عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-08, 08:47 رقم المشاركة : 1
abo fatima
نائب مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية abo fatima

 

إحصائية العضو







abo fatima غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثانية من مسابقة السيرة النبوية العط

الشخصية الفضية 2012

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي مقدمات في إصلاح المنظومة التربوية


مقدمات في إصلاح المنظومة التربوية




محمد أمهرور
إن الحديث عن إصلاح التعليم يكاد يكون مستهلكا، نظرا إلى كثرة محطاته في تاريخ مغرب الاستقلال ونظرا إلى كثرة الآراء والمواقف التي تم تداولها حوله. لكن الإعلان الرسمي للفاعل السياسي المركزي بالمغرب
عن فشل ما سمي بإصلاح المنظومة التربوية الذي انخرط فيه المغرب في العشرية الأخيرة، يدعونا إلى المساهمة في النقاش العمومي حول أسس ومنطلقات الإصلاح التربوي.
قد تبدو عملية إصلاح المنظومة التربوية مسألة تقنية تحتاج إلى خبراء في مجال التربية يجيدون وضع البرامج والمناهج الكفيلة بتحقيق نسبة تعلم مرتفعة وقدرة أكبر على الاندماج في سوق الشغل والاستجابة للحاجيات الاجتماعية والثقافية المتسارعة. يبدو هذا الوصف مريحا وجذابا ومكتفيا بذاته، لكون رجال التربية قادرين على حل معضلة التخلف الدراسي من خلال برامج وعمليات تخصهم دون غيرهم. بيد أن السؤال المقلق والمحرج هو: إذا كانت عملية إصلاح التعليم عملية تقنية وترتبط بأهل الاختصاص، فما الذي يفسر فشل كل المحاولات السالفة للإصلاح؟ لماذا لم يتمكن خبراء التربية والتعليم من كسب رهان المدرسة المغربية المعاصرة التي يتحقق فيها النجاح ليس كشعار ولكن كواقع فعلي؟ لهذه الأسباب سنحاول معالجة لحظة أساسية من لحظات الإصلاح ألا وهي لحظة بناء الأسس عن طريق الإجابة عن سؤال: أي إنسان نريد؟
إن عمل المربي لم يكن في يوم من الأيام محصورا في بعد تقني محض، يتم بموجبه نقل المعارف من المعرفة العالمة إلى المعرفة القابلة للتعلم. إن هذا المجال ليس سوى حلقة تأتي بعدما يتم الحسم في الأسس والمبادئ. فالمنظومة التعليمية ليست كالسيارة التي يصيبها العطب وتحتاج إلى تقني أو حرفي يقوم بإصلاحها ليشتغل محركها من جديد، فالتعليم هو فضاء لتكوين الإنسان في محيطه الوجودي والتاريخي، لذا ينبغي نقله من الزاوية التقنية الضيقة إلى رحابة التفكير والتأمل، فالمطلوب من التربوي في العمق هو تحرير الإنسان. في المقابل، فإن المنظومة التربوية التي تشتغل بمنطق تقني وتتحرك بهاجس اقتصادي (إرضاء سوق الشغل) ومنطق اجتماعي محدود (التقليل من نسبة الأمية الوظيفية)، تستمر داخل دوامة تغيير البرامج والمناهج باستمرار لمواكبة التغيير الحاصل في مجال الاقتصاد والتحول المتسارع لتمظهرات المجتمع وثقافته. بينما السؤال المركزي الغائب هو أي إنسان نريد؟
هل نحن بصدد تكوين إنسان يمارس التفكير بحرية ويمارس حريته من خلال تفكيره أم إننا نريد إنسانا نمارس عليه الحجر والقيود والحدود؟ إننا أمام توجهين كبيرين في مجال التربية، فإما أن تكون منظومة تربوية محافظة بالمعنى التقليدي، تعيد إنتاج نموذج لإنسان تابع لغيره سواء كان شخصا أو جماعة أو فكرة أو منظومة منفتحة تستشرف إنسانا غير موجود في الماضي متفاعل مع الحاضر وقادر على التفاعل مع مستجداته الذاتية والموضوعية.
إن هذا الحسم في الاختيار بين منطق التوابع ومنطق العوالم الممكنة هو جوهر العمل الذي يقوم به التربوي. وإذا كان الفاعل التربوي ليس تقنيا صرفا وليس ملقنا دغمائيا وأكثر من ذلك فهو واع بمسؤوليته ودوره، فما الذي يفسر عجزه المتواصل في تحرير الإنسان وجعله كائنا مفكرا بامتياز؟
وبالعودة إلى كانط سوف نجده يجيب عن السؤال السابق بالقول: إني أسمع صوتا في كل اتجاه يقول: «لا تفكروا» فالضابط العسكري يقول: «لا تفكروا ولكن نفذوا العمليات !» والمستشار المالي يقول: «لاتفكروا، قوموا بالدفع !» ويقول الكاهن: «لا تفكروا بل آمنوا» فهؤلاء، حسب كانط، هم نماذج يمكنها أن تعرقل حركية الفاعل التربوي إذا لم يستند إلى سلطة أكبر، وهي سلطة رجل السياسة المستنير الذي يحمل مشروعا تحديثيا، فالتربوي يشتغل على تخوم جغرافيا السياسي، وفي ظل الحدود التي يرسمها هذا الأخير لكل فعل تربوي.
فالسياسي الذي يخاف من التفكير ومن الإنسان الذي يمارس حرية التفكير لا يمكنه أن يسمح ببلورة مشروع تربوي متفتح غير متحكم في مخرجاته البشرية من نخبة وعامة، ومن ثمة يكون هاجسه الأساس هو المحافظة على ما هو قائم، ويتجسد ذلك في إعادة الإنتاج ومن أجل ذلك يتم خلط الأوراق واللعب على التناقضات والتشعبات وكثرة التفاصيل، فيضيع الموضوع بإضاعة المبدأ أو المنطلق. ويتم السقوط مرة أخرى في فخ إصلاح البرامج والمناهج والبيداغوجيات (بيداغوجيا الإدماج كنموذج) لعلها تخفف من عمق التخلف، بينما مفاتيح الجواب التربوي الحقيقي فهو في ملكية محصنة اسمها «الإرادة السياسية».
إن الإرادة السياسية الصادقة التي يمتلكها رجل السياسة الذي يحمل فكرا تنويريا هي مفتاح كل إصلاح، فإذا تحرر السياسي من فكرة الخوف من المجهول، وتحرر من الخوف من مواطنيه وقرر أن يكون المواطن مواطنا لا أداة، آنذاك يمكن أن يصبح الحديث عن إصلاح المنظومة التربوية ممكنا، لأن الإنسان آنذاك يصبح شريكا عاقلا وفاعلا وليس مجرد رقم في صندوق الانتخاب أو مستهلكا أو كائنا شريرا لا يعرف مصلحته.
إجمالا يمكن القول إن المدخل الحقيقي لكل إصلاح تربوي فاعل يكمن في الإيمان بقدرة الإنسان على الفعل وقدرته على ممارسة حريته في التفكير والاختيار، كما يكمن الإصلاح في شقه السياسي في الإرادة السياسية الصادقة التي ترى الإنسان في بعده الإنساني وليس في بعده الحيواني فقط الذي يمكن أن يفترس من أحسن إليه.
إن الفاعل السياسي الحداثي وحده لا يملك بالتأكيد كل خيوط المنظومة التربوية الفعالة ولكنه بالتأكيد يملك قوة إعطاء الضوء الأخضر للفاعل التربوي للاشتغال بحرية.
أستاذ باحث/القنيطرة


  • المساء التربوي





التوقيع

    رد مع اقتباس