عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-23, 05:44 رقم المشاركة : 1
المصطفى كووار
أستـــــاذ(ة) جديد
 
الصورة الرمزية المصطفى كووار

 

إحصائية العضو







المصطفى كووار غير متواجد حالياً


c5 نثر / إليك أبي في ليل آلامك.


* هذا النص كتبته ، دجنبر 2009 عندما كان أبي " رحمه الله " يعاني المرض والآلام ، وهو في آخر عهده بالدنيا.



إليك أبي في ليل آلامك
دعني أقبل يديك .. وجبينك.. دعني أسح دمعي الصامت ، وأقرأ في عينيك المتعبتين ألق الحب.
دعني - أبي - أتملى وجهك السمح ، وقد علاه الذبول... دعني أبي أقرأ في تفاصيله سفر أيامك.. مذ كنت بحارا .. يصارع الموج والأنواء والنيران، وغواصات ومدمرات الأعداء.
دعني أقرأ ملحمة صمودك بصوت مرتفع.. فقد كنت - وما زلت - رجلا كامل الرجولة.. موفور العقل .. أحببت وطنك ، وكنت مغربيا حتى النخاع. لازالت شوارع البيضاء تذكر خطوك في دهاليز الليل الذي جعله الأعداء مصيدة لأولاد الوطن ، وأضاءت ظلمته بدماء الشهداء.. وما زالت باريس .. ونابولي .. وقبرص والقاهرة وبكين ، وكل بقعة زرتها.. تتذكر أنفاسك المغربية .. ومعاركك مع أعداء الوطن.. كان العلم الفرنسي الذي يرفرف على صواري السفن المغربية .. يثير حفيظتك .. وكنت كلما أرغمت على تحيته تختفي ألوانه وتذوب في النجيع حيث تتمرغ نجمة خضراء وتنتفض.. تتطلع إلى يوم الخلاص.. حاولوا إغراءك أبي بأستراليا.. وباريس ونيويورك ، ببريق المال والسطوة والنفوذ فأبيت بشمم. وقنعت بوطنك الحبيب.. ضانا بأطفالك أن يجتثوا من جذورهم..أن يسبحوا في ماء غير مائهم، وأن يستظلوا بسموات غير سمائهم.. وأن يفتقدوا الأذان ، وصلاة العيد ، ولمة الأحباب حول قهوة الصباح ، وشاي العصر... وفقيه لمسيد ، وسحر الغروب ، وجلال الجبال ، وروعة الظلال ، وزلال ماء الرقراق.. وليالي السمر ، وحكايات الجدة ، ودفء حضن الأم الرؤوم في الليالي الماطرة.
أردتهم أن يكونوا مغاربة حتى النخاع، فعلمتهم حب الوطن ، واحترام الكبير ، والعطف على الصغير، ولقنتهم مباديء القراءة والكتابة ، _وماكادو ا يخطون خطواتهم الأولى _.. كنت لطيفا دائما .. لكنك كنت تتحول إلى بركان عندما يكذب أحدهم، أو يتجاوز حدوده مع أمه ، أو يسئء إلى أخيه أوجاره، يسرق....... وكنت مثلنا الأعلى... كانت نصائحك وتوجيهاتك لاتنتهي .. وأنفقت على تعليمنا ، وتطبيبنا بسخاء،غير عابئ بضائقة، ولا منحن لنازلة أو عاصفة.. لم نجع يوما ولا شعرنا بالحرمان. لم تسكنا دور الكراء، وكم من منزل بعته وفررت بنا من حي بدا لك أنه ملوث ، ولا خلاق لأهله.ولا زلت أذكر رفضك الدخول في لعبة الأحزاب ، بعد الاستقلال ، ورفضك المناصب قانعا بأجرة بحار. فلم تتلوث بجرثومة السياسة التي كادت تقبرنا أنا وأخي ع الحق في عز شبابنا ، لولا يقظتك ، ووطنيتك ومكانتك.
لم أرك يوما تبكي ، وعندما بكيت بسببي أحسست بأنني جرحت كبرياءك. وكان ذلك يوم اعتقلت - في زمن الرصاص - ففعلت المستحيل ، حتى وقفت بنفسك على زنزانتي ، فلم تتمالك دموعك ، وأنت تراني مقيدا متورم الوجه ، مهانا وأنا الحر في وطني ، وما غادرت حتى أخرجتني معززا مكرما.. وكم كانت الفرحة تقفز من عينيك كلما حقق أحدنا نجاحا ، علميا، أو رياضيا، أو اجتماعيا..
كان فرحك بقدر حزنك، فعندما ابتلي أخي المرحوم عبد الكريم بالداء ، كنت تذوب رقة وحنانا ، وعندما كان يتأوه من الألم / كنت تجهش بالبكاء. ولا زلت أذكر - يوم جنازته - عندما كدت تسقط في القبر ، وأنت تراه يغيب في جوف الأرض.
ماذا عساي أقول ، عنك أبي الحبيب وأنت تقاسي صامتا صامدا، محتسبا، مؤمنا حامدا شاكرا كعادتك في الشدة والرخاء. لايسعني إلا أن أطلب لك الشفاء والفرج .. وأن أضمك إلى صدري باكيا متضرعا إلى الله أن يلطف بنا وبك.. لك الله يا أبي ، وجزاك عنا خيرا





    رد مع اقتباس