عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-11-11, 22:12 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

افتراضي مصر : نموذج لتخلف منهج تعليم ..؟!


نموذج لتخلف منهج تعليم ..؟!


إيضاح أولى :

وجدت فى بريدى الإلكترونى هذا المقال الحالى ، رجانى فيه مرسله أن أبدى رأيى فيه ،وقد اقترحت عليه أن أنشره كما هو ، حيث تعذر عليه نشره فى إحدى الصحف التى أرسلها إليها منذ أسبوعين ، ليشاركنى القراء فى إبداء الرأى فى هذا المقال الذى أحسبه مهما...

يشيع لدى عموم الناس على وجه العموم معنى للمنهج يحصره فيما يعرف " بالمقرر " ، الذى يراه الناس مترجما فى صورة كتاب مدرسى ، لكن المعنى لدى أهل الاختصاص ، أوسع من ذلك ، وما " المقرر" إلا أحد عناصر المنهج الذى يتضمن كذلك طريقة التدريس ،والتقويم ،والأنشطة المرتبطة ،وهكذا .ولأننا نكتب لعموم الناس ، فإن المعنى الشائع هو الذى نتعامل معه فى المقال الحالى.

ومهما حظى عنصر ما بالتقدير والاهتمام من عناصر التعليم ، فسوف يظل المنهج هو " قلب " العملية التعليمية ، إذا صح هذا التعبير ، فإدارة التعليم، والمبنى المدرسى ، والمعلم ،والكتاب المدرسى ، والامتحانات ، كلها تسعى إلى تزويد الطلاب بكم ونوع معين من المعرفة هو الذى يشكل محتوى المنهج.

ولأننا نعيش عصرا عُرف بين الجميع بسيولة المعرفة وتطورها السريع ، أصبح من المحتم على مناهج التعليم أن تلاحق هذا التطور السريع ، مع اختلاف معدل التغير ، باختلاف مراحل التعليم ،وباختلاف المقررات الدراسية ، فلأن التعليم الابتدائى – مثلا -يركز على أساسيات المعرفة ، يصبح معدل التغير بطيئا ، على عكس المرحلة الجامعية . ومنهج مثل منهج التاريخ ، يكون بحاجة إلى التغيير بمعدل أقل من مناهج الرياضيات والعلوم الطبيعية والتطبيقية ..وهكذا

والتطوير والتغيير فى مناهج التعليم يكون بحاجة دائمة إلى النظر الكلى المحيط ،والتآزر والتناغم ، بحيث لا يصح أن نبذل جهدا عظيما – مثلا – فى تطوير منهاج العلوم ،ولا نتباطأ فقط فى منهج مقرر آخر ، مثل الفلسفة ، بل " نجمد " على مفاهيم أكل عليها الدهر وشرب ،وكانت متضمنة فى الكتاب المقرر منذ ثلاثينيات القرن الماضى ، على الرغم من أن مؤلفى الكتاب الخاص بها كتبه رواد عظام من أساتذة الفلسفة فى مصر والعالم العربى.

وقد حفزنى على المشاركة بالرأى فى قضية تطوير المناه ، هذا الذى وجدته فى الملحق التعليمى لجريدة الأهرام الصادر يوم السبت 16 أكتوبر 2010 :

فالملحق يتضمن نصف صفحة شرحا لبعض موضوعات المقرر ، وكذلك عددا من الأسئلة والتمرينات ،وسؤالى هو : ألا يعد هذا صورة من صور ما يسمى بالكتب الخارجية ؟ومن ثم يجوز لنا أن نتساءل : هل طالب وزير التربية الأهرام بحقوق الملكية الفكرية بهذا الصدد ، مثلما طالب دور النشر الخاصة ؟

وفى هذه النصف صفحة كم كبير من الأخطاء اللغوية والكتابية ! وإذا كان هذا يمكن " تفويته " فى بعض الموضوعات التى تنشر فى الصحف ، إلا أن خطورة " الملحق التعليمى " أن آلافا من الطلاب لا يكتفون بمجرد قراءته مرة ، بل عدة مرات ،ويأخذون " شكل " الكلام ،وكأنه مقدس لا تبديل فيه ، فتثبت فى أذهانهم أخطاء مؤسفة ،ويمكن لو رأوا غيرها مما هو صحيح ، تصوروا أنها هى الخاطئة ، لأن الأولى نشرت على صفحات أعظم وأعرق جريدة فى الشرق الأوسط ..

وفيما يلى بعض الأمثلة :

فهو بصدد وصف التفكير الفلسفى يقول " لا يدرس ظاهرة منفصلا ؟ والصحيح " منفصلة " .ويقول " ليفسر الوجود كلل " والصحيح " كله " ، ويقول فى " الأسلوب الدينى للتفكير " " وذلك يفدنا " ،والصحيح " يفيدنيا " .

وفى موضوعات الفلسفة يقول " قيمة الحق : يدرسه علم المنطق "، والصحيح " يدرسها علم المنطق " ،لأن الضمير هنا يعود للقيمة لا للموضوع .والشئ نفسه بالنسبة لقيمة الجمال .

ويقول أن من فوائد الفلسفة أنها تساعد الفرد " على رقى عقله " ،والصحيح " تساعد الفرد على ترقية عقله " ...وهكذا مما لا نود أن نثقل على القارئ بأمثلة إضافية أخرى فى درس واحد ، فما بالنا فيما سوف يلى من دروس .

فإذا انتقلنا إلى ناحية " الموضوع " ،فسوف نجد أن المنهج ،وهو بصدد تعديد أساليب التفكير ، يذكر منها " الأسلوب الدينى " ،وهو كلام غريب حقا ، ذلك لأننا نصف التفكير وفقا للمنهج المتبع ، لا وفقا لموضوعه ، فنقول أن هذا تفكير علمى ، لا لأنه يدرس ماديات ملموسة ،ولكن لأنه يتبع الطريقة العلمية التى تبدأ مما هو واقع ، وتفرض فروضا للتفسير ،وتجرب وتعدد الأمثلة ، ثم تنتهى إلى تعميم .

ومن هنا فقد شاع القول بأنواع ثلاثة للتفكير : الخرافى ، حيث يربط بين طاهرتين أو أكثر ربطا مبتسرا ، كمن يربط بين حمل " حجاب " وبين التغلب على العقم ، أو النجاح فى الامتحان ، رغم أن موضوع التفكير كله مما هو ملموس ومادى .

أما العلمى ، فهو الذى يتبع المنهج الذى أشرنا إليه منذ قليل .

ويجئ التفكير التأملى ، حيث يعتمد على أفكار تتولد من أفكار ،وفق عمليات ربط واستنباط ، مراعيا الاتساق ، وهو ما يشيع لدى المشتغلين بالفلسفة ، حتى ليسمى لدى كثيرين بالأسلوب أو التفكير الفلسفى .

أما أن يوصف تفكير بأنه دينى ، فهو هنا توصيف بناء على " الموضوع " وليس بناء على " المنهج ، فلو ذهب مسلم – مثلا – إلى ضريح رمز من الرموز الدينية الراحلة ، مثل السيد البدوى ،أو السيدة زينب، متصورا أن ما يقدمه من أحجبة وتعاويذ ورُقى ،سوف يجلب له النجاح بالضرورة، أو ينصره على أعدائه وخصومه ،فهذا تفكير خرافى ،وليس دينيا .

وعندما قال أحد الجبابرة ، فى محاولة برهنته على أنه أحق بالعبادة من الله ، فقيل له أن الله يأتى بالشمس من المشرق ، فليأت هو بها من المغرب ، فأُسقط فى يده ، فهذا تفكير علمى ، رغم أن المسألة دينية .

وكذلك عندما جال إبراهيم عليه السلام فى السماء بحثا عن الله ، فتصوره فى كوكب ، ثم فى قمر ، ثم فى شمس ، وبإعمال التأمل والتفكير ، إذ وجد نواقص عدة فى هذا وذاك ، وأيقن أن الله هو الذى خلق كل هؤلاء ، فهذا نهج علمى ، أو قل ، تأملى ...وهكذا .

ومن ناحية أخرى فالمنهج الحالى يعتمد رأيا فى مفهوم الفلسفة ، عفى عليه الزمان ،وآية ذلك أن الكثرة الغالبة من الفلاسفة منذ عدة قرون قد تخلوا عن البحث فى " الميتافيزيقا " ، سواء الفلاسفة " المؤمنون " ، حيث يؤكد الدين لهم أن موضوعات الميتافيزيقا مما لم تتح معرفته للإنسان ،وأن الله يكفيهم قدرا من المعلومات أوردها فى كتبه المقدسة ، أو كان هؤلاسفة غير مؤمنين ، حيث لا يؤمنون بوجود ما وراء الطبيعة أصلا .

إن الكثرة الغالبة من المشتغلين بالفلسفة أصبحوا يوجهون أنظارهم إلى ما يترتب على حركة التغير العالمى المذهلة فى كل ما يحيط بنا ، وما تتطلبه من تحديد دقيق للمفاهيم والمعانى ..وما تتركه من صور اهتزاز فى منظومة القيم الأخلاقية ،وما تخلفه من شروخ فى جدار العلاقات الاجتماعية .

إنها على الجملة ، أصبحت لا تحلق فى سماء التجريد ، بل تعايش الناس فى أفراحهم وأتراحهم ..تسكن البطون ، مثلما تسكن العقول ..وتسكن الأجساد ، مثلما تسجد االأرواح !

انظر إلى الفلسفة الماركسية ، التى شايعها مئات الملايين من الناس ، فترة طويلة من الزمن ،مثلا ، والفلسفة البراجماتية ،التى تحكم نمط الحياة الأمريكية ، على الرغم من التناقض بين الفلسفتين ،ومع ذلك ، فكلتاهما تجمعان على أن وظيفة الفلسفة هى " التغيير " ، على عكس ما كانت عليه الفلسفة قديما ، وكما يتبنى الكتاب ، حيث تصور أن " الثبات " هو القيمة العليا الجديرة بالمعرفة .

وعرف الفكر الفلسفى مذاهب مثل النقدية ،والتحليلية ،والوجودية ،والبنيوية ،والظاهراتية ،والتأويلية ، لا نقول بوجوب تدريسها للطلاب ، فهذا مكانه فى أقسام الفلسفة بكليات الآداب ، ولكن أن نراعى ما توصل إليه كل هؤلاء من أساليب فى التفكير ،وما أشاعوه من مفاهيم ومصطلحات ، ون ثم نخرج عن " قميص " أرسطو " ومن سار على دربه .

إن الميزة لما ندعو إليه ، تبين لأبنائنا أن التعارض والتناقض السابق بين الفلسفة والعلم أصبح من بقايا عصور التخلف ،وأن التفكير إما أن يكون علميا أو لا يكون ، بغض النظر عن اتجاه هذا أو ذاك .

المصريون






    رد مع اقتباس