عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-05-10, 07:24 رقم المشاركة : 18
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: العلمانيون الجدد ....


إخوتي...راق لي هذا التحليل اللغوي الهام لمصطلحي الإرهاب والإسترهاب من أحد متخصصي اللغة مفندا فيه ادعاء عصيد بإرهابية رسالة الإسلام ...فنقلته لكم

"الإسلام" دينٌ إرهابيٌّ قُوّةً، و"ﭐلِاسترهاب" دينٌ فيما سواه!



عبد الجليل الكور

يَأتي هذا المقال في إطار الردّ على قول من سوَّل له هَوَاهُ أن يَصف، بكل نَزق فكريّ واستخفاف خُلقيّ، رسالةَ نبيّ الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى "هرقل" بأنّها «تهديدٌ إرهابيٌّ» وبأنّ تدريسها لتلاميذ الثانويّ يَتنافى، من ثَمّ، مع «حُقوق الإنسان» ومع الدّعوة إلى التّسامُح وحوار الأديان (كأنّ قول «أَسْلِمْ، تَسْلَمْ» يَحتمل أكثر من غيره – مثلا «الجحيم هي الآخرون» أو «الدِّين أفيون الشعوب»- أن يُؤوَّل تحكُّمًا وتشهيًا بذلكـ الشكل!).
وعلى الرغم من أنّ كل شيء في الرسالة المَعنيّة (و، بالخصوص، في سياقها الخاص والعامّ) يُسفِّه ذلكـ القول ويَفضح سُخْف صاحبه (وهو ما اجتهد وأجاد في بيانه كثيرون كل بحَسَب طاقته وتخصُّصه)، فإنّ هذا الردّ يُرجى منه أن يُؤكِّد لمن يَهمُّه الأمر أنّ دفع "الباطل" لا يكون بالبناء على باطل (سواء أكان قليلا أمْ كثيرا)، وإنما يَتمّ بطلب "الحقّ" صدقا وصوابا حتّى لو لم يَتأتَّ إلّا بالبناء على خلاف ما هو شائع ومُتعارَف. والحال أنّ دفع تُهمة "الإرهاب" عن "الإسلام" و"المُسلمين" لا يَستقيم إلّا بتبيُّنٍ اصطلاحيّ ومفهوميّ فاتَ – مع الأسف- كثيرين، وهو الأمر الذي من شأنه أن يَجعل هُواة «خطاب اللَّغْوَى» يَجدون فُسحةً في لَوْكـ وترجيع فُقاعاتهم التّضليليّة التي لا تبدو مُثيرةً ولافتةً إلّا لمن أُشرب في قلبه حُبَّ كل رأيٍ شاذٍّ أو قَبُول أيّ قول مُرسَل.
ولا بد من الإشارة، ابتداءً، إلى أنّ ما سيأتي إنّما هو بالأساس فقرات من مقال «وجهة الإسلام: بين قُوّته الإرهابيّة وإمكانات استعماله الاسترهابيّة» الذي نُشر في الأصل بموقع «المُلتقى الفكري للإبداع» (03/07/1429هـ ؛ 05/07/2008م)، ثُمّ أُعيد نشرُه مُنقَّحا بموقع "هسبريس" («الاسم الآخر لتكريس الهيمنة في العالم: مُحارَبة "الإرهاب"!»، 25 ماي 2010)، قبل أن يُنشَر أخيرا في كتاب «الإسلام يُسائِل الحداثة» (عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، 2013، فصل 9، ص. 113-122).
ورُبما ليست ثمة حاجة إلى تأكيد أنّ الأمر، هُنا، يَتعلّق بتحديد وجهة "الإسلام" بما هو دينٌ قائمٌ على طلب "القُوّة" (التي لا تكون، في الواقع، إلّا «إرهابيّة/مُرْهِبة/رادِعة»)، وأيضا بما هو دينٌ يُمكن أن يُستعمَل بشكل «ٱسترهابيّ/إفساديّ» (بالخصوص في ظل أنظمة "الاستبداد" و"الفساد"). والرِّهانُ كلُّه يدور على التّمييز بين "الإرهاب" (كخوف طبيعيّ مُلازم لكل قُوّة) و"الاسترهاب" (بما هو استعمال للقُوّة بقصد تحقيق أغراض سياسيّة لا تتأتّى إلّا بترهيب الناس الأبرياء وترويع المَدنيِّين).
لقد شاع، بين مُستعملِي "ﭐلعربيّة"، ﭐستعمالُ لفظ «ﭐلإرهاب» ترجمةً للمُصطلَح الأجنبيّ «terrorism/terrrorisme». ولفظ «ﭐلإرهاب» هذا «ﭐسمُ فِعْلٍ» (أو، كما يُسمّى عادةً، «مصدر») مِنْ «أَرْهَـبَـ(ـهُ) يُرْهِـبُـ(ـه)» بمعنى «أخافَـ(ـهُ)» و«أفْزَعـ(ـه)». ونجد في «ﭐلمُعجم ﭐلوسيط» (بما هو واحد من أهمِّ القواميس الحديثة في «ﭐلعربيّة»): «الإرهابيّون وصفٌ يُطلَق على الذين يَسلُكون سبيل العُنف والإرهاب ؛ لتحقيق أهدافهم السياسيّة.». ويُفهَم من هذا أنّ لَفْظَيْ «إرهابِيّ» و«إرهابٌ» ﭐستُعيرَا، هُنا، لأداء المعنى المُتعلِّق باللّفظيْن الأجنبيَّيْن: صفةُ «terrorist/terroriste»، وﭐسم «terrorism/terrorisme».
لكنّ أولئكـ الذين ﭐستعارُوا لفظيْ «إرهاب» و«إرهابِيّ» بذلكـ الشّكل أغفلوا مُقتضًى تداوليًّا يَتحدّد بالِاستعمال القُرآنيّ للَّفظ، وهو الوارد في السياق التّالي: «ولا يَحسبَنَّ الذين كفروا سبقوا، إنّهم لا يُعجزون. وأَعِدُّوا لهم ما ﭐستطعتم من قُوّةٍ ومن رباط الخيلِ تُرْهِبُونَ به عَدُوَّ ﭐللّـهِ وعدُوَّكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، ﭐللّـهُ يَعلمُهم. وما تُنْفقوا من شيء في سبيل ﭐللّـه، يُوَفَّ إليكم ؛ وأنتم لا تُظلَمون.» (الأنفال: 59-60)، حيث إنّ هذا السياق يجعل لفظ «تُرْهِبُون» يَتحدّدُ بأنّه «فِعْلٌ» بمعنى «تُخيفُون» ؛ ومن ثَمّ فلفظ «ﭐلإرهاب» ﭐسمُ فِعْلٍ يَدُلُّ على معنى «حُصول أو تحصيل الرّهبة لدى الغير بسبب الخوف اللازِم، بالضرورة، عن كل إعداد للقوّة»، أيْ أنّه «ليس ﭐستعمالا مُعيَّنا للقُوّة» ؛ ممّا يَجعلُ فعل «أَرْهَب» يُقابِل ما يُعبِّر عنه الغربيّون بـ«terrorize/terroriser» أَو «terrify/terrifier»، بمعنى «خوَّف/فَزَّع».
ولذلكـ، فإنّ الأمر الموجود في الآيتين السابقتين والمُتعلِّق بدعوةِ المُسلِمين إلى «إعداد القُوّة» - مُطلَق القُوّة («ما ﭐستطعتم من قُوّةٍ»)، ثُمّ شيء من «القُوّة الحربيّة» («ومن رباطِ الخيل»)- دعوةٌ صريحةٌ إلى «ﭐلإرهاب» (ليس بمعنى «ﭐلإخافة» أو «ﭐلتّخْويف» الناتج حتما عن كل «إعداد للقُوّة»، بل بمعنى «التّهديد بالقوّة تقتيلا وتدميرا»)، بِما أنّ «إعداد القُوّة» مطلوبٌ لغايةٍ تَتحدَّدُ في «إرهاب عدوِّ ﭐللّه وعدوِّكم»!
ولا يَخفى أنّ من أراد وصم "الإسلام" بأنّه دينٌ إرهابيٌّ سيجد ضالَّته في تَيْنكـ الآيتين، بحيث لن يحتاج بعدُ إلى البحث عن غيرهما مُتأوِّلا أو مُتكلِّفا! ومن المُؤسف جدًّا أنّ مُستعملِي "العربيّة" المُحدَثين قد وَفّروا ذريعةً قويّةً لمن يَعنيه وصمُ "الإسلام" و"المُسلمين" بتُهمة "الإرهاب"! ذلكـ بأنّ صنيع أصحاب «المعجم الوسيط» (باختيارهم لفظيْ «إرهاب» و«إرهابِيّ») سيَعُدّه "المُبطلون" تشريعًا لُغويًّا-دينيًّا لـ«ﭐستعمال ﭐلعُنْف لتحقيق أغراض سياسيّة». أفلَا يَكُون، إذًا، ﭐستعمالُ العرب والمُستعرِبين الآن للفظ «إرهاب» و«إرهابِيّ» ﭐستعمالًا يَجعل «ﭐلإسلام» دينًا يُشَرِّع «ﭐلإرهاب» (أيْ «دينَ إرهاب» أو «دينًا إرهابيًّا» بالمعنى المُولَّد) ويَجعلُ، بالتالي، المُسلِمين «إرهابيِّين»؟ ألَا يكون هذا تبريرًا لا غُبار عليه للحرب العالميّة ضدّ «ﭐلإرهاب ﭐلإسلاميّ»، أيْ «ﭐلإرهاب الخاص بالمُسلمين»؟ تُرى، إلَى أيِّ حَدٍّ يَقبَلُ المُسلمون أن يكونوا أصحابَ دينٍ يقوم على الدّعوة إلى «ﭐلإرهاب» في ظلّ التّوجُّه العالَميّ إلى ﭐستئصال «ﭐلإرهاب» بِما هو «عُنْفٌ غيْر مشروع» يُهدِّد السلام والأمن وﭐلِاستقرار في مُجتمعات العالم المُعاصر؟
إنّ «ﭐستعمال القوّة والعُنف لتحقيق غرض سياسيّ مُعيَّن» قد أتى ذِكْرُه في «ﭐلقُرآن» نفسه بشأن "مُوسى" مع سَحَرة "فرعون": «وجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ، قَالُوا: "إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ". قَالَ: "نَعَمْ، وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِينَ!". قالُوا: "يا مُوسى! إمّا أنْ تُلْقِيَ وإمّا أن نكون نحن ﭐلْمُلْقِين". قال: "أَلْقُوا". فلمّا أَلْقَوْا، سَحَرُوا أعيُنَ النّاس وﭐسْتَرْهَبُوهُمْ، وجاءُوا بسحر عظيم!» (الأعراف: 115-116)، حيث إنّ «ﭐسْتَـ-ـرْهَبُوهُمْ» يَعني هُنا «طَلَبُوا إرْهابَهم» أَو «جَعَلُوهم (صَيَّرُوهُمْ) فِي رَهْبَةٍ». فـ«ﭐلِاسْتِـ-ـرهاب»، إِذًا، هو «ﭐستعمال العُنف الماديّ وَ/أَوْ الرّمزيّ طلبا لتحقيق هدف سياسيّ، يَنتُج في - الغالب- عن طريق إرْهابِ النّاس تهديدا وتعنيفا».
ومن ثَمّ، كَمْ يكون الوضعُ خطيرًا جدًّا أن يكون «ﭐلقُرآن» قد تَضَمَّن أمْرَ المُسلمين بإعداد القوّة «لِإرهاب» عدوِّهم، وأن نجد مَنْ يستعمل - بوعي أَو من دونه- لفظ «ﭐلإرهاب» و«ﭐلإرهابِيّ» للدّلالة على ما يُسمّى في القُرآن بـ"ﭐلِاسترهاب» أو «ﭐلإفساد»، كعمل من أعمال «المُفسدِين فِي الأرض» عموما، أو ما يَصطلح عليه الفُقهاء بـ«ﭐلحِرَابة»، كعمل خاص بـ«ﭐلمُحَارِبين» أو بما يَقترفه «ﭐلخوارج» و«ﭐلمُتطرِّفون» ردًّا على العنف المُتعسِّف الذي تُمارِسه أجهزةُ الدّولة أو ﭐبتدارًا لعُنْفٍ سياسيٍّ لِمُنازَعة السُّلطان القائم!
ويبدو، بالتالي، أنّ مُصطلَح «ﭐلِاسترهاب» هو الكفيل بأداء معنى «ﭐستعمال الوسائل ﭐلإرهابيّة/ﭐلمُرهِبَة (سواء أكانتْ ماديّةً كالقُوّة أمْ مَعنويّةً كالسِّحر) لأغرض مذهبيّة أو سياسيّة مُعيّنة». وعليه، يكون الإسلام «دينًا إرهابيًّا»، لأنّه قائمٌ على طلبِ «القُوّة المُرهِبَة/الرّادعة»! لكنّه، من النّاحية المَبْدئيّة، ليس «ﭐسترهابيًّا» أو «إفساديًّا»، لأنّه دينٌ قائمٌ على «ﭐلحقّ» بما هو مجموعة من الأُصول التي تَكفُل «ﭐلعدل» و"ﭐلتّعارُف» بين النّاس («ﭐلتّعارُف» كاعتراف مُتبادَل ومُعامَلة بالمعروف)، وهي الأُصول التي تُقَوِّم «رُوح ﭐلشّريعة» كمَقاصد مُثْلَى تَدُور بالأساس على حفظ كرامة الإنسان كمخلوق إلاهيّ مُفضَّل على كثير من العالَمين (يَنسى "المُبْطلون" أنّ حفظ النّفس أولى دائما في الشرع من غيرها إلى حدّ إباحةِ ما هو محظور دينيّا مثل إجازة النُّطق بالكفر للمُكْرَه!).
غير أنّ كون «ﭐلإسلام» ليس «ﭐسترهابيًّا» من النّاحية المبدئيّة، لا يجعله يبقى كذلكـ في الواقع الفعليّ، إذْ أنّ ﭐستعمالات «ﭐلإسلام» - كما يُؤكِّدُها التاريخ الماضي والحاضر- يُمكن أن تَتَّخذ مَنْحى «ﭐسترهابيًّا» في ظلِّ أنظمة الحُكم الطُّغيانيّة وﭐلِاستبداديّة (كما عُرِف، قديما، مع «بني أميّة» و، حديثا، مع معظم نُظُم الحكم في العالم الإسلاميّ) أو في فترات التأزُّم السياسيّ والتّمزُّق ﭐلِاجتماعيّ (طائفة الخوارج، طائفة الحَشَّاشين، طوائف التّطرُّف المُعاصرة). وهذا معناه، في الحقيقة، أنّ «ﭐلإسلام» قوّةٌ إرهابيّةٌ/مُرهِبَةٌ بالنِّسبة إلى أعدائه وخُصومه (بحُكم أنّ كل ذي قوّة مَرْهُوبٌ)، في حين أنّ «بعض المُسلمين» يُمْكنُهم أن يَكونوا قُوّةً ﭐسترهابيّةً - بهذا القدر أو ذاكـ- حَسَبَ شُروط الواقع المَعيش التي تدفع النّاس، عادةً، إلى التّنافُس والصراع باستعمال كل الوسائل المُمكنة. وذلكـ كما هو الحال تماما بالنِّسبة إلى كل القُوى الأُخرى عبر التاريخ وفي كل جهات العالَم.
ولذلكـ، فإنّ التّمييز بين «ﭐلإرهاب» (كأَثَرٍ مُلازِم للقُوّة) و«ﭐلِاسترهاب» (كاستعمال مُعيَّن للقُوّة) يُمَكِّنُنا من تجاوُز ﭐلِالتباس المُحيط بهذه الظاهرة البشريّة التي لا تعود، بالتّالي، حِكْرًا على شعبٍ بعينه أو خاصيّةً مُقوِّمةً ذاتيًّا لدينٍ أو مجتمع ما. فكما يُمكن أن يكون «ﭐلإسلام» دينًا ﭐسترهابيًّا على أيدي أُناس يَستعملونه بكيفيّةٍ مُغْرِضةٍ ومُنْحرِفةٍ، فإنّه يُمكن أن تكون هناكـ طائفةٌ أو دولةٌ ﭐسترهابيّةً لأنّها تستعمل كل إمكانات القُوّة من أجل الهيمنة ﭐقتصاديًّا أو سياسيًّا أو ثقافيًّا على المستوى الإقليميّ أو العالَميّ.
ومن البَيِّن أنّ «ﭐلإسلام»، في دعوته إلى إعداد القُوّة بإطلاق، لا يُمكنه إلّا أن يُرهِبَ أعداءَه، يُرهِبُ منهم العدوّ المُحارِب كما يُرهِبُ الخصم المُنافِق. وإنّ إرهاب «ﭐلإسلام» لأعدائه وخصومه لا يَكُفّ عن ﭐلِازدياد ما دام أتباعُه يَتكاثرون على نحو لا يُجْدِي في وَقْفه كَيْدُ الكائِدين ومكرُهم باللّيل والنّهار.
ومع ثُبُوت صفة «ﭐلإرهابيّ/ﭐلمُخيف» كخاصيّة مُميِّزة للإسلام، بما هو دينٌ «مُرهِبٌ» و«مَرهُوبٌ» بقوّته، تزداد الحاجة إلى تمييز ﭐلِاستعمال «ﭐلعُمْرانيّ/ﭐلِاستـ-ـعماريّ» للإسلام عن ﭐلِاستعمال «ﭐلِاسترهابيّ/الإفساديّ» له بكل إمكاناته. لذا، فإنّ تحديد مفهوم «ﭐلِاسترهاب»، كعُنف إفساديّ غير شرعيّ وغير مَدنيّ، يقود إلى تمييز العمل الإسلاميّ في ﭐستناده إلى القوّة الطبيعيّة وفي ﭐستكماله للقوّة بواسطة التّسديد الشّرْعيّ على النّحو الذي يَجعلُها قوّةً إصلاحيّةً تُعمِّر الأرض (أو تَستعمِرُها) وتُصلِح بين النّاس بالقِسط والمعروف.
ومن أجل ذلكـ، فإنّ «ﭐلجِهاد» في ﭐلإسلام يَتحدَّدُ بالأساس كـ«مُغالَبة أو مُنافَسة في ﭐلجُهد ﭐلْعُمْرانيّ/ﭐلِاستـ-ـعماريّ»، وليس فقط كما يَظُنّ كثيرٌ من النّاس كـ«بَذْل للجُهد القِتاليّ». ومن هنا، إذَا كان «ﭐلإسلام» يُرهِبُ بقُوّته، فإنّ هذه «ﭐلقُوّة ﭐلمُرهِبَة» لا تَأخُذ معناها الكامل إلّا بما هي «قُوّةٌ جِهاديّةٌ»، أيْ «قُوّة تعميريّة/ﭐستـ-ـعماريّة» أو «قُوّة إصلاحيّة وحضاريّة». ولهذا، فإنّ أيَّ تحريف في "ﭐلإسلام"، بما هو «قُوّةٌ جِهاديّة»، يُؤدِّي بالضرورة إلى جعله «قُوّة إفساديّة» تَسترهب النّاس وتَستكبر على العالَمين، تماما كما حصل مع الأُمم السابقة التي حَرَّفت هَدْيَ المُرسَلين ﭐبتغاءَ العُلُوّ في الأرض وﭐبتغاء الفساد، وأيضا مع الأُمم الحاضرة التي تَحتذي حذو سابقاتها من الأُمم المُستكبرة في حرصها على «ﭐلِاستعلاء» الذي لا يَنفكّـ عن «ﭐلِاسترهاب».
ومن حيث إنّ ﭐستعمالات «ﭐلإسلام» المُنْحرفة سُرعان ما تُحَوِّل إمكانات القُوّة فيه (تلكـ «ﭐلقُوّة ﭐلمُرهِبَة») إلى نُزوع ﭐسترهابيٍّ قائم على «ﭐلِاستكبار» على النّاس و«ﭐلِاستعلاء» في الأرض، فلا عجب فيما تقوم به أمّة المُسلمين الآن (وعلى الأقل منذ بضعة قرون) كأمّة غُثائيّة خالَفت الأمر الإلاهيّ فصارت تَستكثر بالأعداد وتَزْهَد في كل إعداد، ممّا جعل بعض أبنائها يَقعُون في «ﭐلِاسترهاب» على نحوٍ مَكَّن منها أعداءَها الذين ما فتئوا يَتكالَبُون عليها كما يَتكالَبُ الأَكَلة إلى قَصْعتهم (قصعتهم التي ليست سوى خيرات المُسلمين المُستضعَفِين في مَشارق الأرض ومَغاربها).
وإنّ ردّ الاعتبار إلى "الإسلام" لا يكفي فيه الظنّ بأنّ مُجرّد إرجاع لَفظ «إرهاب» إلى أصلِه ﭐلقرآنيّ كفيلٌ برفع وَصْمَة «ﭐلعُنف ﭐلإرهابيّ»، بل لا بد من تأصيل يُمَكِّنُ من إعطاء قُوّة تبليغيّةٍ وتدليليّةٍ لمُصطلح «ﭐلحِرَابة» أو من ﭐبتكار مُصطلَحٍ آخر له نفس الكفاية ليَمنع من خدمةِ أغراض الذين يَتصيَّدُون كل الثُّغْرات لوَصْمِ وتجريح (بل تجريم) «ﭐلإسلام» كـ«دين إرهابيّ» (أيْ دمويّ ولاإنسانيّ في ظنّهم)، وحتّى لا يستمرّ لفظُ «ﭐلإرهاب» - بعد أنْ صار مُصطلحًا قَدْحيًّا، وقد كان لفظا عاديًّا يَحمِلُ معنى قُرآنيًّا- يَعيث فسادًا في الاستعمال السائد!
وإذَا كان قد شاع على ألسنة النّاس لفظا «إرهاب» و«إرهابيّ» في الدّلالة على «فعلِ ﭐرتكاب مَفاسد معلومة بقصد ترهيبِ ﭐلنّاس وإكراههم على ﭐلإذعان» (كإزهاق الأرواح وﭐختطاف الأشخاص وتدمير المَباني وإتلاف المُمتلَكات)، فإنّ هذا ﭐلِاستعمال فاسدٌ تداوليًّا وغير مُفيد دلاليًّا، لأنّه يجعل ما هو مُبْتذَل («ﭐلرَّهْبة» أو «ﭐلخوف» من بَطْش صاحب القوّة) شيئًا غير عاديّ (ظاهرة «ﭐلِاسترهاب» كعُنْف إفساديّ وخطر حضاريّ).
حقًّا، إنّ «ﭐلإسلام» دينٌ يدعو أتباعَه بشكل صريح إلى إعدادِ كل أصناف القُوّة في مُواجَهةِ أعدائهم وخُصومهم، بل إنّ ﭐللّـه ليَأمُر عبادَه أنْ يأْخُذوا الدِّين بقُوّةٍ ويُحبّ منهم العبد القويّ. فالإسلام، إذًا، دينٌ «يُرهِبُ» و«يُخيفُ»، لأنّه يَأخُذ بالقوّة ولأنّه دينٌ يَكرَهُ ﭐلِاتِّكال وﭐلدَنِيّة وﭐلِاستسلام. لكنّه، في الوقت نفسه، يُحرِّم الظُّلْم والعُدوان والإفساد في الأرض. فالقوّة التي يَطلُبها الإسلام «قُوّة» قائمة على «ﭐلحقّ» كما تُبيِّنه «ﭐلشّريعة» كأُصول حاكمة ومُسدِّدة، أُصول تُؤكِّد أنّه «لا إكراه في ﭐلدِّين» وأنّ «ﭐللّـه يأمُر بالعدل والإحسان» وأنّه «لا يُحِبّ ﭐلمُعتدين» وأنّه «قد كَتَب ﭐلرِّفْقَ على كل شيء» و«أن المُسلم من سَلِم الناس من لسانه ويده» وأنّ «المرء لا يدخل الجنّة إذَا لم يَأمن جارُه بَوَائقه». ومن هُنا، فلا إرهابَ ولا ترهيب في «ﭐلإسلام»، إلّا ما كان ممّا تَقتضيه الضرورةُ الطبيعيّة المُتعلِّقة بأنّ «كلَّ ذي قوّةٍ مرهوبٌ».
غير أنّ وُجودَ المُسلمين في أوضاع تتميّز، عموما، بشدّةِ التّخلُّف وتجذُّر ﭐلِاستبداد وفُشُوّ الظُّلْم يَجعلُهم لا يُمثِّلُون من «ﭐلإسلام» إلّا ظاهره كـ«دين إرهابي/مُرهِب» موضوع تحت التّصرُّف «ﭐلِاسترهابيّ» للقُوَى المُهيمنة في العالَم. وحينما يكون على «ﭐلمُبطلِين» و«ﭐلظالمِين» و«ﭐلمُفسدين» أنْ يَستعملوا القُوّة لِاسترهاب النّاس وإكراههم بكل الوسائل كما جسَّدت ذلكـ قديما قصة «فرعون» وسَحَرته ضد «مُوسى» (عليه السلام)، وكما تُجسِّده الآن القوّة المُهيمنة والمُتحيِّزة ضدّ المُستضعَفِين في العالَم (وعلى رأسهم العرب والمسلمون)، فإنّ «ﭐلإسلام» يُعلنُ أنّ «ﭐلجِهاد»، كمُغالَبة ومُنافَسة في ﭐلجُهد ﭐلعُمرانيّ، لا يكون من أجل دُنيا هَنِيّة ولا تحت راية عُمَّية، وإنّما هو «ﭐستفراغ ﭐلْوُسْع في ﭐلبناء لِـﭑستـ-ـعمار ﭐلأرض وﭐلإصلاح بين ﭐلنّاس».
وهكذا، بينما يَتجلّى «ﭐلإسلامُ» كقُوّة جِهاديّةٍ تُرهِبُ - بما هي كذلكـ- كل عَدُوٍّ أو مُعْتَدٍ، يَأبَى «ﭐلمُبطِلون» و«ﭐلظالمون» و«ﭐلمُفسدون» عبر ﭐلعالَم إلّا أن يَسْتَخِفُّوا ﭐلنّاسَ تَرْغيبًا وتَرْهيبًا بفعل نُزوعهم ﭐلِاستكباريّ وﭐلِاستعلائيّ الذي يَجعلُهم يَتوسَّلُون - على نحو أساسيّ- «ﭐلِاسترهابَ» كعُنفٍ إفساديٍّ خارج كل حقٍّ وخُلُق.
وفي هذا السياق، يَندرج ما يَتعاطاه بعض أدعياء "العَلْمانيّة" من تضليل بشأن "الإسلام". إذْ على الرغم من كونهم يُعْلنون أنّهم لا يُهاجمون إلّا «السلفيّة الإسلامانيّة» في توسُّلها بإسلام مُتطرِّف واسترهابيّ، فإنّهم في الحقيقة يَتقصّدُون تنقُّص خصمهم الفعليّ الذي ليس سوى "الإسلام" بما هو مصدرُ مُقاوَمةٍ ومُناهَضةٍ لما يَعْرضونه من توجُّه فكريّ ومذهبيّ ؛ توجُّه يُريدونه عقلانيّا وحَداثيّا، في حين أنه لا يقوم على ألسنتهم وأيديهم إلّا بما هو توجُّه يَتوخّى تعطيل «الإسلام/الدِّين» باسم "عَلْمانيّة" تتنكَّر في رداء الدِّمُقراطيّة وحقوق الإنسان وتخوض نضالا فِكْرويّا وخِطابيّا يَجعلها تتجلّى كـ«سَلَفيّة عَلْمانيّة» (لا يتردّد أصحابُها في وصفها بأنّها "عِلْمـ-ـانيّة" رغم أنّ كل ما فيها يَرجع إلى فكر فلسفيّ تُجُووِز منذ عُقود حتّى في عُقر داره)!
أخيرًا وليس حقيرًا، إنّ من لم يَرَ في قول «أَسْلِمْ، تَسلَمْ» إلّا معنى «إمّا الإسلام وإمّا القتل» يَأبى إلّا أن يَكشف سُوء نيّته و/أو سُوء فهمه: إذْ أنّ قول «أَسْلِمْ، تَسلَمْ» لا يَتضمّن – وَفْق نسق لسان العرب- أَمْرًا، ولا يقتضي بالأحرى تخييرا، وإنما هو قولٌ لا يُفهَم فيه فعل "الأمر" إلّا كشرط مُضمَر («إنْ تُسْلِمْ»، ثُمّ «وإلّا»: أيْ «إنْ لم تُسلِمْ») لا بُدّ له من جواب («تَسْلَمْ»، ثُمّ «يُؤْتِكَـ»، وهُما فعلان مجزومان!). فقصدُ القائل، إذًا، ترغيبُ المَقُول له وتحبيبُه في دين "الإسلام" الذي يَقترن به "السِّلْم" و"السلامة"، وليس ترهيبَه بالقتل وسُوء العاقبة كما ظنّ من يَتّبع هواه. وإنّ من غاب عنه إدراكـ هذا المعنى أو تعَمّد أصلا ألّا يُظْهره، لا يكون فقط مُخطئا، بل إنّه يصير أيضا خاطئا إلى أبعد حدٍّ. ولا أظُنّ أنّ من كان هذا حالَه سيَتواضع ليَعترف بخطئه في الفهم، وبَلْهَ أن يَتُوب عن خطيئته في ٱتِّهام من لم يُرسَل إلّا رحمةً للعالَمين ومن شَهِد له أعداؤُه أنفسُهم بأنّه كان على خُلُق عظيم!







التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس