عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-22, 18:06 رقم المشاركة : 1
si sajid
بروفســــــــور
إحصائية العضو








si sajid غير متواجد حالياً


important المدرسة المغربية.. هل هي واحدة؟ المصطفى مرادا


المدرسة المغربية.. هل هي واحدة؟

حديثنا عن المدرسة المغربية بالمفرد هو حديث غير موضوعي، لأنه يتناول مدرستنا كما ينبغي أن تكون لا كما هي، والفرق بين الأمرين جوهري، ينبغي إدراك حدوده، فواقع المدرسة المغربية اليوم يسعفنا لاستنباط حقيقة أننا إزاء مدارس بالجمع، مدارس يعكس بعضها مغربا متخلفا، لسيادة ممارسات لا نجد لها ندا إلا في شعوب مجاهل إفريقيا، ومدارس أخرى تعكس مغربا حديثا، لسيادة أنظمة وعلاقات لا نجد له نظيرا إلا في حواضر الشعوب ما فوق جبال البيريني.. فبين مدرسة مغربية وأخرى في المدينة الواحدة، بل في المقاطعة الإدارية الواحدة، سنوات ضوئية، كالتي تفصل «عالم ما فوق القمر عن عالم ما تحته»، عند الأقدمين، إذ هناك من جهة مدرسة عمومية واحدة بنسخ تتشابه في كل شيء، من طنجة إلى الكويرة، في مشاكل البنيات التحتية وإيقاعات الحياة المدرسية، في ذهنيات الإداريين والمعيدين، في سلوك التلاميذ وسحنات المدرسين. ومن جهة أخرى، مدارس خاصة بالجمع، علاقتها بالمغرب من جهة واحدة مخصوصة هي أنها تسكن جغرافيته لا أكثر، في حين أن أنظمتها الإدارية والتربوية ومرافق بناياتها أوربية المنطلق والطموح..
مثلا في مدرسة «مغربية» خاصة يعاقَب التلاميذ إذا تكلموا في مرافق المؤسسة بغير اللغة الفرنسية، بينما في المدرسة المغربية العمومية لا يتوقف كلام التلاميذ عند العربية، بل إنهم يتكلمون لغة لا يعرف رموزَها إلا هم أنفسُهم، إذ هي مزيج من الدارجة ولغة «الشات»، بل ويكتبون بها في التقويمات. في المدرسة المغربية الخاصة، نجد انضباطا في اللباس المدرسي واحتراما لزمن التعلم وحضورا دائما لآباء وأولياء المتعلمين، بينما في المدرسة المغربية العمومية، يكاد مشكل ضبط التلاميذ يطغى على كل زمن التعلم.. هنا تجد تقليعات اللباس وتسريحات الشعر وموديلات الهواتف هي ما يتنافس فيه المتنافسون... أما الآباء فلا يحضر أغلبهم إلى المؤسسة إلا عندما يتوصلون بإعلان فصل أبنائهم عن الدراسة أو عندما يعلمون بإلقاء الشرطة القبض على أحد أبنائهم لكونه ضُبط وهو يدخن الحشيش أو يصور زميلته بالهاتف إلى غير ذلك من البذاءات.. أما القلة القليلة من الذين يزورون المؤسسات، فيفعلون ذلك في نهاية كل دورة، ل»استجداء» النقط...
في المدرسة العامة، تُشحَن عقول تلاميذ التعليم الأساسي بكم هائل من المواد فوق طاقتهم، إذا نجد في المستوى الواحد مواد التربية على حقوق الإنسان والنشاط العلمي والتربية على البيئة والعقائد والعبادات والحديث والقرآن الكريم والنحو والتراكيب والإملاء والرياضيات والفرنسية والتربية البدنية... كل هذه المواد يأخذها تلميذ قطع كيلومترات من بيته إلى المدرسة دون أن يتناول فطوره، أما ما يتعلمه التلميذ في المدرسة الخاصة وكيف يتعلمه وكيف أتى ليتعلمه فحكاية أخرى مغايرة تماما.. ملؤها الملائمة والاهتمام بقدرات التلميذ واستعداداته.
فبناء على هذا الفصل الجوهري بين النمطين، نخلص إلى ما خلُص إليه أصحاب السوسيولوجيا من أن المدرسة المغربية، بهذا المعنى، تحولت من أداة للارتقاء الشخصي والاجتماعي، كما كان الأمر سابقا، إلى أداة للانتقاء الاجتماعي، أي أن الأغنياء يتعلمون ما يعيدون به إنتاج طبقتهم، والفقراء لا يتعلمون إلا ما يبقيهم في بؤسهم، أما الطبقة الوسطى، على هشاشتها في المغرب، ففي كفاح حقيقي لتوفير الحد الأدنى من التعليم الأول.
في المدرسة المغربية القديمة، كان عنصر الكفاءة مُحدِّدا بشكل كبير للنجاح الاقتصادي والاجتماعي، بدليل أن ثلثي مهندسي السبعينيات والثمانينيات في المغرب هم من منطقة الراشيدية ووارزازات، وهذه إحصائيات رسمية، رغم أن أغلبهم من أصول فقيرة، أما اليوم فالأمر صعب جدا، لذلك فنحن بصدد تعليم غير متكافئ، أو كما قلنا مدارس بالجمع، لكل منها روادها وزبناؤها..
أما لماذا يعد الأمر صعبا، فلأن المدارس الخاصة في المغرب تحولت من مؤسسات تربوية إلى «فنادق» متباينة الخدمات، فكما أن هناك فنادق في باب مراكش في الصويرة ب 03 درهما لليلة الواحدة، فإن هناك فنادق بفي نفس المدينة ب 0002 درهم لليلة الواحدة: «انت أُوجيبْك”.. وفي التعليم الخاص، يبدأ المبلغ في الأحياء الفقيرة والمدن الصغيرة من 002 درهم شهريا للتلميذ الواحد يدرس في السنة الثانية باكلوريا مثلا، ليصل إلى 0004 درهم شهريا في مدارس خاصة في البيضاء والرباط ومراكش وطنجة. أما التعليم العالي في تخصصات تقنية وهندسية، كالأقسام التحضيرية ومدارس المهندسين، فيصل المبلغ فيها إلى مليون سنتيم للشهر الواحد، حسب ما صرح لنا به ممثل لأحد المدارس الخاصة..
صحيح أن التعليم خدمة، والخدمات لها ثمن، تماما كما للجودة ثمنها، كما يقول الفرنسيون، إلا أن تناول هذه القضية، من وجهة نظر وطنية، يفضي بالقليل من الروية إلى الوقوف عند خطورتها، خصوصا عندما نكون بصدد قيم كالانتماء إلى الوطن والواجب تجاه الوطن، فالمدرسة المغربية -بكل أنواعها المختلفة- تنتج مواطنين لا يعتزون بوطنيتهم، وإن بقوا في وطنهم فمكرَهين لا أبطالا.. فالفقراء، خريجو المدارس العمومية، كل يهجر وطنه بطريقته، بعضهم بقوارب الموت وبعضهم بالمخدرات والبعض الآخر يهاجر إلى التيارات المتطرفة، وكل هؤلاء يجمعهم رد الفعل نفسه. أما خريجو المدارس الخاصة فلا يرون في وطنهم إلا ثروات عليهم نيل نصيبهم منها... وعندما يقررون معرفته، فيزورون موقع وزارة السياحة على الأنترنت ل»تفاجئهم» بكونهم أبناء أجملَ بلد في العالم!... المساء : 21 - 12 - 2010






التوقيع

    رد مع اقتباس