عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-06-20, 18:51 رقم المشاركة : 4
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: مقتطف من رواية رمل وزبد لجبران خليل جبران.


السلام عليكم ورحمة الله
هذه بداية النص لعلها توحي بسياق الكاتب ولو أني كنت أحبذ حرية التأويل من المقتطف الأول.


خُيِّل إليَّ في الأمس أنني ذرَّةٌ تتمَوَّج مرتجفةً في دائرة الحياة بغير انتظام.

واليوم .. أُدرك أنِّي أنا الدَّائرة، وأنَّ كلّ الحياة تتحرَّك فيَّ بذرَّاتٍ منتظمة.



في يقظتهم يقولون: "أنتَ والعالَم الذي تعيش فيه حبَّةُ رملٍ على شاطىء غير متناهٍ لبحرٍ لا حدَّ له".

وفي حلمي أقول لهم: "أنا البحر الذي لا حدَّ له، والعالم كلُّه حبَّاتُ رمل على شاطئي".



ما اخترتُ الصَّمت جواباً إلاَّ لمَن سألَني: "من أنتَ؟".




فكَّرَ الله فكان فِكْرُه الأوَّل ملاكاً.

وتكلَّم، فكانتْ كلمتُه الأولى إنساناً.



كنَّا، بني البشر، مخلوقاتٍ هائمةً تُنْشِدُ ذاتَها الضَّالَّةَ في الأحراج، قبل أنْ تمنحَنا البحارُ والرِّيحُ كلماتِها بألفِ ألفِ سنة. كيف إذن نستطيع أنْ نعبِّرَ عن غابر الأيام بأصواتٍ متواضعةٍ تعلَّمْناها ما سوى في الأمس القريب؟!.



تكلَّم "أبو الهول" مرَّةً في حياته. قال: "حبَّة الرَّمل صحراء. والصَّحراء حبَّة رمْل. فلنعدْ إلى صَمْتِنا".

سمعتُ ما قالَه أبو الهول، لكنني لم أفهم.



رقدْتُ طويلاً فوق تراب مِصْرَ صامتاً غافلاً عن الفصول.

وما إن ولَدتْني الشَّمس حتى انتصبتُ ورحتُ أمشي على ضَفَّتي النِّيل، أرنِّم مع الأيام وأحلم مع الليالي.

وها الشَّمس تدوسني الآن بألف قدمٍ كيما أعودَ إلى رقادي فوق تراب مِصْر.

هذا هو الُّلغز، وتلك هي الأعجوبة: الشَّمس ذاتها التي جمعتْني ليس بوسعها أن تفرِّقني الآن.

وها أنا ما زلت منتصباً أمشي بخطىً ثابتة على ضَفَّتي النِّيل.



التذكُّرُ إحدى صور اللقاء. النِّسْيانُ أحد أشكال الحرِّيَّة.



نقيسُ الزَّمن وفق حركة نجوم لا تحصى، وهم يقيسون الزَّمن بآلاتٍ صغيرة يحملونَها في جيوبهم.

كيف لنا أن نلتقي في مكان واحد ووقت واحد؟



الفضاء بين الأرض والشمس ليس فضاءً لمن ينظر إليه من فُتُحات المجرَّة.



الإنسانية نهرٌ من نور تجري مياهُه من الأزل إلى الأبد.



ألا تحسُدُ الإنسانَ على آلامه تلك الأرواحُ السَّاكنة في الأثير؟



في طريقي إلى المدينة المقدَّسة صادفت حاجَّاً، فسألته:

"أهذه هي الطريق إلى المدينة المقدَّسة؟"

فأجابني: "اتْبعني تصلْ إلى المدينة المقدَّسة بيوم وليلة".

تبعتُه وسرنا أيَّاماً ولياليَ ولم نبلُغ المدينة المقدَّسة!

وأدهشني غضبه مني حين أدرك أنَّه أتاهني.



اجْعلْني ياربّ فريسةً أسدٍ قبل أن تجعلَ أرنباً فريستي.



قد لا يبلغ الإنسان مقصدَه سالماً إذا اختار طريق الليل.



همسَ بيتي في أذني: "لا تهجُرْني. في داخلي يسكنُ ماضيك".

وقالت ليَ الطَّريق: "تعالَ اتْبَعْني. أنا مستقبلُك".

وللبيت والطريق أقول: "لا ماضٍ لي ولا مستقبل. إذا أقمتُ فإقامتي رحيلٌ، وإن رحلتُ فرحيلي بقاءٌ. وحدَهما، المحبَّةُ والموت، قادران على تغيير جميع الأشياء".



كيف لي أن أفقد إيماني بعدالة الحياة ما دمتُ أُدركُ أنَّ أحلامَ النائمين على فراش وثيرة ليست أجملَ من أحلام الذين يفترشون الأرض؟.

من الغريب أن لذَّة محدَّدة أنْشُدُها تشكِّل جزءاً من ألمي.



احتقرتُ نفسي سبعَ مرَّات:

الأولى، عندما رأيتُها تتظاهرُ الوضاعة وهي تنشدُ الرِّفعة.

والثانية عندما رأيتها تترنَّح متجاوزة العَرْجى.

والثالثة عندما خُيِّرتْ بين السَّهل والشَّاق ففضَّلت السَّهل.

والرابعة عندما اقترفَتْ ذنباً وراحتْ تبرِّره باقتراف الآخرين ذنوباً مماثلة.
والخامسة عندما عجِزَتْ عن فعل شيء لضعفها وعزَتْ صبرَها إلى القوَّة.

والسادسة عندما احتقرتْ بشاعة وجهٍ تبيَّن أنه أحدُ براقعها.

والسابعة عندما غنَّتْ مديحاً واعتبرتْ غناءَها فضيلة.

جاهلٌ أنا الحقيقةَ المطلقة، غير أنَّني أجثو راكعاً أمام جهلي .. وفي هذا فخرٌ لي وثواب.

بين خيال المرء وما يُحرزه مسافةٌ لا تجتازُها إلا اللَّهفة.
أرجو أن نرى قراءتكم النقدية أستاذنا الفاضل نزيه الحسن.
تحياتي وتقديري.





التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
    رد مع اقتباس