عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-20, 17:02 رقم المشاركة : 2
الرميساء
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
 
الصورة الرمزية الرميساء

 

إحصائية العضو







الرميساء غير متواجد حالياً


افتراضي رد: تذكير الناسك بأسرار


إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى تقـلب عريانـًا وإن كان كاسيًا
وخـيـر لـبـاس الـمـرء طـاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا
أختاه.. وأنتِ تذكرين معنا ساعة تجردنا من ثيابنا على خشبة الغسل.. ألا يدعوكِ ذلك لستر بدنك بالحجاب، وطاعة رب الأرباب.
- إذا اغتسل الحاج لإحرامه، فاذكر غسلاً لا تتولاه بنفسك، وإنما يتولاه غيرك يصب عليك الماء البارد، فلا تضجر لبرودته، ويصب عليك الماء الحار فلا تصرخ لحرارته، يقعدك فتقعد، وينيمك فتنام، يقبضك فتنقبض، ويبسطك فتنبسط.. يا لرحمة الله!
- لقد كنت قويًا.. أين قوتك؟!
ما أضعفك؟!
- لقد كنت فصيحًا.. أين لسانك؟!
ما أسكتك؟!
- لقد ملأت الدنيا حركة.. أين حركتك؟!
ما أسكنك؟!
- إذا لبس الحاج ملابس الإحرام، ولف أسفله إزارا وأعلاه رداء؛ فاذكر ثلاث لفائف بيضاء ليس فيها عمامة ولا قميص تخرج بها من الدنيا.. أين ثيابك الغالية؟ أين أموالك؟!
أين دورك؟ وأين قصورك؟ أين أوسمتك؟ وأين أرصدتك؟!

انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن؟
- إذا أهل الحاج: "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك.. "؛ فقف لتتعلم من هذا النشيد الذي يتردد في جنبات الدنيا:
1- أن الكلام والسمع صفتان لله -تعالى- نثبتهما من غير تشبيه ولا تمثيل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشوري:11).
فالله هو الذي قال: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27)، والحاج والمعتمر يقول: "لبيك اللهم لبيك" اعتقادًا منه أن الله -عز وجل- يسمعه ويجيبه.
2- أن على العبد أن يستجيب لله -عز وجل- ويسارع إليه ولسان حاله: لبيك اللهم لبيك؛ فإذا سمع حي على الجهاد.. قال: لبيك اللهم لبيك.
وإذا سمع حي على الصلاة.. قال: لبيك اللهم لبيك.
وإذا دعي للإنفاق.. قال: لبيك اللهم لبيك.
وإذا دعي للبر والإحسان قال: لبيك اللهم لبيك.
وهكذا تصير التلبية منهجًا في حياته.. كلما دعي إلى خير عجل إليه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمرن:133)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال:24).
3- أن الله -سبحنه وتعالى- أغنى الشركاء عن الشرك، فلا شريك له ولا ند له، ولا عدل له، ولا مثل له: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الإخلاص).
فيجعل عمله له وحده (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162).
4- أن الله وحده هو المنعم: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل:53)، ولما كانت النعم منه وحده، كان مِن حقه أن يحمد وحده: "إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك".
إذا وقعت العين على بيت الله الحرام، فقلب صفحات التاريخ وقف عند كل صفحة من صفحاته:
- فهذه صفحة تنبئك عن إبراهيم -عليه السلام-، وهو يرفع قواعد البيت يعاونه ابنه إسماعيل -عليه السلام- (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127).
- وهذه صفحة يطالعك فيها خبر أبرهة، وقد جاء يريد هدم البيت؛ فأهلكه الله بطير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.
- وهذه صفحة تخبرك بالصراع بين الحق والباطل حين جهر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة؛ فأوذي ونيل منه وهو صابر محتسب، فهنا خنقه عقبة بن أبي معيط، وهنا وضع سلا الجزور على كتفيه وهو ساجد، وهنا أوذي بلال، وهنا عذب خبيب، وهنا قتل ياسر وزوجته، وهنا صلى عمر وحمزة -رضي الله عنهما-.
- وصفحة أخرى تذكرك بعودة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى البيت يوم الفتح، وأهل مكة يتوجسون خيفة، وهو يقول: ما تظنون أني فاعل بكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
صفحات كثيرة تملأ القلب إيمانًا بالله -تعالى- وتصديقًا بوعده، ومحبة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضي الله عنهم-.
- إذا وقف أمام الحجر يقبله أو يستلمه أو يشير إليه، فاذكر يوم اختلفت العرب أي قبيلة تنال شرف رفعه إلى مكانه حتى جاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووضع رداءه ووضع الحجر، وحملت كل قبيلة من طرف حتى وضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- مكانه، واذكر أن الحجر شرف بتقبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- له، فقبلت الأمة الحجر لا عبادة للأحجار، وإنما اتباعًا للنبي المختار -صلى الله عليه وسلم-، وعمر يقبله ويقول: "وَاللَّهِ إِنِّي لأُقَبِّلُكَ وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَأَنَّكَ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ" (متفق عليه).
- إذا بدأ الحاج يطوف بالبيت وهو يلهج بالدعاء والذكر والاستغفار، فاذكر طوافك في عرصات القيامة تبحث عن حسنة فيفر منك أقرب الناس إليك: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (عبس:34-37)، واعلم أنك تطوف في الدنيا ومن حيث بدأ طوافك ينتهي (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (الأعراف:29).
- إذا شرب الحاج من ماء زمزم وسعى بين الصفا والمروة؛ فلتذكر قصة الاستسلام واليقين والصبر والتوكل؛ أعني استسلام إبراهيم -عليه السلام- عندما أمر بأن يأخذ ابنه إلى واد غير ذي زرع (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) (إبراهيم:37).
ويقين هاجر -عليها السلام- لما سألت زوجها: "أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا" (رواه البخاري).
وصبرها على وحشة المكان وقلة الزاد، وحسن توكلها حين راحت تأخذ بالأسباب ساعية بين الصفا والمروة حتى جاء الفرج، ونبعت "زمزم" المباركة بقدرة مَن لا يُضيِّع أولياءه.. مَن أمره بين الكاف والنون.. مَن يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء.
سيشرب الحاج من زمزم المباركة ونرتوي معه بماء الاستسلام لأمر الله -تعالى- والانقياد له، وسلسبيل اليقين، وحسن التوكل عليه.
-





    رد مع اقتباس