عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-11-07, 18:35 رقم المشاركة : 1
نورالدين شكردة
أستـــــاذ(ة) متميز
 
الصورة الرمزية نورالدين شكردة

 

إحصائية العضو







نورالدين شكردة غير متواجد حالياً


افتراضي حتى الجيلالي تركله الحمير


حتى الجيلالي تركله الحمير
ـ أوـ المنتاف
بقلم: نورالدين شكردة

تجشأ الجيلالي وسط فصله/المدرسه/البيت المفتوح على فضاء الدوار بصوت مسموع، مط لسانه ومرره على محيط شفتيه. تثاءب بشكل فج بغيض وفتح فاه حتى بدت نواجذه المسوسة محدثا صوتا مزعجا ونافثا رائحة اعتقدتها الحشرات مبيدا ساما فماتت وهما..دعك توحيمته بتثاقل والتقط نصف رطل من العمش من داخل عينيه، انتزع فجأة وبحركة سريعة زغبة طويلة من زوائد شاربيه حتى دمعت عيناه من شدة النشوة والألم.. عاد ليتجشأ، ويتثاءب، ويمط شفتيه دون توقف،وانشغل في الأخير بنتف زغب كثيف برز من فتحتي أنفه وأذنيه...عملية النتف طقس يومي يواظب عليه طالما أنها تشعره بطعم الإخلاص لفقيدته "حنان"، والنتف من منظور"الجيلالي" أسلوب حياة.. رؤية فلسفية للوجود.. وجهة نظر.. نمط عيش.. بل صورة عملية لمعنى انصهار اللذة والألم...يعترف "الجيلالي" مع نفسه أن "حنان" رحمة الله عليها كانت مدرسة مستقلة في عالم النتف، حتى أنها خلفت بعد وفاتها بيدرا من أحدث أدوات وأجهزة الحلاقة.. تحكي والدتها أنها عثرت بدولابها على أزيد من 300 منتاف و150 مقصا، و20 جهاز حلاقة عصري، وحقيبة سفر مليئة بشرائط اللصق الناتفة، ودولابا من مستحضرات كيماوية ورغاوى مرطبة، وأدراجا تضم آلالاف من شفرات حلاقة متعددة الأشكال والرؤوس...تجتاح "الجيلالي" بين الفينة والآخرى نوبات حزن عاصف وحنين جارف لأنيسته "حنان".. فيسترسل في البكاء والنتف.. "حنان" لم تكن كسائر البشر، لقد كانت كل البشر بالنظر إلى شحنة العطف والزغب اللذان غزيا روحها المرهفة واستأثرت بهما ذاتها الهشة..تجشأ مرة ثانية فانبعثت رائحة العدس والثوم والبصل من فمه...نتف زغبة من منبع أذنه حتى صرخ من الألم، استل أخرى من أعماق بئر أنفه حتى خيل إليه أنه سحب عرقا من دماغه..اكتسحته نشوة مؤلمة وتخيل نفسه ممددا على أريكة صحية وجيش من شقراوات المسلسلات المكسيكية ومشجعات كرة القدم الأمريكية ومضيفات طيران الخليج يتناوبن على نتف زغب ظهره زغبة زغبة...عاد لرشده وتثاؤبه، تحسس صلعته السائرة في طريق النمو واستحضر باسما ظاهرة سوء توزيع الثروة وانعدام العدل في اقتسام خيرات وثروات البلاد، كما تذكر حضه العاثر مع أبشع فتيات الثانوية فبالأحرى مع مضيفات طيران قطر..تهكم من نفسه مقهقها: "ما أنا إلا صورة مصغرة لانعدام العدل وسوء توزيع الثروات" وأردف:"هاد الزغب حرامي وزغبي خلا الراس ومشا للودنين زعما أنا دراكولا ماشي بنادم" ومنذ ظهور بوادر الصلع الحاد وافتراس الكلاب لأنيسته "حنان" لم تعد المدرسة هما من هموم الجيلالي ولا أولوية من أولوياته، يقر "الجيلالي" أنه ليس قديسا فإثارة انتباه الرشيقات، والتحايل على مدينيه، والتخطيط لكيفية التخلص من ديونه المتراكمة ومن توحيمته المقززة هموم تنتصر على إخلاصه وتشبته بمهنته، وتنسيه في تهييء جذاذات دروسه وإعادة طلاء سبورة عمله المتآكلة.."حنان" كانت صريحة وجريئة، اعترفت له يوما أن همها الأول والآخير هو الزواج، ويأتي من بعده الانتقال، فاقتناء مجموعتها التزيينية الشهيرة وملابس حديثة تبرز مكامن أنوثتها الضامرة، وبعد كل ذلك تأتي المدرسة وكراسات الخط والنقل.. أيدها "الجيلالي" بمكر واضح وهو يعلم في قرارة نفسه أن شغل قرارة نفسها الشاغل كان ولا يزال وسيظل التصدي للتخلص من جدور زغبها المتجدد النمو يوميا ولا شيئ غير الشعر والزغب..المدير هو الآخر نسي المدرسة "وما يجي مع باباها" وتخصص في تجارة السيارات وسمسرة القطع الأرضية. أما المفتش فقد سرقته مكتبته ومخدع هاتفه الجديد من تتبع حسن تدبير زمن التعلم والتمدرس وصار له زمنه الخاص به، عشر ثوان تعادل درهما رماديا.. الوزير نفسه هجر البرلمان ومقر وزارته وأحاط به زبانية من المرتزقة السياسيين وانهمك مستميتا يعد الخطط تلو الخطط لإزاحة خصمه من رئاسة الحزب ويجرب نشوة الإستزوار ورئاسة الحزب، ويضرب ديكين هنديين بطوب واحد...يحدث "الجيلالي" نفسه مرارا" لقد شغل الله النساء في أنفسهن حتى لا تتصدين لإشغال العالم وإشعاله فتنا ومحنا.." ويضيف متهكما:"تجارة المنتافات تجارة رائجة، النساء أكثر اهتماما بهذه الآلة الجهنمية من بائعي الصبار الهندي ومرصعي خواتم الذهب والماس.."المنتاف كان جزءا لا يتجزأ من شخصية "حنان" وهاجسا يوميا ورفيقا أبديا.. تذكر يوم اقتحمت فصله بغثة فوجدته وقد كتب على السبورة "المنتاف عصب حياة النساء" غضبت منه وقاطعته ليلتين كاملتين، غير أنها سرعان ما عادت لتقبل منتافه الفضي كهدية صلح وتصفح عن لؤمه هامسة:"حتى أنت يا جيلالي.."تستفيق بدرة الإخلاص في روح الجيلالي أحيانا، فينتفض من زغبه العالق بياقة قميصة ويقف مرتجلا وضعية إدماجية ما انزل الله بها من سلطان..ويمني نفسه أحيانا بامتلاك منتاف جبار يقتلع به كل فطريات المهنة ومندسيها وحثالاتها، وكل وسطاء الشر وسماسرة الباطل، والمقصرين والمفرطين والمتمارضين، وعديمي الضمير والأشباح والفارغين المتفرغين، والمكلفين بمهام زرع الريح وتنقية الباطل..يتحسس بمؤخرته مواضع لكدمات كثيرة تلقاها وهو يناضل داخل حرم الجامعة أو أمام بوابة البرلمان فتموت فيه بدرة الإخلاص..أحذية عسكرية كثيرة، وأخرى كلاسيكية، وثالثة رياضية ارتطمت بمؤخرته، صفعات شرطة التحقيق وقوات التدخل السريع لانتزاع اعترافات عن تهم لم يرتكبها لازالت تسبب له حالات تقيء ودوخان مفاجئين.. ويتلمس بألم أكبر آثار عضة معلمته محجوبة أسفل عنقه فتنقرض في دواخله كل بدور الخير والإخلاص وشتائل التفان والاعتراف بالجميل ..تتاءب الجيلالي من جديد، انتزع بخفة كبيرة زغبة أخيرة من وسط خياشيمه حتى صرخ من الألم، عبث بها قليلا بين أصابعه وقصد باب الفصل لاستنشاق هواء صحي يغنيه عن غازات فصله السامة المنبعثة من أمعاء ألفت هضم القطاني والمعجنات... يعترف "الجيلالي" مع نفسه أنه صار كائنا مضروبا، طالما أنه رُكِل في حياته أكثر مما ركلت كرة القدم.. لقد رُكل وهو صغير من طرف كل الجيران وأبناء الحي وأفراد الأسرة.. وأشبعه زملاؤه ركلا خلال ممارستهم للعبتهم الشهيرة "الركيل" وهم ينفسون عن حجم العنف والإيلام الممارس عليهم..رُكل من طرف القائد واثنين من "المقدمين" وهو يحتج على عدم منح والدته شهادة الضعف والفاقة والاحتياج..رُكل من إدارة إلى أخرى وهو يجاهد كي يغير لقبه من "بو وذنين" إلى"بومعزة"..رُكل من مستودع أموات إلى آخر وهو يبحث دون جدوى عن بقايا جثة أنيسته حنان فريسة العباد والكلاب..رُكل عند أبواب الملاعب والمسارح وقاعات السينما وخلال ذروة صخب التجمهرات الفنية والحزبية المجانية ..رُكل يوم التعيين الركلة القاضية، وكانت سنتها أكثر الركلات قوة وتدقيقا وتصويبا بعدما طوحت به صوب أعلى قمم جبال الاطلس المنسي...رُكل ورُكل ورُكل حتى صار مركلة محترفة يستطيع ترتيب الركلات التي تعرض لها، ويميز بين ركلات الحق وركلات الباطل، بين ركلات الجزاء وركلات أنجيلا ميركل.."النتف أهون من الركل" هكذا كان "الجيلالي" ينفس عن آلام كدمات ماضيه المركول الحزين وهو ينصت لأغنيته المحبوبة "زيد دردك عاود دردك" على أنغام نهيق مؤديها الشهير "الشاب حمار".نهر تلاميذه أمرا إياهم التزام الهدوء, تذكر نهقة المغني الشهيرة، وفي غفلة منه وانتصارا لمكبوتاته وعقده على قيمه ومبادئه حاول تقليد نهقة "الشاب حمار"، جرب مرة فمرتين فثلاث وضجيج تلاميذ فصله يختلط بضحكهم، تذكر يوم كان صغيرا وحلم تلقيه لركله توصله إلى القمر يزاحم خيالاته...التف حول نفسه مواجها تلاميذه مبتسما، أطلق نهقة تجريبية أخيرة، ومن ورائه اقترب حمار وسيم شارد مستطلعا سر النهيق المنبعث، حجب "الجيلالي" مجال بصره وهو من كان يمني نفسه بحمارة يتخدها أما لجحوشه، التف الحمار هو الآخر حول نفسه واقتلع الجيلالي من مكانه بركلة صادقة طوحت بتوحيمته بعيدا صوب.. القمر...





آخر تعديل مريم الوادي يوم 2010-11-07 في 22:40.
    رد مع اقتباس