عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-04-07, 10:59 رقم المشاركة : 3
الشريف السلاوي
مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية الشريف السلاوي

 

إحصائية العضو









الشريف السلاوي غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام مشارك

مسابقة المبشرون بالجنة مشارك

مشارك(ة)

مشارك(ة)

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية البرونزية

cour رد: جمالية المكان في رواية عبد الرحمن منيف .


تابع ...



المتن الحكائي في رواية " الآن .. هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى":
يهيمن السرد بضمير المتكلم في رواية عبدالرحمان منيف بصورة ملفتة للنظر إلى درجة أن القارئ يخال أنه أمام سيرة ذاتية فعلية. غير أن هذا السارد المتكلم مزدوج في الرواية. إنه طالع العريفي تارة وعادل تارة أخرى. وإذا كان طالع قد حكى حكيه في محكيه الذي تركه في أوراقه بعد وفاته، والذي تحول بموجب الوفاة إلى محكي تحمل صديقه عادل مسؤولية تقديمه إلى القارئ كما هو دون زيادة ودون نقصان في فصل "حرائق الحضور والغياب"، فإن عادل هو الذي تكفل بالحكي في فصل "الدهليز" و في فصل "هوامش أيامنا الحزينة " ليحكي تجربته الشخصية الخاصة.
وعموما فهذان الساردان المتكلمان لا يحكيان أفعالا سردية بينها وبينهما مسافة تخييل، إنهما يحكيان حياة غير قابلة للحكي، ولكنهما حكياها من أجل تحويلها إلى سرد لعله ينفيها من الذاكرة، أو ينسّبها ويطفئ جذوتها كما عاشاها بالفعل. غير أن السرد لم يعمل إلا على إذكاء هده الجذوة بصورة مضاعفة سواء في إحساس السارد من حيث هو الشخصية المحكي عنها ذاتها، أو في إحساس المتلقي.
في فصل "الدهليز" يحكي عادل تجربته داخل السجن وتجربته بعد خروجه منه. إنه لا يتحرك في مكان مملوك من طرفه. إن كل الأمكنة التي تنقّل فيها كانت آسرة له، ومالكة لحريته سواء داخل السجن أو خارجه. لقد خرج منهوك القوى من سجن دولة " موران " ليسافر إلى براغ/ تشيكوسلوفاكيا، أو لينفى إليها. وهناك أقام في المستشفى لتلقي العلاج. وداخل المستشفى/ السجن الثاني كان لا يبرح سريره إلا ليخرج إلى حديقة المستشفى من أجل تجاوز الإحساس بالحزن والغربة والمرض.
ولأن "عادل" خرج من السجن ليجد نفسه في سجن آخر/ المستشفى فقد أصيب بالحمى مرارا " . وتأخذني الحمى مرة أخرى. أسافر، أغيب، وحين أعود أشعر بالتعب، بالعطش، برغبة البكاء. وعبر النافذة أرى وأسمع المطر... "(12)، خصوصا وأنه تأثر لحال صديقه طالع العريفي الذي واجه من المعاناة، ومن المضايقات ما جعله يموت في نهاية المطاف؛ ليبقى في ثلاجة المستشفى أياما وأسابيع، ثم لينتقل ـ بعد مفاوضات عسيرة بين مواطني موران المقيمين في براغ وحكومة موران ـ إلى وطنه ليدفن فيه، ولكن " دون عنوان، ودون أن يعرف أحد"(13).
وحين بقي عادل بمفرده في المستشفى عاش الغربة المضاعفة. لقد استمر يحاور صديقه الفقيد تارة، ويسترجع ذكريات التعذيب تارة أخرى " وتمر الحياة الماضية مرة أخرى ... أحس بالغصة و رغبة البكاء . أتطلع إلى وجهي في المرآة . أرى الوجه مستكينا مخطوفا، شديد الحزن. وفجأة يتطلع إلي ويصرح: " كن نفسك ولا تكني " هكذا يدوي صوت طالع. وشيئا فشيئا يذوب الصوت ثم يأتي الصمت." (14)
وحين فكر عادل في مغادرة المستشفى اتجه إلى باريس بمساعدة صديقه القديم أنيس؛ ليدخل المستشفى هناك مجددا بسبب استمرار تدهور وضعه الصحي. وفي المستشفى يلتقي بجلاد قديم هو أبو مهند الذي بتروا رجله من أعلى الساق نتيجة استفحال مرضه بالسكري.
في باريس يسترجع عادل كل السجون التي مر بها في دولة "موران"، وكل اصناف التعذيب التي تلقاها، وكل السجناء الذين عاشرهم. فمن السجن المركزي " وتصورت، اللحظة، أن هذا المكان هو الذي يبول فيه الحرس. أما حين انتهوا، وبعد أن تركوا بقعة كبيرة من البول، فقد جررت إلى المربط رقم ثلاثة، ربطت إلى الجدار وكانت المساحة التي يمكن ان أتحرك فيها لا تزيد عن طول السلاسل. هنا يجب أن أكون . ليس فقط للوقوف، وإنما للنوم والأكل، ولأي شيء آخر. (15) " ومن هذا السجن إلى سجن العفير، ثم إلى سجن القليعة، ثم إلى وادي الموت، ثم إلى السجن المعلق... وداخل هذه السجون جميعها كان عادل يتنقل هو وأصدقاؤه بين السراديب والمهاجع والعنابر... كلما طرأ طارئ داخل هذا السجن أو ذاك.
في نهاية المطاف يغادر عادل السجن ليعمل مصححا للأخطاء اللغوية والمطبعية في مجلة، وليعيش بمفرده في بيته: ينام ويقرأ ويأكل ويحلم أحلاما يختلط فيها الحزن ب"الفرح".
أما في فصل " الحضور والغياب " فقد تكفل عادل بنقل محكي طالع العريفي دون زيادة ودون نقصان كما تركه في أوراقه التي سلمها له قبل وفاته. لقد اعتقل طالع في سوق الأغنام، في الطريق يتم تعصيب عينيه. وفي قاعة التعذيب يتم استجوابه، يراوده المحقق من أجل معرفة المعطيات المتصلة به وبالتنظيم الذي ينتمي إليه. غير أن "طالع" استمر يردد كلاما واحدا " أنا رجال مسكين، على باب الله... ويجوز أنكم تدورون على واحد غيري" (16).
وأمام رفض طالع الاعتراف يتم تنقيله إلى سجن آخر، حيث يتم تعذيبه بصورة وحشية وبطريقة شديدة البراعة والإتقان: "وجدت أن أبواب جهنم فتحت علي: الضرب، اللكمات بالأيدي، بالأرجل، بالرأس والأكتاف، كلها انصيت علي. كانت القبضة ـ لأنها قوية ومحكمة ـ توقعني أرضا، وكانت القفزة فوقي تجعلني أمتزج بهذه الأرض، وما أن أستقر لحظة في حالة، حتى تنتزعني يد مدربة وشديدة الجبروت من تلك الحالة وتطوح بي في الهواء، وقبل أن أصل إلى الحائط أو إلى الأرض تتلقاني ضربة أقوى منها فأرتد "17). ) ثم يلقى به في زنزانة منفردة. وبعد ان أخذ يتعافى جزئيا يتم تنقيله إلى حمام متسخ ليغتسل، ثم اقتياده إلى الحلاق ليحلق رأسه بعنف " لا أستطيع أن أقدر عدد الجروح التي تركها في رأسي. كنت أحس آلاما في مواضع متعددة، وكنت أرقب المقص وهو يتعثر، ثم الماكنة تهمد بعد أن تعذر عليها الاستمرار، فيضطر لأن يفك البراغي، وينفخ عليها لكي يزيل عنها الشعر والأوساخ التي علقت بها "18).)
في نهاية المطاف وأمام تعب الجلادين والمحققين، وأمام إصرار طالع على عدم الاعتراف، يتم إرساله إلى سجن آخر ليلبس ملابس السجن، وليصبح له رقم، ثم ليفرج عنه فيما بعد منهوك القوى. وفي المستشفى يكتب مذكراته، ويسلمها إلى صديقه عادل الذي تعهد بنقلها إلينا نحن القراء.


يتبع...






التوقيع


" اللّهمّ ردّنا إليك ردّا جميلا "
    رد مع اقتباس