عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-04, 16:21 رقم المشاركة : 2
nasro6767
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية nasro6767

 

إحصائية العضو







nasro6767 غير متواجد حالياً


افتراضي رد: مباراة أساتذة التعليم العالي وسؤال الحكامة


»نحن الدكاترة..«! أو الباحثون الأشباح..



لاأكرهمن لفظة عندي أكثر من «دكتور» التي سئمتها، وصارت مقرفة ومثيرة للغثيانبفعل الابتذال الذي طالها، حتى صار العامة يستهزئون بكل حامل لها. وقدسمعت كثيرا هذه العبارة من «المدرسين الجامعيين» [ولم أسمعها من أساتذتناالأجلاء] ومن الطلبة ومن عدد من «حاملي الشهادات المعطلين» الذين يعتصمونأمام أبواب الإدرات العمومية، ويرفعون ما تبقى من الشعارات التي حفظوها فيساحات الكليات، وهناك جمعيات صارت تحمل أسماء من قبيل «دكاترة وزارةالتربية..».. والبقية ستأتي..!.. وقد ظلت تطرق «هذه العبارة» - نحنالدكاترة - أذني وزاد رنينها في الأشهر الأخيرة، حيث كنت أتابع «ثقافة» المجموعات التي برع فيها الخريجون الذين يتوسلون العمل من أذناب البشروأنصاف المسؤولين.. ومن كثرة ترديد هذه اللفظة، التي كان لها من القيمةالرمزية ما يدفع الجميع إلى احترام صاحبها، صارت اليوم، كلمة مخجلة ولمتعد تحمل غير دلالة الفقر العلمي، والبؤس المادي، والتكبر، والفساد بكلأنواعه، والتحرش الجنسي، وما ينتمي إلى الحقل الدلالي للانهيار والتراجع..
فهؤلاء الذينلا يتركون مناسبة إلا كتبوا هذه اللفظة، وأشهروها كسيف في وجه كل من سولتله نفسه أن يعاملهم كأفراد داخل المجتمع، أفرغوا الكلمة من دلالتها، وفيالوقت الذي يحالون فيه استغلالها من أجل إضفاء قيمة مضافة لمكانتهم،يكونوا قد خرقوا أول قيمة ومبدإ لهذا «التيطر»..
ما معنى أنيكون الشخص حاملا لشهادة الدكتوراه؟.. معناه أن يكون حاملا لمشروع معرفيأوفكري، بمعنى آخر أن تكون له «أطروحة» يحاول أن يبلورها ويفتح باباإشكاليا لقضية تحت الظل،لا أن يستجدي بها، أو يجعل منها وظيفة في بطاقةهويته، فهي شهادة علمية وليست دبلوما تقنيا أو مهنيا.. لأن الحامل لمشروعأو أطروحة هو مسؤول أمام القيم العلمية والمعرفية، ثم مسؤول أمام التاريخوالمجتمع، وأن يكون له «موقف المواقف» من كل شيء في الحياة، من السياسةإلى الجنس والدين والرموز والموسيقى والفنون واللغة والفنون؛ ينبغي أنيكون له رأي وموقف، أي أن تكون له نظرة خاصة للعالم، لأن الأطروحة هيسؤال، هي إثارة أسئلة، تفجير قضية من الداخل، وإعادة النظر في حقائق كانمسلما بها في السابق.. لذلك كان أساتذتنا- احتراما للعلم ولمكانتهموللشهادة- لا يتسرعون في «تحرير» الجمل من أجل الحصول على الشهادة، ولذلككم من أستاذ أحيل على التقاعد دون أن ينال درجة «الدكتوراه»، وهو بذلك علىوعي عميق بما يفعله... أما الذين يحاولون الإجابة عن سؤال في بحث ويلبسونالجينز أيام الأسبوع ويستبدلونه بالجلباب الأبيض ويتأبطون سجاداتهمويذهبون يوم الجمعة إلى المسجد وينهون عن المنكر بمالهم ولسانهم، ويومالسبت يعربدون ويسهرون، هم وحدهم الذين لهم الحق في أن يقولوا «نحنالدكاترة»..!
للأسف، اليوم،صار كل بارع في ثقافة القص واللصق بمستطاعه أن يحصل على ورقة يكتب عليهااسمه وفي الأعلى «دكتور»!! وصار من السهل على الذين يملكون المال أنيحصلوا على كل الشهادات، أو كما قال أحد الكوارث البشرية الذي كان منتخباوممثلا للمدينة في السابق، «الشّْوَاهْدْ»، لأنه فعلا حاصل علىالشّْواهدْ وليس على الشهادات.. وقد تتبع العديد الفضيحة الكبرى التيأثارتها الصحافة الأمريكية حيث أوردت خبرا مفاده أن العديد من المسؤولينوالوزراء في دول عربية اشتروا الشهادات من بعض الجامعات، وهذا ليس بغريب،ونحن في انتظار الإعلان لاحقا عن بعض هذه الأسماء، إن كان يستحيل الإعلانعنها كلها..
فقد سبق لي أنزرت جامعة ليل العريقة، منذ أحد عشر عاما، وكان مرافقي يعد بحثا في علمالنفس، وبينما نحن في المطعم الجامعي جاء صديق مغربي له، وجلس إلى جانبهيتحدث معه حول مبالغ متبقية للدفع، ومبالغ استلمها، ثم تناقشا معا حولموضوع صديق لهما كان بصدد التحضير لرسالة في القانون العام، وفرنسيتهضعيفة للغاية، نظر صديق مرافقي إليه وقال: «لكل عمل أجره»!
طبعا أنا أعرفكيف نال العديد، بل أغلب، حاملي الشهادات الذين يعودون إلى البلد منالمهجر، خصوصا في العلوم الاجتماعية والإنسانية، والطريقة التي كتبوا بهاأشباح «الرسائل». فالوطن ليس فيه أشباح الموظفين فقط، أو الموظفينالأشباح، بل هناك الباحثين الأشباح، وهذه الأشباح هي التي ينبغي لنا جميعاأن «نشمر» على سواعدنا من أجل تسليط الضوء عليها حتى نضع حدا للرهبة التيتصنعها -هذه الأشباح- في أذهان المتلقين والطلبة والمتتبعين للمشهدالثقافي.. إذ هناك من يتبجح بحصوله على شهادات من بلدان غربية وهم فيالواقع لم يكتبوا ولم يقرأوا ولم ينقحوا.. وهو ما يفضح العديد من «الأشباح» الذين يفاجئونك بلغتهم الفرنسية (أو الإسبانية) الرديئة فتستغربلهم كيف قضوا سنوات في دولة أوربية ودرسوا بها ولكنهم لم يستفيدوا لا منحضارتها ولا من لغتها ولا من معارفها، الأمر الذي يكشف أنهم كانوا طوالالمدة التي قضوها في المهجر، نوادلا أو غسالة أوان في المطاعم لتوفيرالمبالغ الكافية لدفعها مقابل من يقوم بالكتابة (Les negres) نيابة عنهم. فهناك بعض الأشخاص الذين احترفوا هذه المهنة في الدول الغربية، غير أنالجديد في الأمر هو أن هذه الحرفة قد صارت في الوطن أيضا. لدينا اليوم،للأسف، احترافيون في صناعة «الرسائل» الجامعية، إلى جانب اللصوص الذينيسطون على رسائل فيغيرون العناوين ويلصقون فصولا من رسائل، ومقدمة منرسالة، وحتى الإهداء يُسرقُ..!!
والواقع، أننيلم أكن على علم بهذه المهنة في البلد، إلا يوم اتصلت بي صديقة قديمة لي،واجهت صعوبات جمة لإعداد رسالتها، وطلبت مني، في البداية مساعدتها، فرحبتبالطلب، وفور توصلي ببعض وريقاتها سارعت بقراءة وكتابة الحواشي وبعضالملاحظات، لكنها فاجأتني حين أعادت الاتصال بي وهي تبكي عبرالهاتف طالبةمني أن أطلب أي ثمن مقابل أن أحضر لها الرسالة نيابة عنها في ظرف ستةأشهر، لأن الأجل المتبقي لم يعد يتجاوز المدة الممنوحة لي .. وكانت تقوللي: «اطلب ما تشاء..!»..
أخذت أوراقهاوأعدتها لها عبر البريد السريع في اليوم الموالي، ولم أعد على تواصلمعها.. وحين اتصلت بأحد الأصدقاء وحكيت له ما حدث لي، فاجأني بأنه سبق لهأن عاش أكثر من حادث، وهوما كان سببا في عدة عداوات حدثت له مع بعض من كانيحترمهم.. وزاد قائلا: «هذا أمر صار معمول به اليوم وهي سلعة رائجة»!!
كما اتصل بيأحد الأصدقاء مخبرا إياي، بأن طالبا بإحدى كليات الحقوق قد نال نقطة 17على عشرين على بحثه قبل أن يقدمه للكلية، وقد أخبره صاحب البحث قائلا «الله يجعل البركة فالفلوس..!» وهذا البحث لا يحترم أدنى شروط البحث، وقدنال به مسبقا شهادة الماستر في القانون (خ)..!!؟.
فأنت، حين تأخذبين يديك بعض كراسات المدرسين، في بعض الكليات، تجد اسم صاحب الكراس أصغر (من حيث حجم البنط) أما عبارة «دكتور دولة في......» فتكون بارزة وواضحة،وكأن أصحاب هذه الكراسات يقدمون ملفاتهم لمصالح المالية للرفع من راتبهم!! والحال أننا لانعثر في كتب رواد الفكر والحركات النقدية والفلسفية على صفةأصحابها، فنقرأ أمبرطو إيكو، وفوكو، وريكور، وديردا، وباختين.. لأنهماعتبروا، دائما، أن بحوثهم لنيل الشهادات لم تكن سوى عتبات لدخول مجالالبحث ونحت السؤال..! ولم يكونوا يهرولون وراء الصفة بأي ثمن..
وما يزيد الأمرحسرة على الجامعة الوطنية، كون بعض الكليات استوردت البذلة (البهذلة) وجعلتها رسمية يوم المناقشة، وتصير الهيئة المدفوعة الأجر مسبقا، عبارة عنشخصيات في وضع مسرحي باهت ورديء للغاية.. وهنا لا داعي لاستحضار البعدالتاريخي والوظيفي للبذلة في الجامعات العالمية المحترمة، وإنما يهمني أنأعيد قراءة السينوغرافيا الرديئة للمناقشات في بعض الكليات التي تصنف علىمسافة بعيدة عن مثيلاتها، وماتحت الدرجة الرابعة، والهيئة والطالب يرتدون «الرداء» وهم لا يعرفون دلالته ومعناه.. لماذا ذلك اللون؟ لماذا ذلكاللباس؟ وهل تتوفر فيه أدنى مواصفات النظافة الأخلاقية (والعادية أي هليتم تصبين هذه البهذلات)؟ إنهم غربان بالمعنى الذي يحمله المخيال الشعبيعن هذا الطائر الأسود...!
تأتي لجنةالمناقشة، وتختفي وراء هذه الملابس، التي لا معنى لها في واقع الجامعةالمغربية، وهي تخفي من تحتها روائح زيت الزيتون، وروائح البقالة،والسمسرة، ويجلس السفهاء وهو يعظون ويتحدثون عن العلم و«المنهجية» و«المشاكل السياسية الكبرى» والمصطلحات، ويتحول المشرف إلى منتقد للبحثالذي يتحمل قسطا وافرا من المسؤولية عليه، ثم يقفون أمام آلة التصوير،فتؤخذ الصور تذكارا لمسرحية أبدعت بارتجال بلاغي كان مخرجها المالوالفساد..!
و يصدق علىهؤلاء الدكاترة الجهلة قول المرحوم محمد الشرفي: «إن الثقافة السيئة أشدبما لايقدر خطرا من الجهل، ذلك أن الجهلة متواضعون ولئن كانوا أصحاب حاجاتمشروعة فإنهم ليسوا من أصحاب الادعاءات الخرقاء. أما أصحاب الثقافة السيئةفهم يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء وإذا ما تكاثرت أعدادهم ذهب بهم الظن إلىأن لهم الحق في أن يسودوا كل شيء. وفي البلدان “المتأخرة” أي النامية، كمايقال، يرتكز أصحاب الثقافة السيئة-عندما يتمردون- على دوافع أساسها الجهل،وتمردهم يزيد ذلك التخلف استفحالا».
وقد كان منالأفضل أن تحذف هذه الكلمة من القاموس العربي، وتكتفي الجامعات بثقافةالفقيه والمريد و«التحريرة»، إلى أن نجد مخرجا لهذه «الحريرة»!






    رد مع اقتباس