عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-24, 03:11 رقم المشاركة : 5
أشرف كانسي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أشرف كانسي

 

إحصائية العضو








أشرف كانسي غير متواجد حالياً


وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

وسام المرتبة الاولى لصناعة النجاح عن ورشة التفوق ه

وسام المراقب المتميز

الوسام الذهبي

افتراضي رد: نصوص سردية للفذافي ...


ارجعوا إلى الداخل.. إلى الظلام.. إلى الحجرات الباردة المظلمة والساخنة القذرة.. الله غالب المدينة امتلأت بالأوساخ.. إياكم أن تحاولوا اللعب على جانبي الشوارع.. انها قاذورات وزبالة.. وعندما توصد كل السبل أمام الأطفال. وبصور مخيفة.. الموت دهسا إلى الموت تقطيعا.. إلى الخطف وبتر الأطراف فيكون أهون المحاذير بالنسبة إليهم هو الوسخ.. والقذارة.. ذلك أهون من الحبس والضجر وظلام المنازل.. والنتيجة هي هي موت بأسلوب آخر. نعم إن بحر المدينة مثل أى بحر له مهالك وبلاليع وحيتان خطرة.. فكيف يتسنى للأطفال العيش فيه.. ولكن هم فيه.. ما الحل.. الحل هو الضغط على الأطفال وضربهم وإجبارهم على التقوقع والانكفاء والانكسار النفسي.. وقمع انطلاقا تهم وحرمانهم من النور والهواء.. هذه هي حياة المدينة، طابور.. سيارة افتح اقفل، ما وراء الباب أحباب.. ا لروضة طابور ورسميات وتعهدات. والمدرسة كذلك والمستشفي والسوق، كلها افتح.. ادفع.. اقفل.. اصطف.. أسرع.. طفل المدينة ينمو بيولوجيا ولكنه سيكولوجيا هو وعاء لكل تلك الكبوحات.. والقموعات وعوامل الزجر والنهر.. فهو نموذج لإنسان العقد والأمراض النفسية.. والانطواء، والنكوص . وهذا هو سر ذبول القيم الإنسانية و الروابط الاجتماعية وعدم الإحساس بالغير.. فقدان الترحاب والمباجلة وكذلك الغيرة. أما القرية والريف فذلك عالم آخر يختلف في المظهر والجوهر.. هناك لا ضرورة إطلاقا للقمع والزجر. والضغط العكسي.. هناك تشجيع وتمجيد بالانطلاق والظهور إلى النور.. هناك تحاكى الطيور والزهور في التحرر والتفتح.. لا شوارع.. لا قاذورات.. لا مجهولون، كل أهل القرية والريف والنجع مترابطون حتى النهاية، تربطهم كل الوشائج المادية و المعنوية.. هناك أطفال الحبور والسمر.. أطفال الشمس والقمر.. أطفال النسيم العليل والرياح العاصفة.. لا خوف من الانطلاق لا.. تيارات.. لا فتح.. لا قفل، كل شئ مفتوح بالطبيعة.. ولا حاجة للقفل بالطبيعة حيث البيئة الطبيعية التي ينمو فيها الطفل كما تنمو تلك النباتات.. بلا كبح.. ثم انسان بلا عقد.
أيها العقلاء.. ايها الرحماء.. ايها الإنسانيون ارحموا الطفولة.. فلا تخدعوها بالعيش في المدينة. لا تقبلوا ان تحولوا اولادكم الى فئران من جحر الى جحر.. من حفرة الى حفرة.. ومن رصيف الى رصيف. ان سكان المدينة ينافقون أطفالهم وانفسهم عندما يظهرون لهم الحب.. وفي نفس الوقت يخلقون المخانق والاقفاص لتبعد عنهم صوت اطفالهم الحبيب، وتغيبهم هم انفسهم عنهم وتحجزهم عن ذويهم. اذ ان حياة اهل الطفل- لانهم من سكان المدينة- تفرض عليهم التخلص من اكبادهم والتحايل على اولادهم .. فهم لكي يقاوموا حياة المدينة الكابوس يبحثون ويخلقون وينفقون عن و على مشاغل لا تسمن ولاتغنى من جوع.. مناسبات مزورة.. سهرات مصطنعة.. صداقات كاذبة.. وهنا يشكل الاطفال عقبة امام ذويهم تعوقهم عن ممارسة ذلك، وهم يحاولون التكيف والتغلب والسير مع حياة الجحيم التي تفرضها المدينة على ساكنيها المعذبين. فدور الحضانة، والرعاية والمراجح وحدائق الاطفال، و رياض الاطفال وحتى المدارس ما هي الا تحايل على أولئك المخلوقين الابرياء للتخلص منهم بطريقة عصرية للوأد. ما أقسى المدينة واتفهها على ساكنيها المساكن تجبرهم على قبول اللامعقول.. وهضمه وابتلاعه غصة على انه مقبول ومعقول.. وليس أدل على ذلك من تلك الاهتمامات التافهة التي تفرضها المدينة على اهلها. قد تجد الآلاف المؤلفة تتفرج على عراك بين ديكين!! ناهيك عن الملايين أحيانا وهي تتابع اثنين وعشرين فردا لاغير في حركات لا معنى لها وراء كيس صغير في حجم البطيخة مملوء بالهواء العادي.. ونفس الحشود تقريبا تحضر لمجرد الحضور تقليدا مدينيا تافها أمام شخص واحد فقط يردد كالببغاء امامهم باسلوب سامح وغير مسموع احيانا استنطاقات ملوية ومصحوبة بضجيج ألي، اغلب الحاضرين لا يميزون منها شيئا.. وقد يصفق مخمور أو مخبول فيصفق كل الجالسين غير الفاهمين تعبيرا منهم بأنهم منسجمون وهو غير صحيح . نفاق عصري متكلف، الناس مجبرة عليه في حياتهم في المدينة. كما يتفرج الملايين احيانا ايضا على عراك آخر بين رجلين بالغين عاقلين في صراع أو ضرب في معركة شرسة ومرعبة دون ان يتدخلوا لفض النزاع، وايقاف المعركة الوحشية التي في مقدورهم فضها. ولكن حياة المدينة العصرية تمنعهم لان المعركة غير المعقولة والدموية والحامية الوطيس مقصودة في ذاتها، وبهذه الكيفية الهمجية لكون المدينة تريد ذلك.. فتعذيب الحيوانات في السباقات المنهكة لها.. وتسليطها على بعضها استغلالا لطبيعتها البهيمية العمياء.. وتعذيب البشر كذلك لايلامهم والتضاحك عليهم، والمراهنة فوقهم هي وسائل للترفيه الكاذب لسكان المدينة. وان القتال بين المتصارعين والمتلاكمين لا مبرر له.. فليس ثمة عداوة بعد التحقيق توجد بينهما.. ولكنه هذا المطلوب.. مدينيا وعصريا.!!

انتهى






التوقيع




" أن تنتظر مجرد الثناء على فعلك التطوعي، فتلك بداية الحس الإنتهازي ''
محمد الحيحي

    رد مع اقتباس