عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-07-12, 14:52 رقم المشاركة : 13
عمر أبو صهيب
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية عمر أبو صهيب

 

إحصائية العضو








عمر أبو صهيب غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام منضم مسابقة المقدم

الوسام الذهبي

وسام المشاركة

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام حفظ سورة الكهف

وسام المركز الاول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي

وسام المركز الثاني في مسابقة استوقفتني آية

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية


الأصل العاشر :
مشروعية عقوبة الداعي إلى البدعة بما يحقق الزجر والتأديب والمصلحة، لأن ضرره متعد إلى غيره، بخلاف المسر فإنه تُقبل علانيته، ويُوكل سره إلى الله تعالى ‏

بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن السلف والأئمة نهجوا منهج التفريق بين المبتدع الداعية وغير الداعية، في التعامل معهما، (فإن الدعاة إلى البدع لا تُقبل شهادتهم، ولا يُصلى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يُناكَحون، فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا، ولهذا يفرّقون بين الداعية وغير الداعية، لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة، بخــلاف الكــاتم فإنــه ليس شرًا مــن المنافقين الــذين كــان النبي صلى الله عليه و سلم يقبل علانيتهم، ويكِل سرائرهم إلى الله، مع علمه بحال كثير منهم، ولهذا جاء في الحديث : إن المعصيــة إذا خفيت لم تضـــر إلا صاحبها، ولكن إذا أُعلنت فلم تُنكر ضرت العامة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إن الناس إذا رَأَوْا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه) (301).. فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها بخلاف الباطنة، فإن عقوبتها على صاحبها خاصة) (302).‏

وهذه العقوبة مقيدة بما إذا لم يكن الداعي متأولاً، وكانت بدعته غليظة، وأدت إلى كفِّه عن البدعة، وتنفير الناس منها.‏

وعلى العموم، (من قامت عليه الحجة استحق العقوبة، وإلا كانت أعماله البدعية المنهي عنها باطلة لا ثواب فيها، وكانت منقصة له خافضة له بحسب بُعده عن السنة، فإن هذا حكم أهل الضلال، وهو البعد عن الصراط المستقيم، وما يستحقه أهله من الكرامة، ثم مَن قامت عليه الحجة استحق العقوبة، وإلا كان بعده ونقصه وانخفاض درجته، وما يلحقه في الدنيا والآخرة، من انخفاض منزلته وسقوط حرمته وانحطاط درجته هو جزاؤه، والله حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة، وهو عليم حكيم لطيف لما يشاء، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا : (له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه تُرجعون) (القصص : 70)) (303).‏

ولما كانت الغاية من عقوبة المبتدع الداعية كفّه عن بدعته وزجره، وابتعاد العامة عن متابعته، تنوعت العقوبة بما يحقق ذلك ويرعى المصلحة، فإنه قد يعاقب أحيانًا بالذم، وذكر ما فيه من فجور ومعصية، لينكشف حاله للناس. ويعلل شيخ الإسلام مشروعية هذه العقوبة فيقول : (لهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة، كما روي ذلك عن الحسن البصري(304) وغيره، لأنه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له، وأدنى ذلك أن يُذم عليه لينزجر، ويكف الناس عنه وعن مخالطته، ولو لم يُذم ويُذكَّر بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغتر به الناس، وربما حمل بعضهم على أن يرتكب ما هو عليه، ويزداد أيضًا هو جرأة وفجورًا ومعاصي، فإذا ذُكِّر بما فيه انكفّ، وانكف غيره عن ذلك، وعن صحبته ومخالطته) (305).‏

وقد تقتضي المصلحة إيقاع عقوبة أشد على الداعية المبتدع، متى دعا إلى مفسدة عظيمة، وواجه الحق الظاهر، فيُعاقب بالهجر أو التعزير أو القتل، إذا كان لا يرتدع إلا بإحداها، وإلى هذا أشار ابن تيمية في قوله : (فإن الحق إذا كان ظاهرًا قد عرفه المسلمون، وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته، فإنه يجب منعه من ذلك، فإذا هُجِر وعُزِّر، كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بصَبِيغ(306) بن عِسْل التميمي(307)، وكما كان المسلمون يفعلونه، أو قُتل كما قَتَل المسلمون الجَعْد بن درهم(308)، وغيلان القدري(309) وغيرهما، كان ذلك هو المصلحة، بخلاف ما إذا ترك داعيًا، وهو لا يقبل الحق إما لهواه وإما لفساد إدراكه، فإنه ليس في مخاطبته إلا مفسدة، وضرر عليه وعلى المسلمين... والمقصود أن الحق إذا ظهر وعرف، وكان مقصود الداعي إلى البدعة إضرار الناس، قوبل بالعقوبة) (310).‏

وبيّن شيخ الإسلام أن (الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته، كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهَجر، والهَجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يتألف قومًا ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خُلِّفوا، كانوا خيرًا من أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كان أولئك سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح) (311). على أنه ينبغي أن يعلم أن الهجر عقوبة لدفع ضرر ناشئ عن بدعة غليظة أو معصية كبيرة، فلا يُهجر من كان مستترًا على معصية صغيرة، أو مسرًا لبدعة غير مكفرة(312)، أو من كانت بدعته فيما يسوغ فيه الاجتهاد من المسائل الدقيقة، وقد أشار شيخ الإسلام إلى بعض هذه المسائل عند جوابه على مسألة رؤية الكفار ربهم في عَرَصات يوم القيامة، فقال : (ليست هذه المسألة فيما علمت مما يوجب المهاجرة والمقاطعة، فإن الذين تكلموا فيها قَبْلَنا عامتهم أهل سنة واتباع، وقد اختلف فيها من لم يتهاجروا ويتقاطعوا، كما اختلف الصحابة رضي الله عنهم، والناس بعدهم، في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم ربه في الدنيا، وقالوا فيها كلمات غليظة، كقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (مَن زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية) (313)، ومع هذا فمـــا أوجب هـــذا النــزاع تهاجرًا ولا تقاطعًا.. وكذلك ناظر الإمام أحمد أقوامًا من أهل السنة، في مسألة الشهادة للعشرة بالجنة، حتى آلت المناظرة إلى ارتفاع الأصوات، وكان أحمد وغيره يرون الشهادة، ولم يهجروا من امتنع من الشهادة، إلى مسائل نظير هذه كثيرة) (314).. ومسائل الأحكام العملية أكثر، بل الخلاف فيها أشهر، ولم يتهاجر أئمة المسلمين في الفقه بسببها ولم يتقاطعوا، وقد خطَّأ شيخ الإسلام الذين فهموا أن الهجر عام في جميع الأحوال، والذين أعرضوا عنه بالكلية، فقال : (إن أقوامًا جعلوا ذلك عامًا، فاستعملوا من الهجـــر والإنكــار ما لم يؤمــروا بـه، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات، وفعلوا به محرمات، وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية، بل تركوها ترك المعرض لا ترك المنتهي الكاره، أو وقعوا فيها، وقد يتركونها ترك المنتهي الكاره، ولا ينهون عنها غيرهم، ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها، فيكونون قد ضيّعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجابًا أو استحبابًا، فهم بين فعل المنكر أو ترك المنهي عنه، وذلك فعل ما نهوا عنه، وترك ما أمروا به، فهذا هذا، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه) (315).‏

ويقرر شيخ الإسلام أن القتل عقوبة تعزيرية، ذهب إليها الإمام مالك(316)، وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم(317)، تشرع في حق (الداعية إلى مذهبه ونحو ذلك ممن فيه فساد، فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (أينما لقيتموهم فاقتلوهم) (318)، وقال : (لئن أدركتُهم لأقتلنهم قتل عاد) (319).. وقال عمر رضي الله عنه لصبيغ بن عِسْل : (لو وجدتك محلوقًا لضربتُ الذي فيــه عينــاك) (320).. ولأن علي بن أبي طـالب رضي الله عنه طلب أن يقتل عبد الله بن سبأ(321)، أول الرافضة، حتى هرب منه، ولأن هؤلاء من أعظم المفسدين في الأرض، فإذا لم يندفع فسادهم إلا بالقتل قُتلوا، ولا يجب قتل كل واحد منهم إذا لم يظهر هذا القول، أو كان في قتله مفسدة راجحة، ولهذا ترك النبي صلى الله عليه و سلم قتل ذلك الخارجي ابتداءً، لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، ولم يكن إذ ذاك فيه فساد عام، ولهذا ترك عليٌّ قتلهم أول ما ظهروا، لأنهم كانوا خلقًا كثيرًا، وكانوا داخلين في الطاعة والجماعــة ظاهــرًا، لم يحاربوا أهل الجماعة، ولم يكن يتبين له أنهم هم) (322).‏

وعقوبة القتل لا تدل على ردة صاحبها، فهو إنما (يقتل لكف ضرره عن الناس، كما يقتل المحارب وإن لم يكن في نفس الأمر كافرًا، فليس كل من أمر بقتله يكون قتله لردته، وعلى هذا قتل غيلان القدري وغيره، قد يكون على هذا الوجه) (323)، وتتم هذه العقوبة بعد اليأس من صلاح الداعي إلى البدعة، وإقامة الحجة عليه، كما فعل المسلمون مع غيلان، فإنهم (ناظروه وبيّنوا له الحق، كما فعل عمــــر ابن عبد العزيز(324) رضي الله عنه، واستتابه ثم نكث التوبة بعد ذلك فقتلوه، وكذلك علي رضي الله عنه، بعث ابن عباس رضي الله عنهما، إلى الخوارج فناظرهم، ثم رجع نصفهم، ثم قاتل الباقين) (325).‏

كذلك فإن عقوبة الداعي، بأي نوع من العقوبات الزاجرة له ليست دليلاً على ما يلي : ‏

أ ـ استحقاقه للإثم، فإنه قد يكون المعاقَب معذورًا، وفي هذا يقول شيخ الإسلام : (يعاقب من دعا إلى بدعة تضر الناس في دينهم، وإن كان قد يكون معذورًا فيها في نفس الأمر، لاجتهاد أو تقليد) (326).‏

ب ـ سلب العدالة منه، فإنه قد يكون المعاقَب عدلاً أو رجلاً صالحًا، (ومن هذا هجر الإمام أحمد الذين أجابوا في المحنة -أي محنة القول بخلق القرآن- قبل القيد، ولمن تاب بعد الإجابة، ولمن فعل بدعة ما، مع أن فيهم أئمة الحديث والفقه والتصوف والعبادة، فإن هجره لهم والمسلمون معه، لا يمنع معرفة قدر فضلهم، كما أن الثلاثة الذين خُلِّفوا، لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم المسلمين بهجرهم، لم يمنع ذلك ما كان لهم من السوابق، حتى قد قيل : إن اثنين منهما شهدا بدرًا، وقد قال : (كأن الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم) (327)… فإن عقوبة الدنيا المشروعة من الهجران إلى القتل، لا يمنع أن يكون المعاقب عدلاً أو رجلاً صالحًا) (328). ‏

أما غير الداعية ممن وقع في معصية أو بدعة، فإن حكمه حكم غيره من المسلمين، ولا أدل على ذلك مما وقع بين السلف من الصحابة والتابعين من اقتتال في الـجَمَل وصِفِّين، فإنهم كانوا (يوالي بعضهم بعضًا موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك) (329).‏






التوقيع






    رد مع اقتباس