عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-05-01, 13:31 رقم المشاركة : 1
machchate
أستـــــاذ(ة) جديد
إحصائية العضو







machchate غير متواجد حالياً


rawai3 الدعاء: مسارات الاستجابة والارتقاء


الدعاء: مسارات الاستجابة والارتقاء

ذ. نورالدين مشاط



هي سورة مريم.. خذها يا صاح.. خذها بقوة مثلما هو الحال ببقية الكتاب.. وأْنَس بها فهي منارة للفضل وكشاف لشروط استجابة الدعاء. فزكريا عليه وعلى نبينا السلام رفع يده إلى الله: مالك الخزائن كلها.. وكان المظهر البادي والخفي: مظهر افتقار كلي لله. حيث كان النداء خفيا .. وكانت العبارات منكسرة تعبر عن قمة الاحتياج أمام صاحب العطاء : (رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا) ... والافتقار مقام من مقامات المعراج إلى الله وهو ديدن الرسل عليهم السلام. ألم تر إلى موسى عليه السلام كيف تولى إلى الظل بعدما سقى لابنتي شعيب عليه السلام وكيف تذلل ولامست كلمات فقره عنان السماء: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) سورة القصص (24).
ولم يتوقف شيخنا الوقور، نبي الله زكريا، عن إبراز قمة افتقاره ببسط صورة اشتعال الرأس شيبا وضعف العظم ووهنه استدرارا لرحمة الله، وإنما مر إلى مقام آخر ألا وهو مقام اليقين والثقة المطلقة في الإجابة: (ولم أكن بدعائك رب شقيا)، وكأن لسان حاله يقول: "يا رب، أنا كلما دعوتك استجبت لي ولم تردني خائبا". فكيف لكريم هو الحنان المنان صاحب العطاء والجود الرحمن الرحيم أن يرد عبدا وقف منكسرا ببابه وتعلل بشيبته ووهنه وأبرز الثقة في عطاء ربه؟! واستمر الدعاء يرسم مسارات القرب والرضا ويطرق الباب بشدة: ياسيدي، هذا هدفي الخالص الزكي (فهب لي من لدنك وليايرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا). هدف رباني نبيل فهو أن يرزقه الله إبنا وليا من أولياء الله عابدا نبيا ليرث تركة آل يعقوب: النبوة. ولما كان زكريا من المسبحين الذاكرين .. وهو ما نستنتجه جليا من وصيته لقومه بعدما بشره الله بولد سماه ربه يحيى. سماه يحيى لأنه أحيا الرحم من موات ليهب لعبده زكريا الخلف. قلت كانت وصيته لقومه (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا). إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، والذي لم يشغف بعمل ما ويتذوق حلاوته لا يمكن أن يأمر به. والتسبيح ديدن الموصولين بالله وبه يصعدون مراقي القرب والرضا لدى المولى عز وجل.. كما يصبح صوتهم مألوفا لدى الملأ الأعلى: الملائكة، حيث تحبهم وتدعو الله لهم. فأي أنس مثل هذا. ألم تسمع يا صاح قوله تعالى في سورة الأنبياء عن يونس عليه السلام لما التقمه الحوت: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) فذلك سبق استدر حفظا. وأخيرا فقد كان زكريا وزوجته الفاضلة عليها رضوان الله من المسارعين إلى الخيرات : ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين (90)) . تلك مسارات الارتقاء والدعاء..مسار ذكر وتسبيح يرتقي بالنفس ويزكيها لترتبط بمصدر النور في السماوات والارض (الله نور السماوات والارض) سورة النور.. ومسار خيرية دفاقة ينابيعا وأنهارا..وصاحب العطاء إذا أحب عبادا جعلهم من أهل العطاء الذين يخففون آلام الناس..فأحبهم لجودهم.. فأجزل لهم العطاء. فالعجب كل العجب.. أن يعطيك ما تعطي.. ويجزل لك العطاء على ما تعطي!! فالبدار البدار!!
فهي خمسة إذن لا تفوتنك أخي: 1 ـ تسبيح يستدر الرضا، وعطاء يستحيي منه صاحب المن والفضل، وافتقار وانكسار يمنح العطف والرحمة من الرحمن. 4 ـ ويقين تام في الإجابة ممن يملك القدرة المطلقة على إخراج الأشياء من عالم العدم إلى عالم الكينونة والذكر يرسم مسار الثقة فيجلب العطاء، وأخيرا إخلاص الهدف وتنقيته من الشوائب ليكون ربانيا..فمتى كان كذلك..صار الهدف بعد ذكر عينا.

الفقير إلى عفو الله: نورالدين مشاط
مقتطف من كتاب قادم بحول الله: (نور القرآن: مسارات تكبير الله وتزكية الأنفس)





    رد مع اقتباس