عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-03-07, 15:01 رقم المشاركة : 25
tagnaouite
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية tagnaouite

 

إحصائية العضو








tagnaouite غير متواجد حالياً


العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي العلامة محمد المكي الناصري .. مفسر إصلاحي من المغرب


المكي الناصري .. مفسر إصلاحي من المغرب




قبيل الفجر أو بعده بقليل ظلت الإذاعة المغربية وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم مواظبة على إدراج تفسير الشيخ المكي الناصري رحمه الله لآي القرآن العظيم، تسبقه قراءة مغربية أصيلة للجزء المخصص للتفسير من المقرئ عبد الرحمن بن موسى. هذه الحصة الإذاعية الراتبة ظلت لعقود طويلة صلة وصل بين السلف والخلف من مستمعي الإذاعة الوطنية من المغرب وخارجه، ليس لكونها جعلت القرآن مادتها الأولى والأخيرة فحسب.. تلاوة وتفسيرا، ولكن لما يميزها من رشاقة اللغة وبساطة في التفسير، حيث اجتمعت على الارتواء به العقول المثقفة والشعبية، الكل يجد ضالته، ولا يضيع وقته لمتابعة حلقاته.
الشيخ المكي الناصري، الأمين السابق لرابطة علماء المغرب، لم يحجزه انتماؤه المغربي من تعزيز تفسيره باستشهادات من ظلال "الشهيد سيد قطب"، كما يسميه، والأخذ من التفاسير الموثقة لدى الأمة، فسلك منهجا ميسرا يعتبر القرآن الكريم وحدة موضوعية يكمل بعضها بعضا، مستشهدا بالآثار السنية الصحيحة لمزيد بيان وتعليم.

منهجية التفسير الميسر
قبل أن يقدم الشيخ المكي الناصري تفسيره الميسر للجزء القرآني المراد تفسيره يحاول ربط المستمع بسابق الآيات المفسرة في الحلقة السابقة، وتفسير الألفاظ الشائكة لغويا ودلاليا، مفترضا أن المستمع أحد الأوفياء لبرنامجه الإذاعي، مما يمكن المستمع من الاستفادة من الحلقة الإذاعية وإن لم يسبق له سماع سابقتها.
ويخصص كل حصة إذاعية لجزء من القرآن العظيم، مستحضرا تقسيم القرآن إلى أثمان وأرباع وأنصاف، ويقول رحمه الله: "موضوع حديث اليوم تفسير الربع الأول من الحزب التاسع والخمسين في المصحف الكريم، وبدايته قوله تعالى:..."، ويتابع: "توقفنا في الحلقة الماضية عند قوله تعالى:... واليوم نتطرق للجزء الثاني من...".
وهو في رحلة تقريب المعنى لا يغرق في إيراد اختلاف التفاسير في الآية الواحدة، ولا يتيه في بيان جزئيات أحكامها التشريعية مما يتطلب فهما أعمق، بل ينتقل بسلاسة من آية لأختها، مستخدما "لازمات" في حديثه الإذاعي، منها قوله: "ثم انتقل الله عز وجل إلى بيان حال.... وحكى لنا أن...."، "وتناول كتاب الله بهذه المناسبة الحديث عن... ثم عرج على..."، "ولم يكتف ربنا عز وجل بتوضيح مآلات.... بل حاول أن يطمئن المسلمين بفوائد النصر على الكافرين...".

ويقول عبد الحميد السراوي، باحث في الدراسات القرآنية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس (وسط المغرب): "الشيخ المكي الناصري رحمه الله ينطلق من أن هدف التفسير إصلاحي تربوي يروم إصلاح النفوس وتهذيبها بالعمل بعد العلم والفهم، يحفزه لذلك وجود قناعة راسخة بدور القرآن في إصلاح النفوس وتهذيبها وإحداث البعث المطلوب". ويتابع: "وقد ترسخت هذه القناعة أثناء احتكاكه بالشعب إثر إلقائه لدروس التفسير، وترى ذلك ماثلا في قوله: وكانت هذه الدروس العامة، التي احتككت فيها بالشعب المؤمن احتكاكا يوميا مباشرا فرصة للتأكيد من جديد، بما يحدثه كتاب الله من تعبئة روحية وتأثير عميق وانقلاب سريع في نفوس المؤمنين، فكتاب الله هو الذي أحيا من المسلمين الموات"، من كتابه "التيسير في أحاديث التفسير".
تفسير جريء وموثق
ويؤكد الدكتور مولاي عمر بنحماد أستاذ علوم القرآن والتفسير بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أن تجربة الشيخ المكي الناصري في التفسير الإذاعي للقرآن "تجربة رائدة ونوعية لم تتكرر على طول العالم الإسلامي، حيث اقتصرت على تقديم المعنى الإجمالي للربع بتركيز ويسر، مع تقريب للمعنى دون الخوض في جزئياته، التي تطلب في مظانها الخاصة".
وبعدما أعرب بنحماد عن غبطته بالإقبال الملفت على التلاوات القرآنية وتجويدها وانتشار الفضائيات الخاصة بالترتيل القرآني يؤكد أن "هذه التلاوات الجيدة، للأسف، لا ترافقها صيغ لتقريب معاني القرآن، فإذا كان نشر القرآن عبر المصحف والشريط والقرص أمرا ملحا، فما نحتاجه في عصرنا هو الجمع بين التلاوة والتفسير من أجل التدبر والعمل".
ويتابع أستاذ علوم القرآن والتفسير موضحا: "إذا كان ابن عباس رضي الله عنه ذكر أن من أنواع التفسير (تفسير تعرفه العرب بلغتها)، كما كان الحال بالنسبة لفهم الصحابة رضوان الله عنهم، فالأمة اليوم محتاجة لفهم القرآن بلغتها كحد أدنى".
ويرجع بنحماد عدم وجود ملاحظات وانتقادات على التفسير الميسر للشيخ المكي الناصري "لكونه اقتصر على المعنى الإجمالي ولم يخض في التفاصيل، مما جعله يبقى في حدود التفسير المقبول والإيجابي لدى الجميع".
وفضلا عن هذا التركيز والتيسير والتقريب -يضيف بنحماد- فللشيخ المكي "إشراقات علمية وجرأة نوعية في تقديم الحكم الشرعي في كثير من القضايا التي تثير جدالات معاصرة، مثل تحريم الربا أو الخمر أو مسألة تعدد الزوجات وغيرها من القضايا الحساسة، بل كانت للشيخ المكي صولة وقول فصل فيها دون خوف أو تردد".
الرأي نفسه يؤكده الأستاذ عبد الرحمن شتور رئيس جمعية أبي شعيب الدكالي لتحفيظ القرآن وتدريس علومه، بالقول: "صحيح أن الشيخ، مثله مثل الدعاة والعلماء الذين يبلغون كلام الله، تحلى بجرأة كبيرة في تقديم الحكم الشرعي دون مداراة أو خشية من أحد، بخلاف ما يلاحظ اليوم من تحاشي التطرق لتحريم الربا أو الخمر من لدن البعض".
ويرى عبد الرحمن شتور أن التفسير الإذاعي والمطبوع للشيخ الناصري جاء "لملء فراغ كبير استفاد منه جمع كبير من المستمعين بأسلوب موثق وموثوق، حرص صاحبه على الانفتاح والاستفادة من مجموعة من التفاسير، مثل تفسير ابن كثير وابن العربي وابن عاشور وظلال السيد قطب، ولكن الشيخ الناصري قدم زبدتها للقراء والمستمعين".
ولم ينف شتور تسجيل ملاحظة تهم عدم توقف الشيخ الناصري عند اختلاف الروايات القرآنية في تفسير بعض الكلمات، حيث يشرح كلمة برواية حفص ويمر عليها مرورا دون التزام برواية ورش التي يقرأ بها المغاربة، داعيا في الوقت نفسه إلى "تصحيح الأخطاء الموجودة في الصفحات القرآنية المبثوثة عبر قناة السادسة، التي تصاحب تفسير الشيخ المكي الناصري".
مزاوجة بين العلم والسياسة
ولم يكن الشيخ المكي الناصري منزويا عن محيطه الاجتماعي في محراب علمه وتفسيره، بل شارك في أهم المحطات السياسية للمغرب قبل وبعد استقلاله، فجاهد بالكلمة السياسية لتدعيم المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب، وأسهم في تأسيس "الرابطة المغربية" السابقة لكتلة العمل الوطني، وهي أول هيئة سرية لمقاومة الاستعمـار، وكان أول أمين عام لها سنة 1920.
وكان ميلاد الشيخ محمد المكي الناصري بمدينة الرباط يوم الأربعاء 24 شوال سنة 1324 هـ الموافق لـ11 ديسمبر1906، حيث نشأ في بيت دين وفضل، وظهرت عليه علامات نضج مبكر، أبانت عن مؤهلات ومواهب شخصية بارزة، منها الاستعداد التام للتلقي وحب المعرفة والنضال.
ويشير موقع الرابطة، التي ترأسها فترة، إلى أن الشيخ المكي الناصري بدأ بحفظ القرآن وأمهات المتون وتخرج على أهم شيوخ العلم في وقته، إذ كان استقباله للمرحلة الجامعية سنة 1932 على يد ثلة من كبار العلماء، استفاد منهم وتأثر بهم واهتدى بهديهم، منهم من المغرب الأستاذ الحافظ أبو شعيب الدكالي، والشيخ محمد المدني بن الحسني، والحاج محمد الناصري، والشيخ محمد بن عبد السلام السائح.
ومن الشرق العربي الأستاذ مصطفى عبد الرزاق، والأساتذة منصور فهمي، وعبد الحميد العبادي، وعبد الوهاب عزام، ويوسف كرم، وغيرهم.
وتتلمذ أيضا على أساتذة غربيين، منهم المستشرقان الإيطاليان "نللينو" و"جويدي"، والمستشرقان الألمانيان "ليتمان" و"برجستراسر"، والفيلسوف "أندري لالاند".
وللشيخ المكي الناصري، فضلا عن تفسيره الميسر في ستة مجلدات، مجموعة من المؤلفات القيمة، منها كتابه في التصوف: "إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة" سنة 1922، وكان رسالة ضد الخرافات والبدع المنسوبة للدين، وكتاب "الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية" دراسة دقيقة وافية للأوقاف في المغرب مع مقارنتها بالأوقاف في بقية العالم الإسلامي، طبع بتطوان سنة 1935، وكتاب "نظام الفتوى في الشريعة والفقه".
وتقلد الشيخ المكي الناصري عدة مهام علمية وسياسية، منها: سفير المغرب بليبيا في 13 يناير 1961، وأستاذ بدار الحديث الحسنية 1964، ووزير الأوقاف والشئون الإسلامية والثقافة 1972، وعين عضوا بأكاديمية المملكة المغربية1981، ثم رئيسا للمجلس العلمي بولاية الرباط وسلا.
وانتخب بالإجماع أمينا عاما من لدن علماء المغرب لرابطتهم في مؤتمرها الاستثنائي المنعقد بطنجة يوم 28 أكتوبر 1989 خلفا لأمينها العام الأستاذ الراحل سيدي عبد الله كنون.
وبعد حياة علمية حافلة توفي الشيخ يوم 10 مايو 1994 الموافق لـ29 ذي القعدة 1414 هجرية.. ووعيا بالأهمية الكبيرة لتفسيره وعرفانا بجهوده العلمية والثقافية -رحمه الله- أطلق اسم "المكي الناصري" على قاعة المحاضرات بالمجلس العلمي للرباط، وصار اسما لمؤسسات تعليمية، كما حرصت الرابطة المحمدية لعلماء المغرب في النسخة الجديدة لموقعها الرسمي على تثبيت حلقات إذاعية من تفسيره.





التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

    رد مع اقتباس