عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-01-27, 16:59 رقم المشاركة : 1
الرميساء
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
 
الصورة الرمزية الرميساء

 

إحصائية العضو







الرميساء غير متواجد حالياً


افتراضي الشمائل النبوية(2) اصطفاؤه واختصاصه صلى الله عليه وسلم


المدخل الأول :
في الاصطفاء والاختصاص:
سبق لنا في الدرس الذي مضى أن ذكرنا مقدمات في معنى الشمائل وفوائدها ومضمونها، وغير ذلك من ذكر بعض كتبها، وثمة حاجة إلى هذه المداخل التي تعتبر عند العلماء من المقدمات والممهدات المدرجة ضمن ما يتصل بعلم شمائل النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا المدخل الأول في اصطفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- واختصاصه بأمور وخصائص عن بقية الأنبياء، والاصطفاء والاختصاص مهم بالنسبة للشمائل وجزء منها؛ لأنه إظهار للفضل والعظمة والمزية التي اختص بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا ذكرنا بعد ذلك أخلاقه وشمائله عرفنا أنها ترجع إلى أصل عظيم، وأن هناك ما هو كالتعليل لها، والبيان لأهمية ما سبقها في هذا الاصطفاء الرباني لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- ، وما اقتضته حكمة الله -جل وعلا- بجعله خاتما للرسل والأنبياء، وما اقتضاه ذلك من كمال صفاته وخلاله، وهذا الاصطفاء مذكور في نصوص كثيرة، وأحاديث عديدة نقف مع بعضها؛ لنرى هذه الوجوه العظيمة من اصطفائه -صلى الله عليه وسلم-.

ومن ذلك: حديث واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم.
الاصطفاء: هو الانتقاء المبني على التفضيل، وانتقاء ما هو أكمل وأفضل.

وهنا أخبر -عليه الصلاة والسلام- أن الحق -جل وعلا- اصطفى من بني إسماعيل أي: من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، الذي يرجع إليه نسب نبينا - صلى الله عليه وسلم-، اصطفى كنانة وهي بطن كبير من بطون العرب، ثم قال واصطفى من كنانة قريشا، وكان اصطفاء بني هاشم من قريش، ثم كان اصطفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم.
في بعض روايات هذا الحديث: (فأنا خيار من خيار من خيار).
وهذا لاشك أنه بيان لعظمة هذا الاصطفاء، ونحن نعلم أن الإنسان ينتقي الأفضل، ثم إذا وجد فرصة أو كانت عنده قدرة جعل لهذا الأفضل أيضا بحثا يختار منه أفضل منه، فيكون حينئذ الاختيار في آخر الأمر، هو الخلاصة التي تجمع المحاسن كلها، ويكون قد اجتمع فيها من وجوه الكمال وصفات الجلال ومناحي الفضل ما لا يكون في غيرها، بل يكون قد اجتمع فيها ما تفرق في سائرها.

وهذا أيضا يدل عليه الحديث الآخر من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه-: عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى بعثت من القرن الذي كنت منه) رواه البخاري في صحيحه.
وهذا يدل على أن نسب النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن تحدر منه الرجال والبطون والقبائل كان فيه وجه من وجوه الاصطفاء بالمقارنة؛ لأن البعض قد يقول: كيف يكون اصطفاء، وربما كان في هذه القبيلة من ليسوا مسلمين، وليسوا ذوي خلق فاضل؟.
نقول: المقصود بالاصطفاء هو المقارنة، فإن كان عندك على سبيل المثال كمية من الطعام ليس عندك غيرها، فأنت تختار منها أجودها أو أفضل أنواعها الموجودة، وقد يكون هذا كله من النوع المتوسط أو الرديء فتختار أحسن الموجود، لا يعني ذلك أن كل ما فيه يكون حسنا، لكنه بالمقارنة بغيره يكون حسنا ، وهكذا أخبر - عليه الصلاة والسلام- أنه في كل تلك المراحل كان اختياره قرنا فقرنا، حتى تم اختياره في القرن الذي خرج فيه -صلى الله عليه وسلم-.

وربما يتضح المعنى أكثر في الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مثلي ومثل الأنبياء "أي: من قبلي" كمثل قصر أحسن بنيانه، ترك منه موضع لبنة "أي: موضع لبنة هي جزء البناء الذي يقام به البناء مثل الطوب أو البلوك الذي نعرفه الآن" فطاف به النظار "أي الزوار الناظرون" يتعجبون من حسن بنيانه، إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان وختم بي الرسل) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
هذا الحديث بيّن المزية في الاصطفاء الذي يعد كمالا لذلك الكمال الذي كان عليه الرسل والأنبياء، فالأنبياء صفوة خلق الله - عز وجل- كما أخبر -سبحانه وتعالى- بقوله: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية 75) ، كما بين الحق - جل وعلا- فقال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: من الآية 124).

وهم صفوة الخلق فإذا كمل كمالهم وزاد فضلهم، وعظم كمال النعمة بهم وختموا بخاتمهم، فلاشك أنه يكون قد حاز في معنى الاصطفاء الذي كان في الرسل والأنبياء الرتبة العليا والمكانة العظمى.
وهذا المثل الذي يضربه - عليه الصلاة والسلام- بيّن أنه هو كمال الكمال، فهذا بناء كامل حسن، لكن فيه نقص، فكان وجوده وبعثه ونبوته - عليه الصلاة والسلام- هو إكمال ذلك الكمال، فكان هذا بيانا واضحا وشافيا لهذا الاصطفاء لرسولنا - عليه الصلاة والسلام-.

وحديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - يزيدنا في هذه المعاني، وهو عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمجندل في طينته، وسأحدثكم بأول أمري، دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني، وقد خرج لها نور أضاء لها منه قصور الشام).
هذا الحديث أوله تقرير لأمر مما نؤمن به من القضاء والقدر، فنحن نؤمن بأن الله - سبحانه وتعالى - خلق الخلق، وكان أول ما خلق: القلم، فأمره بالكتابة، فكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة، ومن إيماننا بالقضاء والقدر، أن الله علم ما هو كائن، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأنه كتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق أجمعين، بل قبل خلق السماوات والأرضين، وهذا مما كتبه الله - عز وجل- أي: أنه سيكون في خلقه وعباده في زمان وأوان ومكان بعينه خاتم أنبيائه ورسله - صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله.






التوقيع

    رد مع اقتباس