عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-01-15, 13:14 رقم المشاركة : 1
abo fatima
نائب مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية abo fatima

 

إحصائية العضو







abo fatima غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثانية من مسابقة السيرة النبوية العط

الشخصية الفضية 2012

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي ازمة التعليم في المغرب ومحاولات الاصلاح


ازمة التعليم في المغرب ومحاولات الاصلاح




حلَّ الدخول المدرسي هذا العام على وقع ارتباك غير مسبوق تعرفه المنظومة التعليمية، بعد القرار السياسي المتسرع الذي أقدمت عليه الوزارة الوصية والمتمثل في توقيف المسار الإصلاحي الذي أسست له الحكومة السابقة ضمن ما سمي بالبرنامج الاستعجالي في شقه البيداغوجي على وجه الخصوص، بحجة الحاجة إلى التقويم والتأمل، وَلَمَّا يبلغ تنزيلُه منتصَفَه!!.

ارتباك ، ليَس وليد اللحظة، ولكنه ارتباك ساهمت فيه السنون الطويلة للتدبير الارتجالي للمسألة التعليمية بالمغرب، من قبل الأطراف المعنية بالهم التعليمي بهذا البلد منذ البوازيغ الأولى "للاستقلال" السياسي (اللجنة العليا للتعليم 1957)، مرورا بكل التجارب والمحطات(*) التي اشتغلت عليها الحكومات المتلاحقة لتنزيل برامج ومناهج تعليمية من كل الألوان، والأشكال والأطياف، الشرقية والغربية، وفق أجندات سياسية محلية مُنَمَّطة تبغي الـتأسيس لعقلية محلية مؤدلجة، قوامها الحفاظ على استقرار "مُقَرَّر" في ظل استمرارٍ يدفع كل محاولات التغيير، والتجديد والإصلاح التي تحرك كوامن الارتكان إلى الذات المتداعية الكسولة، والنفس المتواكلة الأمَّارة برفض الجديد، المرتهنة إلى القديم الذي لا يساير الحاضر، ولا يستشرف المستقبل !.
إن الداء الذي أصاب منظومتنا التربوية في اعتقادنا، هو داء "الشعور بالأمان من المحاسبة"، وهو داء ناتج عن هامش الارتياح الذي تمتع به المسؤولون على السهر على تنزيل مقتضيات الإصلاحات التي عرفها القطاع، وشعورهم بـ"الحصانة" من المساءلة وتقديم الحساب، بفعل الإهمال المفرط، من قبل "صانعي القرار"، للمتابعة الحثيثة، والمساءلة الصارمة والمستمرة لمختلف المحطات التي أسست لانطلاقات جديدة في الإصلاح التي عرفها المغرب، والتي تلت محطات الإصلاح الفاشلة.
فأغلب التقويمات التي تلت الانتكاسات التي عرفها هذا القطاع، أهملت- عن قصد- تسمية الأمور بمسمياتها، وتحديد المسؤولين الحقيقيين على التلاعب بمصائر أجيال من المغاربة خريجي مدرسة وطنية فاقدة لِمَا تُعْطي. لأن المسؤولين على وضع هذه التقويمات والإشراف على الإعلان عن نتائجها هم ذاتهم المسؤولون عن هذا التردي الذي يعرفه القطاع.
إن الحقيقة المرة التي يأبى البعض أن يستوعبها، هي أن أزمة التعليم في هذا البلد ليست مرتبطة لا ببرامج ولا بمناهج كيفما كانت قيمتها العلمية والتربوية، أو "شهادة جودتها" في الشرق والغرب ، ولكن هذه الأزمة- التي اتخذت طبيعة سياسية منذ الاستقلال- مرتبطة بمعاداة الجديد، وانعدام الضمير المهني، وروح المسؤولية، والجد، ونكران الذات، لدى أغلب المتدخلين والمسؤولين على هذا القطاع؛ بدءا بهيئة التدريس والإدارة التربوية وهيئة المراقبة التربوية، مرورا بمسؤولي الإدارات الخارجية بالنيابات والأكاديميات وانتهاء بالسلطات التربوية المركزية. الكل يتحمل مسؤولية هذا الاهتراء والترهل المميت الذي يعرفه القطاع منذ سنوات.
فغياب "حب القميص" لدى أغلب المسؤولين على القطاع، وتعامل البعض مع هذا القطاع كبقرة حلوب للاغتناء الرخيص من الاعتمادات الضخمة التي ترصد للنهوض به من أموال دافعي الضرائب؛ تأهيلا، وتسييرا، وتكوينا،... والتي تُسيل لعاب الجُشَّع من الراقصين على جراح هذه الأمة السادرة في أتون الفقر والأمية، وعدم الشعور بجسامة المسؤولية التي طُوِّقت بها الأعناق، وما يترتب عن إهمالها من إجرام حقيقي في حق الإنسان الذي كرمه الله تعالى، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض، وطَوَّقَ مسؤولية تعليمه، وصون كرامته، أعناقَ "صانعي القرار"، وكذا المساهمة في تضييع أجيال من التلاميذ والطلبة، وحرمانهم من حقهم في تعليم جيد، وتكوين مُؤَسَّس،... هي الأسباب الحقيقية الثاوية خلف أكِمَّة هذه الأزمة المزمنة، والتي ظلت الحكومات المتوالية تهتم بترقيع أعراضها الخارجية دون أن تلج إلى جوهرها المتعفن حيث يربض الداء الحقيقي، ويتجذر.
إن فشل حلقات الإصلاح المتوالية(*) التي عرفها المغرب، والتي انتهت، أخيرا، ببرنامج "استعجل" فيه واضعوه تدارك ثغرات عرفها تنزيل مقتضيات "الميثاق"، وأشار إليها تقرير المجلس الأعلى للتعليم(2008)، وأُهدرت فيه ملايير الدراهم دون نتيجة تذكر، واعتراف المسؤولين –من أعلى سلطة في هذا البلد – بهذه الحقيقة المرة؛ يستدعي من الجميع أن يقف وقفة تأمل وتدبر وتمعن، للمساءلة وتقديم الحساب، قبل أي خطوة جديدة .
إن أي محاولة جديدة تبغي تقديم شكل جديد من الإصلاح الارتجالي والمتسرع، كواجهة لحفظ ماء "الوجه السياسي" لهذه الحكومة، أمام الشعب المغربي، دون تقديم الحساب، وتحديد المسؤوليات والمسؤولين، وتغيير الوجوه التي ظلت تقتات من هذا القطاع، دون أن تقدم شيئا؛ ستكون محاولة للمواربة والضحك على ذقون المغاربة، وأبناء المغاربة، كما ستكون تَجَنِّياً على مستقبل جيل جديد من المتعلمين والمتعلمات، لا يقل عن التجني الذي تتسبب فيه الحروب المدمرة، والأمراض الفتاكة.
لقد اعتاد "المجتهد" في هذا البلد أن يتفانى في عمله، ويقاتل في أداء واجبه المهني، في فصله الدراسي، أو في إدارته، أو في مكتبه،... دون مُقَاِبلٍ من تشجيعٍ ، أو ذكرٍ حسن؛ يرفع من معنوياته، ويدفع بتفانيه وإخلاصه إلى مستوى الإبداع، والعطاء الذي لا ينقطع . اللهم ما يتقاضاه من أجرة يشاركه فيها الطابور الممتد والطويل للمتهاونين، والكسالى، والأشباح، ووو ... إن لم يكن هؤلاء قد جاوزوه درجة، ونالوا دونه كل التقدير، والذكر الحسن ، والامتيازات المحرمة، والإكراميات، والتشجيع، "بفضل" ما "حباهم" الله تعالى به من إتقان"لِلَحْنِ القول"، و"صلابة الوجه"، في انتزاع الحقوق دون القيام بالواجبات !
إن البصيص النادر من العطاء الإيجابي الذي تقدمه المدرسة الوطنية اليوم، يعود في جزء كبير منه، إلى هذه النفوس الخَيِّرَة المتفانية، والهامات المخلصة، التي لا زالت تعتقد أن نجاحها وفوزها، في الدنيا والآخرة، رهين بتحِلَّة مالها الذي تتقاضاه من هذا الوظيف. لذلك تجدها تتفانى في أداء واجبها، في صمت، واعتقادها كبير في أن الله تعالى هو الوحيد القادر أن يكافئها.
لقد آن الأوان أن يُلتفت إلى هذه الطاقات النقية الخفية، والضمائر الحية المتيقظة، التي تشتغل بصدق، وتكافح بإخلاص، والتي تمثل الوجه المشرق لهذا القطاع، والدعامة القوية التي يُعَوَّل عليها لإنجاح مسار تنزيل مقتضيات الإصلاح؛ بالتشجيع المادي والمعنوي. فهي البقية الباقية التي لازالت تحفظ لهذا البلد ماء وجهه بين البلدان، وإن كان عددها قليلا لا يصل أن ينهض بالقطاع إلى السقف المأمول، والترتيب المشرِّف المحمود...
صلاح ايت خزان







التوقيع

    رد مع اقتباس