عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-09, 20:33 رقم المشاركة : 23
ابو المهدي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية ابو المهدي

 

إحصائية العضو







ابو المهدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خلق موسوعة تربوية ثقافية خاصة بنساء ورجال التعليم


الإبستيمولوجية التكوينية وامتداداتها البيداغوجية
مقال مترجم[1]، ترجمة: د. محمد مريني


إذا كانت العلاقات بين البيداغوجيا وعلم النفس معقدة، فإن الحوار بين المربي والعالم النفسي ليست أفضل حالا. يذهب بياجي إلى حد تقديم نصائح ذات طابع استراتيجي،
تعبر عن حكمة وتجربة مفاوض حاذق. يقول: "ينبغي دائما أن نتذكر القاعدة الأولية في علم النفس، التي مفادها ما يلي: للإنسان عموما حساسية في تلقي الدروس، ولا شك في أن المربين هم أكثر حساسية في ذلك. منذ القديم عرف علماء النفس أنه لكي يسمع المدرسون والإداريون إلى كلامهم ينبغي أن يحترسوا من الظهور بمظهر من يعود إلى المذاهب النفسية، ويكتفوا بالتظاهر بالعودة إلى الفطرة السليمة"[2]
قد يبدو هذا الكلام ذو طابع انتهازي لأول وهلة! لكن، إذا فكرنا بعمق، سنجد هنا أيضا العقيدة التربوية الأساسية ل بياجي: "لنا الثقة التامة في القيمة التربوية والإبداعية للتبادل الهادف L'échange objectif. لقد اعتقدنا أن التكوين المشترك والفهم المتبادل، انطلاقا من وجهات نظر مختلفة يسهمان في تكوين الحقائق. لقد فندنا سراب الحقائق العامة من أجل الاعتقاد في هذه الحقيقة الملموسة والحية، التي تنشأ من خلال المناقشة الحرة، وأيضا من خلال عمليات التنسيق الجاد والمتحسس للمنظورات المختلفة، بل والمتناقضة أحيانا[3].
هذه العقيدة لا تقتصر على المجال التربوي: بل هي بالنسبة ل بياجي الشرط الضروري لكل عمل علمي، والمبدأ المنظم لكل نشاط إنساني، قاعدة حياة كل كائن عاقل.
إذن، من خلال هذا الفكر سيواصل بياجي بناء مشروعه، الذي سحره منذ بداية مشواره العلمي: يتعلق الأمر هنا بمحاولة إقامة "علم تكون الذكاء"[4]. انطلاقا من مثل هذه الدراسات، التي تقوم على مقاربات ومناهج مختلفة، وتعتمد على المقابلة بين علماء من آفاق متباينة، وفي تخصصات متنوعة، درس بياجي نمو الذكاء منذ فترة الطفولة الأولى، وتوصل إلى صياغة فرضيته الشهيرة، التي مفادها أن هناك "تواز"، بين سيرورة إعداد المعرفة الفردية وسيرورة إعداد المعرفة الجماعية، أي بين علم النفس وتاريخ العلوم[5].
لقد أثارت هذه الفرضية -خاصة من خارج حدود ناحية جنيف، ومن الميدان الخاص بعلم النفس- جدلا واسعا. لكنها كانت، من المنظور الاستكشافي، ذات خصوبة عجيبة: ليس فقط لأنها أسعفت العلماء -الذين يشتغلون في المركز الدولي للإبستيمولوجيا التكوينية- في إنتاج علمي ضخم؛ إذ وصلت أعماله المنشورة إلى حوالي سبعة وثلاثين مجلدا. بل كانت أيضا مصدرا للجهود الجديدة، التي انطلقت من النقاش العميق الذي دار حول التربية من منظور بياجي، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد سبق ل"عالم النفس" بياجي أن أمد المربي بسلسلة مهمة من الأعمال التجريبية، استنادا إلى الطرق الفعالة، التي استلهمها من "منتسوري" و"فريني" و"دوكلوري" و"كلاباريد". كما سبق له أيضا -من خلال أعماله في مجال تطور ذكاء الطفل- أن شجع المدرسين على تكييف تدخلاتهم البيداغوجية مع المستوى الفعلي للتلميذ. سيعرض -هذه المرة- "عالم الإبستيمولوجيا" جان بياجي وجهة نظر جديدة: سيقترح الخروج بشكل من الأشكال من عالم التلميذ، ومستواه، ومشاكله، وقدراته الخاصة، لكي ينفتح من جديد على السياق الثقافي، مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف المسارات والآثار التاريخية للمفاهيم نفسها التي يريد دراستها.
لقد كانت حقائق ونظريات البنائية التكوينية، كما صاغها بياجي، وكذا التدقيقات التي اقترحها لمراحل نمو الذكاء والمعارف العلمية، موضوعا لقراءات جد مختلفة، تبعا لنمط التصور الثقافي الذي يحمله كل قارئ، وهو هدف نهائي –لا يمكن إنكاره- لكل مشروع تربوي.
من هذه التصورات المختلفة، يمكن التعرف إلى اتجاهين أساسيين: أحدهما يتصور الثقافة كصرح، في حاجة إلى إعادة البناء تدريجيا، اعتمادا على طريقة جد مبرمجة. وآخر يعتبر الثقافة بالأحرى عبارة عن شبكة تتسم بنوع من الليونة، وبقدرة على التنظيم الذاتي، الذي يسمح بالتالي لعمليتي البناء وإعادة البناء بأن تحدث بسهولة، غير متحكم فيها بصورة كاملة[6].
يبقى من المهم أن الاتجاهين معا يحيلان على البنائية التكوينية لبياجي بشكل عام، وعلى نظرية "مراحل النمو العقلي" تحديدا. لكن، مع تقديم تأويلين من مستويين مختلفين: أحدهما سيكولوجي، والآخر إبستيموجي. وقد دخل هذان الاتجاهان في مواجهة حادة على مستوى التطبيق البيداغوجي:
يوجد الاتجاه الأول على مستوى علم النفس الطفل. يعطي هذا الاتجاه لمفهوم المرحلة معنى طبقة، وهي مرحلة ضرورية ومحددة من خلال طبيعة سيرورات النمو نفسها. كما أنها عبارة عن خبرة ثابتة وصلبة، بدونها يصبح كل بناء متعاقب مستحيلا. من الأمثلة النوعية لهذا التصور–على سبيل المثال- اللجوء إلى الاستشهاد بالبراهين التي قدمها بياجي، من أجل إعطاء إضفاء مشروعية علمية على ممارسات التوجيه والانتقاء المدرسيين. وهي ممارسات تهدف إلى إخضاع المنظومة والممارسات التربوية إلى تراتبية، وفق مستويات تعتبر "متجانسة"، ويصعب الوصول إليها كلما تقدمنا.
يتعارض التفسير السابق مع تفسير آخر للبنائية التكوينية لبياجي. يندرج هذا التفسير ضمن حقل الابستيمولوجيا. يفهم هذا الاتجاه مرحلة النمو باعتبارها نوعا من البنينة المضاعفة- التي تكون مباغتة، ونسبيا غير متوقعة، ومؤقتة، وغير مستقرة- لشبكة من العلاقات، التي تربط عددا من المفاهيم والعمليات الذهنية، وتجعلها في حركة متغيرة على الدوام. يحيلنا المثال النوعي لهذا التصور –بقوة- على كيهن Kuhn[7]، الذي يتجرد -في الممارسة البيداغوجية- من كل شكل من أشكال البرمجة والتنميط. ويجنح إلى تصور يولي اهتماما بالغا لترتيب السياقات، التي تسهل ظهور أشكال تنظيم المعارف التي نرغب في تشكيلها.
وعلى الرغم من تعارض هذان الاتجاهان، فإنهما يتعايشان معا في مختلف أنحاء العالم التربوي المعقد وغير المتجانس. يسود أحدهما على الآخر أحيانا -في ظل لحظة تاريخية محددة- بحسب العادات المحلية، والرهنات الاقتصادية، والقوى السياسية المهيمنة. لكن، يبدو اليوم أن الاتجاه الثاني -الذي عرف انحسارا على مستوى المؤسسة المدرسية- هو الذي ينتشر في التطبيقات التربوية غير المدرسية، خاصة في استراتيجيات تكوين أطر التدبير. ربما بسبب الرهانات الجديدة التي أصبحت تفرضها -على نحو متزايد بيئة مترابطة وغير متوقعة- على تنظيم الشؤون البشرية.
بحيث، إذا كان بياجي "التربوي" قد ترك أثرا في بعض التطبيقات المدرسية، خاصة في ما يتعلق بتربية الأطفال الصغار، وإذا كان من المؤكد أن بياجي "رجل السياسي التربوية اللبق" قد ساهم في توسيع دائرة التنسيق في مجال التربية على المستوى الدولي، فإن بياجي "الإبستيمولوجي" يوجد حاليا مؤثرا في مشاريع تربوية موجودة في ميادين، لم يكن يفكر فيها. وهذا مؤشر -لا يمكن إنكاره- على غنى الاقتراحات النظرية والإيحاءات القابلة للتطبيق، التي يمكن لأعماله أن توفرها للمشتغلين في التربية.


الهامش:


1- Alberto Munari, Jean Pia***, (1896-1980), Revue trimestrielle d'éducation comparée, UNESCO: Bureau international d'éducation n: 1-2, 1994, p: 321-337 Paris, 2000


2-Pia***, 1954a, p: 28


3-Ibid


4-Pia***, 1976, p: 10.


5 - Pia***, Garcia, 1983


6 -Fabbri, Munari 1984


7- Kuhn, T. S 1962.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
hassan sahraoui منقول/ للامانة والاستفادة






    رد مع اقتباس