عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-18, 13:37 رقم المشاركة : 2
lazzu
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
إحصائية العضو







lazzu غير متواجد حالياً


افتراضي رد: تاريخ الشيعة في المغرب..


وهذه من أشد المواقف التي مرت علي من علماء السنة تجاه الشيعة، حتى أنهم لم يعذوا من ألجئ إلى القتل.
وحكي عن ابن التبان أنه رأى الناس يوما مجتمعين في عاشوراء فبكى، فقيل له ما يبكيك، فقال: (والله ما أخشى عليهم من الذنوب لأن مولاهم كريم، وإنما أخشى أن يشكوا في كفر بني عبيد فيدخلوا النار)[24]
وسئل ابن عذرة عن خطباء بني عبيد. وقيل له: إنهم يثنون عليهم. قال: (أليس يقولون: اللهم صل على عبدك الحاكم، وورّثه الأرض؟ قالوا: نعم. قال أرأيتم لو أن خطيباً خطب فأثنى على الله تعالى ورسوله، فأحسن الثناء، ثم قال: أبو جهل في الجنة، أيكون كافراً؟ قالوا: نعم. قال: فالحاكم أشر من أبي جهل)[25]
وسئل الداودي عن المسألة فقال: (خطيبهم الذي يخطب لهم، يدعو يوم الجمعة. كافر يقتل. ولا يستتاب، وتحرم عليه زوجته، ولا يرث ولا يورث ماله في المسلمين. وتعتق أمهات أولاده، ويكون مدبروه للمسلمين. يعتق أثلاثهم، بموته، لأنه لم يبق له مال. ويؤدى مكاتبوه للمسلمين ويعتقون بالأداء، ويرجعون بالعجز، وأحكامه كلها، أحكام الكفر. فإن تاب وأظهر الندم، ولم يكن أخذ دعوة القوم، قبلت توبته. ومن صلى وراءه، خوفاً، أعاد ظهراً أربعاً. ثم لا يقيم إذا أمكنه الخروج، ولا عذر له بكثرة عيال ولا غيره)[26]
ولم يكتف العلماء بهذا الفتاوى الصريحة والجريئة، بل خرجوا على بني عبيد بسيوفهم، وجاهدوهم بأنفسهم وأموالهم.
فعندما ثار الخارجي مخلد بن كيداد المعروف بأبي يزيد على بني عبيد، تردد بعض العلماء في بادئ الأمر في القيام معه لموقفهم من الخوارج، لكنهم أجمعوا أمرهم بعد تشاور، وعزموا على الخروج مع أبي يزيد، لأن أبا يزيد من أهل القبلة، وبنو عبيد كفار ليسوا من أهل القبلة.
قال القاضي عياض: (وكان في قبائل زناتة، رجل منهم، يكنى بأبي يزيد، ويعرف بالأعرج صاحب الحمار، واسمه مخلد بن كيداد، من بني يفرن، وكان يتحلى بنسك عظيم، ويلبس جبة صوف قصيرة الكمين، ويركب حماراً، وقومه له على طاعة عظيمة. وكان يبطن رأي الصفرية. ويتمذهب بمذهب الخوارج. فقام على بني عبيد، والناس يتمنون قائماً عليهم. فتحرك الناس لقيامه، واستجابوا له. وفتح البلاد، ودخل القيروان، وفرّ إسماعيل إلى مدينة المهدية، فنفر الناس مع أبي يزيد، إلى حربه. وخرج بهم فقهاء القيروان، وصلحاؤهم، ورأوا أن الخروج معه متعين، لكفرهم. إذ هو من أهل القبلة... وكذلك كان أبو إسحاق السبائي، يقول. ويشير بيده إلى أصحاب أبي يزيد. هؤلاء من أهل القبلة لقتالهم. فإن ظفرنا بهم، لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد، والله يسلط عليه إماماً عادلاً، يخرجه عنا)[27].
فاجتمعوا للخروج، وخطبهم أحمد بن أبي الوليد وحرضهم .وقال : (جاهدوا من كفر بالله، وزعم أنه رب من دون الله ،وغير أحكام الله ،وسب نبيه وأصحاب نبيه .فبكى الناس بكاء شديدا .وقال : اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله ،المدعي الربوبية ،جاحد لنعمتك ،كافر بربوبيتك .طاعن على رسلك ،مكذب بمحمد نبيك ،سافك للدماء .فالعنه لعنا وبيلا ،واخزه خزيا طويلا ،واغضب عليه بكرة وأصيلا .ثم نزل فصلى بهم الجمعة)[28]
وكان معظم علماء القيروان حاضرا في هذه المعركة. وكانت سبعة بنود. بند أحمر للممسي مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. لا حكم إلا لله، وهو خير الحاكمين. وبندان أحمران لربيع (القطان)، في أحدهما: بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله محمد رسول الله. وفي أحدهما: نصر من الله وفتح قريب، على يد الشيخ أبي يزيد. اللهم انصر وليك على من سب نبيّك، وأصحاب نبيّك. وبند أصفر لأبي العرب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. قاتلوا أئمّة الكُفر الآية. وبند أخضر لأبي نصر الزاهد، فيه: لا إله إلا الله. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم. وبند أبيض للسبائي، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. محمد رسول الله، وأبو بكر الصديق، وعمر الفاروق. وبند أبيض للعشّاء، وهو أكبرهم، فيه مكتوب: لا إله إلا الله. " إلا تنصروه فقد نصره الله "[29]
وقتل في هذه المعركة خمسة وثلاثون من علماء وصلحاء القيروان.[30]
وهكذا قاوم العلماء هذا المذهب بأقوالهم وأفعالهم، واستبسلوا في دفعه عن أرضهم وبلادهم.
ولقد كان لهذه المقاومة أثرها على باقي مناطق المغرب العربي، إذ كانت القيروان وعلماءها آنذاك هم المقتدى بهم، وكانت الفتاوى تؤخذ عنهم، وكان أهل المغرب الأقصى بحواضره يتبعون القيروان وعلماءها.
فما دام العبيديون قد فشلوا في إقناع أهل القيروان بالمذهب الشيعي وإلزامهم به وهم قلب دولتهم ومركز قوتهم، وينبوع دعوتهم، فإن عجزهم عن إقناع غيرهم من باب أولى.
وخصوصا المغرب الأقصى الذي لم يستقر المقام فيه للعبيديين، وبقي يتنازعه الخوارج من جهة، والأمويون في الأندلس من جهة أخرى.
فمن جهة استمرت دولة الأدارسة السنية في فاس، حتى سنة 309 هـ، حتى تم إسقاطها على يد مصالة بن حبوس الذي أرسله العبيديون لإخضاع هذه المناطق، ولم تمر ثلاثة أشهر حتى عاد الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس المعروف بالحجام، واسترد مدينة فاس وقتل عاملها من طرف الفاطميين.
لكن غُدر به من طرف أحد عماله ويدعى حامد بن حمدان الهمداني، إذ كان من شيعة اليمن، فتآمر ضد دولته لصالح مذهبه، واستدعى الجيش الفاطمي بعد أن سجن أمير فاس، وعزله عن جنده، فبيتهم الشيعة الفاطميون، وسقطت فاس سنة 313.[31]
كان القائد هذه المرة هو موسى بن أبي العافية، الذي نجح في إسقاط دولة الأدارسة في تلمسان أيضا، وذلك سنة 319هـ ليصفوَ الجو في المغرب الأقصى للعبيديين، لكنه لم يلبث إلا يسيرا حتى حول ولاءه إلى الأمويين، ليرسل الفاطميون جيشا آخر إلى فاس، ثم يهجم الأدارسة مرة أخرى على هذا الجيش بعد أن نجح في القضاء على جيش أبي العافية.
لتخرج فاس عن سلطة العبيديين مرة أخرى سنة 322هـ، فأرسلوا حملة أخرى في السنة التي تليها، وحاصروا مدينة فاس، لكنهم اتفقوا على الصلح هذه المرة، وأعطى أهل فاس البيعة للعبيديين، على أن يكون واليهم منهم، وإذا علمنا أن الدولة الفاطمية انتقلت إلى مصر سنة 361هـ، تبين لنا أن المذهب الشيعي لم يجد الوقت الكافي ليغرس نفسه في هذا القطر المضطرب من المغرب.
أما في شمال المغرب الأقصى فقد كانت الأمور أشد اضطرابا، وقامت ولاية نكور في شمال المغرب، على يد أمرائها من بني صالح، بالدفاع عن هذه المناطق الواسعة في شمال المغرب، واستمر صراع الفاطميين والأمويين عليها إلى أن صفت للأمويين بعد حروب سجال.
بعد كل هذه الصراعات وكل هذه الحروب، وكل هذه الضغوطات التي قوضت المذهب، قرر الخليفة الفاطمي المعز، أن ينهج نهجا جديدا في التعامل مع الواقع، ويلجأ إلى المهادنة والموادعة، بعدما رأى أن العنف لم ينفع في بسط نفوذ العبيديين في المغرب، لا من الناحية السياسية ولا حتى المذهبية.
ويظهر لنا بعد هذا العرض المختصر لأحوال المغرب الأقصى في تلك الفترة، أن التشيع لم يستطع أن يجد محضنا له في تلك المنطقة لأسباب أهمها:
1- الاضطرابات السياسية: إذ لم يستقر مقام العبيديين في المغرب الأقصى، ولم تهدأ الثورات عليهم، فما كادت تهدأ الفتنة بين رجال المهدي وأهل القيروان، والتي أمر المهدي أتباعه على إثرها بالكف عن دعوة العامة إلى التشيع، حتى ثار عليه الخوارج في صقلية وفي تاهرت، واندلعت على إثرها ثورة الخوارج الكبرى على يد أبي يزيد، والتي عمت المغرب كله، وحازت مباركة الفقهاء ودعمهم، واشتدت نيرانها في عهد القائم ولده، وكبر شأنها في عهد المنصور، الذي ما لبث أن توفي قبل أن يقضي عليها، حتى جاء المعز، الذي انتهج سياسة الموادعة والمهادنة.
2- تأثير المدرسة القيروانية في الساحة الدينية: فقد كان لتلك المقاومة صداها في باقي حواضر المغرب، وكانت تلك الفتاوى القيروانية في تكفير العبيديين تطعيما مضادا ضد هذه الدعوة.
3- تأثير الخلافة الأموية السنية: في الأندلس على مجريات الأحداث، وتدخلها المستمر في قلب الوضع على العبيديين.
4- التأثير الديني للمدرسة الأندلسية السنية بعلماءها الكبار.
5- تمسك المغاربة بالمذهب السني الذي نشرته الدولة الإدريسية.
6- مقاومة الأدارسة في وسط المغرب وبني صالح في شماله لهذا المد.
فلم يتشيع من المغرب إلا قبيلة كتامة وشرذمة من بعض القبائل الأخرى، وحتى كتامة لم تتشيع كلها، كالعالم الكبير عبد الرحيم بن أحمد الكتامي المتوفى سنة 413هـ، الذي قال عنه القاضي عياض: (كان كبير قومه كتامة ،وإليه كانت الرحلة في المغرب...قال: وكان أكثر مدته في قومه كتامة، رأسا فيهم)[32] وكان من تلامذة بن أبي زيد رحمهم الله.
ومنهم أبو زيد عبد الرحمن بن مسعود الكتامي، توفي بعد 390[33]
وعبد العزيز بن عبد الرحيم بن أحمد بن الفخور الكتامي توفي 430هـ[34]
وغيرهم كثير.
فهذا يدل على أن كتامة لم تكن كلها من أتباع المذهب الشيعي.
عموما فإني لم أعثر على أي أثر لهذا المذهب في المغرب العربي، ولا حتى أيام قوة الدولة العبيدية وشدتها، وكل ما وجد في هذه الفترة هو الفتاوى في تكفير العبيديين، وبعض المناظرات التي تدل على مدى المقاومة التي مني بها دعاة التشيع في المغرب.
وكما مر فإن قبيلة كتامة، قد اضمحلت حتى لم يبق منها في القرن العاشر إلا ما يقارب أربعة آلاف شخص، وكما رأينا فإن من هذه القبيلة نفسها من كان من علماء السنة، ولم أجد في ما بين يدي من كتب تراجم الشيعة، غير رجل واحد ممن ترجم له ونُسب إلى هذه القبلية، وهو أبو طالب الحسن بن عمار الكتامي، وقد رحل مع الفاطميين، وكان قاضي طرابلس الشام، وتوفي سنة 464هـ.[35]
فلم أجد إلا واحدا من هذه القبيلة ممن صار له ذكر في أوساط الشيعة وصار من قضاتهم، بينما وجدت حوالي العشرة، من فقهاء السنة الذين ينسبون إلى هذه القبيلة في هذه الفترة.
المبحث الثالث: نهاية المذهب الشيعي في المغرب:
لقد عانى العبيديون كثيرا من المغاربة، واضطر المعز إلى أن يلجأ إلى الموادعة والمهادنة، حين بدأ يحس بفشله في المغرب، فتوجهت أنظاره إلى المشرق، بعد أن يئس من هذا الشعب العنيد...
قال في رسالة له لأحد المقربين منه: (وقد ابتلانا الله برعي الحمير الجهال، فإنا لم نزل نتلطف في هدايتهم، ومسايرة أحوالهم، إلى أن يختم الله لنا بالحسنى، والخروج من بين أظهرهم على أحمد حال)[36]
وقال له بلكين بن زيري حين أراد أن يستخلفه على أرض المغرب: (يا مولانا: أنت وآباؤك الأئمة من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صفا لكم المغرب، فكيف يصفوا لي وأنا صنهاجي بربري؟ قتلتني يا مولاي بلا سيف ولا رمح)[37].
ومن هنا ابتدأ تاريخ النهاية، ورفع الله المحنة عن العلماء، وانقلبت الكفة، وبدأ الوضع ينقلب على الشيعة، حتى بدأ العامة وبعض الناس بالتطاول عليهم، والتعرض لهم.
كما وقع للقاضي النعمان، وهو من أشهر علماء الفاطمية، وكتابهم. وقد بلغه من الأذى ما جعله يكتب للمعز رسالة يشكو فيها معاناته وما يلقاه من السب والشتم، والمضايقة.
فأجابه بجواب يظهر فيه ضعف الخليفة وعدم قدرته على الدفاع عن أتباعه المخلصين.
فكان مما قال له: (هذه الألسنة الحداد، هي متاجر النساء والسفل والأوغاد، تذهب بالإعراض عنها، وتزول بالاطراح لها، وتزيد وتعظم ما علم السفل بنَفاقها، فلا تصغ إلى سماعها، ولا تلق بالا لها...ومع هذا فللملك سياسة يساس بها، ولنا حدود لن نتعداها، والله يظهر أمره على رغم الراغمين، ولو كره المشركون)[38]
فبدأ المعز يبحث له عن مكان آخر ينشر فيه مذهبه، وتنتعش فيه دولته، وأيس أشد اليأس من أن يستقر له المغرب، أو أن يتحول المغاربة عن مذهبهم.
فعزم على الخروج إلى مصر، وفكر فيمن يخلفه على المغرب، ففكر أولا في جعفر بن يحيى، الذي اشترط شروطا أغضبت المعز، فصرف النظر عنه إلى بلكين بن زيري الذي أظهر الخضوع والوفاء.
وعندما طلب منه ذلك، تعذر في بادئ الأمر، ثم قبل على أن يبقى الخراج والقضاء تحت أمر المعز مباشرة و،لا يتخذ رأيا إلا بمشاورته.
فاستحسن منه المعز هذا الصنيع وشكره، فلما انصرف بلكين، قال له عم أبيه، أبو طالب أحمد بن المهدي عبيد الله: (يا مولانا: وتثق بهذا القول من يوسف أنه يفي بما ذكره ؟ فقال المعز: يا عمنا: كم بين قول يوسف وقول جعفر ؟ واعلم يا عم، أن الأمر الذي طلبه جعفر ابتداءً، هو آخر ما يصير إليه أمر يوسف، فإذا تطاولت المدة سينفرد بالأمر، ولكن هذا أولى وأحسن وأجود عند ذوي العقل، وهو نهاية ما يفعله من يترك دياره.)[39]
فقد أحس المعز بهذه الفجوة الكبيرة بينه وبن شعبه، وأيقن أن المغرب سيعود إلى ما كان عليه، وأن بلكين بن زيري لن يفي بما ذكره...
وكان خروج المعز لثمان بقين من شوال سنة 361هـ.
يقول الدكتور محمد الحاجري: (لقد كان المعز يستشف ببصيرته ما يؤول إليه أمر العبيديين في أفريقية والمغرب عامة، ولعل أقصى ما كان يرجوه وهو يفارق إفريقية، أن تظل تابعة له معترفة به، أما الصبغة الشيعية، فقد علم أن لا رجاء له فيها)[40]
لقد حاول التشيع فرض نفسه على المغرب بقوة السلطان وسلطة القوة، وقد أثارت هذه القوة ردة فعل موازية لها في القوة أو أشد منها، وفجأة تلاشت قوة الدفع لدى المذهب الشيعي لتندفع تلك القوة التي أثارتها ردة الفعل وتكتسح المجال، وتنفجر بعد الضغط الذي كبتها طيلة تلك السنين.
وليس من الصعب الآن أن نتصور الوضع الذي فرضته المرحلة، بالنسبة للذين بقوا على هذا المذهب، بعد ذهاب الدولة التي كانت تسندهم وتدعمهم.
لقد آثر كثير منهم المغادرة، وكان من قبائل كتامة من رافق الدولة في خروجها من المغرب، وهذا أمر طبيعي بالنسبة للمقربين من الخليفة، أن يصطحبهم في جهاده الجديد، ويكونوا في طلائع جيشه، والمقدمين من قواده.
بينما بقيت قلة قليلة من قبيلة كتامة ممن ناصر الدعوة وتبناها، وسكنوا في حي خاص بهم من أحياء القيروان يسمى "حي المقلي" والذي كان خاصا بالشيعة، وقد رأينا بعض ملامح الإذاية التي بدأت تلحقهم أيام المعز.
إلى أن جاء المعز بن باديس الخليفة الرابع من عائلة زيري، وأعلن رسميا تبنيه للمذهب المالكي، وإلغاءه لكل المذاهب التي كانت في المغرب، كمذهب الخوارج، ومذهب التشيع، وأعلن مبايعته لبني العباس.[41]
يقول الدكتور الحاجري: (ولم يكن هذا التحول الذي حدث في سياسة الدولة الزيرية، وهذه القطيعة بين القيروان والقاهرة، إلا مسايرة من السلطة الحاكمة لطبقات الشعب، ورعاية للاتجاه السائد فيه، واستجابة لما كان لا يزال يسري في نوازع ذلك الشعب، فقهائه وعامته، على درجات متفاوتة، من إنكار لذلك الذي جاءت به هذه الدولة الجديدة)[42]
عند ذلك برز الحقد الذي احتقن في نفوس المغاربة منذ سنين، فبعد أن رحلت الدولة التي كانت تدعم هذا المذهب، جاء الوقت الآن ليتعرى الشيعة من أي دعم سياسي يحميهم، بعد أن تنكر لهم المعز بن باديس، فأقدم المغاربة على قتل الشيعة، وارتكاب مجزرة بشعة في حقهم، ليتم بذلك القضاء على التواجد الشيعي في المنطقة، يقول ابن الأثير:
(في هذه السنة –أي سنة 407هـ- في المحرم قتلت الشيعة بجميع بلاد أفريقية .وكان سبب ذلك، أن المعز بن باديس ركب ومشى في القيروان، والناس يسلمون عليه ويدعون له ،فاجتاز بجماعة فسأل عنهم، فقيل هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر وعمر، فقال رضي الله عن أبي بكر وعمر، فانصرفت العامة من فورها إلى درب المقلي من القيروان، وهي تجتمع به الشيعة، فقتلوا منهم، وكان ذلك شهوة العسكر وأتباعهم، طمعا في النهب، وانبسطت أيدي العامة في الشيعة، وأغراهم عامل القيروان وحرضهم .وسبب ذلك أنه كان قد أصلح أمور البلد ،فبلغه أن المعز بن باديس يريد عزله ،فأراد فساده، فقتل من الشيعة خلق كثير، وأحرقوا بالنار، ونهبت ديارهم، وقتلوا في جميع أفريقية ،واجتمع جماعة منهم إلى قصر المنصور قريب القيروان، فتحصنوا به فحصرهم العامة، وضيقوا عليهم ،فاشتد عليهم الجوع، فأقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم حتى قتلوا عن آخرهم، ولجأ من كان منهم بالمهدية إلى الجامع فقتلوا كلهم)[43].

وفي الحقيقة نجد أن هذا العنف قد تولد عن سنوات من الاضطهاد والقمع والمعاناة، وما أن أتيحت الفرصة، حتى كال السنة للشيعة بنفس المكيال الذي كانوا يكيلون لهم منه، وسقوهم من نفس الكأس التي لطالما سقوهم منها.
وكانت هذه هي الضربة القاضية التي قصمت المذهب، ومسحت أي وجود له بعد ذلك اليوم.
ولا بد أن يكون هناك بقايا قد آثرت إخفاء عقيدتها، ولا بد أيضا أن تموت عقيدتهم المخفية معهم، وتدفن معهم في قبورهم.
وبهذا لم يبق أي أثر للشيعة في بلاد المغرب.
يقول السيد محسن الأمين –من علماء الشيعة في القرن الماضي- في كتابه أعيان الشيعة، الذي تتبع فيه الشيعة عبر مختلف الأزمنة والأمكنة، بعد أن ذكر هذه الحادثة: (ولا يعرف اليوم هناك أحد من الشيعة)[44]
ويتلخص من هذا المبحث أمور:
1- جاء رجلان شيعيان إلى المغرب وكونوا بعد ذلك دولة، وهذا يدل على مدى خطورة هذا المذهب وتمرسه.
2- رفض المغاربة المذهب وقاوموه فكريا وعسكريا.
3- بعد أن فقد المذهب الغطاء القمعي والمادي ثار ضده المغاربة وقاوموه بضرواة.
4- شارك العامة في القضاء على المذهب بالمجزرة الكبرى التي أوقعوها بالشيعة.
ويمكن أن نقسم مراحل التواجد الشيعي في المغرب إلى مرحلتين:
1- مرحلة التأسيس: وتمتد من سنة 296 التي بويع فيها عبيد الله المهدي، إلى خروج الفاطميين من المغرب سنة 361، أي مدة 65 عاما، وتميزت بما يلي:
أ- الصراع الفكري بين علماء القيروان والعبيديين، وإصدار الفتاوى بتكفير العبيديين.
ب- الثورات العسكرية المتتالية، وخروج أبي يزيد.
ج- محاولة إلزام الناس بالمذهب بواسطة القوة.
د- في أواخر هذه الفترة بدأ الشيعة يتعرضون للمضايقة، ولجأت الدولة إلى المصانعة والمداراة.
2- مرحلة التقوقع وبداية الانهيار: وتمتد من خروج العبيديين إلى القاهرة، إلى مبايعة المعز بن باديس للدولة العباسية سنة 407هـ، أي مدة 46 سنة، وتميزت هذه الفترة بـ:
أ- انحسار المذهب وتقوقعه في أحياء خاصة.
ب- التعرض للمضايقات والأذى.
ج- تعري المذهب من أي دعم فكري أو سياسي.
د- بروز بوادر الانتقام السني من الشيعة.
هـ- القيام بمجزرة كبرى للقضاء على المذهب.
ويمكننا القول بأن المذهب الشيعي في المغرب كان كمرض ظهر في بعض أجساء الجسم المغربي، ولاقى ما لاقى من المقاومة، ثم تلاشى دون أن يحقق أدنى نتيجة أو يترك أي أثر.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] دولة الأدارسة في المغرب، للدكتور سعدون عباس نصر الله دار النهضة العربية (7-76) بتصرف.
[2] مرحلة التشيع في المغرب العربي – محمد الحاجري(7)
[3] نفس الموضع من المصدر السابق
[4] دولة الأدارسة في المغرب، العصر الذهبي، سعدون عباس نصر الله ص126 طبعة دار النهضة العربية.
[5] دعوة الحق العدد الثاني ، السنة الثانية عشرة ديسنبر يناير 1969 عنوان المقال: إدريس الأكبر وإدريس الأصغر لعبد الله كنون ص ص42
[6] نفس المصدر السابق
[7] الحشر (10)
[8] ترتيب المدارك (2/46).
[9] اتعاظ الحنفاء (1/17)
[10] اتعاظ الحنفا ج (1 /14)
[11] انظر قصة دخولهم إلى المغرب في تاريخ ابن خلدون ج4 ص31 فما بعدها.
[12] انظر نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للشريف الإدريسي (1/269)
[13] نفس المصدر (1/267)
[14] مرحلة التشيع في المغرب العربي ص33
[15] طبقات علماء إفريقية (199) طبعة الجزائر سنة 1322هـ
[16] نسبة إلى المشرق، وكان هذا اللقب يستخدم في ذلك الوقت لمن تشيع.
[17] سورة الأحزاب (32)
[18] ترتيب المدارك (1/353)
[19] ترتيب المدارك (1/364)
[20] نفس المصدر (1/454)
[21] اتعاظ الحنفا (1/319)
[22] سير أعلام النبلاء - الذهبي (15 / 154 – 159)
[23] ترتيب المدارك (2/38)
[24] نفس المصدر (1/453)
[25] نفس المصدر (2 /38)
[26] ترتيب المدارك (2/38)
[27] ترتيب المدارك (1/364)
[28] سير أعلام النبلاء (15 /156)
[29] ترتيب المدارك (1/ 370)
[30] نفس المصدر
[31] أثر القبائل العربية في الحياة المغربية الدكتور مصطفى بوضيف أحمد (1/340-343) طبعة دار النشر الدار البيضاء
[32] ترتيب المدارك (2/39)
[33] نفس المصدر (1/460)
[34] نفس المصدر (2 /64)
[35] أعيان الشيعة –محسن الأمين (5 /217)
[36] المجالس والمسايرات للقاضي النعمان، ص396 نقلا عن مرحلة التشيع في المغرب العربي ص138
[37] اتعاظ الحنفا (143)
[38] اتعاظ الحنفا (350)
[39] المصدر السابق (143)
[40] مرحلة التشيع في المغرب العربي (138)
[41] انظر المؤنس (82) ط تونس 1387
[42] مرحلة التشيع في المغرب العربي (141)
[43] الكامل في التاريخ - ابن الأثير (9 / 294 - 295)
[44] أعيان الشيعة (1/ 196)
و كتبه : الشيخ حامد الإدريسي

يتبع





    رد مع اقتباس