عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-01-03, 15:46 رقم المشاركة : 75
mustapham
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية mustapham

 

إحصائية العضو








mustapham غير متواجد حالياً


وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: مصطفام ينفض الغبار عن عالم الحمار -موضوع متجدد-


الموضوع السادس و الأربعون: درس في الكرامة !


من الأخبار الأخيرة التي تناقلتها الأنباء عن الجزائر، نبأ انتحار كلب رمى بنفسه من المدرج فنفق. ولا أحد عرف السبب ولا أراد أن يعرفه أو يهتم بتخريجه.
ولكن الحمار الذي انتحر بعده بإلقاء نفسه في البحر، بسبب عنائه من نقل رمل البحر - كما جاء في الخبر - يثير مسألة جديرة بالتأمّل، فهو لم يكن هرباً من العناء الذي يحتمل الحمار منه ما لا يحتمله أيٌّ من مخلوقات الله، وإنما لمسألة أخرى يعرفها الحمار ونعرفها نحن ونواريها؛ وهي مسألة الكرامة!
والكرامة التي نعتبرها نحن من خصائص البشر، ونبذل من أجلها الغالي والنفيس، يجعلها هذا الحمار الكريم من أوليات وجوده، تماماً مثلما نتصورها نحن البشر، ولكنه يتفوّق علينا بكونه يبلور قناعاته وينفعل بها وينفّذها؛ وكثير منّا يدّعيها ولا يُنفّذها.
لقد احتجّ علينا هذا الحمار احتجاجاً منطقيّاً بليغاً حين ضاقتْ به السُبُل في إفهامنا بأن لكل مخلوق كرامتَه، وأننا إن لم نكن عرفنا ذلك فسوف يعرّفنا به حمار!
الكرامة مسألة جوهرية في تكويننا الأخلاقي، ونحن ندّعيها في كل ممارساتنا، ولكننا نغفل عن ثمنها الذي تقتضيه؛ فالقليل ممن رحم ربي عرف ثمن الكرامة.
وقد عرفها هذا الحمار الكريم الذي دفع حياته ثمناً لها. وقد سربلني قرار هذا الحمار الحكيم بالبهجة، فأنا، منذ خُلِقتُ أكنّ للحمار احتراماً كبيراً، وأحسبه من أكثر مخلوقات الله حكمة وفلسفة وصبراً؛ فقد عشتُ في محيط أحاطت به الحمير على صفة الحقيقة، وما زلت أعيش في محيط يحفِل بالحمير على صفة المجاز!
وللكرامة في حياتنا حدود يجتهد الناس في أبعادها، ولكنهم يتفقون في كونها من عناصر وجودهم الثمينة، فلا حياة للإنسان بلا كرامة. ولكن ما هي هذه الكرامة؟
إنها في حدودها الأولى، قوة تنبع من إحساس الفرد بضرورة صيانة أخلاقياته ومروءته وحقوقه ومعتقداته واحترام رأيه؛ وهو أمر يفضي في نهاية الأمر إلى الإعتراف بحق الآخر في كل تلك الأمور، فالكريم أخ الكريم.
وقد كان لي أن كتبتُ قبل سنوات عن بغل منحته إحدى الجامعات الأمريكية الدكتوراه الفخرية (هذا ليس مزاحاً، فقد نشرته جريدة الحياة يومذاك؛ ونقلته في كتابي »القلم وما كتب« من منشورات المدى). وهذه المواهب والمواقف الحيوانية موضع اهتمامي منذ وقت طويل، وهي تستدرجني - بالضرورة - إلى المقارنة بالبشر؛ فأن يحمل بغل دكتوراه فخرية ولا أحملها أنا ولا غيري ممن على شاكلتي، فمسألة فيها نظر!
أما مسألة أن ينتحر حمار احتجاجاً على اضطهاده واحتراماً لكرامته، فأمر يبعث على الأسى، حين نرى أفراداً، بل أمماً، لا تقيم وزناً لكرامتها ولا تأبه بهدرها استجداءاً لرضا الغرباء، والتماساً لألطافهم، من أجل مصالح شخصية يأباها حتى الحمار، فأمر يبعث على الحيرة والخجل، ونحن نرى كيف تُهدر الكرامة ويرخص ثمنها. وليس من المعقول أن نستقصي حالات هدر الكرامة، فهي واضحة لكل ذي بصر.


بقلم الكاتب الجزائري: محمد سعيد الصكار





التوقيع


هل جلست العصر مثلي ... بين جفنات العنب
و العناقيد تدلـــــــــــــت ... كثريات الذهب

آخر تعديل mustapham يوم 2010-01-03 في 15:50.
    رد مع اقتباس