عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-01-21, 22:45 رقم المشاركة : 5
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الفصل الرابع: معاني تلك الصفات بالتفصيل أ- الصفات الفعلية: الصفة الأولى: صفة استواء الله عز وجل على العرش وعلوه على خلقه: وقد ورد ذكر هذه الصفة في القرآن الكريم في عديد من الآيات القرآنية، وأما بصيغة (استوى) فقد ذكرت هذه الصفة في سبع آيات على النحو التالي على ترتيب السور: 1- آية سورة الأعراف: وهي قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (آية: 53). 2- آية سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} (آية: 3). 3- آية سورة الرعد: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} (آية: 2). 4- آية سورة طه: {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (آية 1-5). 5- آية سورة الفرقان: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (آية 58-59). 6- آية سورة السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ} (آية 4-5). 7- آية سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} (آية: 4). هذه الآيات الكريمات، وفي معناها عدة نصوص من الآيات والأحاديث الصحيحة التي يأتي ذكرها إن شاء الله، كلها تدل على علو الله تعالى على خلقه، كما يليق به، وأما هذه الآيات السبع فتنص على أن الله تعالى استوى على عرشه بعد أن خلق السموات والأرض استواء يليق به، ولا نعلم منه إلا المعنى العام المفهوم من الوضع، إذاً هنا صفتان: 1- صفة استواء على العرش: وهي صفة فعلية خبرية كما دلت عليه الآيات السابقة. 2- صفة العلو: وهي صفة ذاتية لازمة للذات بمعنى أنه تعالى لم يزل في علوه، وهي في الوقت نفسه عقلية وسمعية أي فهي ثابتة بالعقل والفطرة، والسمع، بل السمع جاء مؤكداً بما آمن به العباد بفطرهم، وبعقولهم من أن الله يدعى من فوق، وترفع إليه أكف الضراعة، وقلوب العباد مشدودة إلى فوق، ولو في حال وضعهم جباههم على الأرض ساجدين لربهم الأعلى الذي يراهم من فوقهم، ويجيب دعوتهم، وهم ساجدون له سبحانه. وهذا الاعتقاد ضروري لا يستطيع أي إنسان دفعه عن نفسه، ومن الحِكَم اللطيفة أن شرع الله لعباده أن يقولوا في سجودهم: "سبحان ربي الأعلى" شرع لهم ذلك على لسان نبيه، وفي هدي رسوله إشارة إلى علوه الدائم، حتى لا يفهم من سجود العبد على الأرض أن معبوده في أسفل منه – حاشاه - بل كلما يزداد العبد خضوعاً وتذللاً، لمعبوده العلي العظيم ازداد منه قرباً معنوياً ومعية خاصة، تخص خواص عباده المؤمنين، وفي هذا يقول رسول الهدى، ونبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد فأكثروا الدعاء"364. ومن الآيات التي تدل على علو الله على خلقه، علاوة على الآيات السبع التي ذكرناها والتي تنص على استواء الله على عرشه كما يليق به، قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}365، وقد جاءت الفوقية في هذه الآية مقرونة بحرف (من) وهي مُعَيِّنة للفوقية (بالذات)366، وهو معنى معروف عند أهل اللغة، بخلاف قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}367، وهي محتملة كما لا يخفى. 1- قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}368. 2- {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}369. 3- {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}370. 4- {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}371. 5- {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}372. وبعد، فهذه طائفة من آيات الكتاب المبين وفي معناها آيات أخرى عديدة اقتصرنا على هذا المقدار خشية الإطالة، وكلها تدل دلالة واضحة على علو الله على خلقه، وأنه مستو على عرشه كما يليق به. ونضيف إليها بعض الأحاديث الواردة في هذا المعنى، ونقتصر على ما صح منها فقط، ففيها الكفاية مع الآيات السابقة للدلالة على المقصود، وهي كالآتي: 1- قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله لما قضى الخلق، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي"، وفي رواية: "غلبت غضبي"373. 2- قول أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها وهي تعتز وتفتخر على أمهات المؤمنين زوجات النبي رضي الله عنهن إذ تقول: "زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات"374. يُستدل بقول أم المؤمنين زينب رضي الله عنها لأنها قالت ذلك اعتقاداً منها بأن الله فوق خلقه – وهو اعتقاد كل صاحب فطرة سليمة- وليس هو في كل مكان، كما تزعم بعض الجهمية وأتباعهم، وقد كان ذلك في زمن نـزول الوحي فهو إذاً اعتقاد فطري أثبته الشرع، ولله الحمد والمنة. وهو أخيراً يصور لنا فقه السلف في هذا الباب، وهم يفهمون معاني النصوص على ظواهرها مع التنـزيه بمعناه الصحيح، وهو إثبات لا يتضمن التشبيه. 3- قوله عليه الصلاة والسلام عند تفسير قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}375، "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء"376. وقد قال أهل العلم: المراد بالظهور عنا العلو، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ}377، أي: يعلوه، وقالوا: فهذه الأسماء الأربعة متقابلة: اسمان منهما لأزلية الرب سبحانه وتعالى وأبديته، واسمان لعلوه وقربه)378 اهـ. فهو سبحانه قريب في علوه كما يليق به، وعلي في قربه. 3- قوله عليه الصلاة والسلام: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم"الحديث379. 5- قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً"380. 6- إشارته عليه الصلاة والسلام إليه تعالى بأصبعه في حجة الوداع - وهو أعلم بربه سبحانه - وفي ذلك اليوم العظيم وفي المكان المقدس العظيم يرفع النبي عليه الصلاة والسلام إصبعه الكريمة إلى السماء يرفعها إلى من هو فوقها وفوق كل شيء قائلاً: "اللهم اشهد"، ونحن نشهد أنه عليه الصلاة والسلام بلغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وعرفهم بربهم الأعلى381. وهذه مقتطفات من حديث جابر بن عبد الله الطويل الذي شرح فيه حجة الوداع شرحاً كاملاً ووافياً، رواه مسلم وبعض أصحاب السنن. وقد خاطب النبي أصحابه في هذه الخطبة المشار إليها قائلاً: "إنكم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون؟" قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت" أعْظِمْ بها من شهادة لأعْظَم مشهود له. وبعد: فلا يخفى خطأ قول الذي قول: لا تجوز الإشارة الحسية إلى السماء، بل ربما قال: إن من اعتقد أن الله في السماء كفر، وإلا فهو فاسق382. وما أشد خطأ قول الذين يزعمون أن الذي يشير بإصبعه إلى السماء عند قراءة قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، أو قوله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} تقطع أصبعه، وربما نسبوا هذا القول إلى بعض الأئمة؟!! كالإمام مالك والإمام أحمد رحمهما الله، والنسبة غير صحيحة، بل نسبة باطلة وغير لائقة383. وحديث جابر الذي تقدم فيه التصريح بأن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى السماء إشارة حسية، وهو يقول لربه سبحانه الذي يشير إليه: "اللهم اشهد"، وهو يرد هذا الزعم، والحديث مخرج في صحيح مسلم كما تقدم، ومتلقى بالقبول فكيف يعتذر لهؤلاء إذاً؟!! في نظرة خير ما يعتذر به لأمثال هؤلاء هو الجهل، وعدم الاطلاع على السنة، ثم التقليد المتوارث الذي تحدثنا عنه فيما تقدم وقررنا أنه هو المستند الوحيد للأشاعرة الجدد. 7- حديث الإسراء والمعراج وفيه عدة نقاط تدل على المقصود: أ- مجرد العروج إلى فوق السماء السابعة بل إلى حيث سمع صريف الأقلام، أقلام الملائكة الذي يكتبون ما يكتبون بأمر الله وإلى حيث سمع كلام الله وهو سبحانه يخاطبه في شأن الصلاة. ب- تردده عليه الصلاة والسلام بين موسى وبين ربه سبحانه في طلب تخفيف الصلاة عن أمته. جـ- ما جاء في الحديث: ثم رجع إلى المكان الذي كان فيه. أي حيث كلمه ربه، وفرض عليه الصلاة، وغير ذلك من النقاط في روايات الحديث المذكور في الصحيحين البخاري ومسلم وغيرهما. 8- سؤال الجارية بلفظ (أين الله؟) في حديث صحيح عند مسلم، وهي قصة معروفة لجارية معاوية بن الحكم السلمي حيث قال النبي للجارية: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة. ولقد ذكرني هذا السؤال النبوي الكريم والرحيم أيضاً عبارة تقليدية كنت درستها وأنا طالب صغير لم أبلغ الحلم، كنت درستها في ضمن ما درسته في بعض كتب الأشعرية وهي: لا يسئل عن الله بالألفاظ الآتية: 1- أين، 2- وكيف، 3- ومتى، 4-وكم كان من مشايخنا لا يسمحون لنا بشرح هذه الألفاظ، والسؤال عن الجواب لو سئل الإنسان عنها، ويقولون: هكذا تؤخذ، ولا تناقش لأن النقاش في هذه المواضيع غير جائز. وقد كان المفروض بل الواجب أن يكون طالب العلم على شيء من المعرفة ليتولى الإجابة على كل سؤال إذ لا بد أن يكون لكل سؤال جواب، فمثلاًَ لو سئل الإنسان: (أين الله)؟ فهو لفظ سأل به رسول الله الجارية التي يريد مولاها عتقها، إن كانت مؤمنة، وهو لا يعلم هل هي مؤمنة أم لا، ولما عرض عتقها على رسول الله عليه الصلاة والسلام طلبها الرسول فوجه لها سؤالين فقط، اختباراً لإيمانها. السؤال الأول: "أين الله؟" الجواب: في السماء. السؤال الثاني: "من أنا؟" الجواب: أنت رسول الله. النتيجة: "أعتقها فإنها مؤمنة"، أي باقية على إيمانها الفطري الذي لم تلوثه الآراء الفاسدة، فليحذر الذين يحرمون استخدام هذه اللفظة في حق الله جهلاً منهم بأن الرسول استخدمها كما رأيت. - نعم لو سئل الإنسان أين الله؟ الجواب: في السماء. ولو سئل: (كيف الله)؟ الجواب: لا يعلم كيف هو إلا هو سبحانه إذ لا يحيطون به علماً. ولو سئل: (متى الله)، الجواب: هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء. ولو سئل: (كم الله)؟ الجواب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. هكذا يجب أن يُعدَّ العدة كل طالب علم، ويستحضر الأجوبة على كل سؤال مقدر وخصوصاً في هذا الزمن، زمن الكلام الكثير والعلم القليل، بصرف النظر هل هذه الأسئلة واردة، أو غير واردة أو هل هي مستساغة، أم لا؟ 9- قوله عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"384. 10- قوله عليه الصلاة والسلام: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء"385. الآثار المروية عن التابعين وتابعي التابعين في مسألة العلو: 1- عن كعب الأحبار قال: "قال الله عز وجل في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أدبر أمر عبادي، لا يخفى عليّ شيء في السماء، ولا في الأرض"386. 2- عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة قال: "حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات"387. 3- أثر مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} قال: "هو على عرشه وعلمه معهم"، وفي لفظ: "هو فوق العرش وعلمه معهم"، وفي لفظ: "هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا"388. 4- أثر عبد الرحمن بن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده قال: "شهد خالد بن عبد الله القسري - وخطبهم بواسط- فقال: يا أيها الناس ضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل فذبحه". وهذه القصة ذكرها غير واحد من أهل العلم، وهي مشهورة، ذكرها البخاري في خلق أفعال العباد، والدارمي في الرد على الجهمية وإن كان في سندها كلام لبعض أهل العلم. 5- روى أبو عبد الله الحاكم عن الأوزاعي قال: "كنا - والتابعون متوافرون- نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"389. 6- روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية: حدثني أبي (فذكر سنده) عن عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: "الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء"390. 7- قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي والليث بن سعد ومالكاً والثوري عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك؟ فقالوا: "امضها بلا كيف"391، وفي لفظ: "أمروها كما جاءت بلا كيف"، وقولهم: "أمروها كما جاءت" يرد على المعطلة. وقولهم: "بلا كيف" يرد قول المشبهة392. وبعد هذه أنواع الأدلة الثلاثة التي صنفناها على الوجه التالي: 1- آيات من الكتاب المبين اخترنا منها نحو ثلاث عشرة آية. 2- أحاديث صحاح انتخبنا منها عشرة أحاديث. 3- آثار وكلام أهل العلم من التابعين وتابعيهم، اقتصرنا منها على سبعة آثار على كثرتها، رغبة في الإيجاز. ولعل قائلاً يقول: ما هو الموجب لذكر الآثار بعد الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟!! الجواب: ذكر الآثار بعد النصوص يفيد أمرين مهمين: الأمر الأول: يفيد أن النصوص المذكورة لم تنسخ، بل هي محكمة باقية كما جاءت إذ تعتبر هذه الآثار تفسيراً وبياناً للنصوص. الأمر الثاني: تحديد مفهوم السلف، وأنهم كانوا يفهمون من هذه النصوص كتاباً وسنة ما تدل عليه بوضعها وبظاهرها باقية على حقيقتها، ولم يؤولوها ويخرجوا بها عن ظاهرها كما يزعم الخلف، والله أعلم. أعود فأقول: إن هذه الأنواع الثلاثة من الأدلة قليل من كثير من الأدلة الدالة على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه على ما يليق به تعالى. إذاً إن صفة العلو أو الفوقية صفة كمال ثابتة بوابل من أدلة الكتاب والسنة ودرج على إثباتها على ظاهرها جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وليس فيها نقص ولا تستلزم نقصاً ولا توجب محذوراً، ولا تخالف كتاباً ولا سنة، بل توافقهما كما رأيت، وقد عقد عليها إجماع المسلمين الأولين كما علمت، وهم القوم الذين يحتج بإجماعهم، لأنهم خير هذه الأمة "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"393، وإذا كان الأمر كذلك فما هي شبهة الأشاعرة والحالة ما ذكر؟!! خلاصة شبهتهم انهم تصوروا – خطأ - أن النصوص التي نطقت بأن الله في السماء تدل بظاهرها على أنه تعالى مظروف في جوف السماء فشبهوه بمخلوق داخل مخلوق آخر، كما فهموا – خطأ - أيضاً من قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}394، وما في معناه من النصوص أنه تعالى جالس على العرش، وأنه محتاج إليه، فشبهوه بإنسان جالس على سريره، محتاجاً إليه، فأرادوا أن يفروا من هذا التشبيه الذي وقعوا فيه لسوء فهمهم، فوقعوا في التعطيل. وأما النصوص فلا تدل على ما لا يليق بالله دائماً – وحاشاها - فأمرهم يتردد إذاًَ بين التشبيه والتعطيل. ولو وقفوا حيث وقف السلف من قبلهم، وهو الموقف الذي اختار الله للإمام أبي الحسن الأشعري في آخر أطواره، نعم لو وَقَفوا حيث وقف القوم، فسلموا لله ولرسوله، لما وقعوا فيما وقعوا فيه من الاضطراب في العقيدة، وعدم اليقين فيما يعتقدون نحو ربهم وخالقهم. وعدم اليقين فيما يعتقد العبد نحو ربه أمر له خطورته في أي جزئية فيما يجب إثباته لله عز وجل أو نفيه عنه. ثم إنهم اختلفوا بعد ما نفوا صفة العلو والاستواء اختلافاً خطيراً، حيث زعم بعضهم بأنه سبحانه وتعالى في كل مكان بذاته، بينما يزعم الآخرون بأنه تعالى: ليس فوق العرش، ولا تحت العرش، ولا يمينه، ولا يساره. ونص كلام بعضهم هكذا: "فليس الله عن يمين العرش، ولا عن شماله، ولا أمامه، ولا خلفه، ولا فوقه، ولا تحته، فليحذر كل الحذر مما يعتقده العامة من أن الله تعالى فوق العالم، ثم استدرك قائلاً: لكن الصحيح أن معتقد الجهة لا يكفر"395، وهذه العبارة كان يحفظها أطفالنا حفظ الفاتحة ظناً منهم ومن مشايخهم أنها عقيدة سلف هذه الأمة، التي بلغها لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تزال تدرس في كثير من معاهدنا وجامعاتنا العربية والإسلامية على حساب عقيدة أهل السنة والجماعة. فعقيدة الجماعة مجهولة لديهم، لأنهم لا يدرسونها، وتلك الشبهة التي أدّت إلى هذا المصير، وهو الاضطراب والتردد – كما رأيت - شبهة واهية على خطورتها، لا تثبت أمام تلك الأدلة المتنوعة التي سبق أن ذكرنا بعضها أو طرفاً منها كما نقلنا أقوال بعض الأئمة في هذا المعنى عند مناقشتنا موقف المعتزلة والأشاعرة في المبحث الثامن من المدخل. قال الحافظ ابن القيم: إن الأحاديث الصحيحة التي وردت في إثبات استوائه تعالى بلغت خمسين حديثاً، ثم ذكر بعدها أقوال عدد كبير من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم في إثبات الاستواء، وله رحمه الله كلام طويل ونفيس في هذه الصفة وغيرها من صفات الأفعال التي أنكرتها الأشاعرة في كثير من كتبه القيمة396، وبعد، فإنني لعَلَى يقين لا يخالطه شك في أن كل من ينفي علو الله تعالى بلسانه تقليداً، أو مسايرة لجمهور أهل الكلام فإن ضميره يكذبه من داخله، وهو متكلف يهرف بما لا يعرف، وأن قلبه يلتفت إلى فوق عندما يشرع في الدعاء، والتضرع إلى الله، قبل أن يرفع يديه إلى السماء، وهو يعلم ذلك من نفسه، ولكن التقليد وتقديس الآراء والاعتقاد في الشيوخ، ومسايرة الجمهور، كل ذلك حال دون اتباع الحق الذي نطق به الكتاب والسنة، ودلت عليه الفطرة، وأجمع عليه المسلمون الأولون من الصحابة والتابعين، وسبق أن ذكرنا قول الإمام الأوزاعي وهو يخبر ما كان يقوله أتباع التابعين ويعتقدونه إذ يقول: "كنا - والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن ما وردت به السنة من الصفات"397. نقل هذا التصريح غير واحد من أهل العلم مثل الذهبي، والبيهقي، وأخيراً الإمام ابن تيمية في الحموية الكبرى، وهذا التصريح -كما ترى يعني إجماع التابعين، وهو مبني على إجماع الصحابة المستند إلى صريح الكتاب وصحيح السنة، وهو أقوى إجماع عرف -فيما أعلم- وقد ذكر الأوزاعي هذا الإجماع للرد على عقيدة الجهمية التي أخذت تظهر في عصر تابعي التابعين ليبين للناس أن ما يدعو إليه (جهم) وأتباعه مخالف لإجماع الصحابة والتابعين وأئمة تابعي التابعين. وبعد: فإن صفة استواء الله على عرشه، وصفة الكلام، وموضوع إثبات رؤية الله للمؤمنين يوم القيامة هذه المسائل التي كثر فيها اضطراب الأشاعرة وتناقضهم، ولذلك كثر حديث الأئمة وكلامهم فيها ومناقشتهم للأشاعرة بأساليب مختلفة، وجمعوا فيما ألفوا من الكتب في الرد عليهم أدلة عقلية ونقلية، فهذا الحافظ ابن القيم يناقش الأشاعرة، ويبطل دعواهم بأن معنى (استوى) في الآيات التي سبق أن سقناها بمعنى (استولى) أو مجاز عن الملك والسلطان، يبطل هذه الدعوى باثنين وأربعين وجهاً398. ويثبت بأن الفعل (استوى) في مثل سياق الآيات السبع المذكورة لا يكون إلا بمعنى (علا) و (ارتفع)، هذا ما يدل عليه اللفظ بالوضع، ويجب أن ينتهي إلى هنا علم العباد، وأما ما زاد على هذا القدر من محاولة إدراك حقيقة الصفة، أو اللجوء إلى التأويل، والخروج باللفظ عن ظاهره، أو دعوى التفويض والإعراض عن المعنى الظاهر للفظ، فكل ذلك تكلف، نهينا عنه، أو قول على الله بغير علم. وهو من جملة ما حرم الله على عباده حيث يقول تعالى: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}399، ويقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}400، والله المستعان.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس