منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - عرض مشاركة واحدة

سوق " الكلب " بمدينة سلا .

عبد الله الدّامون من الرباط:

وسط ساحة كبيرة مغبرّة صيفا وموحلة شتاء وسط مدينة سلا شمال العاصمة المغربية الرباط يوجد سوق سماه الناس "سوق الكلب".
الناس يقولون إن اسم السوق مشتق من "ملحمة الكلاب الكبرى" التي عرفها السوق قبل سنوات حين جاء إلى المنطقة جزار يبيع اللحم بثمن التراب.
يومها شبع الفقراء اللحم كما لم يشبعوه من قبل وحار الناس في فهم سر ذلك الرخاء واختلفوا في التفسيرات كما يختلفون دائما في كل شيء. بعضهم قالوا إن من علامات الساعة أن يرخص اللحم ويرتفع ثمن البترول. ومنهم من قال إن الرجل بائع اللحم قديس بروليتاري جاء ليحقق ثورة الجياع عبر بيع اللحم بثمن التراب، خصوصا بعد أن باع زعماء الأحزاب البروليتارية أنفسهم بضيعة أو ضيعيتن، أو فيلا على شاطئ البحر هنا وهناك، وأحيانا بسيارة مستعملة.
لكن أغلب الناس فضلوا أكل اللحم الرخيص من دون أن يقدموا أي تفسير. فلا كلام على طعام.
بعد مرور الأيام والشهور سيكتشف الناس أن الجزار الشهم الذي باعهم اللحم بسعر المسامير المستعملة كان يصطاد كلاب السوق ليلا ثم يسلخها ويفرم لحمها ويصنع كل ما تشتهيه البطن والعين.
وكما تفعل الشعوب العظيمة والمتسامحة دوما فإنها قررت تخليد هذا الحادث العظيم وإدخاله التاريخ عبر إطلاق اسم "سوق الكلب" على هذه المنطقة الميمونة. ففيها تم تطبيق سياسة تقريب اللحم من المواطنين من دون أي شعارات مسبقة ولا نقاشات في البرلمان ولا اجتماعات وزارية. والناس الأوفياء لا ينسون الجميل.
كل ذلك صار جزءا من التاريخ. وهاهي الكلاب تمرح اليوم حرة طليقة في السوق وكأن شيئا لم يكن. تسامح الكلاب خرافي، حتى أن الشعراء قالوا فيها ما قالوا. بإمكانك أن تسلخ ظهر الكلب ضربا أو تذبح أخاه أمام عينيه، وفي الصباح يأتيك ليلحس رجليك. وإلا لماذا سميت الكلاب كلابا؟ فالكلب الذي لا يتعظ من نكبة أخيه ليس كلبا.
في هذا السوق توجد أشياء كثيرة غير اللحم. ففيه تباع الأحذية المستعملة والسردين وأروقة غرف الاستحمام والملابس الداخلية وكتب حول السياسة الخارجية والزيتون الأبيض والأسود والجزر الغليظ والموز الرقيق وبيض الدجاح والنعام والبطيخ الصيفي والشتوي والجوارب السليمة والمثقوبة وسراويل الجينز الأمريكية والبضاعة المهربة من سبتة ومليلية والملابس المهربة من مصانع الدار البيضاء والمكتوب عليها "صنع في كندا".. وغير ذلك.
عند مدخل السوق من ناحية الشمال حلاقان متنافسان وضع كل منهما كل تجهيزاته في خدمة الزبناء.
مرآة وكرسي ورغوة وعطر ومكنسة تستعمل في آن واحد للكنس وطرد الذباب ومظلة تقي من الشمس صيفا ومن المطر شتاء.
قرب السوق حي قصديري بأكواخ واطئة وعلى سطح كل كوخ صحن مقعر لالتقاط القنوات الفضائية. في هذه الأكواخ يمكن للناس أن يتابعو آخر أخبار العراق وأرباح بورصة نيويورك وتصدع أجزاء من سور الصين العظيم ومشاكل إليسا مع مؤخرتها ونانسي مع مقدمتها وأسعار الذهب والبترول وعلاج حب الشباب وفوائد البطيخ الأصفر وحمق حكام العرب.
الطريق إلى هذا الحي يمر عبر السوق. لذلك فإن الجوق الموسيقي الذي كان يتجه إلى الحي القصديري مر قرب السوق بينما تزغرد النساء وترفع إحداهن قطعة من القصب الأخضر ألصقت فيها أوراق نقدية تتراوح بين العشرين درهما ومائة درهم. لا وجود للورقة الزرقاء من فئة المائتين. كل الأوراق النقدية الملصقة بقطعة الخشب لا يتعدى مجموعها الألف درهم.
تجار السوق وزبناؤه انشغلوا عن أغراضهم بمشاهدة استعراض غريب يرقص فيه جوق الموسيقى أكثر من أصحاب العرس. اتجه الجوق إلى داخل الحي الصفيحي فأفسحت لهم الكلاب الشاردة الطريق وخرج العاطلون والنائمون للاستمتاع بحفلة رقص مفاجئة.
المدعوون الذين جاؤوا لتهنئة العروسين بيومهما الأول دخلوا الكوخ القصديري التي يوجد على سطحها صحن بارابول ليهنؤوا العريس ويقفوا تحية إجلال وتقدير للمطربة روبي التي تغني وهي على ظهر البسكليت. ربما من دونها لم يكن العريس ليفعل شيئا. ولولا روبي وإيليسا وهيفاء والفتيات الأخريات من بطلات الفيديو كليب لما أصبح في مقدور عريس سوق الكلب ولا في مستطاع كل عرسان العرب أن ينقذوا شرفهم في تلك الليلة الحاسمة، ومعه شرف الأمة من الخليج إلى المحيط.