2013-06-07, 16:34
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | الاتجاه الانتشارى | الاتجاه الانتشارى يفترض دعاة هذا الاتجاه أن الاتصال بين الشعوب المختلفة قد نتج عنه احتكاك ثقافي وعمليَّة انتشار لبعض السمات الثقافيَّة أو كلها وهو ما يفسر التباين الثقافي بين الشعوب. وينطلق دعاة هذا الاتجاه من الافتراض بأنَّ عمليَّة الانتشار تبدأ من مركز ثقافي محدد لتنتقل عبر الزمان إلى أجزاء العالم المختلفة عن طريق الاتصالات بين الشعوب. وبما أنَّ نظريَّة الانتشار الثقافي تسعى إلى الكشف عن حلقات لربط الثقافات معاً نتيجة تفاعلها جغرافياً وزمنيا فإنها تلتزم أيضاً بالمبدأ التاريخي فى علاقات الثقافات بعضها بالبعض الآخر. وقد ظهرت فى أوروبا مدرستان للانتشار الثقافي. كان فريدريك راتزل رائداً للمدرسة الأولى وتبني منهجاً تاريخياً-جغرافياً بتأثير المدرسة الجغرافيَّة الألمانية وركز على أهميَّة الاتصالات والعلاقات الثقافيَّة بين الشعوب ودور تلك العلاقات فى نمو الثقافة. وادعى راتزل بأنَّ الزراعة اعتمدت إما على الفأس أو المحراث وهو ما يفسر الاختلافات بين الثقافات الزراعيَّة. وتبعه فى ذلك هان، المتخصص فى الجغرافيا البشريَّة، وادعى الأخير بأنَّ تدجين الحيوانات أعقب اكتشاف الزراعة المعتمدة على الفأس. ومع اعتراف هان بأنَّ الزراعة المعتمدة على الفأس يمكن أن تكون قد ظهرت عدة مرات فى أجزاء مختلفة من العالم إلا انه يؤكد على أن زراعة المحراث وتدجين الحيوانات واكتشاف عجلة الفخاري قد تمت كلها فى الشرق الأدنى القديم ثم انتشرت منه إلى بقيَّة أجزاء العالم. أما هاينرينج شورتز فقد أبرز فكرة وجود علاقات ثقافيَّة بين العالم القديم (اندونيسيا وماليزيا) وبين العالم الجديد (الأمريكتين). وقد طور ليوفر وبينيوس فكرة انتقال الثقافات عبر المحيطات بادعائه حدوث انتشار ثقافي من اندونيسيا إلى أفريقيا. فقد حاول فى كتابه الذي نشره فى عام 1898 بعنوان "أصل الثقافات الأفريقيَّة" إثبات وجود دائرة ثقافيَّة ماليزيَّة زنجيَّة فى غرب أفريقيا فسرها بوصول نفوذ ثقافي اندونيسي فى صورة موجة ثقافيَّة إلى ساحل أفريقيا الشرقي، ومن ثمَّ عبورها إلى غرب أفريقيا حيث لا تزال بقايا تلك الموجة موجودة فى حين أنَّ بقاياها قد إندثرت فى شرق أفريقيا نتيجة هجرات البانتو والحاميين اللاحقة. بهذا يكون ليوفروبينيوس أول من أدخل مفهوم "الدائرة الثقافيَّة" فى الاثنولوجيا وهو المفهوم الذي نال تطوره اللاحق فى أعمال جرايبز فكرة أحادية منشأ الثقافة الإنسانيَّة مفترضاً وجود عدة مراكز ثقافيَّة أساسيَّة فى جهات مختلفة من العالم.. وبفعل التقاء الثقافات نشأت دوائر ثقافيَّة وحدثت بعض عمليات الانصهار وبرزت تشكيلات مختلفة وهو الأمر الذي يفسر الاختلافات الباديَّة فى الثقافات الأساسيَّة. وفى عام 1905 نشر جرايبز بحثه عن "الدوائر الثقافيَّة والطبقات الثقافيَّة فى جزر المحيط الهادي" والذى استخدم فيه عدد لا يحصى من العناصر الثقافيَّة التي ترتبط بعضها بالبعض الآخر لتؤلف دائرةً ثقافيَّة. وباستخدام التتابع الزمني وانتشارها فى أستراليا وجزر المحيط الهادي. وفى عام 1911 نشر جرايبز كتابه "منهج الاثنولوجيا" الذى رسم فيه الخطوط العامة لمدرسته الإنتشاريَّة. أما فلهلم شميدت فقد نشر مع فيلهلم كوبرز خلاصة آراء مدرسة "فينا" وأكدا على وجود ثقافات أزليَّة تمثل أقدم أنواع المجموعات الثقافيَّة المعاصرة. وكانت هذه الثقافات الأزليَّة (أقزام أفريقيا وآسيا والفيدا فى سيريلانكا، والسينوى فى الملايو، والكوبو فى سومطرة) تمثل الدائرة الثقافيَّة الأولى. وتمثلت الدائرة الثانيَّة فى الثقافات الرعويَّة فى مناطق سيبيريا وأواسط آسيا (حيث دجن الساموييد فى شمال سيبيريا الرنة، ودجن التركمان الحصان، ثم المجموعات التي دجنت الماشيَّة والماعز … إلخ). وتنطوي فكرة الدائرة الثقافية على نقطتين هما: وجود الدائرة الثقافيَّة وكينونتها، والدائرة الثقافيَّة بحسبانها منهجاً بحثياً اثنولوجياً. ويعرف شميدت الدائرة الثقافيَّة بقوله: "إذا احتوت ثقافة كاملة على كل شيء: النواحى الماديَّة والاقتصادية والاجتماعية والاعتيادية والدينيَّة، فإننا نطلق عليها اسم الدائرة الثقافيَّة لأنها متكاملة وتعود على نفسها مثل الدائرة. إنها تكفى نفسها بنفسها، ومن ثمَّ تؤمن استقلال وجودها. وهى – أى الثقافة- فى حالة إذا ما أهملت أو فشلت فى إرضاء واحد أو أكثر من الاحتياجات الإنسانيَّة الهامة تتيح حدوث تعويض من ثقافة أخرى. وكلما زاد عدد عناصر التعويض تقل هذه الثقافة عن أن تكون دائرة ثقافيَّة (مستقلة). ويضيف شميدت بأنَّ كل مفردات الثقافة متماسكة تماسكاً عضوياً وليست مجرد ارتباطات تلقائيَّة، غالباً ما يسيطر واحد من مظاهر الثقافة فى الدائرة على بقيَّة المظاهر، ومن ثمَّ تدمغ هذه المظاهر بصبغتها الخاصة ويسوق مثالاً النسب الأموي المرتبط بالجماعات الأموية النسب غالباً ما تعبد القمر، بينما إله السماء هو الإله المسيطر عند الرعاة وإله الشمس عند الجماعات الطوطميَّة الأبويَّة النسب. وقد لخص كوبرز في بحثه الذى نشره عن "الإنتشاريَّة: الانتقال والتقبل" ضمن كتاب "الأنثروبولوجيا المعاصرة" الذى أشرف عليه توماس وطبع فى عام 1956، أهم وجهات نظر المدرسة الانتشاريَّة – النمساويَّة وقد ترجم محمد رياض تلك النقاط فى كتابه "الإنسان : دراسة فى النوع والحضارة". 1. حيث أنَّ الثقافة والإنسان (منذ نشأته) متزامنان فإنَّ التاريخ فى أوسع معانيه يشتمل على كل الفترة التى ظهر فيها الإنسان على الأرض حتى اليوم. 2. لا ينكر أي باحث – قديماً وحديثاً – أن الانتشار الثقافي، ودرجة انتقاله تقبله حقيقة واقعة. 3. إنَّ الإنتشاريَّة مبدأ هام فى الدراسات الاثنولوجيَّة ودراسات ما قبل التاريخ. ونتيجة لنقص الوثائق المكتوبة فإنَّ الأمر يحتاج إلى دراسات مقارنة للصفات الثقافيَّة من أجل الحصول على العوامل المكانيَّة والزمانيَّة والسببيَّة. 4. يجب أن يستخدم الإنتشاريون مقياس الشكل والعدد المعروف عن المنهج التاريخي. ولا شكَّ أنَّ هذا المنهج لن يؤدى إلى تاريخ مماثل لما نجده فى الكتابات التاريخيَّة العلميَّة. يمثل العنصر الثقافي هنا دليلاً قائماً على الصلات، كما يزداد هذا الدليل قوة نتيجة لمدى ترابط العنصر الثقافي ببقيَّة الثقافة. ولا يمكننا أن نهمل هذه الأدلة على إنها تمثل جزءاً من العمليَّة التاريخيَّة. 5. الانتشار الثقافي لا يمثل كل أحداث التاريخ، فدراسة العناصر الثقافيَّة لا تحل محل الوثائق التاريخيَّة لكنها تعطي إضافات هامة فى هذا الاتجاه التاريخى. وفى حالة نقص الوثائق التاريخيَّة، كما هو الحال عند دراسة ما قبل التاريخ والجماعات البدائيَّة، يصبح من غير المعقول أن نمتنع عن تفسير الحقائق فى الاثنولوجيا وعلم الآثار. 6. تقوم الدراسات الإنتشاريَّة على المتشابهات الثقافيَّة، حتى فى الحالات التى لا نستطيع فيها التأكد من وجود ارتباطات وهجرات بين المتشابهات الثقافيَّة، فلا شكَّ أنَّ تأكيدنا بأنَّ الظاهرتين المتشابهتين قد نشأتا نشأة مستقلة يصبح غير مقبول لأنه يفترض شيئاً أبعد تحققاً من الارتباطات السابقة. وعلى العموم يمكننا أن نترك الباب مفتوحاً دون اتخاذ قرار. 7. إنَّ الانتشار والنقل والتقبل لا تسير كلها حسب قواعد معينة هناك دائماً فرص متعددة للقبول أو التعديل ، وهى فرصة الاختيار الحر عند غالبيَّة الجماعات. 8. يترتب على ذلك أن كل حالة من حالات الانتشار الثقافي يجب ان تعالج قائمة بذاتها وحسب ظروفها. والجدير بالذكر أن فكرة الدوائر الثقافيَّة كانت فى مجموعها وسيلة ومنهجاً أدق وأحسن من أفكار المدرسة الإنتشاريَّة الثانيَّة التى تأسست فى بريطانيا على يد عالم التشريح البريطاني اليوت سميث الذى كان مهتماً بالآثار والهياكل البشريَّة. وكان سميث وكذلك تلميذه بيري قد اعتقدا بأنَّ الثقافة الإنسانيَّة نشأت على ضفاف النيل وازدهرت فى مصر القديمة منذ حوالي خمسة ألف سنة قبل الميلاد تقريباً. وعندما توافرت الظروف وبدأت الاتصالات بين الجماعات والشعوب انتقلت بعض مظاهر تلك الثقافة المصريَّة القديمة إلى بقيَّة العالم. ففى كتابه "هجرة الحضارات" الذى نشره عام 1915 يؤكد سميث من خلال دراسته للمتشابهات الاثنوغرافيَّة خارج مصر بأنَّ مصر كانت مركزاً للثقافة ومنها انتقلت إلى عالم البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا والهند واندونيسيا وعالم المحيط الهادي والأمريكتين . وفى عام 1923 نشر بيري كتابه " أطفال الشمس" الذى حدد فيه عنصراً واحداً سيطر على مجمل الثقافة المصريَّة … الاعتقاد في ألوهيَّة الملوك أبناء الشمس، وبالتالي عبادة الشمس. واهتم بيري بعدة عناصر ثقافيَّة مصريَّة فى توزيعها العالمي مثل التحنيط وبناء الأهرام والقيمة التي يعطيها المصريون القدماء للمعادن النفيسة بحسبانها قوة مانحة للحياة المديدة… إلخ. أما فى أمريكا فإنَّ الاتجاه الإنتشارى وجد تعبيراً له فى كتابات فرانز بواس العالم الطبيعي الألماني الذي استهوته الأنثروبولوجيا بعد زيارة قام بها إلى جزيرة بافن فى كندا فى عام 1883. فقد أشار بواس إلى أنه من خلال دراسة الشكل والتوزيع الجغرافي لمصدر السمات الثقافيَّة وهجرتها واستعارتها عن طريق الاتصال بين الشعوب، يمكن للباحث أن يستدل على كيفيَّة نشأة السمات الثقافيَّة وتطورها، وبالتالي يمكن الوصول إلى نظريَّة تتوفر فيها عناصر الصدق والبرهان لتفسير المجتمعات الإنسانيَّة وتطور النظم الاجتماعية أو السمات الثقافيَّة. وانطلاقا من هذا الفهم استخدم بواس مصطلح المناطق الثقافيَّة الذى يشير إلى مجموعات من المناطق الجغرافية التي تتصف كل منها بنمط ثقافي معين غض النظر عن احتواء أي من هذه المناطق على شعوب أو جماعات. ويشير مفهوم المنطقة الثقافيَّة إلى طرق السلوك الشائعة بين عدد من المجتمعات التي تتميز باشتراكها فى عدد من مظاهر الثقافة نتيجة لدرجة معينة من الإتصال والتفاعل. وفق هذا الإطار النظرى سعت المدرسة الأمريكيَّة بزعامة بواس إلى إنجاز الدراسة التاريخيَّة الدقيقة للعناصر المختلفة لثقافة محددة وتحليل كل جزء أو عنصر من حيث مصدر نشأته وتطوره واستخدامه وتتبع عمليات هجرته أو استعارته بين الشعوب المختلفة. وكان من نتيجة هذا الاتجاه الإنتشارى أن أخذ علماء الإنسان فى النظر إل الثقافات الإنسانيَّة بحسبان أنها تؤلف كيانات مستقلة من حيث المنشأ والتطور ومن حيث ملامحها الرئيسة التى تميزها عن غيرها، وهو ما يضع الاتجاه الإنتشارى على عكس الاتجاه التطوري الذى يرى ان الثقافات متشابهة وأن الاختلاف الوحيد بينها يكمن فقط فى درجة تطورها التقني والاقتصادي. لقد زعزعت المدرسة الإنتشاريَّة إن لم يكن إشكالية الاتجاه التطوري فعلى الأقل طريقته. فالاتجاه الإنتشارى قد ابتعد على الأقل عن الفهم الخطى للتاريخ، ومن ناحيَّة ثانيَّة جعل نظريَّة التاريخ لاحقة لتحليل التواريخ الجزئيَّة لكل مجتمع بحسبانه كلاً مستقلاً، هكذا كتب بواس قائلاً "حين نوضح تاريخ ثقافة واحدة ونفهم مؤثرات المحيط والشروط النفسيَّة التى تنعكس فيها، نكون قد خطونا خطوة إلى الأمام . كذلك يمكننا أن نبحث فى الأسباب المؤثرة أثناء تكونه، أو إبانة تطور تلك الثقافة . وهكذا، وبفهمنا لمقاطع النمو، يمكننا اكتشاف قوانين عامة. هذه الطريقة أكثر ضماناً من الطريقة المقارنة (التطوريَّة). والتى غالباً ما تمارس، فبدل وضع فرضيَّة تتناول نمطاً لتطور، يقدم التاريخ الفعلي قاعدة الاستنتاجات. اعتقادنا أن جل الانثروبولوجيا الثقافيَّة كامن فى هذا النص: مفهوم الثقافة، والتحليل الوصفى للمحيط المادي، والتفسير النفسي، والشك بالتاريخ. اهتم بواس فى عبارته بالتساؤل عن المنهج الذى يتحكم بالعمل الأنثروبولوجي التقليدي. ومع ذلك فثمة نقد لمفهوم الطبقات، والشرائح. ونجد فى كتاب لوفي "المجتمع البدائي" (1920) رفضاً كاملاً لمفاهيم مورغان الأساسيَّة : تتابع ذو خط واحد لطبقات التطور، مفهوم نسق القرابة ، مفهوم الأصل … إلخ. استخلص مالينوفيسكي و راد كليف بروان، كما سنرى، هذه النتائج فى مالها من أبعاد. -منقول للفائدة- | التوقيع | محمد الزاكي ( tagnaouite) | |
| |