رد: تأملات في عمق الذات | المحور الثاني قال رحمه الله: إن الإنسان مركب من صفات بهيمية و سبعية و شيطانية و ربوبية حتى يصدر من البهيمية : الشهوة و الشره و الفجور , و من السبعية: الغضب و الحسد و العداوة و البغضاء ,و من الشيطانية : المكر و الحيلة و الخداع , و من الربوبية: الكبر و العز و حب المدح و الإستيلاء . و أصول الأخلاق هذه الأربعة : و قد عجنت فى طينة الأنسان عجنا محكما يكاد لا يتخلص منها و إنما ينجو من ظلماتها بنور الإيمان المستفاد من نور العقل و الشرع قال تعالى : أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون"" و أول ما يخلق فى الآدمى البهيمية فيغلب عليه الشره و الشهوة فى الصبا.... ثم يخلق فيه السبعية فيغلب عليه المعاداة و المنافسة .... ثم يخلق فيه الشيطانية فيغلب عليه المكر و الخداع و إذ تدعوه السبعية و البهيمية إلى أن يستعمل كياسته فى حيل قضاء الشهوة و تنفيذ الغضب .... ثم يظهر فيه بعد ذلك صفات الربوبية و هو الكبر و الاستيلاء و طلب العلو ثم بعد ذلك يخلق فيه العقل الذى يظهر فيه نور الإيمان و هو حزب الله تعالى و جنود الملائكة و تلك الصفات من جنود الشيطان و جنود العقل يكمل فى الأربعين و يبدو أصله عن البلوغ و أما سائر جنود الشيطان ... يكون قد سبق إلى القلب قبل البلوغ و استولى عليه و ألفته النفس و استرسلت فيه الشهوات متابعة لها إلى أن يرد نور العقل فيقوم القتال و التطارد بينهما فى معركة القلب فإن ضعف جند العقل و نور الإيمان ... لم يقو على إزعاج جنود الشيطان فتبقى جنود الشيطان مستقرة آخرا كما سبق إلى النزول أولا و قد سلم للشيطان مملكة القلب و هذا القتل ضرورى فى فطرة الآدمي إذ لا تتسع خلقه الولد لما لا تتسع له خلقة الأب و إنما حكى لك حال آدم عليه صلوات الله عليه لتتنبه به على أن ذلك كان مكتوبا عليه و هو مكتوب على جميع أولاده فى القضاء الأزلى الذى لا يقبل التبديل فإذا لا يستغنى أحد عن التوبة و لا مانع من التوبة إلا الإصرار و لا حامل عليه سوى الغفلة و الشهوة و ذلك مرض القلب و هو أشد من مرض البدن لثلاث أسباب أحدها : أنه مرض لا يعرف صاحبه أنه مريض و لو أخبره أحد ربما لا يصدقه ثانيا: ان عاقبه هذا المرض لم يشهدها الإنسان و لم يجربها فلذلك تراه يتكل على عفو الله تعالى و يجتهد فى علاج أمراض البدن غاية الإجتهاد ثالثا : و هو الداء العضال - فقد الأطباء فإن الطبيب هو العالم العامل و قد مرض الأطباء فى هذه الأعصار مرضا عسر عليهم علاج أنفسهم لأن الداء المهلك هو حب الدنيا و من أسباب تسويف التوبة العجز عن قمع الشهوات فى الحال - انتبه أن الشهوات هى التى تؤدى إلى طول الأمل و نسيان الموت و الذى أدى إلى الإسترسال فى الشهوات هو البعد عن المنهج الربانى و ذلك ما ذكره الإمام الغزالى أيضا فى الرسالة الواعظية - فإن كان ينتظر يوما يسهل فيه قمع الشهوات .... فهذا يوم لا يخلق أصلا ,, بل مثله كمثل امرئ يريد أن يقلع شجرة عجز عنها لضعفه و قوة رسوخ الشجرة فيؤخر إلى السنة المقبلة و هو يعلم أن الشجرة تزداد رسوخا و قوته تزداد كل يوم قصورا و نقصانا و ذلك غاية الجهل و أعلم أن مفتاح معرفة الله هو معرفة النفس و من لم يعرف نفسه و هو يدعى معرفة غيره فهو كالرجل المفلس الذى ليس له طعام لنفسه و هو يدعى أنه يقوت المدينة فهذا محال ( قال سبحانه تعالى : سنريهم آياتنا فى الآفاق و فى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) و ليس شئ أقرب إليك من نفسك فإذا لم تعرف نفسك فكيف تعرف ربك فإن قلت إنى أعرف نفسى .. فإنما تعرف ظاهرك لا باطنك الذى إذا غضبت طلبت الخصومة و إذا اشتهيت طلبة النكاح و إذا جعت طلبت الخصومة فتأمل ما ذكرناه سابقا ثم اعلم أن الصورة الباطنة لها أركان لا بد من حسنها حتى يحسن الخلق و هى أربعة قوى : قوة العقل- و ينبع منها قوة العلم - وقوة الغضب و قوة الشهوة و قوة العدل بين هذه القوة الثلاثة أما قوة الغضب فيعبر عن اعتدالها بالشجاعة و إن مالت إلى طرف الزيادة سميت تهورا و إن مالت إلى النقصان تسمى جبنا و يتشعب من كلاهما صفات مذمومة و يتشعب من اعتدالها خلق الكرم و الشهامة و الحلم و كظم الغيظ و الوقار .... ألخ و أما الشهوة فيعبر عنها اعتدالها بالعفة و إفراطها بالشره و تفريطها بالضعف و الخمود و يتشعب منهما أيضا صفات مذمومة أما العفة فيتشعب منها السخاء و الصبر و الحياء و السماحة و الورع و قلة الطمع فقوى الشهوة و الغضب ما خلقها الله لتكون أسيرها و لكن لتكون أسراك و تسخرها لسفرك من التراب إلى أعلى عليين فإذا أردت ذلك فاجعل الحضرة الإلهية قبلتك و مقصدك و الآخرة وطنك و النفس مركبك و الدنيا منزلك و العقل وزيرك و الشهوة عاملك و الغضب شحنتك و الحواس جواسيسك تبصر بهم صنائع البارئ جلت قدرته لا لتعصيه بهم حتى لا ينفذ منهم إلى القلب ظلمة و حجاب عن مقصودك قال تعالى : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون *كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون - نعوذ بالله من حجاب النفس عن فهم كلام العلى العظيم أو أن نكون من المحجوبين عن النظر إلى وجهه الكريم و قوة العدل هى التى تضبط قوة الغضب و قوة الشهوة بموجب العلم السليم القائم بالعقل المعتدل المستمدان من الشرع و ثمرتهم الحكمة قال تعالى : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون. و قال تعالى : ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا و ما يذكر إلا أولوا الألباب أما قوة العقل فيصدر من تفريطها البله و الحمق و البلادة و الانخداع و من إفراطها - مع الإخلال بضوابط الشرع - الخباثة و المكر ...ألخ و يصدر عن اعتدالها حسن التدبير و جودة الذهن و ثقابة الرأى و إصابة الظن و التفطن لدقائق الأعمال و خفايا آفات النفس و اعلم أن نفس ابن آدم مختصرة من العالم و فيها من كل صورة فى العالم أثر منه لأن هذه العظام كالجبال و لحمه كالتراب و شعره كالنبات و رأسه كالسماء و حواسه كالكواكب و أيضا باطنه صناع العالم لأن القوة فى المعدة كالطباخ و التى فى الكبد كالخباز و التى فى الأمعاء كالقصار- الذى يغسل الثياب - و التى تبيض و تحمر الدم كالصباغ و شرح و تفصيل ذلك يطول و المقصود أن تعلم كم فى باطنك من عوالم مختلفة كلهم مشغولون بخدمتك و أنت فى غفلة عنهم و لا تغتر و تتكبر و يدخلك الغرور بذلك ..فذلك حماقة .. أرأيت لو أعطاك ملك مفتاح لخزائن نفيسه فبما تعجب أمن إعطائه إياك لها أم من أخذك إيها ؟ و أى فضيلة للأخذ بعد الجود و الكرم !! بل ربما قادتك غفلتك لأن تخدمهم أنت بكثرة الشراب و الطعام و الشهوات او ربما حماقتك دفعتك لفسادهم من كثرة رغباتك وطول أملك و ضعف بصيرتك قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) و ما أمرت إلا أن ترتقى بالروح لا بالجسد ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور و ما ذكرناه هو بوابة الوصول إلى سعادة الروح بسلوك العلم و المعرفة و أعلاها المعرفة بالله سبحانه و هى سعادة الروح و قال سبحانه و تعالى : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عـبادي وادخلي جنتي بتصرف من مقال بعنوان الإمام أبى حامد الغزالى رضى الله عنه و رؤيته لأصول الصفات الإنسانية و قوة العقل و الشهوة و الغضب و العدل و سعادة الروح لكاتبه محمد أسامة موقع النشر https://www.facebook.com/notes/mohamed-usama/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%A8%D9%89-%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%B1%D8%B6%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%86%D9%87-%D9%88-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A%D 8%A9-%D9%88-%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84-/202352126453255 | آخر تعديل بالتوفيق يوم 2013-06-23 في 22:25. |