عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-09, 21:56 رقم المشاركة : 1
مريم الوادي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية مريم الوادي

 

إحصائية العضو







مريم الوادي غير متواجد حالياً


وسام المراقبة المتميزة

c2 السور الذي يعبر المدينة


السور الذي يعبر المدينة

في صباح يوم عاشوراء، أيقظتني مبكرا، ونقعتني بثيابي في سطل ماء، رددت تراتيلا ، لم أفقهها، ثم نشفتني بخرقة بالية، وألبستني *الفوقية البيضاء اللعينة، تلك التي تذكرتني بذلك اليوم المشؤوم، يوم قطعوا حشفتي بمقص حاف، ورموها لقطة جائعة ،أسفل المائدة.
لقد قصرت فوقيتي، ومع ذلك أصرت في أن ألبسها.
وضعت في كفي كعكا صغيرا مدور، وثمرات قليلة ،و في الكف الأخرى ،وضعت حمصا مالحا ، وبعض التين المجفف ..

ثم قالت: - هيا اركض ،وانتظرني عند البوابة الكبيرة، للسور الذي يعبر المدينة، سنزور أباك.

ركضت أتقاسم ما ضمته حفنتي مع الصبية، والصبيات، وأقطف بعضا مما حوت أكفهم، وحدها صفية ابنة العرافة ، لم تشأ تقشير بيضتها الساخنة ..

هاهي قادمة ، تتلحف ايزارتها البيضاء ، كلقلاقة شاردة، تحث الخطى نحوي، لتمسك بيدي، وتجرني كخيط خلفها، بينما أجر أنا ،مذاق البيضة الساخنة ، في خيالي الجائع..

ها قد بلغنا السور العتيق، هذا الأبيض الوقور، الذي لايتحرك من مكانه ، سقطت أجزاء كثيرة منه ،وباتت أبوابا مختصرة للراغبين ..

أمي : لماذا هذا السور؟؟

- لهم عالمهم ،ولنا عالمنا...

- ولماذا السور يا أمي؟ انهم موتى، والموتى لا يؤذون الأحياء؟؟

- ولكن الأحياء يفعلون؟ لاتنظر على يمينك،هناك رجل يدير وجهه الى السور،اخفض عينيك.

- لماذا يا أمي؟ ماذا يفعل؟

- انه يتبول، لا تفكر يوما بفعل ذلك .

دخلنا المدينة ، عالم الأموات ،يعج بالأحياء،وأي أحياء.

-أمي انظري، ماذا يفعل أولئك جنب السدرة؟؟

- انهم يشربون، لا تنظر باتجاههم ،اخفض نظرك ،لاأريد أن يمزق ايزارتي المتشردون؟

- ولكن ايزارتك ممزقة يا أمي..

- اخرص ،هيا..

بلغنا قبر أبي؟

معظم القبور عليها رخامة، وبها تدوينات لأسماء، وتواريخ ،ماعدا قبره ،هي تعرفه بحجرة صماء كبيرة ،وبعشبة *الحريكة الحارقة، التي اشتعلت فوقه.. وكيف لقبرأبي الذي مات جائعا، أن تنبت فوقه الرياحين؟؟

-اجلس يا ابراهيم هناك ،عند رأس أبيك ،واقرأ على روحه ،ماحفظت في المسيد من القرآن.

كانت هذه فرصتي، لأكسب ود أمي، ورضاها، لعلها تطعمني بيضة ساخنة، لما نعود.

جلست أقرأ، واقرأ،أخلط السور ببعضها، وأقفز عن الآيات ،وهي تشجعني، بابتسامتها المطلية بالسواك ..

عيناها المدورتان ،جفتا من الدموع، وجحظتا تأثرا بقراءتي ،ربما تقول في نفسها :ها ابراهيم حفظ القرآن، وبات يوفر علي أجرة الفقيه التمتام. وربما تقول أيضا : سيصير ابراهيم في يوم من الأيام، فقيها، في جامع بأحدى القرى المجاورة، فأرحل معه وأترك هذا العناء..

-لقد أنهيت يا أمي، قولي: صدق الله العظيم.

نفضت عن فوقيتي غبار القبور، بينما رائحة الموتى التصقت بكل جسدي، ثم رحت أرش الحريكة الحارقة، بسطل الماء، لتظل مشتعلة، فلا يتوه قبر أبي..

-لم تجيبي يا أمي :كيف يؤذي الأحياء الأموات؟

-أنت سليط اللسان، صدعت رأسي هذا الصباح.

وتوقفت أمي تبوس في سعيدة العرافة ،وابنتها صفية، أم بيضة ساخنة ، تجاذبتا أطراف الحديث، وثرثرتا قليلا، ثم ودعتها أمي بابتسامة صفراء، سرعان ما ألحقتها بالشتائم والبصاق..

- مابك أمي ؟؟

- تلك الساقطة اللعينة، التي لاتعرف الله ،هل تحسبها تأتي للترحم على زوجها؟ انها تأتي لسرقة تراب القبور..وقطع أصابع الموتى ..

- وماذا تفعل بها ؟ هل تأكلها؟؟

- اصمت ،والا فعستك بأرجلي.

خرجنا من مدينة الموتى، تركنا السور الأبيض خلفنا، رائحة نتنة تحلق فوقنا ،لقد دخلنا مدينة الأحياء .

وفي مدخل زقاقنا الكريه، أفرجت أمي عن يدي، ورحت أركض منها، راجعا الى حيث كنا..

- سأحرس قبر أبي، كي لا يسرقوا أصابعه..

مريم الوادي

شتنبر 2011






آخر تعديل مريم الوادي يوم 2011-11-21 في 10:31.
    رد مع اقتباس