عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-07-12, 14:49 رقم المشاركة : 5
عمر أبو صهيب
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية عمر أبو صهيب

 

إحصائية العضو








عمر أبو صهيب غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام منضم مسابقة المقدم

الوسام الذهبي

وسام المشاركة

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام حفظ سورة الكهف

وسام المركز الاول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي

وسام المركز الثاني في مسابقة استوقفتني آية

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية


الأصل الثاني :
عدم تأثيم مجتهد إذا أخطأ في مسائل أصولية أو فرعية .. وأولى من ذلك، عدم تكفيره أو تفسيقه ‏

نسب ابن تيميـــة هـــذا الحكـــم إلى السلف وأئمــة الفتــوى، كأبي حنيفة(120) والشافعي والثوري وداود(121) بن علي وغيرهم، أنهم كانـوا لا يؤثمون مجتهدًا أخطأ في المسائل الأصولية والفروعية، وذكر ذلك عنهم ابن حزم(122) وغيره، وعلل هذا بأن أبا حنيفة والشافعي وغيرهمــا كــانــوا يقبلـــون شهـــادة أهـــل الأهــــــواء، إلا الخطابيـــة(123)، ويصححون الصلاة خلفهم(124)، والكافر لا تُقبل شهادته على المسلمين، ولا يُصلى خلفه، وأنهم قالوا : هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين، أنهــم لا يكفــرون ولا يفسّقــون ولا يؤثمون أحدًا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية، قالوا : والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع، من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية، ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غَوره(125).‏

وبيَّن رحمه الله بطلان رأي مَن قال : إن (مسائل الأصول هي العلمية الاعتقادية، التي يُطلب فيها العلم والاعتقاد فقط، ومسائل الفروع هي العملية التي يطلب فيها العمل -من جهة الحكم- فإن المسائل العملية فيها ما يكفر جاحده، مثل وجوب الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم شهر رمضان، وتحريم الزنا والربا والظلم والفواحش، وفي المسائل العلمية، ما لا يأثم المتنازعون فيه، كتنازع الصحابة : هل رأى محمد ربه؟ كتنازعهم في بعض النصوص : هل قاله النبي صلى الله عليه و سلم أم لا؟ وما أراد بمعناه؟ وكتنازعهم في بعض الكلمات، هل هي من القرآن أم لا؟ وكتنازعهم في بعض معاني القرآن والسنة : هل أراد الله ورسوله كذا وكذا؟ وكتنازع الناس في دقيق الكلام، كمسألة الجوهر الفرد، وتماثل الأجسام، وبقاء الأعراض، ونحو ذلك، فليس في هذا تكفيـر ولا تفسيق) (126).‏

وأوضح الشيخ بطلان جعل العقائد هي الأصول، والعبادات والمعاملات هي الفروع، فقال : (الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين مسائل أصول، والدقيق مسائل فروع، فالعلم بوجوب الواجبات، كمباني الإسلام الخمس، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة، كالعلم بأن الله على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه سميع بصير، وأن القرآن كلام الله، ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة، ولهذا مَن جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كَفَر، كما أن مَن جحد هذه كَفَر.. وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية أوجب من الإقرار بالقضايا القولية، بل هذا هو الغالب، فإن القضايا القولية يكفي فيها الإقرار بالجمل : وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقَدَر خيره وشره.. وأما الأعمال الواجبة، فلابد من معرفتها على التفصيل، لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مفصلة، ولهذا تُقِرُّ الأمةُ مَن يُفصلها على الإطلاق وهم الفقهاء، وإن كان قد يُنكر على مَن يتكلم في تفصيل الجمل القولية، للحاجة الداعية إلى تفصيل الأعمال الواجبة، وعدم الحاجة إلى تفصيل الجمل التي وجب الإيمان بها مجملة) (127).‏

وعلل رحمه الله، عدم تأثيم المجتهد إذا أخطأ في مسائل أصولية أو فرعية بقوله : (ليس كل مَن اجتهد واستدل يتمكن من معرفة الحق، ولا يستحق الوعيد إلا مَن ترك مأمورًا أو فعل محظورًا، وهذا قول الفقهاء والأئمة(128)، وهو القول المعروف عن سلف الأمة، وقول جمهور المسلمين) (129).‏

لكنه يُفَرِّقُ بين خطأين : خطأ مؤاخذ عليه، وخطأ مغفور له، فيقول : (مَن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلاً، أو لتعديه حدود الله، بسلوك السبيل التي نُهي عنها، أو لاتباع هواه بغير هدىً من الله، فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنًا وظاهرًا، الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله، فهذا مغفور له خطؤه، كما قال تعالى : (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا...) إلى قوله : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (البقرة : 285-286)، وقد ثبت في صحيح مسلم، عن النبي صلى الله عليه و سلم، أن الله قال : (قد فعلتُ) (130)، وكذلك ثبت فيه من حديث ابن عباس(131) رضي الله عنهما : (أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقرأ بحرف من هاتين الآيتين ومن سورة الفاتحة إلا أعطي ذلك) (132)، فهذا يبين استجابة هذا الدعاء للنبي والمؤمنين، وأن الله لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخطأوا) (133).‏

وإذا كان خطأ المجتهد من علماء المسلمين مغفورًا له، فإنه لا يجوز تكفير أحد منهم بمجرد الخطأ، بل ولا يُفَسّق ولا يُؤثم، وفي هذا الشأن يقول شيخ الإسلام : (إن علماء المسلمين المتكلمين في الدنيا باجتهادهم، لا يجوز تكفير أحدهم بمجرد خطأ أخطأه في كلامه... فإن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات، وإنما أصل هذا من الخوارج والروافض، الذين يكفّرون أئمـة المسلمين، لما يعتقدون أنهم أخطأوا فيه من الدين، وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحض، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم، وليس كُل مَن يُترك بعضُ كلامِه لخطأ أخطأه، يكفر، ولا يفسق، بل ولا يأثم، فإن الله تعالى قال في دعاء المؤمنين : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (البقرة : 286)، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إن الله قال : قد فعلتُ) (134)) (135).‏

بل يرى الشيخ أن (دفع التكفير عن علماء المسلمين وإن أخطأوا، هو من أحق الأغراض الشرعية...) (136).‏

على أنه ينبغي أن يعلم أن رفع الإثم عن العالم المجتهد إذا أخطـأ، لا يعني الإغضاء عن البدعة التي أخطأ فيها، فقد بيّن رحمه الله أن إثمها يزول للاجتهاد أو غيره، إلا أنه يجب بيان حالها، وعدم الاقتداء بمن استحلها، وأن لا يقصر أحد في طلب العلم المبيِّن لحقيقتها(137)، ذلك أن الإثم مزال عن المجتهد، لا عن وجه المخالفة من المبتدع.‏

وتأكيدًا لما سبق، فإن الشيخ يقرر أن مسلك أهل السنة، عدم تكفير المجتهد المخطئ في المسائل العملية أو المسائل الاعتقادية، فيقول : (إن المتأوِّل الذي قَصْدُه متابعةُ الرسول صلى الله عليه و سلم لا يُكَفَّر ولا يُفَسَّق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد فكثيــر من النــاس كفَّــروا المخطئين فيهــا، وهــذا القــول لا يُعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا يُعرف عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع، الذين يبتدعون بدعة، ويكفرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة، كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وقد يسلكون في التكفير ذلك، فمنهم من يُكفّر أهل البدع مطلقًا، ثم يجعل كل مَن خرج عما هو عليه، من أهل البدع.. وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة والجهمية، وهذا القول أيضًا لا يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وليس فيهم من كفّر كل مبتدع، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك، ولكن قد يُنقل عن أحدهم أنه كفّر مَن قال بعض الأقوال، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر، ولا يلزم إذا كان القول كفرًا أن يُكفّر كلُّ مَن قاله مع الجهل والتأويل) (138).. لذا كان (من عيوب أهل البدع، تكفير بعضهم بعضًا، ومن ممادح أهل العلم أنهــم يُخَطِّئــون ولا يكفّرون) (139).‏






التوقيع






    رد مع اقتباس