عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-09-29, 05:27 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

افتراضي الأسس البيداغوجية لإصلاح منظومة التعليم


الأسس البيداغوجية لإصلاح منظومة التعليم





مهما أسّسنا للنظريات التربوية ووضعنا الأسس البيداغوجية لنظام تعليمي متطور، سواء ركّزنا على ما هو محلي أصيل أو تبنّينا نظريات غربية، فإن التفكير الجدي المبنيَّ على إشراك جميع
الأطراف قمينٌ بالحصول على النتائج المتوخّاة...
هناك عوامل كثيرة ومتعددة وراء تردي الوضع وتدني المستوى التعليمي: إذا قمنا، مثلا، بجولة في مؤسساتنا التعليمية، نلاحظ الغياب شبهَ التام للمكتبات المدرسية، ويظهر ذلك جليا في مؤسسات التعليم الابتدائي، ولنفرض، جدلا، أنها وُجدت، فإنها لا تستجيب للمعايير الدولية المعمول بها، سواء من حيث التنظيم العلمي أو من حيث التسيير. فغالبا ما تُسنَد مهمة تدبير هذا المرفق الحيوي إلى أطر تفتقر إلى الخبرة والتكوين، ناهيك عن أن الوزارة لم تألُ جهدا في تخصيص برامجَ لتكوين القيِّمين، وفق معاييرَ علميةٍ حديثة...
انطلاقا من هذه المعطيات، نطرح السؤال: كيف يحق لنا أن نطلق أحكاما جزافية دون سند لندعي أن أبناءنا يعزفون عن المطالعة؟! لنكن أكثر موضوعية ومنطقيين مع أنفسنا، ونطلق الأحكام بناء على أدلة دامغة... لنحاولْ أن نعرف الأسباب الكامنة وراء هذه الآفة. فالوسط الأسري لا يُولي أهمية لهذا الجانب، فكثيرا ما ننفق بسخاء مَبالِغَ هامةً في تأثيث المنزل وشراء الملابس الفاخرة واقتناء السيارات الفارهة، دون أن نفكر، لحظة، في توفير مكتبة للطفل، يستأنس بكتبها منذ نعومة أظافره ويربط علاقة حميمية معها، حيث نعمل على خلق جو ثقافي يترعرع فيه الطفل وينمو مقتديا بالكبار، وهو يلاحظهم يقرؤون ويطالعون، حيث نجعله يقتنع بأن المطالعة مسألة ضرورية لا مناص منها، لمن أراد أن يعبد الطريق لضمان حياة مستقبلية ناجحة...
إن الحقل التربوي الذي نخوض فيه شاسع ومتشعب، بدليل تعدد الفاعلين والمتدخلين، فالمدرسة بأساليبها التربوية المتطورة في حاجة ماسة إلى الانفتاح على الخارج ومد جسور التواصل مع باقي المؤسسات، ونخص بالذكر هنا دُور الشباب، بجمعياتها وأنديتها الفاعلة في هذا الإطار.والمسؤولية هنا ملقاة على وزارة التربية الوطنية، فعلى عاتقها تقع مسؤولية التفكير بجدية في ربط الصلة بين المدرسة ومحيطها، بوضع برامج يسهر على التخطيط لها مديرو دور الشباب، بجمعياتها، بالتنسيق مع لجان التنشيط داخل المؤسسات التعليمية...
وحتى يعطيَّ هذا العمل أكله، نقترح أن يعين أعضاء هذه اللجان من طرف الوزارة. وهذه الفئة المتخرجة من معاهد التنشيط الثقافي لها ما يؤهلها لوضع برامج سنوية، بتنسيق مع دار الشباب وخلق أندية باستشارة مع ممثلي التلاميذ: نادي المسرح، نادي الموسيقى، نادي البيئة، نادي حقوق الإنسان، نادي التربية على المواطنة، نادي السينما...
وحتى نحيط بجميع جوانب الإصلاح، لا يمكن أن نغفل جانبا أساسيا في العملية. فالتنسيق مع جمعية آباء وأولياء التلاميذ في هذا المجال بات أمرا ضروريا يؤخذ بآرائها كقوة اقتراحية لها وزنها ورأيها المُعتدُّ به...
وقد يكون من مهام مكتب الأنشطة، كذلك، خلق خلية للإنصات، تتمثل مهمتها في تتبع حالات بعض التلاميذ الذين يعانون من اضطرابات نفسية، أو التلاميذ «المشاغبين» الذين يُعرَضون على مجالس التأديب. ويظهر أن التنشيط، وخاصة المسرح، مجال رحب لاحتضان مثل هذه الحالات وجعلها تثبت ذاتها وتندمج داخل المجموعة. هناك مسألة أساسية وجبت الإشارة إليها، وتتعلق بإسناد مهمة الإدارة التربوية على أساس غير منطقي ينبني على مراعاة الأقدمية في المنصب، مع أن الصواب إلى فرض أن يمنح المنصب ويسند إلى ذوي الكفاءات التربوية وإلى من لهم القدرات الكافية على التسيير الإداري والتربوي، دون أن نُغْفل حسَّ التنشيط الثقافي.
ولا يمكن أن نُغفل الأهمية التي تكتسبها الأطر الإدارية والتربوية في التسيير، فهي تخضع، باستمرار، للتكوين وتنخرط وتدلي برأيها في أي مشروع للتنشيط، مسلَّحةً بآليات حديثة في التربية تطبعها المرونة وتكييف الواقع مع مقتضى الحال...
وإذا كنا نركز في الإصلاح على انخراط جميع الشركاء في العملية، فإن تمثيلية التلاميذ ستضخ دما جديدا في مسلسل الإصلاح، فالأخذ بآرائهم واقتراحاتهم سيضع حدا للعديد من المشاكل التي تعرقل السير الطبيعي للتعليم. فهذه الشريحة -إذا منحناها الصلاحيات الكافية- يمكن أن تشكل حصنا منيعا وذرعا واقيا لمؤسساتنا من كل أنواع الانحراف، في ظل تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة. فقد بات مألوفا أمام المؤسسة التعليمية ملاحظة أشخاص غرباء يتاجرون في الممنوعات ويسخرون التلاميذ للترويج لبضاعتهم.
وغير خاف علينا ما تكتسيه الأنشطة الاجتماعية والتربوية من أهمية والدور الذي يمكن أن تلعبه في تغذية الروح وتهذيب الأخلاق وبناء شخصية المتعلم وتحصين الناشئة ضد كل أنواع الانحراف وتعويدها على السلوك التربوي القويم.
لهذا، فإن كل الطاقات يجب أن تُسخَّر لخدمة هذا المنحى، بهدف ترسيخ مبدأ التعلم الذاتي. لأجل هذا الغرض، يجب أن تنفتح المؤسسة على كثير من الأنشطة والأعمال الموازية التي ينظمها الأساتذة في شكل عروض أو ندوات وأشرطة وخرجات تكوينية، بالتنسيق مع جميع الفاعلين من دور الشباب وجمعيات المجتمع المدني والجماعات المحلية التي يجب أن تخصص جزءا من ميزانية التجهيز لدعم البرامج التي تخطط لها المؤسسة والسهر على متابعة تنفيذها...
فالأمل معقود على ذوي النيات الصادقة لخلق المناخ المناسب والظروف التربوية الملائمة، حتى تتحقق الأهداف المرجوة من هذا المشروع. فعلى كل فاعل في الحقل التربوي أن يعي مدى أهمية هذا التوجه الإصلاحي الذي يمس في الصميم روح العملية التعليمية ويسعى إلى بناء شخصية ناضجة قادرة على التكيُّف مع كل المواقف المختلفة التي يمكن أن تواجهها في حياتها المستقبلية.

عبدالرحيم فليو - موثق في مجموعة مدارس البيت الثاني





    رد مع اقتباس