عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-01-21, 22:53 رقم المشاركة : 7
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الصفة الثالثة: صفة النـزول: هذه الصفة من صفات الأفعال التي كثر فيها النـزاع بين السلف والخلف، كاختلافهم في جميع الأفعال عامة، والأفعال اللازمة خاصة. مثل الاستواء والمجيء والإتيان. والقول الحق المؤيد بالأدلة هو الذي عليه سلف الأمة من أن الله تعالى تقوم به هذه الأفعال فيكون النـزول فعلاً فَعَلَه سبحانه وكذلك مجيئه وسائر أفعاله. يقول الإمام ابن تيمية في تأييد هذا القول: "وهذا قول السلف قاطبة وجماهير الطوائف"425 اهـ. وذلك لأنهم يأخذون النصوص على ما وردت دون أن يفرقوا بين ما جمع الله من الصفات والأسماء والأفعال، وأما الخلف فموقفهم مضطرب جداً في هذه الصفة كغيرها من صفات الأفعال منهم من ينكر النـزول إنكاراً فيقول: ما ثم نزول أصلاً. ومنهم من يقول: إنه ينـزل نزولاً بحيث يخلو منه العرش، وهذا يعني أن القوم يحاولون إدراك الكيفية وإلا فالإنكار السافر أو التشبيه، وهو موقف خطير على إيمان المرء. قال الإمام ابن تيمية: "إن أبا بكر الإسماعيلي كتب إلى أهل "جيلان" إن الله ينـزل إلى سماء الدنيا على ما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}426، وقال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}427، نؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، ولو شاء الله سبحانه أن يعين ذلك فعل. فانتهينا إلى ما أحكمه. وكففنا عن الذي يتشابه، ثم تلا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ}"428 الآية. وقال عبد الرحمن بن منده بإسناده عن حرب بن إسماعيل، قال: "سألت إسحاق بن إبراهيم قلت: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ينـزل الله إلى السماء الدنيا؟" قال: نعم، ينـزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا، كما شاء، وكيف شاء. وقال عن حرب: "لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين، لقوله تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}"429. وروى أيضاً عن حرب قال: "هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الحديث والأثر، وأهل السنة المعروفين بها، وهو مذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، والحميدي وغيرهم، كان قولهم: إن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وكما شاء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}430. وقال حماد بن زيد: "إن الله على عرشه، ولكن يقرب من خلقه، كيف شاء"، قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فضيل بن عياض يقول: "إذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء"، وروي مثل ذلك عن الأوزاعي وغيره من السلف أنهم قالوا في حديث النزول: يفعل الله ما يشاء. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات نزول الرب431 يوم القيامة كثيرة، وكذلك إتيانه لأهل الجنة كيوم الجمعة432اهـ. وهذه الأحاديث التي يحتج بها السلف جاءت موافقة للقرآن، وهذا ما احتج به الإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهويه على بعض الجهمية بحضرة الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان، وذلك حين سئل إسحاق، سأله رجل في مجلس الأمير عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال إسحاق: نعم، قال السائل: كيف ينزل؟!! قال إسحاق أثبته فوق، حتى أصف لك النـزول، فقل له الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}433، فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! أهذا يوم القيامة، قال إسحاق: أعز الله الأمير ومن يأتي يوم القيامة فمن يمنعه اليوم...؟ وأما السؤال: فهل نزل يخلو عنه العرش أم لا؟ إن المفروض عدم ورود هذا السؤال، وهي مسألة قد خاض فيها الناس بل حتى بعض السلفيين المعاصرين، وقد كان الواجب الإمساك عن الخوض في هذه النقطة التي سكت عنها السلف. يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة: "إن الصواب المأثور عن سلف الأمة وأئمتها أن الله سبحانه لا يزال فوق العرش، ولا يخلو منه العرش مع دنوه ونزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه، وكذلك يوم القيامة كما جاء في الكتاب والسنة، وليس نـزوله كنـزول أجسام بني آدم من السطح إلى الأرض، بحيث يبقى السقف فوقهم"434، بل الله منزه عن ذلك، فالله سبحانه وتعالى قريب في عُلُوّه وعليُّ في قربه، وهو مع جميع مخلوقاته بعلمه واطلاعه على تفاصيل أحوالهم، وهو مع الصابرين والمحسنين والمتقين من عباده بالكلأ والحفظ والنصر {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. إذاً فإن السلف انطلاقاً من إيمانهم بتلك الأحاديث التي أشرنا إليها والتي يأتي الكلام عليها - إن شاء الله - إنهم يثبتون نزول الرب سبحانه إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، كما يليق بجلاله وعظمته، ويثبتون المعنى العام للنزول دون الخوض والتنقيب عن الكيفية إيماناً منهم بأن معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الموصوف، فحيث آمنا بالله إيمان تسليم دون بحث عن كنه ذاته سبحانه، فيجب الإيمان بجميع الصفات التي أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، وصفة النـزول إلى سماء الدنيا من الصفات التي أخبر عنها الرسول، ويشهد له القرآن حيث أخبر الرب سبحانه عن مجيئه يوم القيامة كما تقدم435. فنستطيع أن نقول: إن النـزول ثابت بالكتاب والسنة، ولولا هذه النقول لكففنا عن إثباتها. هذا هو الذي نعني بأنها خبرية محضة، إلا أن العقل الصريح والفطرة السليمة لا يرفضان كل ما ثبت بالنقل الصحيح، ولا يعدانه مستحيلاً، كما يزعم بعض الزاعمين، لأن العقل يشهد أن الذي يفعل ما يشاء أن يفعل مثل النزول والاستواء والمجيء مثلاً، والقادر على كل شيء أكمل من الذي لا يفعل كل ما يريد فعله لأنه {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}436، هكذا بصيغة "فعال" وهي تدل على كثرة الفعل، وقد يفهم من الكثرة التنوع، والله أعلم. هكذا يجتمع العقل والنقل على الدلالة على صفات الأفعال بما في ذلك نزول الرب سبحانه إلى السماء الدنيا كيف يشاء، ولله الحمد والمنة. ذكر بعض الأحاديث الواردة في هذا الباب: وقد وردت في إثبات صفة النـزول أحاديث كثيرة، وصفها الإمام ابن تيمية بالتواتر، وذكر الحافظ ابن عبد البر بأنها منقوله عن طريق متواتر ووجوه كثيرة من أخبار العدول، وللإمام الذهبي كلام يؤيد ما قاله الإمامان ابن تيمية، وابن عبد البر رحمهم الله، إذ يقول: "وقد ألفت أحاديث النـزول في جزء، وذلك متواتر أقطع به"437 ومن هذه الأحاديث المشار إليها: 1- حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام: "ينـزل ربنا عز وجل كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول". وفي رواية: "حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك".438 قال الذهبي: رواه أحمد، وإسناده قوي اهـ. 2- حديث أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له"439. قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: "هذا حديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، رواه أكثر الرواة عن مالك... إلى أن قال: وفيه دليل على أن الله في السماء على عرشه، من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان، وليس على العرش، والدليل على صحة ما قالوه440 أهل الحق في ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}"441، ثم ساق عدة آيات في هذا المعنى، وهي التي سبق ذكرها. وقد ناقش الحافظ ابن عبد البر مسألة الاستواء على العرش، ومسألة النزول وربط بينهما، ونقل نقولاً مثبتة وأخرى نافية، ومن أغرب تلك النقول ما نقله عن وكيع أنه كان يقول: كفر بشر بن المريسي442 في صفته هذه، قال: هو في كل شيء، قيل له: وفي قلنسوتك هذه؟ قال: نعم، قيل له: وفي جوف حمارك؟ قال: نعم، وقال عبد الله بن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية443. قلت: وقد صدق، ولا يشك في صحة قول ابن المبارك وصدقه من سمع كلام بشر السابق آنفاً ذلك الكلام الذي يقشعر جلد المرء عند النطق به، ويقف شعره، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به بشراً وأمثاله. ثم قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "وأما قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: "ينـزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا" فقد أكثر الناس في التنازع فيه، والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويصدقون بهذا الحديث، ولا يكيفون، والقول في كيفية النـزول، كالقول في كيفية الاستواء والمجيء، والحجة في ذلك واحدة، وقد قال قوم من أهل الأثر أيضاً: إنه ينزل أمره وتنزل رحمته، وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك. وغيره. وأنكره منهم آخرون، وقالوا: هذا ليس بشيء، لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبداً في الليل والنهار، وتعالى الملك الجبار الذي إذا أراد أمراً قال له: كن فيكون في أي وقت شاء"444اهـ. قلت: حبيب بن أبي حبيب هذا الذي روي عنه الأثر السابق هو أبو محمد المصري متروك، كذبه أحمد وأبو داود وجماعة، توفي سنة 216هـ445. وهذا التأويل الذي يتوارثه النفاة فيما بينهم في معنى النـزول قد ناقشه الإمام ابن تيمية في كتابه الفريد في بابه "شرح حديث النزول" وأبطله من عدة وجوه، ومن ذلك أن سياق الحديث يأبى ذلك التأويل، فإن قوله تعالى: "أنا الملك" إلى آخر الحديث صريح في أن الله هو الذي ينزل كيف يشاء، ومما ذكره شيخ الإسلام حول هذا المعنى أنه قال: "وقد سئل بعض نفاة العلو عن النـزول فقال: ينزل أمره - فقال له السائل: فممن ينزل؟!! إن عندك فوق العالم شيء فممن ينـزل الأمر؟ من العدم المحض؟ فبهت"446 اهـ. ويكون معنى الكلام إذا كنت لا تؤمن بأن الله في العلو، فكيف تزعم بأن الأمر ينـزل. فممن ينزل الأمر، فإن الله ليس فوق العالم في زعمك؟ وهو سؤال مفحم كما ترى، ولذلك بهت الذي نفى العلو، ثم زعم نزول الأمر، لأن النزول لا يكون في اللغة إلا من فوق، وهذا السؤال يمكن أن يوجه أيضاً إلى القائلين بأنه تعالى ليس فوق العرش، ولا تحت العرش، ولا يمين العرش، ولا يساره، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على العدم، فيكون وجود الرب تعالى عند هؤلاء وجوداً ذهنياً ولا وجود له في الخارج كما لا يخفى، فإذاً ممن ينزل الأمر أو ممن تنزل الرحمة، والحالة ما ذكر؟!! وقال الحافظ ابن القيم: "إن نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا قد تواترت الأخبار به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها عنه نحو 28 نفساً من الصحابة، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يبلغه في كل موطن ومجمع447 اهـ. ثم سرد أحاديث الصحابة ابتداء من حديث أبي بكر ثم علي إلى آخر العدد المذكور مع الشرح والتعليق. وقال محمد بن جرير الطبري - بعد كلام طويل حول نصوص الصفات: "وأهل العلم بالكتاب والآثار من السلف والخلف يثبتون جميع ذلك، ويؤمنون به بلا كيف ولا توهم. ويمرون الأحاديث الصحيحة كما جاءت من رسول الله عليه الصلاة والسلام"448 اهـ. قلت: بما في ذلك صفة النزول. قال الحافظ ابن القيم: اختلف أهل السنة في نزول الرب تعالى على ثلاثة أقوال: 1- أحدها: أنه ينزل بذاته، قال شيخنا: وهذا قول طوائف من أهل الحديث والسنة والصوفية والمتكلمين. 2- وقالت طائفة منهم: لا ينزل بذاته. 3- وقالت طائفة أخرى: نقول: ينزل، ولا نقول بذاته، ولا بغير ذاته، بل نطلق اللفظ كما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم ونسكت عما سكت عنه449 اهـ. وهذا ما يفهم من قول الإمام الأوزاعي وحماد بن زيد وإسحاق بن راهويه، وقد سبق نقل أقوالهم، وقد سئل الإمام أحمد فقال السائل: يا أبا عبد الله أينزل إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم، ثم قال السائل: نزوله بعلمه أم ماذا ؟!! فقال الإمام: "اسكت عن هذا" فغضب غضباً شديداًَ ثم قال: امض الحديث على ما روي450 اهـ. وموقف الإمام أحمد هنا شبيه بموقف الإمام مالك بن أنس في مسألة الاستواء، وهو موقف معروف رحمهما الله تعالى، بل هذا موقف أئمة السلف قاطبة في جميع صفات الله تعالى لأن المعروف عنهم أنهم لا يتجاوزن الكتاب والسنة في جميع المطالب الإلهية. ومما يشهد لما ذكرنا ما قاله الحافظ ابن القيم بعد ذكر أقسام الناس في مسألة الانتقال والحركة - وأما الذين أمسكوا عن الأمرين فقالوا: لا نقول يتحرك وينتقل ولا ننفي ذلك عنه، فهم أسعد بالصواب والاتباع، فإنهم نطقوا بما نطق به النص، وسكتوا عما سكت عنه، ثم قال رحمه الله: تظهر صحة هذه الطريقة ظهوراً تاماً فيما إذا كانت الألفاظ التي سكت عنها مجملة محتملة لمعنيين: صحيح وفاسد، مثل لفظ الجسم والحيز والأعراض، ونحو ذلك من الألفاظ التي تحتها حق وباطل، قبل التفصيل، فهذه لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً لأنها لم يرد إثباتها ولا نفيها451 اهـ. والذي يظهر لي أن لفظ الحركة والانتقال من الألفاظ التي يجب عدم إطلاقها لا نفياً ولا إثباتاً، فيسعنا ما وسع السلف فيها وفي غيرها، وذلك أسلم، والله أعلم. ومن أقوال هؤلاء الأئمة ومواقفهم يتضح جلياً موقف السلف الصالح من هذه الصفة وغيرها من جميع الصفات الإلهية، وهو الاكتفاء بفهم المعاني العامة للصفات، والإمساك عن الخوض فيما وراء ذلك، فهم لا يبالغون في الإثبات إلى حد التشبيه والتجسيم كما لا يبالغون في النفي إلى حد التعطيل، بل يقفون مع ظاهر النصوص، ولا يتجاوزونها، وبالله التوفيق. وأما موقف الخلف هنا كموقفهم في جميع الصفات على ما تقدم تفصيله من وجوب التأويل وعدم اعتقاد ظاهر النصوص، أما النزول فقد أولوه بنزول الملائكة تارة، وبنزول الأمر تارة أخرى، وقد سبق أن ناقشنا غير مرة، وبيّنا أنه يؤدي إلى القول على الله بغير علم، مع بعده عما كان عليه المسلمون الأولون من الصحابة والتابعين. وهم الناس الذي يقتدي بهم في هذا الباب وغيره، ومخالفتهم تعتبر اتباع غير سبيل المؤمنين، وهو أمر في غاية الخطورة، كما لا يخفى. وختاماً نقول قول الإمام مالك في صفة الاستواء: "النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، رحم الله سلفنا ما أقل كلامهم، وما أغزر معناه. الصفة الرابعة: صفة مجيء الله تعالى يوم القيامة: وإذا كنا قد تحدثنا عن استواء الله على عرشه كما يليق به سبحانه، ثم أتبعنا ذلك بالحديث عن معية الله تعالى العامة مع خلقه، بعلمه واطلاعه والخاصة مع خاصة عباده بعلمه، وبنصره وتأييده، ثم أثبتنا نزوله سبحانه إلى سماء الدنيا كل ليلة على ما يليق بعظمته وجلاله رحمة لعباده، يجيب دعوة الداعين، ويعطي السائلين. وبعد الحديث عن هذه الصفات الثلاث فلنتبع ذلك بحديث موجز عن مجيء الرب تعالى يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده في ضوء الكتاب والسنة دون أن نتجاوزهما، لأنهما نورنا الذي نستضيء به في عملنا هذا، فإتيان الله تعالى يوم القيامة ثبت بآيات من الكتاب العزيز، وبأحاديث نبوية صحيحة تلقاها علماء السلف بالقبول، ونقلوها إلى من بعدهم كما فهموها، ودرج على الإيمان بها من بعدهم وإقرارها، وإمرارها كما جاءت، وكما تلقوها. وهم خير القرون، بل هم الناس الذين يسألون عن فهمهم للنصوص كيف فهموها، وكيف عملوا بها، ليقتدى بهم، ولا سيما باب الأسماء والصفات، فالخير والهدى والاطمئنان في اتباعهم، والتأسي بهم، والشر والضلال والاضطراب وعدم اليقين في الدين محقق في مخالفتهم واتباع غير سبيلهم. فعلى هذا المفهوم نتحدث عن هذه الصفة كما تحدثنا عن غيرها على المفهوم نفسه، وبالله التوفيق. الآيات في صفة المجيء: جاءت في كتاب الله عدة آيات تخبرنا عن مجيء الله يوم القيامة ليفصل بين عباده وليحكم بينهم، ومن تلك الآيات قوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}452، وقوله سبحانه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}453، وقوله سبحانه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}454. ومن التقاليد الموروثة لدى كثير من المفسرين الذين ينهجون منهج الخلف أن يفسروا "المجيء" المذكور في سورة الفجر {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، بمجيء أمر الله سبحانه - وقبل أن أواصل الحديث على هذه النقطة وما بعدها أريد أن أسأل أصحاب هذا الرأي: من أين يأتي أمر الله؟! فلا بد أن يكون الجواب: يأتي أمر الله من عند الله، فهو جواب لا بأس به. وبقي سؤال آخر: أين الله؟ الذي يأتي الأمر من عنده؟ هنا يضطرب النفاة، فأول ما يفعله النفاة من مثل هذا الموقف أن يقولوا: لا يسأل عن الله بأين؟ هكذا يفهمون!! وبذلك يبرهنون على بعدهم عن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أول من سأل عن الله بأين ليختبر إيمان تلك الجارية التي يريد مولاها أن يعتقها لو كانت مؤمنة. والقصة معروفة لدى طلاب العلم. أعود إلى السياق لأقول: إذا كان النفاة لا يثبتون علو الله على خلقه، فلا معنى لقولهم: "جاء أمر ربك"!! لأنهم لا يدرون من أين يأتي الأمر؟ اللهم إلا إذا زعموا أن الأمر يأتي من كل مكان. ولا نعلم أحداً قال بهذا القول!! وعلى كل حال، فإنهم إن عالجوا هذه الآية بهذا التهرب عن الحقيقة، ثم عالجوا آية سورة البقرة بالأسلوب ذاته، فما يصنعون بقوله تعالى في سورة الأنعام {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}!!. أما المفسرون الذين ينهجون منهج السلف الذين يفسرون القرآن تفسيراً لغوياً وأثرياً فيطبقون على أن معنى الآية هكذا. هل ينتظر هؤلاء الذين يعدلون بربهم الأوثان والأصنام ويكفرون بلقاء الله، وجزائه، إلا أن تأتيهم الملائكة بالموت فتقبض أرواحهم، أو أن يأتيهم ربك "يا محمد" يوم القيامة بين خلقه أو أن يأتيهم بعض آيات ربك، من أظهرها طلوع الشمس من مغربها455. هذا قول شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري مع التصرف في العبارة، ثم نقل ابن جرير تفاسير بعض الصحابة والتابعين، ثم سرد عدداً من الأحاديث المرفوعة والموقوفة تأييداً لتفسيره. ثم إنني تتبعت أقوال المفسرين عند غير ابن جرير فلا يكادون يختلفون. وقد نقل الإمام الشوكاني في تفسيره عند الآية المذكورة456 تفاسير كبار المفسرين مثل مقاتل، وابن مسعود، وحديثاً موقوفاً عن أبي سعيد457 الخدري في تفسير الآية، في معنى مجيء الملائكة، ومجيء الله تعالى، ومجيء بعض آياته دون أدنى اختلاف إلا ما كان في العبارة والأسلوب لأنهم يستقون جميعاً من معين واحد، وهو "الوحي" الذي يستوحون منه مراد الله من كلامه سبحانه، ثم يستوضحون ما أشكل عليهم من سنة نبيهم، فلا يقولون على الله بغير علم. وبعد: فليس لدى النفاة - فيما أحسب- جواب بالنسبة لهذه الآية ما لم يركبوا رؤوسهم، إذ لم يبق هناك من يضيفون إليه المجيء لأن الآية قطعت عليهم خط الرجعة -كما يقولون- حيث ذكرت مجيء الملائكة لقبض الأرواح، ثم ذكرت مجيء الرب سبحانه للحساب والقضاء ثم ذكرت مجيء أمر الله تعالى بأمره سبحانه، فأين يذهبون؟!! وماذا يصنعون؟ ولعلهم يَسألون فيقلون: إذا قلتم: ينـزل الرب، ويجيء يوم القيامة، فهل معنى ذلك أن هذا المجيء مجيء بانتقال؟ وهل يخلو منه العرش عندئذ؟ الجواب: هذا نوع من الخوض الذي ناقشناه في صفة النزول، فخرجنا منه بالقول بأن أسعد الناس بالدليل هم الممسكون عن القول بانتقال أو عدم انتقال، والممسكون عن القول بخلو العرش، أو عدم خلوه، لأنهم سكتوا عما سكت عنه الكتاب والسنة. هذا ملخص ما قلناه هناك، وبه نقول هنا، ونزيد أن محاولة معرفة هذه النقطة فيها محاولة الإحاطة بالله علماً، وذلك مستحيل شرعاً وعقلاً. إنما الواقع أن الله هو الذي يحيط خلقه بعلمه، أما هو سبحانه يُعْلَم ولا يحاط به علماً، {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}، ولا يحيطون بذاته ولا بصفاته ولا بأفعاله علماً، فالنزول والمجيء من أفعال ربنا تعالى فينتهي علمنا فيهما وفي غيرهما من أفعال ربنا بمعرفة المعنى العام وكفى. هذا هو مسلك سلفنا الصالح، فيسعنا ما وسعهم. فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف ومما يؤمن به أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يُحدثُ من أمره ما يشاء، ومما يحدثه في نهاية المطاف لهذه الدار أن يأمر الشمس أن تطلع من مغربها بدل مشرقها، إعلاناً لنهاية هذه الحياة، من هنا يغلق باب التوبة، ولا يقبل إيمان أو عمل صالح ممن يريد أن يؤمن، أو يعمل صالحاً بعد هذا الطلوع الغريب. ثم إذا جمع الله الأولين والآخرين يأتي يوم القيامة ليحاسب عباده {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}458، هناك يتميز المؤمن الصادق الذي كان يعمل بصدق ويقين {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ}459، فيأتي الرب تعالى فيعرفه المؤمنون بعلامته الخاصة فيسجدون له سبحانه سجود تعظيم وشكر في آن واحد، فيحاول المراؤون أن يتظاهروا كعادتهم بالسجود الأجوف، ولكن الله يفضحهم حيث تصبح ظهورهم. طبقاً فلا يستطيعون السجود بل يسقطون على ظهورهم. هكذا يأتي الله ويحاسب عباده ويفصل بينهم، وسيأتي مزيد بحث لهذه النقطة عند الكلام على الرؤية إن شاء الله تعالى في نهاية الكلام على الصفات المختارة، والله ولي التوفيق.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس