عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-01-03, 10:38 رقم المشاركة : 1
si sajid
بروفســــــــور
إحصائية العضو








si sajid غير متواجد حالياً


new1 ظاهرة العنف في المؤسسات التربوية مردها إلى الفراغ في التشريع والتلكؤ في التنفيذ


لقد كشفت حادثة اعتداء تلميذ على أستاذ بالجهة الشرقية عن تردي الوضع التربوي بشكل غير مسبوق ، ذلك أن درجة الاعتداء الجسدي داخل مؤسسة تربوية ، ومن طرف متعلم على من يعلمه هي أعلى درجات الانفلات والتسيب داخل المؤسسة التربوية ، وقبلها درجات هيأت لها. فإذا كانت ثقافتنا الإسلامية قد ذمت عقوق الأبناء آباءهم وأمهاتهم ، و منعت أدنى درجة العقوق وهي مجرد النطق بكلمة التأفف : " أف " في حضرتهم أو غيبتهم لتكون باقي درجات العقوق ممنوعة ومحرمة بما فيها درجة الاعتداء الجسدي ، فإن عقوق المتعلمين من يعلمهم لها نفس الحكم إذ لا يجوز أن يفوه المتعلمون بكلمة من حجم: " أف " في حضرة أو غيبة من يعلمهم .ولعل الذي أعطى الآباء والأمهات في ثقافتنا هذه القيمة هو فضلهم على الأبناء ، وكذلك الذي أعطى المعلمين نفس القيمة هو فضلهم على المتعلمين.
فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم جعل خيار الناس أهل العلم في قوله عليه السلام : " خيركم من تعلم العلم وعلمه " وقد ألف علماء السلف كتبا كثيرة في موضوع علاقة المتعلمين بمن يعلمهم على غرار علاقة الأبناء بالآباء. فإذا كان خيار الناس في مجتمعنا تلحقهم الإهانات المختلفة إلى درجة تعرضهم للعنف الجسدي فسلام على التربية والعلم في بلادنا. والملاحظ أن التشريع المدرسي يكاد يخلو من نصوص تعالج ما أسميه ظاهرة عقوق المتعلمين ، فكل ما يوجد من نصوص تشريعية وتنظيمية مذكرة يتيمة تمنع العنف بشكليه المادي والمعنوي داخل المؤسسات التربوية ولكنها لا تحدد الإجراءات المطلوبة في حال وقوع هذا العنف . فالأصل في الممنوعات في ثقافتنا الإسلامية الزجر من خلال تحديد العقوبات ذلك أن الله عز وجل لم يمنع شيئا إلا وجعل له عقوبة دنيوية قبل العقوبة الأخروية. ولا يمكن للتشريع المدرسي أن يتنكر للتشريع الإلهي المتعلق بالعقوبات ، فالله عز وجل يقول في محكم التنزيل : (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص )) فلم يكتف الله عز وجل بمنع العنف المادي بل ذكر مع المنع العقوبات التي تمنع وقوعه خلاف مذكرة العنف الوزارية التي ذكرت المنع وسكتت عن العقوبات .فلو أن التلميذ المتهور الذي سولت له نفسه أن يعتدي على أستاذه فكر في القصاص من نفس جنس الاعتداء لأحجم عن فعلته الشنيعة خوفا وارتداعا . أما أن يسمع بمذكرة تمنع العنف ولا تعاقب عليه فإن ذلك سيشجعه على العنف لا محالة . وإذا كان وصول العنف إلى درجة الاعتداء البدني قد أثار ضجة كبرى في الأوساط التربوية فماذا نقول عن أنواع العنف الأخرى وما أكثرها إذ الملاحظ والغالب على العموم عدم مراعاة المتعلمين لحرمة من يعلمهم بدءا بالعنف المعنوي حيث ينبز المعلمون والأساتذة بأ قبح الألقاب وينادون بها جهارا ، وتكتب على السبورات ، وتنقش على جدران الفصول وعلى الطاولات ، ويشتمون ويعيرون ، ويتوعدون بالتهديد خارج وداخل المؤسسات ، ومرورا بالاعتداء على وسائل نقلهم المختلفة انتقاما منهم ، وانتهاء برميهم بكل ما يقع في الأيدي وهم يكتبون على السبورات .... إلى غير ذلك من الإهانات . وتسجل يوميا عشرات الحالات من العنف الصادر عن المتعلمين ضد من يعلمهم بنوعيه المعنوي والمادي .

وإلى جانب فقر المنظومة التربوية إلى النصوص التنظيمية والتشريعية المحاربة لكل أنواع العنف من خلال التنصيص على العقوبات توجد ظاهرة التلكؤ في تنفيذ أبسط ما يسمح به التشريع وهو عقد ما يسمى المجالس الانضباطية حيث تسوف بعض الإدارات التربوية ـ ما لم تكن هي الجهة الممسوسة والمطالبة بعقد المجالس ـ تسويفا متعمدا حتى لا تنعقد هذه المجالس ، وتكثر الشفاعات والتدخلات من عدة جهات لثني الجهات المطالبة بعقد هذه المجالس عن قرارها . ويختلف أعضاء هذه المجالس كأشد ما يكون الاختلاف بينهم ، بل تكون المطالبة بعقد هذه المجالس أحيانا فرصة لتصفية الحسابات بين هؤلاء الأعضاء ففي حين يجرم بعضهم المتعلمين الذين يحالون على أنظار هذه المجالس ينصب البعض الآخر أنفسهم مدافعين عنهم لا لأسباب تربوية بل لتصفية الحسابات الشخصية نكاية البعض في البعض وشماتة . فأمام غياب التشريع المناهض للعنف بكل أشكاله داخل المؤسسات التربوية ، وأمام التلكؤ والتسويف في اتخاذ القرارات الزاجرة لا بد أن تكون النتيجة هي أعلى درجات العنف غير المسبوقة. ولا يمكن التعامل مع الجرائم داخل المؤسسات التربوية بشكل مخالف عن التعامل معها في المجتمع ، فالجناة داخل المؤسسات التربوية يجب أن يحالوا على العدالة كما يحال كل الجناة عليها ، بل لا بد أن تكون العقوبات الخاصة بالجنايات داخل المؤسسات التربوية أشد قسوة ليكون ذلك رادعا للجناة . فالمجالس الانضباطية يمكنها أن تبث في مخالفات لا تصل حد الشتم والقذف والاعتداء البدني ، أما الشتم والقذف والاعتداء البدني فيجب أن يحال على العدالة ، ولا بد أن توجد عدالة خاصة بالمؤسسات التربوية على غرار عدالة الأسرة ، وعدالة الإدارة .... وغيرها من العدالات التي تخص شرائح اجتماعية بعينها ، وشريحة المتعلمين من أوسع الشرائح في المجتمع فلماذا لا تحص بعدالة خاصة بها .
ولا بد أن تنتفي بعض الظواهر السلبية من قبيل تدخل بعض الجهات للتغطية على مرتكبي الجرائم داخل المؤسسات التربوية ، من خلال العبث بالمساطر والإجراءات القانونية ، أو للشفاعة غير المرغوب فيها لا شرعا ولا عرفا ، لأن ثقافتنا الإسلامية تمنع الشفاعة في حدود الله عز وجل ، فلا بد أن ينال الجناة جزاءهم حرصا على سمعة وكرامة المؤسسات التربوية ومن فيها . ولا بد أن ينال التلميذ المعتدي على الأستاذ جزاءه ، وأن يشهر هذا الجزاء عبر مذكرات إخبارية ليكون عبرة لغيره ، ولا بد من حملة واسعة النطاق لمحاصرة كل أنواع العنف في المؤسسات التربوية والتي استفحل أمرها وخرجت عن السيطرة . وإنه ليحز في النفس أن نرى سلوكات مشينة داخل وفي محيط المؤسسات التربوية ، ونسمع من الكلام النابي ما يندى له الجبين في كل وقت وحين دون رادع أو وازع ، لهذا فمسؤولية الجميع هو التصدي وبصرامة لكل تسيب وانفلات قبل أن يؤول الأوان إلى الفوات.

محمد شركي www.oujdacity.net 02.01.2010






    رد مع اقتباس