عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-05-14, 20:14 رقم المشاركة : 1
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

a7 الابستمولوجيا و بعض مسائلها. الدكتور عماد فوزي الشعيبي.


الفصل الأول :
"الإبستمولوجيا" مدلول المصطلح
اختلف الباحثون في المعنى الدقيق، إن وُجد، لكلمة إبستمولوجيا فإذا رجعنا إلى الأصل الاشتقاقي لهذا اللفظ وجدنا أنه مركّب من (ابستيمه)EPISTÉMÉ ومعناه(العلم)، ومن(لوجيا) LOGIE وهي تدل على(المقال)[1] ، أو علم ، نقد ، نظرية ، دراسة …[2] . وفي هذا المستوى اللغوي رأى المعجم العام للعلوم الاجتماعية، أنها تعني(علم العلم)، لكن المُصطلح يغدو –هنا- أكثر التباساً .
إنها كلمة مستحدثة. فهي لا توجد في معجم(ليترة)، ولا في معجم"لاروس الجديد المصوَّر". ويذهب(روبرت) إلى أنها ظهرت أول ما ظهرت في المعاجم الفرنسية في"ملحق لاروس المصوَّر" سنة1906. وقد كان(جدل لاشيله) في حوالي ذاك التاريخ، حيث كان معجم(لالاند) الفلسفي يهيأ للظهور، يعد هذه الكلمة كلمة جديدة مؤسفة[3].
و قد قال مؤلفا تعريف "الإبستمولوجيا" في"معجم اونيفرساليس" إنها كلمة قديمة جداً، أو إنها على الأقل مؤلفة من مواد قديمة جداً، ولكن استعمالها حديث لا يسبق القرن التاسع عشر ضمن مفردات الفلسفة المتخصصة. وهذه الكلمة يقابل ظهورها تاريخ الفلسفة وتاريخ العلوم، فيما يذهب (لالاند) في"معجمه" إلى أنها تدل على فلسفة العلوم. فهي ليست بوجه خاص دراسة الطرائق العلمية، لأن هذه الدراسة موضوع علم المناهج (الميثودولوجيا)، و الأخيرة جزء من المنطق[4]، كما تتوافق عليها المدرسة الفرنسية في الفلسفة، كما أنها ليس تركيب قوانين علمية أو استباقها بالافتراض.

الإبستمولوجيا، بالدرجة الأولى، دراسة نقدية لمبادئ مختلف العلوم وفرضياتها ونتائجها بغية تحديد أصلها المنطقي(لا النفسي) وقيمتها ومداها الموضوعي. ويرى العوا أن من الموائم ترجمة هذا اللفظ الأعجمي بعبارة"نقد العلوم"، باعتبار النقد إيضاح تقويم يصدر حكماً في أمر بما له وما عليه معاً، إن لم يكن من الأفضل الحفاظ في اللغة العربية على اللفظ بصيغته الأجنبية بوجه الإطلاق، ونحن نميل لهذا الاتفاق ، فهي نقد للعلم أكثر منها علم للعلم ، فالأخير ينزع عنها صفتها الفلسفية،وكذلك فإن نظرية العلم تبدو حطاً من قدرها الفلسفي، إذ يُلحقها بالعلم ولا تبدو –كما هي عليه فعلاً- رؤية فلسفية وليست نظرية فحسب للعلم.
ويجب أن نتذكر دائماً أن المصطلح بدا بهذا الشكل من الإشكالية نظراً لعدم القدرة على إيجاد الفواصل أو الحدود النهائية بين الإبستمولوجيا والعديد من المجالات كالميتودولوجيا(علن المناهج) أو الغنيزيولوجيا( نظرية المعرفة) أو الكريتيريولوجيا (علم المعايير).
ولئن كانت الكلمة جديدة فإن روبرت بلانشيه يرى أن ما تدل عليه لم يكن بالشيء القديم جداً. فكل فلسفة تنطوي على بعض تصور للمعرفة،و مثال ذلك(أفلاطون) الذي يعرض منذ وقت بعيد في(تيتاوس) نظرية عن العلم بالمعنى الواسع.

ولكن كلمة"علم" قد تحلت منذ القرن الثامن عشر بمعنى أضيق وأدق، وهو المعنى الذي نرمي إليه عندما نتحدث اليوم عن"أكاديمية العلوم"، أو عن الثقافة العلمية، أو عن تطبيقات العلم..الخ. ففي القرن الثامن عشر، وبعد الدفع الذي حققه(غاليله)، وهو دفع حاسم، غدا العلم غير مستقل استقلالاً كافياً عن الفلسفة. وكذلك الحال لدى(نيوتن)، فضلاً عن(ديكارت)، إذ كان العلم يُعرض بعنوان"مبادئ الفلسفة" وستستمر عبارة"الفلسفة الطبيعية" ذائعة لدى الإنكليز حتى نهاية القرن التاسع عشر للدلالة على الفيزياء. وكذلك كان اللفظ الألماني لمعنى العلم WISSENSCHAFT لا يزال على العكس يحتفظ ببعض المعنى الأوسع الذي كان يميل فيه سابقاً إلى الامتزاج بمعنى الفلسفة.[5]

ويرى بلانشيه [6] أن أفضل كتاب في القرن الثامن عشر يشكل إرهاص ما سيصبح الإبستمولوجيافي هو"المقالة التمهيدية للموسوعة" بقلم(دالمبر). وفي مستهل القرن التالي يمكن عدّ الممهدَّات الآتية وهي الجزء الثاني من كتاب(دوغالن ستورت) بعنوان"فلسفة الفكر الإنساني"(1814) وكتاب(اوغست كونت)"دروس الفلسفة الوضعية وكتاب(جون هرشل) بعنوان"المقالة التمهيدية للفلسفة الطبيعية"(1830). ولكن الكتابين الرئيسين اللذين نختار عدّهما طوعاً مما ندعوه اليوم الإبستمولوجيا، ولو أن الكلمة لما توجد آنذاك، فقد ظهرا في وقت واحد بوجه التقريب في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر: الأول يتصل بالعلوم الصورية، المنطق والرياضيات، وهو كتاب(برنار بوالزانو) بعنوان WISSENSCHAFTSLEHRE، والكتاب الآخر يتصل بعلوم الطبيعة وعنوانه"فلسفة العلوم الاستقرائية" وقد وضعه(ويليام وهويل)[7] سنة1840.

إن كلمة WISSENCHAFTSLHRE التي كتبها(بوالزنو) في مقدمة كتابه تسمح بالإمعان، فهي تقابل من الناحية الحرفية في اللغة الألمانية ما تعني كلمة الابستمولوجيا المستلهمة من الإغريقية في اللغة الفرنسية أي: نظرية العلم. وعلى الرغم من ذلك فإن اللفظين، الألماني والفرنسي،(أو كلمةEPISTEMOMGY باللغة الإنكليزية) ليسا مما يمكن استبدال أحدهما بالآخر بدقة. لأن اللفظ الأول لم يكن يحتفظ من أصوله الأقدم في الغالب إلا ببعض معنى أوسع من المعنى الذي تحلى به اللفظ الآخر من رسم دلالة على مجال أضيق فهو لا يتميز على الدوام تميزاً جلياً عن لفظERKENNTNISCHTHEORIE الذي يدل على"نظرية المعرفة" بوجه عام. وإذن فإنه يتسم بسمة فلسفية أجلى. بل أنه قد يحظى بتوسيع أكبر جداً ما دام هذا اللفظ ذاته WISSENSCHAFTSLEHRE هو الذي اختاره(فيخته) حوالي سنة(1800) عنواناً لعرض- أو بالحري للعروض المتعاقبة لفلسفته بأسرها.

إن عبارة نظرية العلم WISSENSCHAFTSLCHRE تدل لدى(بولزانو) على معنى أدق، هو المعنى الذي تشير فيه كلمة WISSENSCHAFT دلالة دقيقة على المعرفة العلمية، بصرف النظر عن أي شكل آخر من أشكال المعرفة، وإن دراسته تتناول، أكثر ما تتناول، بكثير من الانتباه الدقيق، بحرص جمّ على الصرامة، بحث مفاهيم المنطق الرئيسة مثل قابلية الاشتقاق. وهي تبشّر على هذا النحو بالأسلوب، وتستبق إلى بعض المشكلات مما يطالعنا اليوم في بحوث ما وراء المنطق.

ويذكّرنا بلانشيه بأننا نطلق الآن تعبير"ما وراء العلم"، من أجل حالات أخص لكلمتي"ما وراء الرياضيات" و"ما وراء المنطق"، فنطلقه على دراسة"تلي" العلم وهي تتناول العلم فتتخذه بدوره موضوعاً، وتتساءل، وهي ترقى إلى مستوى أعلى، عن مبادئه، وأسه، وبنياته، وشروط صحته،الخ. ولهذا يرى أن الإبستمولوجيا، وهي تفكير في العلم، إنما تدخل هي ذاتها، بهذا الوصف، في"ما وراء العلم"، ولا يمكن تمييزها عن"ما وراء العلم" إلا بفويرقات أن ما وراء العلم يبين في العادة حرصاً أقصى على أن ينقل إلى مضماره أسلوب العلم ذاته ومقتضياته، فلا يكاد يكون من الممكن إذن أن يتصدى لممارسته إلا العلماء الاختصاصيون، في حين أن الابستمولوجيا تقف في الغالب بالإضافة إلى العلم على بعض مسافة، وهي لا تزال تحتفظ بسمة فلسفية متميزة إلى حد كبير أو صغير، وعلى الرغم من مساعيها للتقليل من شأنها.

وفي حوالي سنة(1900)، عندما بدأ التساؤل بجد عن بعض مبادئ ما سيدعى العلم"المدرسي"، نمت الحركة الكبيرة المسماة"نقد العلوم"كانتقاد موجه ضد الوثوقية العلمية، حيث تناولت طبيعة القوانين، ونظريات الفيزياء.
وقد كانت"أزمة الأسس" التي انطلقت من متناقضات الفئات ترغم علماء الرياضيات في الوقت ذاته على التساؤل، هم أنفسهم، عن مبادئ علمهم. وقد انصرف إلى هذا التساؤل، أكثر من انصرف(كوتلوب فريجه) في ألمانية و(برتراند رسل) في انكلترة. وباتصال الكفاءة العلمية والتفكير الفلسفي على هذا النحو، وهو اتصال توجيه بصورة قاهرة حال العلم ذاتها وقد جعله الاختصاص العلمي الناجم عن نمو العلم أمراً نادراً باطراد، وجدت الإبستمولوجياذاتها، وقد تكونت بوصفها مبحثاً أصيلاً. وهذا الوضع الراهن هو الذي جاء داعماً عمادها[8].

ويرى العوا [9] أن الطريف في الأمر، وهو غير مباغت حقاً، أن الباحثين الإبستمولوجيين من أمثال(مايرسون)و(دوهم) و(برنشفيك) و(بوانكاره) و(رسل) والوضعيين وأصحب(نادي فيينا) و(باشلار) وأتباعه من طراز(بانكليم) و(داكوني) و(كرانجر) يمضون وراء أهدف متباينة بشأن تعريف وموضع تطبيق الابستمولوجيا، كذلك يفعل (بوبر) في مقدمة الطبعة الإنكليزية للكتاب"منطق الاكتشاف العلمي" (1958) معتبراً :" أن المشكلة المركزية في الابستمولوجيا كانت وتبقى مشكلة نمو المعرفة والسبيل الأفضل لدراستها هي دراسة نمو المعرفة العلمية".

ويذهب(جان بياجه) إلى هذا الوضع بالذات عندما يقول :"إن المشكلة المركزية في الابستمولوجيا هي تبيان هل تنحلّ المعرفة إلى مجرد تسجيل المرء معطيات منتظمة سلفاً بصرف النظر عنه في العالم الخارجي(الفيزيائي أو المثالي) أم أن المرء يتدخل في المعرفة وفي تنظيم موضوعاتها كما حسب(كانت)"[10].

فالإبستومولوجيا التكوينية هي نوع خاص من الإبستمولوجيات حيث رأى بياجيه أن الخطأ العقيم الذي ارتكبه الفلاسفة قد كمن في نظرتهم إلى المعرفة كواقعة نهائية وليس كسيرورة، وقد ذهب بدوره إلى أن جميع القضايا العلمية قابلة للمراجعة والتصحيح (والنقطة الأخيرة يوافقه عليها باشلار عندما يعتبر أن العلم هو تاريخ تصحيح أخطاء العلم[11]) وبالتالي فالمنهج التكويني في الإبستمولوجيا يستلزم النظر إلى المعرفة من زاوية تطورها في الزمان أي كتكوين من ناحية وباعتباره لم ولن يكتمل من ناحية أخرى، وهذه الأخير تتطابق مع رؤية باشلار لما يسميه الفلسفة المفتوحة[12].

ولا بد عندما نود أن نوغل أكثر في تعيين المفهوم أن نُلاحظ أنه ستُطالعنا مشكلتان أساسيتان: الأولى مشكلة وحدة العلوم، وهي مطروحة لدى(كونت) و(مايرسون) مثلاً، وقد زعزعها (باشلار)، ثم مشكلة وحدة أشكال المعرفة: إذ يرى باحثون مثل(مايرسون) أن هناك استمراراً بين المعرفة العامية والعلم، ويرى آخرون مثل(باشلار) وأتباعه أن ثمة انقطاعاً بل انقصاماً بين المعرفة والحس المشترك إزاء العلم هو ما يدعوه بالعقبة الإبستمولوجية.





التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
آخر تعديل رشدية جابرية يوم 2012-05-14 في 20:19.
    رد مع اقتباس