عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-03-01, 13:38 رقم المشاركة : 2
جوهرة المحيطات
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
 
الصورة الرمزية جوهرة المحيطات

 

إحصائية العضو







جوهرة المحيطات غير متواجد حالياً


وسام المشاركة

وسام المركز الثالث في مسابقة استوقفتني آية

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: فن الكتابة:تعلم أم تعليم؟؟؟


ولكن المؤكد من سيرة الكتاب والأدباء أنهم كانوا دوما قراء نهمين بل مدمنين للقراءة. وقد ذكر المنفلوطي نفسه: «لم تكن ساعة من الساعات أحب إليّ، ولا آثر عندي، من ساعة أخلو فيها بنفسي، وأمسك عليّ بابي، ثم أسلم نفسي إلى كتابي، فأشاهد بعيني تلك العصور الجميلة، عصور العربية الأولى» (النظرات ص 36). وأما نجيب محفوظ فقال: «نحن في جيلنا نشأنا وقرأنا في كل الآداب سواء بالعربية المترجم إليها أو بالإنجليزية المؤلف بها أو المترجم إليها..قرأنا كل الألوان والأشكال التي لا تخطر ببال.. وكان يجب أن نقرأ». (نجيب محفوظ يقول، ص232) والقراءة للكاتب كالماء في النبع. فإذا خلا النبع من رصيده المائي فحينئذ لا يستحق وصف النبع. والكاتب الذي لا يحتشد بالقراءات يبدو كمن يفتح الصنبور والصهريج فارغ. وهذه في زعمي مسألة فلسفية -وإن شئت بَدَهية- لا يصلح لإثباتها منهجية البحث التجريبي أو البحث الإمبيريقي.

وأضاف المنفلوطي أن خلو الذهن من الأحكام النقدية قد ساعده على الانطلاق والتخفف من القيود: «كُفيت شر من يدخل بيني وبين نفسي في المفاضلة بين شاعر وشاعر، وكاتب وكاتب، أو الموازنة بين أسلوب وأسلوب. فلم يكن لي عون على ذلك غير شعور نفسي» (النظرات، ص 38)

وأما نجيب محفوظ فكان يقول عن كبار الكتاب الذين قرأ لهم: «لم أتأثر بكاتب واحد، بل أسهم هؤلاء كلهم في تكويني الأدبي، وعندما كتبتُ لم أكن أقع تحت تأثير أحدهم» (نجيب محفوظ يتذكر، ص 79)

وكنت قد قرأت يوما لأحد المشاهير أنه لا يقرأ مقدمات الدواوين الشعرية؛ لأنه يحب أن يكون خالي الذهن من الأحكام الجاهزة سلفًا، ولأنه يرغب في أن يبني المعاني بنفسه لنفسه، لا أن يتبنى أفهام الذين سبقوه بالقراءة.

ولم ينتفع مكسيم جوركي في بداياته بشيء انتفاعه بما قال عنه إنه «أعظم مكتبة في العالم»، التي جعلته يحب الكتب طوال حياته. ولم تكن تلك المكتبة إلا صندوقًا من (المختارات)، اختارها بدقة شخصٌ كان يعمل طباخًا على متن سفينة.

وذكر جوركي أنه لم يتبع في قراءاته أي برنامج؛ إذ ترك الأمر للمصادفات. وعند هذه النقطة تحديدًا تبرز قيمة التربية اللغوية المنهجية. فما من شيء يمكن تهيئته للمتعلم أنفع له من أن تيسر له facilitate برنامجًا مخططًا بوعي وبصيرة تربوية؛ فإن أدنى مستويات التعلم لهو ذلك التعلم الذي يحصل من خلال عشوائية المحاولة والخطأ.

وأستطيع أن أقول إن الكتابة - كالقراءة- مستويات ومدارج وطبقات، وإن منها فنونًا يمكن تعليمها وتعلمها. ويعتمد نجاح هذا التعليم على براعة المعلم، وموهبة المتعلم، والزمن المتاح للتعلم، فضلاً عن عمق التجربة الإنسانية. ولكن التعليم لا يغني شيئا مع عدم الاستعداد والموهبة، ومصداق ذلك قول ضياء الدين ابن الأثير (ت637هـ ) «وما مثلي فيما مهدته لك من هذه الطريق - فنون النثر والنظم- إلا كمن طبع سيفًا ووضعه في يمينك لتقاتل به، وليس عليه أن يخلق لك قلبًا؛ فإنّ حَمْلَ النصال غيرُ مباشرة القتال»‏.‏

مدارج إلى تعلم الكتابة

تصور ضياء الدين ابن الأثير مدارج إلى امتلاك صنعة الكتابة، وهنا ننقل كلامه بنصه:

المستوى الأدنى‏:‏ «أن يتصفح الكاتب كتابة المتقدمين، ويطلع على أوضاعهم في استعمال الألفاظ والمعاني، ثم يحذو حذوهم. وهذه أدنى الطبقات عندي‏».‏

المستوى الوسيط‏:‏ «أن يمزج كتابة المتقدمين بما يستجيده لنفسه من زيادة حسنة‏:‏ إما في تحسين ألفاظ أو في تحسين معان. وهذه هي الطبقة الوسطى، وهي أعلى من التي قبلها»‏.‏

المستوى الراقي‏:‏ «ألا يتصفح كتابة المتقدمين، ولا يطلع على شيء منها، بل يصرف همه إلى حفظ القرآن الكريم، وكثير من الأخبار النبوية، وعدة من دواوين فحول الشعراء، ممن غلب على شعره الإجادة في المعاني والألفاظ. ثم يأخذ في الاقتباس من هذه الثلاثة، أعني القرآن والأخبار النبوية والأشعار، فيقوم ويقع، ويخطئ ويصيب، ويضل ويهتدي، حتى يستقيم على طريقة يفتتحها لنفسه. وأخلِقْ بتلك الطريق أن تكون مبتدعة غريبة، لا شركة لأحد من المتقدمين فيها. وهذه الطريق هي طريق الاجتهاد. وصاحبها يعد إمامًا في فن الكتابة، كما يعد الشافعي وأبو حنيفة ومالك - رضي الله تعالى عنهم وغيرهم - من الأئمة المجتهدين في علم الفقه. إلا أنها مستوعرة جدًا، ولا يستطيعها إلا من رزقه الله تعالى لسانًا هجامًا وخاطرًا رقامًا... ولا أريد بهذه الطريق أن يكون الكاتب مرتبطًا في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والأخبار النبوية والشعر بحيث إنه لا ينشئ كتابًا إلا من ذلك، بل أريد أنه إذا حفظ القرآن الكريم وأكثر من حفظ الأخبار النبوية والأشعار ثم نقب عن ذلك تنقيب مطلع على معانيه مفتش عن دفائنه وقلبه ظهرًا لبطن، عرف حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من ذات نفسه، واستعان من بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية».(المثل السائر، ج1، ص29)

مفهوم الكتابة في حضارتنا

شتان ما بين الكتابة التي هي عمل الناسخ، والكتابة التي هي عمل المنشئ. يصف العوام الكلام الفارغ من الفائدة بأنه «كلام إنشاء». واستقر في مخيلة العامة أن قيمة الكتابة تكمن في (عدد) ما يسود من صفحات. ومن أسف أن تعليم الأعداد الكبيرة في المدارس المكتظة، مع نظم الامتحانات المركزية العشوائية، يكرسان ذلك التصور المريض.

ويتجلى مفهوم أجدادنا عن «الكتابة» من ملخص حكاية الوزير عمرو بن مسعدة، إذ لقي شيخًا، فسأله الشيخ عن صناعته، فقال عن نفسه إنه كاتب. فراح يسأله: كاتب كامل، أم كاتب ناقص؟ فإن الكتّاب خمسة، فمن أيهم أنت؟ فقال عمرو: فصِّلْ الخمسة.







التوقيع

    رد مع اقتباس