عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-25, 22:51 رقم المشاركة : 5
واصل بن عطاء
أستـــــاذ(ة) جديد
إحصائية العضو







واصل بن عطاء غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فكرة قرأتها في كتاب: "ما الفرق بين المفاهيم الثلاثة المتلازمة: العلمانية بفتح الع


يرى الدكتور المسيري رحمه الله أن المشكلة الكبيرة التي وقع فيها الدارسون العرب على اختلاف مشاربهم في تعاملهم مع مصطلح "العلمانية" أنهم في دراساتهم بقوا حبيسي التعاريف المعجمية الجاهزة التي تناولت المصطلح بالشرح و التعريف ، و أنهم ظلوا ينظرون إلى المفهوم كمعطى جاهز و ناجز دون إبصار المفهوم في سيرورته التاريخية و المحطات المتعددة التي مر منها و الأبعاد و الدلالات الجديدة التي اكتسبها مع مرور الوقت
إن التعريف الشائع: العلمانية هي فصل الدين عن الدولة، الذي اكتسبه المفهوم في لحظات تشكله الأولى : لم يعد صحيحا و لا قادرا على استيعاب التطورات الجديدة التي لحقت بالواقع و بالمفهوم معا.
إن الدولة التي تبلور فيها هذا التعريف في أواخر القرن 19 ليست هي الدولة التي نعيشها الآن ، لقد كانت الدولة آنذاك كيانا هشا محدود النفوذ ، يكاد يكون مجال تحركها هو المجال السياسي المحض و المجال الاقتصادي فقط ، فكان هذين المجالين إذن هما محور اشتغال العلمنة بما هي عمليات تقوم على توسل العلم المادي كأساس لتدبير الأمور و حل المشاكل بعيدا عن أي إطار مرجعي ديني أو فلسفي متجاوز أو لا نهائي .
أما باقي المؤسسات الاجتماعية ( الأسرة ، المدرسة، النوادي، المؤسسات الدينية ..) و مختلف أنماط السلوك و العلاقات التي تنظم الناس في شؤونهم و علاقاتهم مع بعضهم البعض فقد ضلت تمتح من الدين و التقاليد و القيم كمرجع نهائي للتحاكم بعيدا عن العلمنة و آلياتها.
لكن تطور الدولة مع مرور الوقت و تحولها إلى اخطبوط قوي يبسط نفوذه و سلطانه على جل مفاصل الحياة ، بالإضافة إلى تطور الآلة الإعلامية و الدعائية التي أصبحت جهازا قويا و فعالا في يد الدولة يمكن من خلاله أن تصل إلى كل الأفراد فتشكل رؤاهم و تصوراتهم ، و تعيد صياغة أحلامهم و توفعاتهم جعل آليات العلمنة تزحف شيئا فشيئا لتغطي كل مجالات الحياة العامة ، قبل أن تقتحم على الناس عوالمهم الخاصة أيضا.
هذا التحول الكبير شكل قطيعة مع ما يسمية المسيري ب"العلمانية الجزئية" = فصل الدين عن الدولة، و هي علمانية ذات بعد إنساني و أخلاقي تحفظ للدين و القيم و الاخلاق مجالا رحبا للعمل و الاشتغال ليتم الانتقال إلى "علمانية شاملة " يراها المسيري بمثابة رؤية للعالم لا تقوم فقط على فصل الدين عن الدولة و إنما فصل القيم و الاخلاق الدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر ، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته قبل أن يتم نزع القداسة عن العالم ليتحول( الإنسان و الطبيعة) إلى مادة استعمالية، يمكن توظيفها خارج أي اطار قيمي أو اخلاقي يمايز بين الإنسان و المادة ، ففي عالم العلمانية الشاملة تتساوى الظواهر الإنسانية مع كل الظواهر المادية لتصبح كل الامور مادية ، وليتم اخضاع الانسان لنفس القانون الذي تخضع له المادة ، يسري عليه ما يسري عليها ، إنها علمانية منفصلة عن القيمة تدور في فلك الفلسفة المادية التي ترد كل الظواهر و الأشياء إلى المادة فلا تؤمن بأي معايير أو مطلقات أو كليات ، مطلقها الوحيد هو النسبية ... النسبية العدمية التي ترفض أي امكانية لتقويم الأشياء على أي أساس اخلاقي أو إنساني





التوقيع

العوام هم قوت المستبد وقوته بهم عليهم يصول وبهم على غيرهم يطول . يأسرهم فيهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقاء الحياة، ويهينهم فيثنون على رفعته ويغرى بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف بأموالهم يقولون عنه أنه كريم وإذا قتل ولم يمثل يعتبرونه رحيما، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التأديب، وإن نقم عليهم بعض الأباة قاتلوهم كأنهم بغاة .


عبد الرحمن الكواكبي
    رد مع اقتباس