عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-06-01, 15:02 رقم المشاركة : 1
salimmm_3
أستـــــاذ(ة) جديد
إحصائية العضو







salimmm_3 غير متواجد حالياً


a3 شكرا لك أستاذي .....ها أنا قد رددت لك الجميل



هبة بريس -



عبد العزيز عبد الوهاب

استاذ

وقف أمامه بجسمه النحيل وظهره المقوس المعقوف ولحيته الكثة وقد تزينت بشيبات الوقار أخذ يسعل ويسعل وكأنه استنشق غبارا ما، عله غبار الجير أو الطباشير. رفع يده وقد حملت عصا غليظة لكزه بها وصرخ في وجهه :"اتحرك من هنا يا ....." " .... سير فحالك يا...." كلمات نابية من كلام الزنقة, تلك التي تلفظ بها ذلك الشرطي القوي البنية المفتول العضلات تساءل في أعماق نفسه:"وهل أشكل خطرا على أحد حتى يرسلوا لي هذا العملاق لكي يضربني و الزمان ضاربي"

أراد الرجل أن يهرب لكن قدماه لم تسعفاه فهو ليس بخائف ولا مرتجف - فمثله لا يخاف - لكن ركبتاه مريضتان بالروماتيزم الذي ركبه جراء برودة القسم المكسر الزجاج المحطم النوافذ والذي لطالما استصرخ من أجله المدير وجمعية الآباء و... لكن لا أحد يسمع نداءه فصمت، لأنه ربما هو في أعالي هذه الجبال لا يرد عليه إلا صداها الموحش. لكنه رقع المشكلة بوضع قطع الكارتون طرزها بـمسامير جلبها معه يوم أن نزل إلى السوق الأسبوعي -الذي ينعقد يوم الثلاثاء بدل الأحد- وهكذا حاله في حر الصيف حينما تلفحه أشعة الشمس فيبدل الكارتون بقطع الجورنال القديم وقد تركه أحد زملائه الذين مروا من هنا , في كل مرة يساعده في ذلك تلامذته فهو يشفق عليهم من الحر و القر لأنهم شبه حفاة عراة لا ...لا لأنه يرى فيهم أبناءه فلذات أكباده الذين تركهم مع أمهم وقد مر شهران على عدم رؤِيتهم. لقد سمع مؤخرا من طرف المقدم أن حطب التدفئة قد وصل إلى النيابة لكن ربما لن يصله لأن المسالك صعبة أو ربما يبعثونه له مع حلول فصل الربيع.

ما الذي جاء بك اليوم أيها النحيل الوقور إلى الرباط وهي البعيدة عنك أميلا وأميال وأنت عليل الصحة سقيم البدن, نحن سنقوم بالواجب بدلا عنك : يحادثه صديقه الذي لا يختلف عنه كثيرا وهما يركضان خوفا من عصا القمع أن تلحقهم وتهشم عظامهم وجماجمهم لكن... هيهات لقد لحق بهم مفتول العضلات

غليظ القلب منزوع الرحمة كيف لا يصل إليهما وهما بالكاد يمشيان وأين خطواته من خطواتهما.

لقد وقعا في يديه وأذاقهما من الفن الذي يتقن، انهال عليهما ضربا مبرحا لم تسلم أي بقعة من جسديهما النحيلين من رفسه وركله ولكمه بل ويدفعهما بيده حتى تتمكن منهما عصاه الغليظة وهو يرمق بعينيه الغادرتين سيده الكومسير فيُجَودُ لهما الضربات حتى ينال رضاه ويصرخ في وجهه اضرب اضرب بقوة فقد شبعوا الخبز

أغمي على صاحبه وأحدثت الجلبة و الجوقة من أجل نقله إلى المستشفى ، وهو واقف كالجلمود لا يطلب الرحمة أو العفو من جلاده بل ينظر إليه نظرة المزدري . المسكين لقد تورمت عيناه رغم اتساعهما وازرورقت الهالة المحيطة بهما، بالكاد يرى الآن .

لكن... يا للمفاجأة، لقد تعرف عليه جلاده. نعم تعرف عليه. إنه أستاذه الذي درسه مند عقد ونيف. الآن تذكره الجلاد جيدا: عندما أمسكه من شعر رأسه برز الوحم المميز على عنقه. نعم إنه هو، لم أره منذ أن درست عنده في المستوى الأول، وبعدها انتقلت مع أسرتي إلى المدينة...آه لقد كان يمسك يدي ليعلمني كتابة الحروف ويُقَومُ جلستي في حنو حين أمسك كراستي, ولا يفتأ يقدم لي النصائح: أن قلم أظافرك قص شعرك اعتن بملابسك واجتنب اتساخها فأسرتك فقيرة وهي لا تتحمل شراء الصابون كل لحظة . احترم من هو أكبر منك... أذكر يوما أنني تبرزت على الطاولة فجرى إلي بدلو يمسح عني قذارتي وهو يسكت ضحكات أصدقائي عني وينبههم إلى أن أي شخص قد يقع له ما وقع لي. مراعاة لنفسيتي.

يستغرق الجلاد في ذكريات طفولته التي طبعها هذا السيد النحيل الوقور أستاذه بكل خير، ولا يوقظه منها إلا صرخات سيده الكومسير : أن تراجعوا تراجعوا...

نعم تراجعوا فقد انتهت الغزوة وضد من؟؟.. ضد أساتذتنا ضد من علمونا حينما ساد الجهل ومنحونا العطف حين ساد الجفاء وحمونا من بعضنا بعدل حينما كنا صغار ...

تراجع الجلاد مستصغرا نفسه صارخا : شكرا لك يا أستاذي .....ها قد رددت لك الجميل..






    رد مع اقتباس