عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-24, 03:10 رقم المشاركة : 3
أشرف كانسي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أشرف كانسي

 

إحصائية العضو








أشرف كانسي غير متواجد حالياً


وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

وسام المرتبة الاولى لصناعة النجاح عن ورشة التفوق ه

وسام المراقب المتميز

الوسام الذهبي

افتراضي رد: نصوص سردية للفذافي ...


المدينة تقليعة.. صيحة.. انبهار.. تقليد غبي.. استهلاك لعين... مطالب بلا عطاء مجد.. وجود بلا معنى.. والأسوأ هو عدم القدرة على المقاومة في المدينة.. لا قدرة لساكن المدينة على مقاومة التقليعة حتى ولو لم تعجبه… ولا قدرة له على مقاومة الضياع.. ولا قدرة له على مقاومة الاستهلاك الشره المهلك… وإن كنت حاشرا لنفسك.. حديثا في المدينة.. ولست من ساكنيها الأوائل، والمتكيفين بكيفها، فأنت أضحوكة المدينة في كل الأحوال.. إن كنت تريد التمسك بما عندك من معان وقيم وسلوك غير مديني، تصبح شاذا، ولا تجد مع من تتفاهم. وعندما تغير حالك، لكي تصير مدينيا، تصبح ركيكا.. في المدينة قد يقتل الابن أباه، والأب ابنه.. وهو مسرع في قاطرة، أو سيارة، أو أي عجلة، دون أن يقصد ذلك. إنها سرعة المدينة، وزحمة المدينة، وأنانية المدينة.. والابن يشتم أباه في المدينة دون أن يعرفه، عندما يزاحمه في الطريق، أو يجهره بضوء سيارته.. بل كثيرا ما اختلطت المحارم بالحلائل في المدينة، بسبب كثرة الناس، وسرعة اختلاطها وافتراقها، دون اكتراث. ليس العيب في الناس سأكنى المدينة أبدا.. الناس هم الناس في المدينة، أو القرية، متشابهون في كل شيء تقريبا.. في القيم.. في الأخلاق.. خاصة أبناء القوم الواحد، أو الدين الواحد.. العيب في طبيعة المدينة ذاتها، بما تفرضه على الناس من تكيف تلقائي تدريجي، حتى يصبح سلوكا معتادا بمرور الزمن في المدينة.. الناس يبنون المدينة للضرورة والحاجة.. ولكن المدينة تصير بعد ذلك كابوسا لابد منه بالنسبة لأولئك الذين بنوها وسكنوها.. كل شيء في المدينة بثمن.. وكل كمالية تكون ضرورية.. وكل ثمن له ثمن مادي ومعنوي. ومن هنا تبدأ أزمة الحياة في المدينة . المدينة ضد الزراعة.. تبنى على الأرض الزراعية.. تقتلع الأشجار المثمرة.. تجذب الفلاحين وتغريهم، ليتركوا الزراعة، ويتحولوا إلى أرصفة المدينة تنابلة كسالى.. عاطلين متسولين.. وفي نفس الوقت، تلتهم المدينة كل الإنتاج الزراعي، وتطلب المزيد.. وهذا الإنتاج الزراعي المطلوب من سأكنى المدينة، يحتاج إلى أرض زراعية وإلى فلاحين. المدينة ضد الإنتاج، لأن الإنتاج يتطلب جهدا وصبرا، والمدينة بطبيعة حياتها ضد الصبر، وضد الجدية والجهد.. فهي بطبيعتها تريد أن تأخذ ولا تعطى.. تستهلك ولا تنتج، فهي تتمدد في كل اتجاه، وليس لانتشارها حدود.. فهي تتطحلب على كل شيء حولها، وتفرد أخطبوطا لتنثر سمومها، وتقتل الهواء النقي، وتحول الأكسجين إلى ثان أكسيد الكربون.. وتحول ثان أكسيد الكربون إلى أول أكسيد الكربون.. وتشوه الصورة الطبيعية، وتعتم المرآة الطبيعية، وتنفث الدخان والأبخرة والغازات، فتخنق التنفس، وتلوث كل شيء.. وتحجب النجوم والقمر وحتى الشمس.. وتصدح.. وتصرخ.. وتزمر.. وتضج .. فتصمغ السمع، وتسبب الصداع.. وتوتر الأعصاب.. تتمدد لتلتهم الأرض الزراعية، وتلتهم القرى المجاورة؟ لتطويها تحت جناحها القذر الكاتم للنفس، فتعشق أسنانها التي هي على هيئة طرق ومبان ومرافق ومناكب وأظفار، تعشقها في تلك القرى الصغيرة المعزولة الآمنة الهادئة، وإذا بها ضاحية، ثم طرف، ثم جزء لا يتجزأ منها، فيتم طحنها بكلكل المدينة الثقيل، وتتحول من قرى وادعة..

تابع ...






التوقيع




" أن تنتظر مجرد الثناء على فعلك التطوعي، فتلك بداية الحس الإنتهازي ''
محمد الحيحي

    رد مع اقتباس