الموضوع: حق الجوار
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-08-21, 15:41 رقم المشاركة : 1
فطيمة الزهرة
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية فطيمة الزهرة

 

إحصائية العضو







فطيمة الزهرة غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام مشارك

مسابقة المبشرون بالجنة 2

مشارك(ة)

المرتبة الأولى

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

افتراضي حق الجوار


حق الجوار


تختلف العلاقات الإنسانية والاجتماعية
من وسط إلى آخر ومن بلد وزمن إلى آخر ،
وتبعا له تختلف المفاهيم ؛من هذا المنطلق
سأتحدّث عن الجيران وحسن الجوار ،مع التّأكيد
على تأثير
هذا الاختلاف على تشكيل تصوّراتنا للعلاقات
والسلوك الاجتماعيين .
وقبلها لا بدّ من وقفة للتأكيد على أنّ الاهتمام بالجيران
وعلاقات الجوار ترتبط بحاجة نفسية لدى الإنسان
هي الحاجة إلى الانتماء إلى محيط
لا يشعر فيها لإنسان بالغربة محيط آمن
هادئ ونظيف .
لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلّا داخل جماعة ،
هي غريزة إنسانية وحاجة دينية
لتحقيق التواصل والوحدة ونصرة الدين
لأنّ المسلم بأخيه قويّ


وتختلف هذه الجماعات حجما وتنظيما ،
من القارات إلى الدول فالمدن فالأحياء؛
وكلّما ضاقت دائرة الانتماء قويت حاجة الإنسان
إلى التقرّب والتواصل مع محيطه ،
ومن هنا تظهر الحاجة إلى الجيران
في السّرّاء والضّراء ، وقد اهتمّ ديننا
الحنيف اهتماما كبيرا بالجار


وبنفس المقدار تحفل الثقافة الشعبية
بعبارات تؤكّد أهمية حسن الجوار من قبيل
*الجار قبل الدار *


فكيف كانت هذه العلاقات ؟
وما هي التطوّرات التي حصلت ؟
وكيف يعيش الجار هذه التحوّلات ؟


في الماضي كان الجيران أسرة واحدة ،
يطبع علاقاتهم التكافل والتضامن والودّ ،
كانت علاقات بسيطة وقوية في نفس الوقت ،
وكانت مظاهر هذا السلوك تتجلى في :



*-التضامن مع المحتاج من الجيران والتكفل
بمصاريفه في حالات المرض أو فقدان العمل أو الموت.
وكانت المساعدات تقدم بشكل فيه الكثير
من اللباقة لعدم إحراج المحتاج كأن تقوم
الجارات بزيارة جماعية للمعنية
حاملات معهن مواد غذائية ،
ويقلن مثلا: جئنا نشرب معك قهوة،
أو يقدمن نقودا حتى تقتني ما تحتاجه
عند الضرورة حين تكون الأزمة شديدة ،
وأذكر في هذا المجال بيوت البحارة
وعمال البناء في فصل الشتاء حيث يتعذّر العمل .



*التكفل بتجهيز الميت الفقير
أو الغريب: كلما توفي شخص فقير
أو غريب عن الحيّ -إلى رحمة الله-
كان رجل يحمل طبقا ويمر على المتاجر،
وكل من رآه يعرف الموضوع فيقدم مساهمته وما يحصله
يصرف لتجهيز الميت.


وإن تبقى مقدار من المال يحتفظ به لمناسبة أخرى.


وكان كلّ الجيران يحضرون الطعام إلى بيت
الميت حتّى يفيض عن الحاجة
فيأخذونه إلى المساجد .



*التكفّل بمصاريف علاج الفقراء ،
ولم يكن الأمر يقف عند المصاريف بل يتعدّاها إلى مرافقة المريض
إلى المستشفى ، وزيارته وتتبّع علاجة
إلى أن يشفى ، وفي هذا السياق أذكر مرّة
أنّ أحد الجيران أنقد طفلا من موت محقّق نتيجة
حروق خطيرة ، حين حمله في سيارته
لأنّه علم أنّ سيارة الإسعاف ستتأخر
فتزداد حالته سوءا



*تربية الأبناء
كان الأبناء شبيهين بالملكية الجماعية ،
حيث يشارك الجميع في مراقبة وتتبع أبناء الجيران ،
ومتى لاحظوا ابنا في موقف غير لائق نهوه ونصحوه وأخبروا والده ،
وكذلك الأمر بالنسبة للبنات ، حيث كان الجميع
بمن فيهم الشبّان يرعى ويخاف على بنات الجيران
ويعاقبون كلّ من سوّلت له نفسه مجرّد الاقتراب منها .
ولم يكن أحد يجرؤ على إيذاء جاره
بأيّ شكل من الأشكال .


*احترام الصّغار لكبار السنّ ،
كانت هناك تراتبية عمرية ولغوية حيث نلمس الاحترام
حتّى في طريقة مخاطبة الصغير للأكبر منه : بّا فلان ،
عمّي ، أخوي ، سيدي ، وللنساء : عمّتي وخالتي
وخويّتي ولالة *مقابل سيدى*
وهذه تقال غالبا للجدات والجدود .



*تجمّعات النساء


كانت لقاءات الجارات عبارة عن نوادي
لتبادل الخبرات في تدبير شؤون الأسرة والبيت ،
وكانت كلّ امرأة تتقن مهارة تعلّمها للأخريات
وللبنات الكبيرات اللواتي كنّ يرافقن أمّهاتهنّ ، ،
كنّ يلتقين كلّ مساء بعد العصر
بعد ذهاب الأولاد إلى المدارس
والأزواج إلى الشغل .
في بيت مختلف كلّ يوم بالتناوب ،
يحضرن معهنّ مساهمة لإعداد العصرونية ،
كنّ يتشاركن كلّ شيء: خبرات وتجارب وأسرارا .
.كانت لقاءاتهنّ ورشات لإعداد الفتيات المقبلات
على الزّواج مادّيا ومعنويا
في هذه المجالس كنّ يتعلّمن الخياطة والتطريز
والنسيج والطبخ وإعداد الحلويات ،
حتّى حلويات العيد كانت تعدّ هناك .
وفيها كان يعدّ جهاز العروس
من أفرشة وستائر ومفارش
و حتّى فستان ليلة الحنّة.
كما كنّ يتكفّلن بإعداد جهاز العروس الفقيرة
أو اليتيمة ممّا يوفّرنه من مصروفهنّ اليومي.
وهناك كنّ يفكّرن ويتداولن في كيفية تقديم
المساعدات للمحتاجات من الجارات
دون إهدار كرامتهن و أطفالهن
الذين كان يحسب ألف حساب لكرامتهم .
كنّ نساء بدون مستوى تعليمي أو تعليمهنّ
بسيط جدّا ، لكنّهن كنّ متشبّعات بقيم إيجابية
وثقافة اجتماعية راقية جدّا ،
ما زلت أذكر وأستغرب الاختلاف بين هؤلاء
النسوة وكثيرات من حاملات الشهادات
العاجزات عن مواجهة متغيّرات حياتهنّ .
فماذا بقي من كلّ هذا ؟


لن أكون متشائم، ولن أنفي إيجابيات الحاضر ،
لأنّ التحوّلات التي عرفتها مجتمعاتنا ،
وحتّى هندسة البيوت والأزقّة لها دور
في ما طرأ على علاقات الجوارمن تغيير .


وأعود إلى التّأكيد على تأثير الاختلاف
بين المجتمعات والأوساط الاجتماعية ،
وأنّ الكثير من المجتمعات التي ما تزال
بنياتها بسيطة ،أو المدن ذات التركيبة
المختلطة ،التي يتعايش فيها أبناء المدينة
مع الوافدين من الأرياف
ما زالت تحمل نفس قيم الماضي ؛
وأكثر ما يتجلّى هذا في قيم التضامن
والتكافل لأنّها أكبر دليل على قوّة
الروابط الإنسانية ،


إلّا أنّنا أصبحنا* عموما* نرى الجار
يمرّ أمام جاره ولا يلقي حتّى السلام ،
ويمرض الجار وقد لا ينتبه إليه أحد ،
وقد يموت الميت ولا أحد يسأل حتّى يرى الجنازة ،
فيرسم على وجهه علامة استفهام واستغراب
واسعة ، وقد يقول : والله لم أعلم ،
وكأنّ عليك أن تقرع الأبواب وتستدعي
الناس لتعزيتك والوقوف معك
وهذا حدث لنا مرّتين : يوم توفّي والدي وأخي
رحمهما الله ، حيث قابلنا جارنا
الموظف في الصّحّة قائلا: والله لو علمت لأعفيتكم
من إجراءت استخراج شهادة الوفاة ورخصة الدفن ،
شكرناه فخجل خجلا شديدا ومنذ ذلك اليوم
أصبح يسأل عن زوجي ويأتي لتهنئته بالعيد ،
وكأنّه قبلها كان خائفا من غرباء،
وبعد هذه المواجهة وبعدها انحلّت عقدته . .
أصبح الكلّ منشغلا بذاته وهمومه الشخصية
ولم يبق مكان للتفكير بالآخرين؛ فاستقرّ
بين الجيران نوع من اللامبالاة اعتادوا
عليه حتّى أصبح شبه قانون ،
وكأنّنا انتقلت إلينا قيم الفردانية
في أسوإ مظاهرها...أصبحت مشاعر الناس
متناقضة ؛ يتحسّرون على الماضي ،
حيث كان الوئام والتضامن ،
وفي نفس الوقت يستشعرون نوعا من الارتياح للوضع الحالي ا
لذي لا يعتبر سيئا ما دام الجار
لا يسيء ولا يعتدي ،
إذن فهو جار جيّد لأنّنا نتتبّع في الأخبار
وهنا في المنتدى المعاناة التي يتسبّب فيها
بعض الجيران ويستمتعون بتعذيب
والتضييق على جيرانهم بالضجيج ورمي
القاذورات أمام المنزل، ووضع متلاشيات
في الفناء المشترك *في العمارات* ،
وغيرها من مظاهر الأذى التي قد تدفع
المعتدى عليه إلى ترك المكان
والبحث عن سكن آخر مهما كلّفه ذلك .


ومثلما أكّدت في البداية،
فإنّ هذه المظاهر لا ترقى إلى مستوى القانون
لأنّنا ما زلنا نجد في بعض المدن وفي بعض الأحياء
تجدّّرا لهذه الروح التي يفتقدها الكثيرون
من سكان مدننا العصرية
ومن منطلق الحنين إلى تلك الأيام وهؤلاء
الناس ؛هناك محاولات لإحياء هذه العلاقات
وإن بأساليب مغايرة لكنّها ناجعة ومنظّمة .
لأجل ذلك أقول إنّ الصّورة عموما ليست
بهذه القتامة لأنّ التّحوّلات المجتمعية
حملت معها تحوّلات على مستوى تأطير
وتنظيم العلاقات ؛حيث كثرت الجمعيات
ذات الاهتمام الاجتماعي والثقافي ،
فأصبحت تقوم بما كان يقوم به الجيران
فيما بينهم بطريقة تلقائية
مستمدّة من ديننا الحنيف ومن الموروث
الثقافي _الاجتماعي المتمثّل في قيم البداوة النبيلة
بل أصبحت بعض هذه الجمعيات تؤطّر النساء
وتشكّل فضاء للقاءاتهن ، يجمع بين المنفعة
ومتعة اللقاء .


ومع ذلك ففي القلب حنين لتلك العلاقات
وتلك الأيّام
ليتها تعود !.

منقول للفائدة





التوقيع








آخر تعديل فطيمة الزهرة يوم 2012-01-29 في 15:23.
    رد مع اقتباس