عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-03-23, 20:02 رقم المشاركة : 2
abo fatima
نائب مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية abo fatima

 

إحصائية العضو







abo fatima غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثانية من مسابقة السيرة النبوية العط

الشخصية الفضية 2012

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: من أجل حصانة علمية رجل التعليم


ـ الدعوة إلى إلغاء بيداغوجيا الإدماج، هي دعوة تتعلق بعدة أطراف لا طرف واحد، من بين هذه الأطراف المجتمع المغربي في بعده الأبوي والأمومي، لأنها تتعلق بمدخل ديداكتيكي معني به أبناؤه. ويجب عليه أن يدلي برأيه في هذه المسألة. لأن الممارسة الميدانية والعملية والتطبيقية لبيداغوجيا الإدماج أثبتت على الأقل نتيجتين، هما:
نتيجة؛ أفادت بأن بعض المتعلمين نقلتهم بيداغوجيا الإدماج نقلة نوعية في مقاربة الوضعيات الإدماجية، بما حقق لديهم تطورا في التعلم على مستويات مختلفة ومتنوعة. فالتحرير الكتابي مثلا عندهم أصبح ممنهجا، وتفكيرهم أصبح منطقيا فضلا عن تمكنهم من توظيف مواردهم في حل الوضعيات. وكم من أب وأم مستاء ومستاءة من هذه الدعوة.
نتيجة؛ أفادت بأن بعض المتعلمين لم تنقلهم بيداغوجيا الإدماج تلك النقلة النوعية لعدة أسباب، لا داعي إلى تفصيلها.

ومن هنا، ألا يحق لمن نجحت بيداغوجيا الإدماج في نقل أبنائهم تلك النقلة النوعية أن يطالبوا بعدم إلغائها؟ أم هو حق لطرف دون آخر؟ ألا يحق لأب ولأم المتعلم المغربي أن يطالبا بتجديد المدخل الديداكتيكي للفعل التعليمي؟ … وكذلك، من بين المعنيين بهذا الموضوع المتعلم نفسه. فهل هذه الدعوة استحضرت على الأقل موقف المتعلم المغربي في مصير فعله التعلمي على مستوى المنهج بما هو الوجه الثاني للعملية التعليمية التعلمية؟ فما المسوغات الموضوعية والمبررات العلمية التي سنقدمها للمتعلم الذي يجد نفسه في بيداغوجيا الإدماج، ويحب الاشتغال بها مبررا للدعوة إلى إلغائها؟ أليس من حق المتعلم الذي تمكن من الاشتغال ببيداغوجيا الإدماج الاحتفاظ بهذا الاشتغال الجديد بدل إرجاعه إلى الاشتغال القديم، ألا يشكل ذلك انتكاسة له؟ أليس هذا هضما لحقه في التعلم بالطريقة التي وجد فيها نفسه؟ … ومنه، ألا يحق للمتعلم المغربي أن يكون له رأي في هذه المسألة، ما دمنا ندعي أن التعليم نمركزه حول المتعلم، الذي يشكل خطي الانطلاق والوصول في العملية التعليمية التعلمية؟! ألم يصبح ( من الضروري إذن أن نعيد النظر في وظيفة أنظمتنا التعليمية وفي برامجها التكوينية بحيث نحدد لها أهدافا دقيقة تتماشى في آن واحد مع رغبات التلاميذ وحاجات المجتمع. وإن تحقيق أهداف من هذا القبيل يستلزم اعتماد استراتيجية علمية شاملة في مجال توجيه التلاميذ ومساعدتهم على الوعي بمشاكلهم واتخاذ قراراتهم بأنفسهم. فإيماننا هو أن مؤسساتنا التعليمية لن تؤد وظيفتها بالشكل المطلوب إلا باعتمادها على برامج توجيهية شاملة ومتنوعة الخدمات ).[33]
وأما الفاعلون التربويون، فهم منقسمون على أنفسهم حول الدعوة إلى الإلغاء حسب تمكنهم من هذه البيداغوجيا أو حسب معطيات أخرى قد تكون في بعضها استرزاقية، وهي التي ندينها أشد الإدانة، وننأى بالجميع عنها. ومن ثمة، ألا يحق لمن سبر غور هذه البيداغوجيا، ويعرف مزاياها التربوية والبيداغوجية أن يطالب ببقائها؟ أليس من الأجدر إجراء تقويم وتقييم علمي جاد عليها؟ … وبالتالي، أجد هذه الدعوة انتقائية، ولا تعبر عن المجتمع المدرسي، إن لم نوسعه إلى المجتمع المعني بالمسألة التعليمية، وهو المجتمع المغربي.
ـ هذه الدعوة، وانطلاقا من كون مصدرها هو رجل التعليم على الغالب، فهي تستوقف علميته حول إطلاق الجزء على الكل، بمعنى الأخذ بالتعميم في موطن التخصيص. حيث بيداغوجيا الإدماج لا تنحصر فقط في أسبوعي الإدماج، وإنما هي كل متكامل ابتداء من أسابيع إرساء الموارد [ بالوضعيات الديداكتيكية ] إلى أسبوعي الإدماج ومتطلباتها الإجرائية. وما يستتبع ذلك من هندسة بيداغوجية … وبالتالي، حكمت الدعوة على الكل من خلال الجزء ـ وبالمناسبة، منهج إنزال بيداغوجيا الإدماج في الميدان فيه أخطاء كثيرة وكثيرة جدا، ساهمت في صب الزيت على النار، فحميت، وزادتها احمرارا المذكرة 204، التي تعقدت وعقدت المشهد المحتقن أصلا. فانفجر بهذه الدعوة ـ وهو حكم باطل. ومنه، كان من المفترض التريث حتى تكتمل هذه البيداغوجيا من ألفها إلى يائها، لكي نصدر هذه الدعوة أو غيرها. وبالتالي، نجد أننا تسرعنا في هذه الدعوة، التي سيحاسبنا التاريخ التربوي المغربي عليها، لا لنجاحها وجدارتها بقيادة التغيير الديداكتيكي، وإنما لعدم إعطاء الفرصة لها للاكتمال والنضج، ليتسنى لنا الحكم عليها. وإعمال المنهج العلمي في دعوتنا بالإلغاء.
ـ الدعوة إلى الإلغاء تفصح عن بضاعتنا العلمية، وعن متحكمات مجتمعنا المدرسي في الفعل والأداء، الذي يعتبر واجهة حقيقية لمكنوننا المهني الداخلي. فبيداغوجيا الإدماج، وبعيدا عن نقدنا لها، تعبر عن الجديد والدعوة إلى الإلغاء بدون بديل رجع للقديم، وما بينهما يظهر الصراع ما بين القديم والجديد. وهو صراع حقيقي أدى إلى صراع أنصار التجديد في المؤسسة التعليمية مع أنصار القديم. مما أدى بدوره إلى انتصار التيار الثاني على الأول، وضمن ملابسات عدة طغت عليها الهواجس غير التربوية والبيداغوجية. مرة في سحنتها السياسية و ثانية في سحنتها الإيديولوجية، هاته التي تحرف الواقع ذهنيا في عكسه بمنطوق صاحب الإيديولوجيا العربية المعاصرة قائلا: ( ما ينعكس في الذهن من أحوال الواقع انعكاسا محرفا بتأثير لا واع من المفاهيم المستعملة )[34] أو تحجب الواقع بما هي ( نسق فكري يستهدف حجب واقع يصعب وأحيانا يمتنع تحليله )[35] وثالثة في سحنتها النقابية … ولم يفتح التياران حوارا بينهما، تكون الحجة والبينة والإقناع سبيل الاتفاق حول مخرج من الورطة أو من المشكل. وهو مشكل مصيري بالدرجة الأولى. لكنه يوحي بأنه مشكل صراع إرادات في العمق، وفي الظاهر مشكل خبزي حقوقي، نتعاطى معه عاطفيا لا عقليا. ويستقطب الأنصار في التيارين معا! وهنا، وضمن هذا الصراع، أيمكن للمؤسسة التعليمية أن تكسب المتعلم المعرفة، والتكيف مع المجتمع وتنمية ذاته وقدراته الشخصية … بما يحقق عنده: ( تعلم لتعرف، تعلم لتعمل، تعلم لتكون، تعلم لتشارك الآخرين )؟[36]. وفي ظل هذه الدعوة بما يظهر منها؛ أنها تقاوم كل جديد مهما كان جنينيا، أيمكن الاعتقاد بأن المدرس ( يعتبر أكثر معرفة وأوسع خبرة وأدرى بمواطن القوة والضعف في النظريات والآراء المختلفة )؟[37]. حتى يعرض على الآخرين الدعوة إلى الإلغاء بالحجة الحسية والنقلية والعقلية؟ ( لأن الحجة العقلية إذا كانت يقينية جلية، أمكن أن نعرضها على الآخرين فنقنعهم إقناعا عقليا )[38]. وهو المتوخى من الدعوة. وأن أفضل دعوة جديرة بالثقة والمساندة هي تلك التي تراكم حولها أكبر قدر من إجماع المهتمين بها. وأن أخسرها، تلك التي يختلف حولها أكبر قدر من المهتمين.
ـ أيمكن الذهاب إلى الدعوة إلى الإلغاء دون طرح البديل الأنجع والأنجح والأصوب، الذي يحقق تجديد المدخل المنهجي، ويحقق النقلة النوعية لتعليمنا؟ أليس هذا من متطلبات علمية نساء ورجال التعليم؟ خاصة أن لديهم تجارب وممارسات تعليمية رائدة، تتطلب فقط الهيكلة العلمية لمعطياتها. ألا يعاب على علمية نساء ورجال التعليم النقد دون طرح البديل؟ ونحن نعلم أن النقد البناء هو الذي يطرح البديل، حيث ( النقد مظهر من مظاهر استيقاظ الوعي، فالحضارات حين تدخل في التراجع والأفول، يسيطر على مثقفيها الانشغال ببيان الإنجازات التي حققها عظماؤها بدل البحث عن وسائل استعادة ما فقدوه، وتعويض ما فات. يعني النقد وعي الوعي بذاته، وقدرته على تجاوز النماذج الشائعة، والعودة إلى الأصول والأهداف الكبرى في كل المسائل التي تحتاج إلى إعادة النظر )[39]. وكذلك الانشغال ببيان إنجازات الآخرين واستيرادها، والانسلاخ عن الذات إلا من وعى دوره العلمي وموقعه الاجتماعي الثقافي، في تشييد العلم والتنمية والحضارة في مجتمعه. وكان مستقلا في التعاطي مع هذه الإنجازات غير منبهر ولا منغمس بكليته فيها، متخذا مسافة منها لنقدها والتأسيس على إيجابياتها. ( وخاصة أن معرفة الآخر علمتنا أنها غير ثابتة، وأنها تحمل دائما في رحمها المجهول والخطأ؛ الأول في حاجة للاكتشاف، والثاني في حاجة للتصحيح. فأما الطريق إلى ذلك فهو حسن فهم المعرفة واستيعابها في ظروف نشأتها، ثم مناقشتها بالعقل العلمي المنهجي الذي يتخذ استراتيجية له فكرة التبني باكتشاف المجهول وتصحيح الخطأ، لأن تبني معرفة ما يعني تجديدها ودفعها إلى الأمام )[40]. وهي الدعوة إلى الإلغاء دعوة تقتضي مكونا عقليا وآخر لغويا وثالثا واقعيا منسجمة ومتكاملة فيما بينها لأجل صدقها اتجاه الآخر غير المقتنع بالدعوة، والدفع به إلى الاقتناع بها، والإيمان بها، والمشاركة في المطالبة بها. وهو طلب البديل يفيد البحث في القضية التعليمية بمختلف المناهج للوقوف على الحقائق، وبناء الجديد المعرفي عليها، ونحن نعرف بأن ( المعرفة ليست نعمة أزلية يفرغها في جيوبنا الآباء والأجداد، وليست منحة باردة تنتظر أن يفرغها في جيوبنا الآخرون. إن المعرفة إنتاج للمعرفة بكل ما تحمله كلمة الإنتاج من مدلولات. إنها كدح عقلي وجسدي يجمع في آن واحد بين النتيجة والناتج والاستنتاج والإنتاج )[41]. فكيف بإسقاط الأجنة والخداج يمكننا من إنتاج المعرفة حول مؤسستنا التعليمية، وحول متعلمينا، وحول سياستنا التعليمية، ومنهجيات التدريس … ؟
إن الدعوة إلى الإلغاء دون طرح البديل تنم عن فقدان التفكير النقدي في منظومتنا التربوية، الذي يسائل الممارسة الصفية يوميا عن تفاصيل يومياتها التنظيرية والإجرائية والعملية ونتائجها. وتعرب عن انسداد أفق فكرنا التربوي، الذي تحاصره المشاكل والقضايا الإشكالية دون أن يقاربها بنفسه. فهو إما جالبا الآخر لحلها أو هاربا إلى الأمام بمواقف غير مفهومة، ولا مبررة منطقيا وعقليا وعلميا وواقعيا! فما بالنا نطفئ مصابيح منظومتنا التربوية في الليل، ثم نقودها، ونطلب منتوج المصابيح المضيئة؟! ألا نعلم أن التجديد التربوي استجابة للأسئلة المعرفية والبحثية العميقة والمحرجة، التي تطرح على منظومتنا التربوية في التاريخ، ليترك لنا تراكما متفاعلا بين مكوناته، يصب في تجديدها، وإدامة تجددها مسايرة مع التطورات الوطنية والعالمية؟ أليس هذا الجديد الذي ظهر في الدرس المدرسي يستحق الدراسة والتحليل قبل أية دعوة نتخذها تجاهه، في ظل علمنا أن أزمة منهجة المقاربة بالكفايات في الدرس المدرسي هي جزء من أزمة المنظومة التربوية، التي تطلب حلا؟ فما البديل الذي طرحه التوجه لحل هذه الأزمة؟ ألا نعلم أن أزمتنا التربوية تطلب ( نفرا من أصحاب الوعي الذين يبصرون صور الخلل القائمة ويفتشون عن أسبابها، وينبهون إليها، ويرسمون ويحلمون ويفكرون فيما يجب أن يكون عليه الوضع الأفضل، بل ويناضلون عمليا في سبيل هذا وذاك )[42].
و ختاما؛ عود على بدء، يفيد أن هذه الورقة ليست دفاعا عن بيداغوجيا الإدماج، وقد سبقتها أوراق في نقدها، خاصة في تنزيلها وفق التجربة المغربية. وهي تنأى بنفسها أن تدخل في سجال مع أوراق أخرى مقابل استعدادها الدخول في حوار بناء مع كل قراءة نقدية أو قراءة تطويرية، بما يحقق الحفاظ على الحصانة العلمية لنساء ورجال التعليم. وهي الغاية التي استهدفتها بطرح دعوة إلغاء بيداغوجيا الإدماج ورديفاتها الأخرى تبعا للمنطق العضوي والبنيوي للبرنامج الاستعجالي على التساؤل والنقد. وليكن في وعينا، أننا إذا أغلقنا تعليمنا على الماضي وقاومنا كل ما فيه جديد أو جهد إضافي، فإننا سنموت موتا بطيئا، وموت الإنسان أشد إيلاما من موت الأشياء. ذلك ( إذا أغلق المجتمع ] بما فيه المجتمع المدرسي [ أبواب النقد ونوافذ التساؤل وانطوى على نفسه يجتر صورته عن ذاته، فإن دورها يتقلص ويدرك الخسوف مكانتها والذبول وظيفتها )[43]. فليكن وعينا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا أكبر من أي اعتبار في مقاربتنا لقضايا تعليمنا المأزوم. والله من وراء القصد.
عبد العزيز قريش
تربوي






    رد مع اقتباس