الموضوع: علال
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-03-05, 20:51 رقم المشاركة : 1
tagnaouite
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية tagnaouite

 

إحصائية العضو








tagnaouite غير متواجد حالياً


العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي علال


قصة قصيرة ابداع: محمد الزاكي
http://http://




علال
ماتت عمتي – رحمها الله – وصوتها الصحراوي ما برح راسخا في أذني، أسمعه بغنتها الحنونة .. يقطر بإشراقات روحانية ، ويفيض لحنا شافيا بفراستها التي لا تخطئ.. ألح عليها ، كلما سافرت اليها ، أن تسكن اضطراب نفسي القلقة..
أحلام وهواجس ورؤيات تركبني .. تفك لي ألغازها ، ثم تنشد : " علال
ويا علال..." .. صوت يخترقني مفعم بحنكة نفس هادئة شفافة ، صقلها الزمن ، فازداد صفاؤها وإلهامها.. تختم إنشادها وتنصحني : " الخير
ينفع ، والصبر قوة النفس ..." .
ماتت عمتي – رحمها الله – وظلت أغنية "علال" لاتفارقني .. آنستني الأغنية ، ونفعتني النصيحة ، فمن الله علي بنعمة حب الخير، وبالصبر
على الأذى .عصمني الخير ، وفتح علي الصبر أبواب فطنة الحدس
باستشفافي لكيد النفوس الخبيثة..
رأيت عمتي في منامي بعد رحيلها عن الدنيا بثلاثة أشهر .. رأيتني أمام
أمام مختبر صور فتوغرافية ، وفي لمحة طرف وجدتني بداخل قاعة
التصوير .. اختليت في ظلمتها بامرأة شابة .. استبانت لي على عجل بأن
لوجهها نصيبه من الحسن الخالب ، لكن الأرواح جنود مجندة ، فروحي
نافرت روحها رغم حسن وجهها.
خرجت الفتاة بسرعة من القاعة لكي تحضر آلة التصوير ، وبومضة
سريعة تجلت لي عمتي في لباس ناصع البياض.. وجهها كان يشع بنور
نفس آمنة مطمئنة . أخذني الذهول ، فأخرست عن أنطق بكلمة.. أرادت
عمتي قول شيئ لي ، لكنها اختفت عني كبرق زار القاعة ، دون أن أتملى
من طلعة روحها المشرقة ، وذلك حينما سمعت وقع حذاء المرأة وهي تقترب نحو قاعة التصوير.
لم أحزن على اختفاء صورة عمتي ، وانما حزنت حين أيقظني منبه الساعة
دون أن تكتمل الرؤيا. لم أقصص ما رأيته في منامي لأحد ، فقلت : " خيرا
وسلاما... " . تمنيت لو زارتني روح عمتي لعلها تقول ما أرادت قوله .. تقدمت الشهور ، لكنني لم أنس تلك الرؤيا.
ومر على موت عمتي مايزيد عن عقد من الزمن ، وهي مدة بلغ فيها الطفل، وهرم الشاب .. ولد من ولد ، ومات من مات ، وكبرت صغار
شياطين الجن والانس ، وفي الجن والإنس الأشرار والأخيار ، وكبرت
أنا كذلك ، فطاردتني في شباب بلغ قمة رشده صيحات " علال" بلحن
عمتي .. أصبحت " علال" مرحلتي ، تتخللني روحه السودانية الكناوية ،
غير أن " علال " لم يدخل مختبر التصوير ، ولم تتربص به شياطين الإنس المكر والسوء في داخل قاعة التصوير .. لم يبتل ببلاء مكرالمختبر.
فلماذا أشعر بأن " علال " يريد أن يعاتبني عتابا خفيفا ؟
مر ما يزيد عن عقد من الزمن ، و أنا لا أعلم تأويل امرأة مختبر الصور،
فتذهب نفسي حسرة على احتفاء عمتي بقاعة التصوير .. ألفت نصائحها ،
فلم احتفت دون أن تكلمني ؟
ما أستطيع اجابة به نفسي أني أشربت في دمي روح " علال " مثل عمتي
المجذوبة والمسكونة بتلحين اسم " علال " .. قد يكون " علال " نشأ صغيرا مثلي تزحف في عروقه نغمات " تكناويت " .
قصدت ذات مساء مختبر صور .. أردت أخذ صورة لي ، فقابل وجهي وجه امرأة تشبه الشابة التي رأيتها في مضى من عقد من الزمن .. برزت
لي لحظتها في أبهى ما تجود به الإثارة والجاذبية الأنثوية.. التمع ثغرها
ببريق ابتسامة لم أجد فيها بردا وسلاما ..
حملت المرأة آلة التصوير وأرادت أن تلتقط صورة لي ، وللتو ، تمزقت
بعض أستار القاعة المظلمة ، فخرجت منا عمتي وصرخت في وجهها :
" لا تلتقطي صورة له ، ولا يلتقطها لك.. فعلال لن يسحره شيطان في صورة امرأة حسناء وديعة ..." . ثم رددت عمتي بصوت مرتفع أغنية
"علال" .. انقطعت عن الغناء ، ونظرت إلى المرأة وهي تقول : " كل
بلاد بها ابن أخي لا تنزليها .. أعوذ بالله وبشرعه منك..." ، ثم صرت
عمتي عنها وألقت بنظرها نحوي ، وقالت لي : " أما وجدت غير هذا المختبر للتصوير ؟...".
خرجت المرأة خائبة مفزوعة من القاعة ، فتلاشت بالخارج مثل رماد
تبن محترق امتدت إليه شمعة مضيئة ، فأشرق صوت عمتي من جديد
بلحن " علال " .
برق وجه عمتي ساعتها بالارتياح والنصر ، فقالت لي قبل مغادرتي :
" علال لم يدخل مختبر تصوير، ولو كان في عهده تصوير ، فلن يجيئ
إلى هذا المختبر اللعين..".
استيقظت من نومي على رنات منبه الساعة .. كنت سعيدا لأني استمتعت
بمتابعة أحداث منامي بكاملها ، وفقهت شيئا كثيرا من أسرار"علال".



إبداع : محمد الزاكي – سلا (tagnaouite )





التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

    رد مع اقتباس