عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-14, 03:59 رقم المشاركة : 2
mustapham
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية mustapham

 

إحصائية العضو








mustapham غير متواجد حالياً


وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: دعوة لإعمال العقول


الإسلام دين وأمة وليس ديناً ودولة

لعل أقوى ما يجمع بين العلمانية والإسلام هو ما انتهى إليه اجتهادنا أخيراً من إن الإسلام دين وأمة وليس دينا ودولة، فالمعروف أن حقيقة العلمانية هى الفصل ما بين الدولة والدين، وهذا الاجتهاد الأخير يتلاقى مع جوهر العلمانية .
وقد بنينا هذا الاجتهاد على أساس مبدأ محورى هو أن السلطة تفسد الأيدلوجيا. ولما كانت خصيصة الدولة هى السلطة، فإنها ما أن تعالج الإسلام حتى تفسده. وقد حدث هذا عندما حولت الخلافة الراشدة إلى مُلك عضوض فيه كل ما فى الملك من سوءات .
وهذا أمر ليس مقصوراً على الإسلام، بل هو يشمل كل القيم كالمسيحية، والاشتراكية، وفى الكتاب الذى أصدرناه عن هذا الموضوع عرضنا فى فصل مسهب كيف حولت السلطة المسيحية وهى دين الحب والسماحة إلى محكمة تفتيش رهيبة. كما خصصنا فصلاً أبرزنا فيه كيف أن السلطة حولت الاشتراكية، وهى أمل العمال إلى نقمة على العمال وإلى دولة شمولية هى التى وضعت أسس الحكم الشمولى وتتلمذ فيها هتلر وموسولينى، فهو مبدأ عام. وقد كانت العلمانية محفة عندما ارتأت الفصل بين الدين والدولة .
ولكن ليس معنى هذا أن الدولة فى أمة مسلمة تكون علمانية. لأن عدداً كبيراً من العوامل تفرض نفسها، وتجعل موقف الدولة يختلف نسبياً عما هو الحال فى الدول فى الغرب .
فلا شك فى أن الإسلام وضع أصولاً اقتصادية وسياسة واجتماعية لصلاح المجتمع. ولكنه لم يتقدم بها إلى الدولة التى لم يذكرها القرآن ولكن إلى الأمة التى ذكرها فى قرابة خمسين موضعاً .
ففى السياسة حرم الظلم والطغيان وأمر بالعدل والشورى وفى الاقتصاد وحرم الربا والاكتناز والاستغلال وأمر بالزكاة وفى المجتمع أفترض المساواة، ولا فخر لعربى على عجمى إلا بالتقوى وأمثال هذه كثير .
ومن المسلم به إن الدولة الديمقراطية هى التى تتجاوب مع شعبها وتحكم بإرادة جمهورها، فإذا كان هذا الشعب مسلماً فيجب أن يكون هناك تجاوب وتعاطف خاصة وأن الإسلام يشغل منزلة مكينة فى نفوس المؤمنين به ويصبح من غير المتصور أن تقف الدولة موقفا حياديا. فمع أن الدولة لا يجوز لها أن تحمل صفة الإسلام أو تمارس مهاماً إسلامية، إلا إنها تظل مع هذا غير علمانية. لأنها لا يمكن أن تكون محايدة إزاء عواطف الشعب .
وإنما استطاعت الدولة فى الغرب أن تكون غير علمانية لأن الدين لا يشغل منزلة عميقة فى نفوس الأوربيين الآن ولأن المسيحية لم تعن بشئون الحياة الدنيا، أو تضع خطوطاً عريضة كالتى وضعها الإسلام عندما أوجب الزكاة وعندما ندد بالظلم والطغيان وعندما أوجب الحكم بالعدل وعندما حرم الربا الخ… بل أكثر من هذا يمكن أن نقول إن الديانة العميقة التى هى فى جذر المجتمع الأوروبى/ الأمريكى هى الوثنية التى كانت عليها الحضارة اليونانية/ الرومانية وهى أعظم مكونات الحضارة الحديثة. فالدولة فى أوروبا، وإن كانت علمانية، إلا إنها تحكم بالدين الذى هو فى جذر إيمان الأوروبيين وهو تأليه الإنسان. ومن أجل هذا كانت متسقة مع نفسية شعوبها. وأخيراً فيمكن القول إن الدولة فى أوروبا وأمريكا متعاطفة مع الكنيسة وإن كانت مستقلة عنها. لأن الاستقلال لا يعنى الحياد. والمحاولات التى تناصر فيها الدولة فى أوروبا وأمريكا الكنائس عديدة… بل أكثر من هذا إنها تقف موقفا عدائيا – وليس محايداً – من دعوات أو أديان أخرى وأنها تناصر قضية الصهيونية حتى على حساب حرية الفكر، وهى حجر الزاوية فى الدولة الديمقراطية العلمانية .
إن بعض الكتاب يريد أن يعطينا انطباعاً أن الدولة فى الغرب علمانية تماماً مائة فى المائة، ولكن الحقيقة هى ما أشرنا إليه .
ومن ثم فنحن لا نستطيع أن نطلق على الدولة – لأمة مسلمة – وصف العلمانية. ولكن "المدنية" فدولة الأمة الإسلامية دولة مدنية لا تدعى الإسلام، ولا تمارس مهاماً إسلامية. ويكون جوهر دورها هو المهام المدنية من تعليم ورعاية وخدمة.. ونهضة بالاقتصاد والتنمية، وهى لا يمكن أن تتجافى عن إرادة شعبها وعندما يريد شعبها تطبيق توجيهات إسلامية معينة فعلينا عندئذ أن تنصاع لإرادة شعبها. لأن الأمة – وليس الدولة – هى مصدر السلطات .
ولأن هذا هو المسلك الديمقراطى الذى لا مناص منه .
إن تعبير الدولة المدنية يحل لنا الإشكال بين العلمانية التى تشئ بموقف محايد من الدين، وبين الدولة الدينية التى تسخر الدنيا للدين. وفى الوقت نفسه فإنه لا يحيف على المبدأ الأساسى فى الديمقراطية وهو أن تكون الأمة – وليس الدولة – هى مصدر السلطات .
إذا كان الأمر كذلك فقد يكون من الخير أن يخلص الدستور من النص على "الإسلام دين الدولة" أو أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع لأن هذه يمكن أن تفتات على طبيعة "المدنية" المطلوبة للدولة، وأنها يمكن أن تستغل من قبل فئات إسلامية تفسر الإسلام تفسيراً يفرض على الدولة ما يعارض حرية العقيدة، وما يخالف مقتضيات التطور والمصلحة العامة فضلاً عن أنه يمكن أن يثير حساسية الأقباط. وهذه كلها مخاطر حقيقية يمكن أن تشل "مدنية" الدولة. وقد نشأت عن الوهم العميق فى الفكر الإسلامى عن أن الدولة هى حامية العقيدة. وهو أمر لا ينفرد به المسلمون، فقد كان الأوروبيون يؤمنون به أيضاً، ونجده فى بعض التعبيرات التى تجعل الملك (أو الملكة) حاميا للعقيدة. ولكن الأوروبيين تعلموا درس التطور فى حين لا يزال المسلمون فى وهمهم القديم .
وقد أوضحنا فى كتابنا "الإسلام دين وأمة وليس ديناً ودولة" أن من الخير للإسلام أن تكف الدولة يدها عن دعوى حمايته، لأنها لن تحقق من هذا إلا شراً مستطيراً .


من كتاب " موقفنا من ( العلمانية - القومية - الاشتراكية)"





التوقيع


هل جلست العصر مثلي ... بين جفنات العنب
و العناقيد تدلـــــــــــــت ... كثريات الذهب

آخر تعديل mustapham يوم 2009-12-14 في 04:03.
    رد مع اقتباس