عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-05-18, 00:54 رقم المشاركة : 1
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي موضوع التربية في علاقته بسؤال الثقافة العلمية








إن موضوع التربية في علاقته بسؤال الثقافة العلمية يموضعه في إطار يتأرجح بين الإنتاج الرمزي المولد للأنساق التربوية المتضمنة للمرجعيات المجردة الطامحة لخلق جيل قادر على سبر أغوار التفكير العلمي في
أفق خلق شروط تنمية حقيقية، وبين القوالب المادية الحسية التي تحول زخم النظرية إلى حقيقة سارية المفعول. والفرق بين اللحظتين يكمن أساسا في مؤشرات درجة التشبع بمبادئ العلم والعقل، التي تقاس بها تاريخية (historicité) أمة من الأمم.
فإلى أي حد يبدو منهاجنا التربوي المغربي، من خلال الكتاب المدرسي، مهيئا لخلق تلك القوالب المادية الحسية القادرة على تحويل زخم النظرية إلى حقيقة سارية المفعول؟ وبالتالي إلى أي حد يبدو كتابنا المدرسي هذا قادرا على الإسهام في إرساء معالم تفكير علمي عند ناشئتنا ؟
إنه الإشكال الذي حاولنا مقاربته بالدراسة والتحليل لحالة تربوية اشتغلنا خلالها على الكتاب المدرسي عبر مقتطف نص قرائي، طامحين من وراء دراستنا هاته إبراز بعض الصعوبات التي لا زال يواجهها منهاجنا المغربي في تقليص الهوة بين طموحه النظري، الذي يروم ترسيخ ثقافة علمية في صفوف مخرجات هذا المنهاج، وبين المقاومة التي قد يبديها واقع الممارسة البيداغوجية. ولعل هذه المقالة تحاول أن تلامس بعض جوانب تلك المقاومة وأسبابها.
في فقرة مقتطفة من نص قرائي تكميلي بعنوان «عقد من ورق» من كتاب مرشدي في اللغة العربية للسنة الثانية ابتدائي، وردت العبارات التالية:
«نأتي بمجموعة أوراق ملونة أو صور من مجلات قديمة. نقوم بتقطيع أشكال هندسية كالآتي:
مثلث قاعدته 1 سم وارتفاعه 4 سم.
مستطيل طوله 4 سم وعرضه 1 سم.
بعد حصولنا على أعداد كثيرة من هذه الأشكال، نبدأ في تلفيف القطع بواسطة مؤخرة عود الثقاب على أساس أن نلف شكل المثلث من جهة القاعدة، ونلصق الجزء الأخير للشكل في الأخير باللصاق لنحصل على هذا الشكل وهو عبارة عن عقيق».
يبين هذا النص القرائي مدى الطفرة النوعية التي حققها الكتاب المدرسي، مستجيبا لرؤية حديثة تربط المعرفة بمجال التطبيق والاشتغال اليدوي، حيث أن التلميذ، بعد استيعاب هذا النص، سيكون مطالبا بالاشتغال اليدوي عليه، محولا مضامينه إلى أشكال هندسية متجانسة يبني من خلالها معنى معينا وملموسا (عقد من ورق). كما نسجل كذلك، عبر سيرورة المعرفة والتطبيق هاته حضور نظرة إبستيمولوجية واعية في إدراك المعرفة ككل متناغم، وذلك عبر إزالة الحواجز بين مكوناتها، حيث يمد النص جسورا بين تعلمات مكون القراءة ومكتسبات مادة الرياضيات. ولعل في ذلك المد محاولة لتجاوز المشاكل الجوهرية التي ظلت المعرفة تعانيها من خلال الفصل بين مكوناتها، أو ما يسميه إدغار موران: التخصص المغلق، الذي يمنع رؤية الشمولي حيث يقوم التخصص بتجزيئه إلى قطع مفصولة عن بعضها البعض. غير أن كل تلك المحاسن التي نسجلها للنص لن تحجب عنا بعض المفارقات، التي لاحظناها عند دراستنا لهذه الحالة، بين الطريقة التي وردت بها بعض المفاهيم العلمية في هذا النص الموجه لتلاميذ السنة الثانية ابتدائي وبين التصور الإبستيمولوجي لبناء هذه المفاهيم.
في بناء المفاهيم العلمية
ورد في موسوعة «روزنتال» الفلسفية أنّ المفهوم هو شكل من أشكال انعكاس العالم في العقل، به يمكن معرفة الظواهر والعمليات وتعميم جوانبها وصفاتها الجوهرية، وهو نتاج معرفة متطورة تاريخيا، ترتفع من الأدنى إلى الأعلى..
نستخلص من خلال قراءتنا الإبستيمولوجية لهذا التعريف أن المفهوم، والمعرفة العلمية بشكل عامّ، يحكمهما منطقان اثنان:
المنطق الأول، دياكروني تاريخي: ذلك أنّ للمعرفة منبعَها وسيرورتها التاريخية، وهو المسار الإبستيمولوجيّ الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار أثناء تقديم أي معرفة للمتعلم. فالمفهوم تصورٌ للعالم، لكنه ليس بالجامد أو النهائيّ، بل هو متحول ومتغير من مستوى أقلّ تعقيداً إلى مستوى أكثر تعقيدا وتجريدا. بعبارة أخرى، فالمفهوم العلميّ هو انبناءٌ تاريخيّ وتكوين مُستمرّ وليس مجرّدَ معطى ميتافيزيقي ينزل مرة واحدة في ذهن المتعلم، بل هو موضوع يتدفق تدريجيا وبشكل يزداد اتساعا وعمقا وتكاملا في سيرورة ومسار حلزونيين..
المنطق الثاني سانكروني بنيوي: تفيد القراءة الإبستيمولوجية لتاريخ العلم، منذ نظرية المعرفة، مرورا بفلسفة العلم، وصولا إلى الإبستيمولوجيا المعاصرة، أنّ المفهوم هو انعكاس للعالم ولظواهره في العقل وتعميمٌ لها، بدءا بالملاحظة، ثم التجريب والتحقق، وهذا ما يُعرَف بالمنطق الصوري.
عبر هذين المنطقين تنتظم المفاهيم لدى الطفل بشكل علميّ عبر احترام تجربته الذاتية وتراكماته السابقة (المنطق التاريخي) ومن خلال قيامه بملاحظات ومناولات ملموسة لظاهرة معرفية معينة، ثم مناقشتها قصد التحقق منها بشكل يجعلها تثبت في ذهنه (المنطق الصّوري).
إذن، وفي ضوء هذا التحديد الإبستيمولوجي للمفهوم سنحاول، من خلال متن النصّ القرائيّ الذي بين أيدينا، أنْ نسائل مدى قدرة الكتاب المدرسيّ ومنهاجنا المغربي على بناء المفاهيم لدى تلامذتنا وفق المنطقين الإبستيمولوجيين سابقـَيْ الذكر. أيُّ مقاربة للمفاهيم العلمية يقدّمها الكتاب المدرسي؟
يتضح من خلال قراءتنا للنصّ القرائي (عقد من ورق) أن المطلوب من متعلم السنة الثانية من التعليم الابتدائي هو الإتيان بأوراق ملونة، ثم محاولة تقطيع أشكال هندسية كالآتي:
-مثلث قاعدته 1 سم وارتفاعه 4 سم.
-مستطيل طوله 4 سم وعرضه 1 سم.
ثم يقوم بتلفيف هذه القطع بواسطة مؤخرة عود الثقاب، على أساس لفّ شكل المثلث من جهة القاعدة.

خالد زروال
مفتش تربوي
المساء التربوي





    رد مع اقتباس