عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-06-23, 21:56 رقم المشاركة : 15
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: تأملات في عمق الذات


المحور الثاني


قال رحمه الله: إن الإنسان مركب من صفات بهيمية و سبعية و شيطانية و ربوبية
حتى يصدر من البهيمية : الشهوة و الشره و الفجور , و من السبعية: الغضب و الحسد و العداوة و البغضاء ,و من الشيطانية : المكر و الحيلة و الخداع , و من الربوبية: الكبر و العز و حب المدح و الإستيلاء .
و أصول الأخلاق هذه الأربعة : و قد عجنت فى طينة الأنسان عجنا محكما يكاد لا يتخلص منها و إنما ينجو من ظلماتها بنور الإيمان المستفاد من نور العقل و الشرع قال تعالى : أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون""
و أول ما يخلق فى الآدمى البهيمية فيغلب عليه الشره و الشهوة فى الصبا.... ثم يخلق فيه السبعية فيغلب عليه المعاداة و المنافسة .... ثم يخلق فيه الشيطانية فيغلب عليه المكر و الخداع و إذ تدعوه السبعية و البهيمية إلى أن يستعمل كياسته فى حيل قضاء الشهوة و تنفيذ الغضب .... ثم يظهر فيه بعد ذلك صفات الربوبية و هو الكبر و الاستيلاء و طلب العلو
ثم بعد ذلك يخلق فيه العقل الذى يظهر فيه نور الإيمان و هو حزب الله تعالى و جنود الملائكة و تلك الصفات من جنود الشيطان
و جنود العقل يكمل فى الأربعين و يبدو أصله عن البلوغ و أما سائر جنود الشيطان ... يكون قد سبق إلى القلب قبل البلوغ و استولى عليه و ألفته النفس و استرسلت فيه الشهوات متابعة لها إلى أن يرد نور العقل فيقوم القتال و التطارد بينهما فى معركة القلب
فإن ضعف جند العقل و نور الإيمان ... لم يقو على إزعاج جنود الشيطان فتبقى جنود الشيطان مستقرة آخرا كما سبق إلى النزول أولا و قد سلم للشيطان مملكة القلب
و هذا القتل ضرورى فى فطرة الآدمي إذ لا تتسع خلقه الولد لما لا تتسع له خلقة الأب و إنما حكى لك حال آدم عليه صلوات الله عليه لتتنبه به على أن ذلك كان مكتوبا عليه و هو مكتوب على جميع أولاده فى القضاء الأزلى الذى لا يقبل التبديل فإذا لا يستغنى أحد عن التوبة

و لا مانع من التوبة إلا الإصرار و لا حامل عليه سوى الغفلة و الشهوة و ذلك مرض القلب و هو أشد من مرض البدن لثلاث أسباب

أحدها : أنه مرض لا يعرف صاحبه أنه مريض و لو أخبره أحد ربما لا يصدقه
ثانيا: ان عاقبه هذا المرض لم يشهدها الإنسان و لم يجربها فلذلك تراه يتكل على عفو الله تعالى و يجتهد فى علاج أمراض البدن غاية الإجتهاد
ثالثا : و هو الداء العضال - فقد الأطباء فإن الطبيب هو العالم العامل و قد مرض الأطباء فى هذه الأعصار مرضا عسر عليهم علاج أنفسهم لأن الداء المهلك هو حب الدنيا
و من أسباب تسويف التوبة العجز عن قمع الشهوات فى الحال - انتبه أن الشهوات هى التى تؤدى إلى طول الأمل و نسيان الموت و الذى أدى إلى الإسترسال فى الشهوات هو البعد عن المنهج الربانى و ذلك ما ذكره الإمام الغزالى أيضا فى الرسالة الواعظية -
فإن كان ينتظر يوما يسهل فيه قمع الشهوات .... فهذا يوم لا يخلق أصلا ,, بل مثله كمثل امرئ يريد أن يقلع شجرة عجز عنها لضعفه و قوة رسوخ الشجرة فيؤخر إلى السنة المقبلة و هو يعلم أن الشجرة تزداد رسوخا و قوته تزداد كل يوم قصورا و نقصانا و ذلك غاية الجهل
و أعلم أن مفتاح معرفة الله هو معرفة النفس و من لم يعرف نفسه و هو يدعى معرفة غيره فهو كالرجل المفلس الذى ليس له طعام لنفسه و هو يدعى أنه يقوت المدينة فهذا محال ( قال سبحانه تعالى : سنريهم آياتنا فى الآفاق و فى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) و ليس شئ أقرب إليك من نفسك فإذا لم تعرف نفسك فكيف تعرف ربك
فإن قلت إنى أعرف نفسى .. فإنما تعرف ظاهرك لا باطنك الذى إذا غضبت طلبت الخصومة و إذا اشتهيت طلبة النكاح و إذا جعت طلبت الخصومة فتأمل ما ذكرناه سابقا ثم اعلم أن الصورة الباطنة لها أركان لا بد من حسنها حتى يحسن الخلق و هى أربعة قوى : قوة العقل- و ينبع منها قوة العلم - وقوة الغضب و قوة الشهوة و قوة العدل بين هذه القوة الثلاثة
أما قوة الغضب فيعبر عن اعتدالها بالشجاعة و إن مالت إلى طرف الزيادة سميت تهورا و إن مالت إلى النقصان تسمى جبنا و يتشعب من كلاهما صفات مذمومة و يتشعب من اعتدالها خلق الكرم و الشهامة و الحلم و كظم الغيظ و الوقار .... ألخ
و أما الشهوة فيعبر عنها اعتدالها بالعفة و إفراطها بالشره و تفريطها بالضعف و الخمود و يتشعب منهما أيضا صفات مذمومة أما العفة فيتشعب منها السخاء و الصبر و الحياء و السماحة و الورع و قلة الطمع
فقوى الشهوة و الغضب ما خلقها الله لتكون أسيرها و لكن لتكون أسراك و تسخرها لسفرك من التراب إلى أعلى عليين فإذا أردت ذلك فاجعل الحضرة الإلهية قبلتك و مقصدك و الآخرة وطنك و النفس مركبك و الدنيا منزلك و العقل وزيرك و الشهوة عاملك و الغضب شحنتك و الحواس جواسيسك تبصر بهم صنائع البارئ جلت قدرته لا لتعصيه بهم حتى لا ينفذ منهم إلى القلب ظلمة و حجاب عن مقصودك قال تعالى : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون *كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون - نعوذ بالله من حجاب النفس عن فهم كلام العلى العظيم أو أن نكون من المحجوبين عن النظر إلى وجهه الكريم
و قوة العدل هى التى تضبط قوة الغضب و قوة الشهوة بموجب العلم السليم القائم بالعقل المعتدل المستمدان من الشرع و ثمرتهم الحكمة قال تعالى : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون. و قال تعالى : ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا و ما يذكر إلا أولوا الألباب
أما قوة العقل فيصدر من تفريطها البله و الحمق و البلادة و الانخداع و من إفراطها - مع الإخلال بضوابط الشرع - الخباثة و المكر ...ألخ و يصدر عن اعتدالها حسن التدبير و جودة الذهن و ثقابة الرأى و إصابة الظن و التفطن لدقائق الأعمال و خفايا آفات النفس
و اعلم أن نفس ابن آدم مختصرة من العالم و فيها من كل صورة فى العالم أثر منه لأن هذه العظام كالجبال و لحمه كالتراب و شعره كالنبات و رأسه كالسماء و حواسه كالكواكب و أيضا باطنه صناع العالم لأن القوة فى المعدة كالطباخ و التى فى الكبد كالخباز و التى فى الأمعاء كالقصار- الذى يغسل الثياب - و التى تبيض و تحمر الدم كالصباغ و شرح و تفصيل ذلك يطول و المقصود أن تعلم كم فى باطنك من عوالم مختلفة كلهم مشغولون بخدمتك و أنت فى غفلة عنهم
و لا تغتر و تتكبر و يدخلك الغرور بذلك ..فذلك حماقة .. أرأيت لو أعطاك ملك مفتاح لخزائن نفيسه فبما تعجب أمن إعطائه إياك لها أم من أخذك إيها ؟ و أى فضيلة للأخذ بعد الجود و الكرم !!
بل ربما قادتك غفلتك لأن تخدمهم أنت بكثرة الشراب و الطعام و الشهوات او ربما حماقتك دفعتك لفسادهم من كثرة رغباتك وطول أملك و ضعف بصيرتك قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) و ما أمرت إلا أن ترتقى بالروح لا بالجسد ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
و ما ذكرناه هو بوابة الوصول إلى سعادة الروح بسلوك العلم و المعرفة و أعلاها المعرفة بالله سبحانه و هى سعادة الروح
و قال سبحانه و تعالى : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عـبادي وادخلي جنتي



بتصرف من مقال بعنوان
الإمام أبى حامد الغزالى رضى الله عنه و رؤيته لأصول الصفات الإنسانية و قوة العقل و الشهوة و الغضب و العدل و سعادة الروح

لكاتبه محمد أسامة

موقع النشر


https://www.facebook.com/notes/mohamed-usama/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%A8%D9%89-%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%B1%D8%B6%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%86%D9%87-%D9%88-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A%D 8%A9-%D9%88-%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84-/202352126453255







آخر تعديل بالتوفيق يوم 2013-06-23 في 22:25.
    رد مع اقتباس