عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-01-01, 01:33 رقم المشاركة : 1
فصبر جميل
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية فصبر جميل

 

إحصائية العضو







فصبر جميل غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام التميز لشهر مارس 2012

العضو المميز لشهر يناير

افتراضي الرد على شبهة أن الرسول صل الله عليه وسلم كان مزواجا شديد الميل للنساء


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام


مضمون الشبهة:
يزعم بعض المشككين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شهوانيا مزواجا محبا للنساء، وأنه كان شديد الميل لهن والولع بهن، ويستدلون على ذلك بما يزعمونه من أنه:
· كانت له ست عشرة زوجة وسرية، ومع ذلك كان ينكح كل من وهبته نفسها، من غير تقيد بعدد.
· جمع بين هذا العدد من النساء في حين أنه حرم على المسلمين أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة، وهو بهذا قد استحل لنفسه ما حرمه على غيره.
· لم يختر زوجاته على أساس ديني؛ بل كان لهوى في نفسه.
· اتخذ لنفسه من النكاح متعة على عادة سلاطين الشرق، بمجرد أن استقر له الأمر.
· كان ينساق خلف شهوته ويعزف عن عفاف القلب والروح؛ ومن ذلك أنه غضب من صحابته يوم وليمة زواجه من زينب بنت جحش - رضي الله عنهاـ لأنهم تأخروا في الانصراف؛ مما عطله عن تلبية نداء مزاجه.
· اعتبر زواج المسلم بلا مهر ولا شهود ولا ولي زواجا فاسدا، في حين أنه أباحه لنفسه؛ فقد أعتق صفية بنت حيي بن أخطب، وتزوجها دون شهود ولا صداق ولا موافقة ولي، واعتبر مجرد عتقها صداقا لها.
· وأخيرا... أباح تعدد الزوجات لأتباعه كنوع من محاولة الدخول في هذه العباءة الفضفاضة لكي لا يبدو أكثر شهوانية منهم.
ويهدف هؤلاء المشككون من وراء ذلك كله إلى الطعن في حياته - صلى الله عليه وسلم - الخاصة وعلاقته بالمرأة وإلباسها ثوبا - لم تلبسه - من الشهوانية والميل الغريزي.
وجوه إبطال الشبهة:
1) تسرى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لم ينكح كل من وهبته نفسها، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - بدعا من البشر في تسريه؛ وذلك لأن التسري أمر موجود منذ إبراهيم - عليه السلام - والتوراة تذكر أن أنبياء بني إسرائيل قد اتخذوا السراري، فلما جاء الإسلام أقر هذه الظاهرة، ولكنه قيدها ووضع لها شروطا وضوابط تكفل حماية السراري.
2) لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعا من الرسل في تعدد زوجاته؛ فأمر تعدد زوجات الأنبياء والرسل معهود ومشروع في أغلب الأديان السابقة، وقد تزوج إبراهيم وإسحق وداود وسليمان - مثلا - بأكثر من زوجة.
3) لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أمر المسلمين ألا يجمعوا بين أكثر من أربع زوجات إلا مبلغا تشريع ربه، أما جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين أكثر من أربع فهو مما اختصه الله - عز وجل - به ولا يجوز لغيره.
4) اختياره - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته كان على أسس دينية وحكم إنسانية ومقاصد تعليمية مأمور بها، ولم يحد عنها - صلى الله عليه وسلم - في أي زيجة من زيجاته.
5) انطلق السلاطين في تعدد نسائهم من أمر دنيوي، لا يعدو أن يكون التعدد فيه مجالا للمتعة المزاجية واللهو الجنسي؛ ولذلك فإنهم كانوا لا يرضون إلا بالأبكار الجميلات؛ فهل يعقل أن يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بهؤلاء، وهو الذي تزوج في أول عهده بالزواج امرأة ثيبا تكبره بخمس عشرة سنة، ولم تكن في زوجاته بكر إلا عائشة؟!
6) ما جاء به القرآن في قصة وليمة زواجه - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش إنما كان تهذيبا لسلوك المسلمين، وتنبيها لهم إلى مراعاة شدة حياء النبي - صلى الله عليه وسلم - وما ينبغي لهم أن يفعلوه إذا دخلوا بيته صلى الله عليه وسلم.
7) جواز نكاحه - صلى الله عليه وسلم - بغير ولي ولا شهود ولا مهر، وأن تحل له المرأة بغير عقد من جملة ما اختص الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز لغيره.
التفصيل:
أولا. تسرى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لم ينكح كل من وهبته نفسها، ولم يكن بدعا من الأنبياء في تسريه:
قبل أن نفصل الحديث عن هذا يجدر بنا أن نوضح معنى هذه الكلمة "التسري" لغة واصطلاحا:
التسري في اللغة: اتخاذ السرية، يقال: تسرى الرجل جاريته، وتسرى بها واستسرها: إذا اتخذها سرية، وهي الأمة المملوكة يتخذها سيدها للجماع، والتسري من السرور؛ وسميت الجارية سرية لأنها موضع سرور الرجل، ولأنه يجعلها في حالة تسرها من دون سائر جواريه، وقيل: من السر بمعنى الإخفاء؛ لأن الرجال كثيرا ما كانوا يتخذون السرارى سرا ويخفونهن عن زوجاتهم الحرائر، والتسرى في الاصطلاح لا يختلف عن معناه اللغوى.
والتـسـرى جـائـز في الإسـلام، بالكــتـاب والسنــة والإجمـاع، إذا تمت شـروطـه، يـقـول عـز وجـل: )والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6)( (المؤمنون)، وقد تسرى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك اتخذ الصحابة السراري.
وليس معنى هذا أن الإسلام هو الذي ابتدع هذا النظام؛ فقد كان معروفا في كل الأمم قبل الإسلام، وعرفته الأديان الأخرى قبل الإسلام، وقد ورد أن إبراهيم - عليه السلام - تسرى بهاجر التي وهبه إياها ملك مصر، فولدت له إسماعيل - عليه السلام - وقيل: كان لسليمان - عليه السلام - ثلاثمائة سرية، وقد عرف العرب الجاهليون التسري أيضا[1].
أما عن تسري النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - تسرى بأربعة من النساء:
الأولى: مارية القبطية بنت شمعون، وقد أهداها المقوقس للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأختها سيرين، فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرين لحسان بن ثابت، وولدت مارية إبراهيم للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحجة سنة ثمان للهجرة
والثانية: ريحانة وقيل اسمها ربيحة بنت شمغون - بالشين والغين - بن زيد بن عمرو بن قنافة من بني النضير، وذكر ابن سعد عن الواقدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سباها أرسلها إلى بيت أم المنذر بن قيس، فدخل عليها، فاختبأت حياء منه، فدعاها وخيرها، فاختارت رسول الله، فلم تزل عنده حتى ماتت.
والثالثة: نفيسة، يقال: إنها كانت جارية لزينب بنت جحش، وهبتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما رضي عنها بعد هجرها.
والرابعة: أمة لا يعرف اسمها[2].
فلم يعاب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اتخذ السراري، والتوراة نفسها تذكر أن أنبياء بني إسرائيل اتخذوهن؟
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ السراري كغيره من الأنبياء فإنه لم ينكح كل من وهبته نفسها - كما يزعم مثيرو هذه الشبهة - ويجدر بنا قبل أن نفصل الحديث عن هذه الخصيصة من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نوضح معنى (الهبة أو الوهب)، وذلك على النحو التالي:
الوهب: انتقال ملكية بلا مقابل، نقول: وهبك فلان كذا، أي: أعطاه لك بلا مقابل، ليس بيعا وليس بدلا. وشرط الهبة أن تكون من امرأة مؤمنة، قال الشعراوي: "قال: )وامرأة مؤمنة( (الأحزاب: 50)؛ لأن الهبة هنا خاصة بالمؤمنة، فإن كانت كتابية فلا يصح أن تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
لكن أتحل له المرأة بمجرد أن تهب نفسها؟ قالوا: لا، إنما لا بد من القبول، فإن قالت المرأة لرسول الله: أنا وهبت نفسي لك، لا بد من أن يقبل هو هذه الهبة؛ لذلك علق الله على هذه المسألة بقوله: )إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها( (الأحزاب: ٥٠)؛ لأن المسألة مبنية على إيجاب وقبول" [3].
ولقد اختلف العلماء في مسألة هبة النساء أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل كان عنده نساء موهوبات أم لا؟
ذهب بعضهم إلى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ امرأة بهبة قط، مستندين إلى ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لم تكن عند رسول الله امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، فأما الهبة فلم يكن عنده منهن أحد.
وذهب آخرون إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت عنده موهوبات، وقد رجح القرطبي ما ذهب إليه هؤلاء قائلا: "والذي في الصحيحين يقوي هذا القول ويعضده؛ روى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقول: أما تستحي امرأة أن تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله تعالى: )ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء( (الأحزاب: ٥١)، فقلت: والله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» [4].
وعن عـائشـة أنها قـالت: «كـانت خـولـة بنت حـكـيـم من اللائي وهبن أنفـسـهن لـرسـول الله صلى الله عليه وسلم» [5]. فـدل هـذا على أنهـن كن غـير واحـدة. والله تعـالى أعـلم، قال الزمخشـري: وقيـل الـواهبات أربع: ميمـونة بنت الحـارث، وزينب بنت خـزيمة - أم المساكين - الأنصارية، وأم شريك بنت جـابرة، وخولة بنت حـكـيـم" [6].
ولعل مما يؤكد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقبل كل من تهبه نفسها ما رواه الأئمة من طريق سهل بن سعد: «جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي، قال: فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: "وهل عندك من شيء"، قال: لا والله يا رسول الله، فقال: "اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا"، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظر ولو خاتما من حديد"، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري، قال سهل: ما له رداء فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء"، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا فأمر به فدعي، فلما جاء قال: "ماذا معك من القرآن"؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، عددها، فقال: "تقرؤهن عن ظهر قلبك"؟ قال: نعم، قال: "اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن» [7].
فهل يصح أو يعقل بعد هذا أن يزعم زاعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينكح كل من وهبته نفسها من غير حساب في العدد. وقد وجد من العلماء من نص على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عنده من النساء الواهبات أنفسهن له واحدة؟!
ثانيا. لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعا من الرسل في تعدد الزوجات:
لا بد أن نقرر أن الأديان السماوية قبل إبراهيم - عليه السلام - ليس لها كتب معروفة تؤخذ منها تشريعات الأسرة، والذي حكاه القرآن الكريم عنها هو المرجع الصادق لها وإلى جانبه النصوص الدينية الأخرى، وكتب التاريخ، ولا يوجد في هذه المصادر ما يدل على أن التعدد كان ممنوعا في هذه الأديان، ويهمنا أن نعرف ما جاء في الديانتين الكبيرتين اللتين نزلت بهما الكتب السماوية بعد إبراهيم - عليه السلام - وهما اليهودية والنصرانية.
وإن كان الاستدلال بما في التوراة والإنجيل الموجودين الآن غير معتبر؛ وذلك لتحريفهما بشهادة القرآن الكريم إلا إننا سنحكي ما ورد فيهما خاصا بالتعدد، مع العلم بأن القرآن نزل مهيمنا عليهما في أخبارهما ومضامينهما التشريعية خاصة.
وإبراهيم عليه السلام - وهو قبل التوراة والإنجيل كما ورد فيهما وفي القرآن الكريم - كان متزوجا من سارة، ولما لم يرزق منها بذرية، تزوج هاجر المصرية التي أهديت لسارة، فرزق منها بإسماعيل، ثم رزق من سارة بإسحاق، فهو قد جمع بين اثنتين في عصمته، بصرف النظر عن كون إحداهما وهي سارة زوجة، والأخرى هاجر سرية على الخلاف في ذلك[8].
وقد كانت له أيضا سراري كثيرة، والدليل على ذلك ما ورد في التوراة: "وأما بنو السراري اللواتي كانت لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحاق ابنه شرقا إلى أرض المشرق وهو بعد حي". (التكوين 25: 6)[9].
وجاء في التوراة أيضا أن إسحاق بن إبراهيم - عليهما السلام - ولد له اثنان، هما: عيصو، ويعقوب - عليه السلام - وأن عيصو جمع بين خمس زوجات، هن: يهوديت، بسمة، محلة، عدا، أهوليانة، وأن يعقوب جمع بين أربع زوجات هن: ليئة، راحيل شقيقتها، بلهة، زلفة، وهذا التشريع كان في صحف إبراهيم - عليه السلام - قبل نزول التوراة على موسى - عليه السلام - وكان من عادتهم أن الزوجة تسمح لزوجها بمعاشرة الجواري وتلحق أولاده منهن بها، وهذه العادة كانت شائعة في الزمن القديم عند إسبرطة اليونانية.
التعدد في اليهودية:
اليهودية دين اليهود الذي نزلت به التوراة على موسى بعد إبراهيم - عليهما السلام - والتوراة الحقيقية غيرت وحرفت، ومهما يكن من شيء فإنه يؤخذ مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ولقد أكدت كتب اليهود أن مبدأ التعدد مقرر عندهم، وكان تقرير هذا المبدأ امتدادا لتقريره لديهم في شريعة إبراهيم - عليه السلام - ومن بعده، حتى جاء موسى. فداود جمع بين تسع زوجات أولا، ثم وصلن إلى تسع وتسعين كما قالوا[10].
وكذلك تذكر التوراة المحرفة أن سليمان كان يحب النساء، حتى فتن بهن، وغضب الله عليه، وفيها أيضا أنه كان له سبعمائة سيدة، وثلثمائة سرية، وعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل[11]، والذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» [12].
واختلفت الروايات في عدد نساء سيدنا سليمان - عليه السلام - فقيل: ستون أو سبعون أو تسعون أو مائة - وتحقيق العدد في شرح الزرقاني على المواهب ولا يهمنا العدد فالثابت أنه كان في عصمته أكثر من زوجة.
وجاء في كتبهم أيضا أن "رحيمان" جمع بين ثماني عشرة زوجة، وأن "بهو باراع" الكاهن جمع بين زوجتين وأن "إيبا" ملك يهوذا جمع بين أربع عشرة زوجة.
ولقد ظل التعدد جائزا عند اليهود، ولم يحرمه إلا مجمع "وورمز" الرباني الشهير، الذي عقد في بداية القرن الحادي عشر الميلادي، وإن كان بعض طوائفهم ما زالت تمارسه، أسوة بأنبياء بني إسرائيل.
التعدد في المسيحية:
لقد جاء الإنجيل مكملا للتوراة، ورسالة عيسى - عليه السلام - مكملة لرسالة موسى - عليه السلام - بتقرير ما كان صالحا منها لتطور العصر وظروف البيئة، ومصححا ما لحقها من تحريف أو خطأ، يقول عيسى عليه السلام: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل". (متى 5: 17). وقال سبحانه وتعالى: )وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (6)( (الصف).
وبهذا نقول: إن عيسى - عليه السلام - لم يحرم تعدد الزوجات، ولم نجد في الإنجيل الصحيح نصا صريحا في التحريم[13].
وقد جاء في إنجيل متى مثل مضروب للملكوت الأعلى على لسان المسيح يدل على أن الجمع بين خمس زوجات جائز، بل الجمع بين عشر كذلك جائز؛ حيث قال ما مؤداه: "إن عشر عذارى كن ينتظرن عريسا ليلا، وكان منهن خمس حكيمات أخذن القناديل واحتياطيا من الزيت، وخمس أخريات أخذن القناديل فقط... إلى أن قال: وذهبت هؤلاء الحكيمات الخمس إلى العريس، ودخل بهن منزلا وأغلقه، ولم يدخل الأخريات لعدم حيطتهن، ولوأنهن اشترين زيتا احتياطيا لدخل العريس بالعشرة".
هذه هي العبارة المنسوبة إليه، ولو كان التعدد حراما ما ضرب المسيح مثلا للسعادة في ملكوت السماء بشيء محرم[14].
وفي الإنجيل أنه كان للمسيح أربعة إخوة هم: يعقوب، ويوسي، ويهوذا، وسمعان: "أليس هذا هو النجار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسى ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ههنا عندنا"؟ (مرقس 6: 3)، واتفق النصارى على أن مريم أتت بالمسيح بغير زرع بشر، وإذا كان هذا حاله، فهل هؤلاء الأربعة على الحقيقة إخوة أم على المجاز؟
اختلفوا؛ لأن متى قال عن يوسف النجار: "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر، ودعا اسمه يسوع". (متى 1: 25)، فيكون قد عرفها بعد ولادته، وإن منهم لفريقا يقولون: "إنها ظلت عذراء إلى أن ماتت، وإن الأربعة أولاد ليوسف من زوجة سابقة له على مريم". وعلى أية حال فإن غرضنا هو إثبات تعدد الزوجات بإخوة المسيح الأربعة، وفي تفاسير الإنجيل أنه كان له أختان أيضا هما أستير وثامار[15].
"وهكذا نجد أن تعدد الزوجات لم يكن من صنع الإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم"، وإنما هو تشريع قديم عرفته كل الحضارات والأديان وفي مقدمتها اليهودية، وأقرته المسيحية، إلا في حالة واحدة هي حالة الأسقف؛ حيث لا يستطيع الرهبنة مع تعدد الزوجات، فليكتف بزوجة واحدة، والقوانين الوضعية هي التي حرمت التعدد في العالم المسيحي.
يقول الأستاذ محمد فؤاد الهاشمي (العالم الذي كان مسيحيا ثم أسلم): "إن اعتراف المسيحية بتعدد الزوجات بقي إلى القرن السابع عشر"، وظل آباء الكنيسة في الغرب يبيحون تعدد الزوجات ويعترفون بأبناء الملوك الشرعيين من أزواج متعددات باعتراف وستر مارك wester mark، وبعرض من العالم القانوني جرتيوس Grotius[16]، وهكذا نجد أن تعدد الزوجات والسراري كان مباحا في كتب التوراة والإنجيل التي يقدسها المبشرون والمستشرقون لأنبيائهم، فكيف اعتبروه نقيصة ومطعنا لسيد البشر وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم؟!
ومن قبل طعن أسلافهم اليهود في النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب هذا، فرد عليهم القرآن أبلغ رد، وذكرهم بأن التعدد سنة من سنن الأنبياء والمرسلين الذين كانوا قبله، روي أن اليهود عيرت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء، والنكاح، ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء، فأنزل الله تعالى في الرد عليهم قوله: )ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب (38)( (الرعد). فقد ألقمهم هذا الرد حجرا، فباءوا بالخزي والبهتان[17].
ونخلص من هذا كله إلى أن تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء؛ وأن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بدعا من الأنبياء السابقين فلقد تزوج إبراهيم، وإسحاق، وداود، وسليمان.. وغيرهم بأكثر من زوجة، فلماذا توجه حملات الطعن والتشكيك في أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - بتعدد الزوجات دون غيره من الأنبياء؟
ثالثا. لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أمر المسلمين بألا يجمعوا بين أكثر من أربع زوجات إلا مبلغا عن ربه:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، كما قال سبحانه وتعالى: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم)، فهو لا ينطق في تشريعاته جميعها - ومنها بالطبع تشريعه عدم زيادة الزوجات عن أربع - عن هواه، إنما هو بوحي من الله عز وجل.
وثمة أحاديث كثيرة ينهى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عن أن يجمعوا بين أكثر من أربع زوجات، ويأمرهم بأن يمسكوا أربعا فقط ويفارقوا الأخريات. ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة: «أمسك أربعا، وفارق سائرهن» [18]


( يتبع بإذن الله )





التوقيع

لا إلـه إلا الله

بها نحيــــا وبها نمـــوت وبها نلقــى الله
آخر تعديل فصبر جميل يوم 2012-01-01 في 02:01.
    رد مع اقتباس