عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-05-14, 20:17 رقم المشاركة : 2
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

a7 رد: الابستمولوجيا و بعض مسائلها. الدكتور عماد فوزي الشعيبي.


الفصل الثاني
المجال الإبستمولوجي
بات واضحاً لكل من عالج موضوع الإبستمولوجيا أنه من العسير رسم تخوم تفصلها عن المباحث المجاورة، سابقة الذكر. والأمر شأنه شأن كل مسعى للتعريف. أنه، بادئ ذي بدء، مسألة مفردات، وإذن مسألة قرار حرّ لا ينمّ عما هو صواب أو خطأ، بل عما هو مناسب، كما يُقر بلانشيه إذ مهما تتباين طريقة تحديد معنى الكلمة، ستبقى تخوماً متحولة، لأن مشكلات الابستمولوجيا تتجاوز وتتناول في آنٍ مجالات كنا قد وضعناها خارج تلك التخوم ومنها العلاقة بين الإبستمولوجيا وكل من :

1. الإبستمولوجياونظرية المعرفة:
تختص نظرية المعرفة كما بات معلوماً في إمكانية قيام معرفة ما عن الوجود بمختلف أشكاله ومظاهره، وما إذا كانت المعرفة ممكنة وبالسؤال عن أدواتها وحدودها وقيمتها، وتأسست في سياقها هنا عدة مذاهب منها المذهب العقلي الذي يعتبر العقل هو الوسيلة الوحيدة للمعرفة وفيه تتأسس معرفة قبلية فطرية ، والمذهب الحسي- التجريبي الذي يُحيل المعرفة إلى الحواس باعتبار العقل صفحة بيضاء TABU LA RASA والمذهب الحدسي الذي يُحيل المعرفة إلى الحدس الذي لا يُتوافق على تعريف صارم له!
وتبدو علاقة الابستمولوجيا بنظرية المعرفة -بشكل أولي- كأنها علاقة الجنس بالنوع،حيث أن الابستمولوجيا تقتصر على شكل وحيد من أشكال المعرفة، وهو المعرفة العلمية. وعلى الرغم من ذلك فإن التمييز سرعان ما ُيمحّي عندما نُرجع النوع إلى هذا الجنس وحده، كما هي الحال لدى المؤلفين الذين يطلقون تعبير المعرفة على المعرفة العلمية وحدها ويرون أن كل ما عدا ذلك لعب لفظي خلو من أي مدى معرفي. وذاك ما كان عليه، مثلاً، موقف الوضعيين- المحدثين في(فينا)، وهوموقف الاختبارية المنطقية التي جاءت في أعقابهم.

وعلى ذلك فإن(كارناب) لا يعترف بصحة نظرية المعرفة إلا في حدود إرجاعها إلى الإبستمولوجيا، بل، وبوجه أدق، إلى تحليل العلم تحليلاً منطقياً. وفي فرنسة جعل(ل. روجيه)، الذي يتفق في هذه النقطة مع الاختبارية- المنطقية، عبارة"كتاب المعرفة" عنواناً لكتابه الذي يقول فيه أن ليس ثمة من معرفة إلا المعرفة العلمية. فهنالك"علوم زائفة" و قد ُبتَّ في شأنها منذ زمن بعيد. وهذا ما يقف وراء افتخار(ديكارت) بأنه لم ينخدع بوعود السيميائي ولا بتنبوءات المنجّم وأضاليل الساحر"[13]

و يلاحظ بلانشيه هنا أنه على الرغم من ذلك، فإن(ديكارت) هذا كان هو نفسه يجعل العلم تابعاً للميتافيزياء مثلما تتغذى الشجرة بجذورها، واليوم أيضاً، يرجع إلى العلم ذاته أن يقول هل تعترف بسمة علمية تسم أبحاث التخاطر، أو حتى مجرد الفراسة أو قراءة الخطوط لاستشفاف سجية أصحابها. بل وكذلك حال المباحث التي يجمعها عنوان(العلوم المعيارية" ولكن، بالمقابل، ليس من باب المسألة العلمية أن نطلب معرفة هل توجد إمكانات معرفية خارج العلم أم لا توجد. فمثل هذا السؤال يرجع إلى نظرية عامة عن المعرفة، يكون أحد أغراضها الأساسية هو، بوجه الدقة، تحديد وضع المعرفة العلمية بين أشكال أخرى يمكن تصورها عن المعرفة. ترى هل توجد طرائق معرفية تمنح من دروب أخرى غير دروب العلم أم لا توجد؟. فقد قال فريق من الباحثين بوجود ملكات غير فكرية، أو فكرية جزئياً، كالقلب"ذي الأسباب التي لا يعرفها العقل"، أو الحدس بوصفه"غريزة ينيرها الذكاء": وهذا ما يسوّغ صحة معرفة صوفية أو ميتافيزيائية. ويقترح آخرون توجيه ملكاتنا الفكرية ذاتها في منحى آخر، شطر"حدس الذوات"، ونؤسس إذ ذاك علماً ظواهرياً فيما وراء العلم بالوقائع. بل إننا، حتى لو قابلنا مثل هذه المزاعم بالرفض، فإننا إنما ننخرط بذلك في أفق فلسفة ما عن المعرفة.

إن التفريق النظري بين الإبستمولوجيا وبين نظرية المعرفة ضروري مع الاعتراف حقاً بأن هذا التمييز لا يُراعي في الواقع على الدوام، وذلك أولاً لأسباب تتصل بالمفردات وحدها. ففقدان اسم بسيط يمكن أن يُشتق منه نعت وظرف[14] يجعل من اليسير الاستعاضة عن عبارة"نظرية المعرفة" بكلمة أيسر هي كلمة"الإبستمولوجيا".
وقد حاول المعنيون تدارك هذا المحذور بنحت كلمة(علم المعرفة) GNOSELOGIE. ولكن هذه الكلمة لا تكاد تستند إلى جذر وربما استعلمت في اللغة الإيطالية أحياناً، و لكن يبقى استعمالها أمراً نادراً في اللغتين الفرنسية والإنكليزية وهي تكاد أن تكون غائبة في اللغة الألمانية اللهم إلا في شكلها المدرسي في لفظي EKENNTNITHEORIE أو ERKENNTNISLEHRE.

ولكن ( جان بياجه)،مثلاً، يعدّ"الإبستمولوجيا" و"نظرية المعرفة" أمرين مترادفين. ذلك أن العلم والفكر العلمي، إنما ينشئ أحدهما الآخر بالتدريج ودون أن يبلغا حال الإنجاز في تطور المجتمعات وفي نمو الفرد سواء بسواء. وإذ ذلك تكون كل إبستمولوجيا تكوينيةً، سواء تناول الأمر تاريخ العلوم أو علم نفس الطفل،وهي تتسع بالضرورة لنظرية المعرفة، ما دامت تتوخى اجتياز جميع المراحل التي نبلغ بها ما نعدّه اليوم معرفة علمية – أي أن ننظر إلى المعرفة في أشكال يمكن أن نحكم بأشكال سابقة للعمل، والتي لا نستطيع، بالرغم من ذلك، أن نمنع عنها أية قيمة علمية ما دام وجودها قد هيأ لضروب التقدم اللاحقة.
زد على ذلك أن مجرد توحيد الإبستمولوجيابنظرية المعرفة، وإن كان اليوم لا يكاد يتسق مع الممارسة، فإنه لم يزل ناشطاً لدى كثير من المؤلفين الذين يقرونه دون مناقشة كما لو أنه أمر بديهي. من ذلك المقالة الطويلة في"موسوعة الفلسفة"(1967) الفرنسية، الخاصة بالإبستمولوجيا، وقد ورد فيها التعريف الآتي:"إن الإبستمولوجياأو نظرية المعرفة هي فرع من الفلسفة يعنى بالطبيعة، وبمدى المعرفة، وبمقولاتها التمهيدية، وبأسسها، وبالثقة الممنوحة لها". ويلي ذلك عرض تاريخي طويل يمتد من العصر القديم اليوناني إلى"فلاسفة اللغة العادية" مروراً على الأخص بالقديس(توما) وبـ(سبينوزا) و(شوبنهور). وقد عرفت"الموسوعة البريطانية" Britanica[15] الإبستمولوجيا بألفاظ شبه مماثلة:"إنها فرع الفلسفة المعني بمشكلات الطبيعة وحدود المعرفة والاعتقاد وصحتهما". أما"الموسوعة الإيطالية" فقد اكتفت في كلمة" الإبستمولوجيا" بالإحالة على كلمةGNESOLOGIE. ولنلاحظ، على العكس، أن"موسوعة يونيفرساليس"(1970) تقف في أقصى الطرف المقابل وترفض الاعتراف بأي رباط يصل الإبستمولوجيا بالفلسفة.!

الإبستمولوجيا وفلسفة العلوم:
يرى بلانشيه أن من شأن التمييز الدقيق أن يزداد عسراً بين الإبستمولوجياوفلسفة العلوم، وذلك من جراء مرونة هذه العبارة الأخيرة.
فثمة من يعترض على السمة الفلسفية للمبحث الابستمولوجي ويرى أن المهمة لأولى للإبستمولوجيا تمثل في تعيين معيارقبلي لكل معرفة علمية.
فإذا نظرنا إلى فلسفة العلوم بالمعنى الأوسع وجدنا أن الإبستمولوجيافصلاً من فصولها، أو طرازاً من طرز ممارستها. وعلى هذا النحو صاحبا كتاب "قراءات في فلسفة العلوم" بتمييز أربع وجوه مختلفة لفلسفة العلم[16]:

· دارسة علاقاته بالعالم وبالمجتمع.
· السعي لوضع العلم داخل مجموعة القيم الإنسانية.
· المحاولات الفكرية التي تنطلق من نتائج العلم وتجاوزها لبلوغ ما يمكن تسميته فلسفة الطبيعة.
· التحليل المنطقي للغة العلم.
وقد أعلن فايغل و برودك أنهما يتمسكان بهذه الدلالة الأخيرة؛ وهي وحدها التي يمكن أن تتسق مع ما تشير إليه كلمة الإبستمولوجيا.
ويمضي بعض الإيبستمولوجيين إلى أبعد فيقطعون الجسور بين المفهومين، وكأنهم يسعون إلى صون الإبستمولوجيا، كمصطلح جديد من فساد يصيبها من الفلسفة!





التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
    رد مع اقتباس