الموضوع: الشفقة القاتلة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-01-16, 01:14 رقم المشاركة : 1
مريم الوادي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية مريم الوادي

 

إحصائية العضو







مريم الوادي غير متواجد حالياً


وسام المراقبة المتميزة

new1 الشفقة القاتلة


الشفة القاتلة
[IMG]http://n3n3n3.******.com/i611387601564.jpg[/IMG]


(أنت لا تقبل التجديد بحماس،أنت متشائم ،وعندك خوف دائم من المجهول،وتخاف من أن تنهار المواقف والأشياء من حولك.
تشغفك أفلام الكوارث ،وتدفعك شكوكك لأن تتأمل بدقة دائما ،كل ما ومن حولك..
أنت مرتبط كثيرا بالعائلة ،ومحظوظ مع النساء ،وقصصك الغرامية كثيرة وممتعة..
أنت محظوظ في عالم البورصة ،فجرب شراء الأسهم ،ولا تكثر من اكل اللحوم فأنت مهدد بالسرطان في آخر أيام حياتك ..)
هذا ماقاله الحظ هذا الصباح .
ولم يقل الحظ : أنت مقعد ،أنت كسيح ،عاجز، وغير قادر.
لم يقل الحظ ، أنت معطوب، وغير صالح ،أنت عالة على الآخرين..
لم يقل الحظ أنت وحيد الساق.. أنت تعيس..
مذ تفتحت مداركي في هذه الدنيا ، وأنا لا أدرك من الآخر، سوى شفقته المزيفة.
مذ تفتق وعيي ،وأنا لاأعي من الآخر، سوى نظرة العطف، والحنو الكاذبة.
كم بث أكره هاته النظرة القاتلة ،نظرة تتسلل عبر ملابسي ،وتخترق جلدة لحمي ،وتسري في عروقي كالسم المميت..كالموت البطيء..
حتى هي،كلما عرت جسمي :يسيل الجرج المنتفخ في قلبها، فتقطر دموعها الدامية ،على ساقي المبثورة كماء النار،فتحرق المتبقي من جسدي ..
كم أكره أن تحميني، كم اكره أن تلفني ،أن تلبسني ،كم اكره أن تضمني ..
دخلت المدرسة بعكازين حقيرين فقيرين - فحتى العكازات يا صاحبي أصناف وألوان -كنت أتوكأ عليهما ،وأتنقل كحشرة بين صفوف زملائي ،ومن خلفي، أخي عبد الخالق يحمل محفظتي ،وينتبه لعثراتي..
كم أكره تلك الأغنية اللعينة التي يقول مطلعها: آتيك تيك النحلة..آبو رجيلة وحدة..
والتي ينشدها بعضهم ،كلما شاهدوني أزحف أمامهم ،يرددونها ويختبؤون خلف بعضهم:
هذا يقول :لست أنا.
وذاك يقول :والله ما أنا.
وآخر يقسم: تاالله إنه ذاك..
وعبد الخالق يشاجر ويتشاجر، ويقذف بالحجارة كل من يشير لي..
آه،كم تشاجرت يا عبد الخالق لأجلي ،ولكن دون جدوى ..
وفي الزقاق الصغيرة ،أقف عند عتبة الباب ،أتوكأ عليها في استراحة من العكازين ،أتأمل أقراني..وهم يقذفون الكرة بعيدا ،يتهافتون على تسجيل الأهداف ،وتتعالى الصيحات، والصرخات..تتلألأ العينان بالدموع ،ويراودني الحلم في أن أركلها مثلهم ،وأركض خلفها ،في أن أسقط وأتمرغ في التراب،ثم أستجمع قواي ،وأقف على رجلاي..
أتخيلني هناك بينهم ،فأجدني هنا بداخلي، لا أبرح خيالي الضيق..
كبر عبد الخالق ،وانتقل إلى المرحلة الإعدادية ،وبقيت وحيدا ،أستجدي شفقة النبلاء من الجيران ،والأقران ،كي يحملوا محفظتي، وينتبهوا لعثراتي، كما كان عبد الخالق يفعل..
لكن كان كل من يتبرع علي بحمل المحفظة ، يستزف عواطفي ،وينفث في عروقي ،بعضا من الشفقة المزيفة، ،عكس ما كان عبد الخالق يفعل معي .
فكنت أجيب على كل أسئلة حامل محفظتي ،وأتصبب عرقا وتشيب الطفولة بداخلي..تسود في عيني الدنيا ،والناس والأشياء..
أكره حياتي، وأشتهي موتي..
لقدكبر الطفل ،وبات شابا، وطلع لي شنب أسود ،وانتفخت ثفاحة آدم في عنقي، أتلمسها بأصابعي، وأتحسس رجولتي ،أقف قبالة المرآة لساعات ،مذهولا أمام ملامحي ..
لكنني لا أقوى على تأمل أعضائي الأخرى..
لا أقوى على تحسس النقص الحاصل في ،وأكتفي بوجهي ،وأحيانا أتجاوزه إلى التغزل بصدري ،خصوصا وقد نبتت عليه شعيرات بضة رقيقة ..
أترجل ،وأقرر الخروج من عزلتي ،أقرر التعايش مع عاهتي..
الرغبة في الحياة تكتسحني..رغم العجز تكتسحني..
وما إن أبرح عتبة منزلي، حتى ألمح نظرات الشفقة المزيفة، القاتلة ، ترصدني..
والحنو والعطف الكاذبان يلحقانني..
فأختبئ مني، أنكمش بداخلي، تأكل الوحدة شبابي، ،وتغتال الشفقة القاتلة ،آخر فرص حياتي.
الحرية
مريم الوادي
12يناير 2010
مع كل المحبة لكم





    رد مع اقتباس