هي ترجمة عملية للاتفاق الإطار، بين الحكومة والتعليم الخصوصي الذي وقع بالصخيرات سنة 2007.
إن العديد من هؤلاء الفاعلين ما زالوا يرفضون هذه الاختيارات ، ويتمسكون بضرورة إصلاح المدرسة العمومية، وتعبئة الإمكانيات والطاقات لتصحيح أسباب الاختلال التي تشكو منها المنظومة التربوية ببلادنا، ودعمها بالكامل، لأنها تؤطر الأغلبية الساحقة من أبناء المغاربة، وبالتالي فإن الامتيازات والدعم اللامشروط للدولة للقطاع الخاص، ينبغي أن يتوجه أساسا إلى التعليم العمومي، بما يحقق ضمان تعليم عمومي جيد ومجاني للجميع،بدلا من دعم المدرسة الخصوصية والتي تضرب المدرسة العمومية في الصميم، وتتعارض مع المجانية ومبادئ تكافؤ الفرص وتعميم التعليم ، وتشكل مصدرا لاستقطاب و استنزاف طاقات المدرسين العاملين في المدرسة العمومية أنفسهم. وقد تبلور هذا الرفض مجددا في الأيام التربية التي عقدتها مؤسسة علال الفاسي بالرباط حول المدرسة العمومية المغربية ،حيث ظهرت دعوات ملحة لاعادة الاعتبار للمدرسة العمومية وإصلاحها والرفع من جودة خدماتها ، حتى ترتقي لمسنوى التنافسية ليس فقط في مواجهة المدرسة الخصوصية بل على المستوى الاقليمي والعالمي .كما تجسد هذا التوجه ، القديم الجديد ، في بعض الإجراءات التي أعلن عنها مؤخرا ، الأستاذ محمد الوفا وزير التربية الوطنية .

2.4- إشكالية الفروق الفردية و تكافؤ الفرص:
رهان البيداغوجيا كلها يكمن في حل المعادلة التالية :" مساعدة التلاميذ المختلفين في العمر والقدرات و السلوكات والمنتمين إلى قسم واحد ، على الوصول إلى نفس الأهداف".
ولا شك أن التربويين ينشغلون في البحث عن إيجاد مختلف الحلول الكفيلة بتحقيق هذا الرهان وحل هذه المعادلة وقد شهدت العقود الأخيرة العديد من البحوث المعمقة والدراسات الميدانية عبر مختلف بلدان العالم للحد من ظاهرة الفشل المدرسي والتقليص من نسب الهدر وقد برزت عدة مقاربات بيداغوجية نذكر منها : تجربة الفصول المتجانسة / التدريس وفق مقاربة الكفايات الأساسية/ بيداغوجيا الدعم / بيداغوجيا الاتقان....ومن بين هذه الحلول أيضا البيداغوجيا الفارقية.
لقد أبرزت العديد من الدراسات المتخصصة ، أن المؤسسة التربوية ترفع شعار ديموقراطية التعليم وذلك بتمكين كل فرد من التعليم )المجاني و الإجباري( منذ سن السادسة من العمر بصفة متكافئة.... والحقيقة أن هؤلاء الأطفال ليسوا متكافئي الامكانات والقدرات في استيعاب مقتضيات المنهاج... فقد برهنت أعمال B. Bernstein أن الأطفال المنحدرين من أوساط اجتماعية وثقافية محظوظة ، يمتلكون رصيدا ثقافيا متنوعا وغنيا ورصيدا لغويا متطورا من حيث ثراء المعجمية والصيغ.... في حين نرى أن اقرانهم المنحدرين من أوساط اجتماعية ثقافية غير محظوظة ، يفتقرون إلى هذا الزاد الثقافي واللغوي (أبناء الأمازيغية مثلا) الشيء الذي لا يساعدهم في أغلب الحالات على النجاح في دراستهم.
ولا يمكن الاعتماد على المنظومات التربوية التقليدية ومنها المنظومة المغربية ، لكسب مثل هذا الرهان وحل هذه المعادلة ، لأنها فشلت إلى حد الآن في تحقيق هدفين أساسيين على الأقل:
- كسب رهان ديمقراطية التربية أي مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص .
- الحد من ظاهرة الفشل والهدر المدرسي .
إن قصور مناهج التعليم العام في منظومتنا التربوية ، وعدم اهتمامها بهذه الفروق يعمق اللامساواة وانعدام تكافؤ الفرص،حيث تتصف مناهج التعليم المدرسي العام ، و بطبيعتها ، بأنها جماعية التوجه نظراً لمحدودية الوقت المخصص لكل مادة دراسية، وطول برامجها، والأعداد الكبيرة من التلاميذ في معظم الأقسام الدراسية ( الاكتظاظ و الأقسام المشتركة ) والاضطراب الذي يعرفه الزمن المدرسي. .. فضلا عن تداعي البنايات وضعف التجهيزات، حيث لا يكون للمدرس من الناحية العملية ، من ملاذ ، سوى التركيز على الأغلبية التي تقع عادة حول الوسط. أما المتفوقون من التلاميذ والضعاف فلا حظ لهم من انشغالاته. وقد أثبتت الدراسات أن التلاميذ سواء المتفوقين أو الضعاف يحتاجون إلى رعاية تربوية متمايزة ودعما خاصا ، إضافة لما يقدم عموما في برامج المدرسة العادية.
وهكذا فإن عدم مراعاة قدرات التلميذ في هذا التعليم الذي يركز على المتوسط ، يجعل المتفوق يحس أنه غير معني بما يقدم فيه من معارف فيمل و يتقاعس، و يحس فيه الضعيف أنه دون مسايرة ما سيقدم له ، فيفضل الانسحاب و الهروب من المدرسة....فيشكل ذلك ألية من آليات الفشل والهدر المدرسي.

4. 3-إشكالية مستويات المنهاج ومن تجلياتها :
- درج الباحثون التربويون في العقدين الأخيرين ، على الحديث عن ثلاثة مستويات لتخطيط المنهاج الدراسي و تطويره:
المستوى الأول هو تخطيط المنهاج على الصعيد الوطني ( المنهاج القومي/الوطني الرسمي) والذي يوضع بإشراف من المصالح المختصة بالوزارة الوصية على التعليم . وأهم ما يميز المنهاج على هذا المستوى هو طابعه الشمولي و الموحد و تركيزه على المبادئ الأساسية و ترجمة مبدئيا ، فلسفة المجتمع و قيمه ومثله العليا و تشخيصها من خلال التوجيهات الرسمية و المذكرات والكتب المدرسية وغيرها .
المستوى الثاني يكمن في تشخيص المنهاج الرسمي و إعادة صياغته عند محاولة تنفيذ التوجيهات والمذكرات الوزارية، بمراعاة خصوصيات كل مؤسسة و إمكانياتها و الاحتياجات المحلية و ظروف حياة الجماعة التي تنتمي إليها.
وعلى هذا المستوى نتحدث ، عن المنهاج المندمج للمؤسسة ، و معناه أنه و بالإضافة إلى وجود منهاج رسمي وطني عام وموجه لجميع التلاميذ في مختلف الأقاليم ، هناك نوع من المنهاج "المعدل"و "المكيف" و الذي يلائم احتياجات التلاميذ وفروقهم الفردية وطبيعة المؤسسة والخصوصيات الاقتصادية و الثقافية للمنطقة التي توجد بها واحتياجات سكانها ويساهم بالتالي في حل الكثير من الإشكالات و الاختلالات السالفة الذكر...
المستوى الثالث للمنهاج يتمثل في برمجة الخطط الدراسية و تحضير الدروس التي ينجزها كل مدرس حسب تخصصه والأقسام الدراسية الـتي يتعامل معها . كما يتمثل أيضا ، في النشاط التعليمي الفعلي و أسلوب المدرس في التعامل مع التوجيهات و تنفيذ المقررات . و هنا نصل إلى أدنى مستوى من مستويات المنهاج و أغناها ، على اعتبار أنه يمثل المرحلة " النهائية " و الدقيقة في تأثير المنهاج في شخصية التلميذ وتحقيق أهدافه العامة و الخاصة.
كما يطرح بخصوص هذه الإشكالية مسالة المسافة بين اتخاذ القرار و تنفيذه .
الأمر الذي جعل العديد من الباحثين ( وينجرت وجرينبرج ،1996، ووليم عبيد ،1999، ...) يميزون في تصنيفهم للمناهج بين :
- المنهاج المستهدف : أي الذي تتصدره المبادئ و المثل العليا و القيم والأهداف العامة من خلال التوجيهات الرسمية على الصعيد الوطني ؛
- المنهاج المقرر : المتمثل في الكتب المدرسية والذي يأتي مضمونه أقل من المنهاج المستهدف ؛
- المنهاج المنفذ : والذي يتم تدريسه فعلا داخل القسم فتتراجع نسبته عن المنهاج المقرر ؛
-المنهاج المحصل : وهو الحصيلة المتبقية في الأخير لدى التلميذ و تقيسه الاختبارات النهائية و الذي لا يزيد " حجمه " في المتوسط عن 40 % من المنهج المنفذ .
كما تثار بخصوص مستويات المنهاج و رسم حدوده ومجالات تدخله ، مسألة ما ظهر من المنهاج و ما خفي ( أي ما يعرف بالمنهاج الخفي أو الضمني ) ، وهي مسألة شديدة الحساسية وتتلخص في كون المدرس ( و المدرسة بشكل عام ) ، لا يعلم فقط ما هو مسطر في الوثائق و المذكرات و الدلائل و الكتب المدرسية التي تجسد وتشخص المنهاج الرسمي. ولا يلقن فقط الأهداف المعلنة و الصريحة ، وذلك مهما كان حريصا ومهما بلغت درجة عنايته وتقيده بحرفية النصوص و التوجيهات . بل إنه يعلم بشكل ضمني ، أشياء أخرى ويستهدف عن وعي أو دونه ، أغراض غير معلنة وغير مكتوبة . لماذا ؟
لأنه وكما هو معلوم ،تتشكل لدى المدرس خلال دراساته وتكوينه الأكاديمي و التربوي و خلال مساره المهني ، قناعات و أفكار خاصة به ، فضلا عما راكمه في شخصيته من تجارب و ما عاينه من خبرات تربوية في مدرسته وداخل أسرته . ويؤلف من كل ذلك " تشكيلة " أو "نظرية تربوية ضمنية " خاصة به ، تقوم بدور الغربال أو المصفاة لكل ما يمر من معلومات وتقنيات وتوجيهات تربوية ... لذلك فهو ينفخ في المنهاج قليلا أو كثيرا من عنده ويطبع المقرر بطابع خاص.
ثم إن التلميذ لا يتأثر فقط بما يقوله المربون في المدرسة بل بما يفعلون كذلك، و بالشحنات الوجدانية التي ترافق سلوكهم و أداءهم وأسلوبهم في التعليم .. . كما يتأثرون خلال المدة الطويلة التي يقضونها في المدرسة الأساسية و الثانوية (حوالي 12ألف ساعة ) بزملائهم أثناء اللعب و المذاكرة ويتأثرون بالجو العام السائد في المدرسة و بالأنشطة وبتجارب النجاح والفشل...
الأمر الذي جعل بعض الباحثين يعتقد ،ربما بنوع من المبالغة ، في أن كثيرا من مخرجات التعليم ، ليست هي المخرجات المستهدفة و لا المتوقعة من المناهج المقررة و المعلنة رسميا.

5- الاختلالات المالية و التدبيرية ( ظروف العمل )التي يعرفها قطاع التعليم وتأثيرها في المنهاج الدراسي ، والتي تكشف عنها من حين لآخر العديد من الملاحظات والتقارير ، وهو ما سيضع الوزارة الجديدة أمام تحدي الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد في مختلف جوانب المنظومة التربوية بما فيها الجوانب البيداغوجية خاصة ما ارتبط منها بإصلاح المناهج وتطوير المقررات وصفقات تأليف ونشر وتوزيع الدلائل والمطبوعات والكتب المدرسية .
وما برتبط بهذه الاختلالات من صعوبات تأمين الدعم د للفاعلين داخل القطاع وخاصة المدرسين الذين يمارسون المناهج و الإداريين والمشرفين الذين يحرصون على تنفيذها ، وترتبط هذه الإشكالية بملف الموارد البشرية وتأهيلها وتدبيرها المستمر وحفزها وما يستتبع ذلك من تأمين حقوق أكثر من 290 ألف موظف وموظفة بهذا القطاع الذي حطم كل الأرقام في الإضرابات والوقفات الاحتجاجية وغياب المدرسين.
6- الهدر الكبير للزمن الضروري لتطبيق المنهاج المدرسي وبرامجه التي يشكو الجميع من طولها ، جراء الانطلاق المتأخر للدراسة، أو التوقف عنها قبل العطل، أو التوقفات المرتبطة بغياب التلاميذ أو الأساتذة أو الإضرابات أو الاضطرابات الجوية وما قد ينتج عنها من عزلة القرى و غير ذلك.


ثالثا : أسس بناء المنهاج المندمج للمؤسسة ومكوناته
إن معالجة أوجه الخلل في النظام التعليمي والرفع من فعاليته ، يقتضي بشكل أساسي استهداف المنهاج المدرسي في شموليته ،من حيث هندسته التنظيمية و التدبيرية ونماذجه وطرقه ومقارباته البيداغوجية... لكن وكما يعتقد الكثير من المشتغلين (نظريا وعمليا) بالموضوع ،" فإن مجرد اعتماد نموذج جديد (وغالبا بطريقة النقل الميكانيكي) غير كاف بحد ذاته لتحقيق فعالية وجودة "مدرسة النجاح"،لأن النموذج البيداغوجي هو عنصر واحد من عناصر أخرى، تشكل نظام التربية والتكوين،كنظام ترتبط متغيراته من خلال علاقات بنيوية ووظيفية ،تتفاعل ويؤثر بعضها في البعض ،.بمعنى أن نجاح أي نموذج بيداغوجي وتحقيق أهدافه المنشودة،يجب أن نوفر له شروطا أخرى ترتبط ببقية جوانب المنهاج والعملية التعليمية ، فتتداخل في علاقة بنيوية ووظيفية لضمان نجاحها..واسترشادا بذلك قمنا منذ سنوات ، بصياغة نموذج ، أسميناه "المنهاج المندمج للمؤسسة "(م 3) ، ينبني على جملة من الأسس ويتألف من مكونات سنقوم باستعراض أهمها، في العناوين التالية:
1- مفهوم الإدماج : الأساس الأول الذي ينطلق منها نموذج "المنهاج المندمج للمؤسسة"يكمن في القول بضرورة الربط بين مفهوم الدمج والاندماج وبالتالي تبني مفهوم جديد تركيبي يختلف مع بعض المفاهيم السائدة حوله ، ومنها على وجه الخصوص المفهوم الذي وضعه المجلس الأعلى للتربية في كيبك بكندا (وهو المفهوم الذي تبني عليه بعض المقاربات المنهاج الدراسي ،مثل مقاربة بيداغوجيا الإدماج)، والذي يعرفه بكونه "السيرورة التي يربط بها التلميذ معارفه السابقة بمعارف جديدة، فيعيد بالتالي بناء عالمه الداخلي، ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة". نستشف من هذا التعريف الضيق ،ما يأتي:
-الإدماج هو ربط المعارف السابقة بالمعارف الجديدة، وتركيبها، ثم توظيفها لحل وضعيات-مشكلات جديدة.
-إن إدماج المكتسبات عملية شخصية وفردية بالأساس، لا يمكن أن يقوم بها متعلم مقام آخر.
لكننا نقترح في تصورنا للمنهاج الدراسي، أن يتسع مفهوم الاندماج حتى لا يبقى محصورا في جانب واحد من النشاط الذهني للمتعلم وهو إدماج الموارد والمكتسبات .لأن ذلك في نظرنا عيب يسقطنا في أساليب تقنية تجزيئية وسلوكية .
يركز الاندماج المقصود في هذا النموذج الذي نقترحه ، على الأبعاد الاجتماعية و الغايات الشمولية التي ينبغي إظهارها وتوظيفها منذ البداية ، سواء في محتويات البرامج او في طرق وأساليب أدائها و في طبيعة الأنشطة الموازية او في مشاريع المؤسسة وغيرها والتي ينبغي ان تعزز ما تستهدفه المدرسة من اندماج حقيقي في المجتمع بشكل شمولي .
لذلك فإننا قدمنا ، تصورا أكثر شمولية ، في إطار "المنهاج المندمج للمؤسسة" والذي يتسع فيه مفهوم الاندماج (نظريا وعمليا) ليشكل نسقا متكاملا . من بعض مميزاته أنه يمنح على سبيل المثال، المناطق والمؤسسات والجهات، سلطة ( حرية) تعديل ومواءمة المقررات الدراسية، للاحتياجات والخصوصيات المحلية مع احتفاظها بالأسس المشتركة في المنهاج الوطني العام أي نسمح للمدرسين والقائمين على التعليم عموما بنوع من المرونة بدل النمطية والأحادية اللتان تميزان كلا من بيداغوجيا الأهداف و بيداغوجيا الاندماج، شريطة خلق نوع من التوازن بين المستوى الوطني والمستوى الجهوي .
ونحن بصدد تطوير هذا النموذج ، وتحديثه والذي سنخصه قريبا بدراسات مستقلة،لكن يمكننا أن نشير الآن إلى أن الاندماج المنشود ينبغي أن يسير بشكل متواز ومتكامل في أربعة اتجاهات :
1- اندماج على مستوى المنهاج بمختلف مقرراته وهو اندماج أفقي (مستعرض) بين المواد الدراسية.
2- اندماج منهاجي على مستوى الأهداف العامة أو الكفايات الأساسية ، (المعارف ، المهارات ، منظومة القيم /الأخلاق ،الهوية ، مشاعر المواطنة...).
3- واندماج على مستوى المؤسسة. سواء داخل المؤسسة (بين أطرها وتنظيماتها وروادها من التلاميذ) وبينها وبين البيئة المحلية ( الطبيعية والمجتمعية والثقافية).
4- واندماج على مستوى المنطقة ( الجهة) والوطن أي على مستوى المجتمع ككل.

2- تبني مدخل الكفايات وتكييفه وربطه بمدخل المعايير:

عملنا في إطار نموذج "المنهاج المندمج للمؤسسة" على صياغة مقترح تركيبي،يربط بين الكفايات Competences والمعاييرNormes/Standarts، لاعتقادنا أن الكفايات
( قدرات ، مهارات ، اتجاهات ) يمكن أن تشكل معايير الجودة التي يستهدفها المنهاج بل معايير تستهدفها العملية التعليمية برمتها.
2. 1- سبق أن اقترحنا في العديد من مؤلفاتنا ، اعتماد مدخل الكفايات والذي أتى كما هو معلوم ليتجاوز ثغرات وعثرات مدخل الأهداف .و المقصود بالكفايات " تشكيلة من قدرات معرفية و مهارية ووجدانية ، كلما تمكن الفرد منها إلا وكان قادرا على تطبيقها وتوظيفها في سياقات كثيرة بعدما ارتبطت في بداية تشكلها واكتسابها بسياق واحد أو بمادة دراسية واحدة".
كما تعرف الكفايات بكونها نظام من المعارف ، المفاهيمية(الذهنية) والمهارية (العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية، تمكن في إطار فئة من الوضعيات والمواقف، من التعرف على المهمة –الإشكالية وحلها بنشاط وفعالية.
ولعل من أهم أسباب النجاح الكبير الذي لقيه هذا المدخل ، هو أن الكفايات تتميز عن المعارف من حيث العمل على احترام الرغبة الملحة في تمكين التلميذ من أدوات فكرية قابلة للنقل و التحويل(شبيه بما يعرف في علم النفس التربوي بانتقال أثر التدريب، كانتقال أثر التدريب بين اللغات ، فتعلم إحداها يساعد في تعلم الأخرى ). الأمر الذي لا تسمح به دائما المعارف و محتويات المواد الدراسية . وشكل هذا الاختيار أهم تحد بالنسبة للطرق المعروفة بطرق التربية الفكرية و التي وضعت أساسا لفائدة الجمهور العريض والذي كان يعاني من مشاكل مع المؤسسات المدرسية. وأيضا لفائدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم أو الراشدين الذين لا يتمكنون من التأقلم مع تطور المهن و يعجزون عن تحويل ونقل خبرتهم من مجال تكوينهم الأصلي إلى مجالات مهنية جديدة.
إن الكفاية سلوك يمكن من التعبير عنه بأنشطة قابلة للملاحظة، لكنها أنشطة تتجمع وتندمج في عمل مفيد وذي مغزى، وهكذا فإن الوظيفة العملية(التطبيقية) هي التي تغدو حاسمة في الموضوع. "إن الكفايات تشكل مجموعات مهيكلة تتفاعل عناصرها وتتداخل مكوناتها وتنتظم حسب تسلسل معين، للاستجابة لمقتضيات الأنشطة التي ينبغي إنجازها".
كما أن الكفاية يمكن أن تتألف من تشكيلة غير متجانسة من المعارف والمهارات والقدرات العقلية والخطاطات الحسية...إلخ، وما يوحد بينها هو فائدتها ومنفعتها، أي النشاط التقني والاجتماعي الذي سينتج عن توظيفها. إن الكفاية غير منسجمة من حيث العناصر التي تتألف منها ولكنها منسجمة من حيث النتيجة المستهدفة.
كما تتضمن الكفايات تنائج المكتسبات المعقدة والتي تظهر كما لو كانت حصيلة المكتسبات السابقة. مما يؤكد الطابع اللولبي للكفاية حيث تعتبر تشكيلة مركبة من العناصر، منها ما هو مكتسب الآن ومنها ما تم اكتسابه في حصص ماضية، عناصر تتجمع شيئا فشيئا لتمكن صاحبها من التحكم في بعض المواقف والوضعيات.

2.2- أما بالنسبة لتبني مدخل المعايير فكان ثمرة قناعتنا بأن النموذج ينبغي الا يقتصر على مفهوم واحد وألا يحبس داخل مقاربة واحدة . ذلك أنه وفي سياق العولمة وفي إطار انتشار التنافس المعياري العالمي ، ظهرت الدعوة إلى " تعيـير التعليم وتجويده" . فمتطلبات سوق العمل وحياتنا اليوم عموما ، بما فيها من تقدم علمي وتكنولوجي فائق النوعية، وأثر المعطيات العلمية والتكنولوجية على التعليم ،تفرض على النظم التربوية الانفتاح و رفع التحدي ، وتبني شعار التعليم والعلم المتميزين تحقيقاً للجودة ، والتي تتمثل بمتعلمين مؤهلين أكاديمياً ، أكفاء يمتلكون كفايات أساسية و قدرات ومهارات نوعية ومستعرضة في شتى المجالات، تؤهلهم للمنافسة في المسابقات والاختبارات الدولية، و في السوق العالمية . و يحصلون على الفرص التعليمية والوظيفية، و يتفوقون في مجال الابتكار والإبداع. فظهر مدخل المعايير والذي تبنته العديد من الدول والذي لا يتناقض بالضرورة مع مدخل الكفايات.
والمعايير مؤشرات رمزية تصاغ في مواصفات / شروط ، تحدد الصورة المثلى التي نبغي أن تتوفر لدى التلميذ (أو المدرسة) الذي توضع له المعايير ، أو التي نسعى إلى تحقيقها، وهي نماذج و أدوات للقياس ، يتم الاتفاق عليها (محليا وعالميا) وضبطها و تحديدها للوصول إلى رؤية واضحة لمدخلات النظام التعليمي ومخرجاته ، لغاية تحقيق أهدافه المنشودة والوصول به للجودة الشاملة ..(انظر كتابنا "المعايير في التعليم " ،2008 منشورات رمسيس ، الرباط ).
تسهم المعاييروالمستويات المعيارية في رسم توقعات لطموحاتنا في التعليم ( صورة مثالية)، وتوجيه العمل التربوي في كافة مجالاته ، وتوفير محكات موضوعية لقياس نجاحاتنا في مسيرة التعليم.
-كما تؤكد المعايير والمستويات المعيارية ( مستويات معايير المناهج على وجه الخصوص) أن جميع التلاميذ قادرون على التعلم في مستويات عليا ، وأن التميز ينبغي أن يكون للجميع ، و بالتالي فإن توفر المعايير ضرورة حتمية لتوافر الفرص وتكافؤها.
-كما يؤدي حضور ووضوح المعايير إلى الشفافية والعدالة والمحاسبية ، وبالتالي إلى ثقة وتأييد الرأي العام.
- تعتبر المعايير ومستوياتها ومؤشراتها وسيلة فاعلة وركيزة أساسية لعمليات تطوير وتحسين التعليم.
- تمنح المعايير دورا فعالا للمعلمين في تخطيط التدريس وإدارته و قياس و تقويم نتائجه.
-كما تمكن المستويات المعيارية ومؤشراتها المعلمين ، من متابعة تعلم التلاميذ وتمكنهم من الإبداع في أساليب تقويم النتائج والمخرجات.
- وتنعكس نتائج تبني المعايير على الأنشطة التعليمية - التعلمية داخل حجرات الدرس ، فتزداد مساحة التعلم النشط ، وتكثر الأساليب الإبداعية ( محمود الضبع ، 2006).

على أن كل تلك المبررات لا تثنينا عن الإيمان بأن تبني مدخل المعايير في التعليم ، بل وبغيره من المداخل بما فيها مدخل الكفايات ، لا ينبغي أن يتجاهل الحقيقة الأساسية التالية ، وهي أن التعليم نتاج مجتمعي بالدرجة الأولى ، يجب أن تنسجم أهدافه واستراتيجياته مع أهداف واستراتيجيات المجتمع الأصل، وتستجيب للاحتياجات الحقيقية لساكنته وليس لضغوط و إملاءات خارجية تخدم مصالح الهيمنة الاستعمارية واقتصاديات العولمة المتوحشة.
لذلك فإن إصلاح التعليم من خلال أي مدخل ومن خلال أي نموذج بما فيه النموذج الذي نقترحه تحت مسمى "المنهاج المندمج للمؤسسة "، نقول ، يتطلب تغييراً حقيقيا في تصور سياسات التعليم، وفي إدارة عملياته في مستويات مختلفة، وفي الممارسات التعليمية التي يقتضيها. تغييرا يكون ملتحما ومتسقا مع الأهداف الأساسية المنشودة في إصلاح التعليم وفق متطلبات الواقع والاحتياجات الحقيقية للمجتمعات ، والتي لا تتطابق بالضرورة مع سياسات مراكز الهيمنة والسيطرة ومصادر القرار في الدول الغربية. بحيث نطوع المدخل/النموذج لمتطلبات مجتمعنا و مطامح واحتياجات أفراده ، وليس العكس.






    رد مع اقتباس