الحقيقة المؤلمة أن واقع اللغة العربية في المجتمعات العربية يتميز بانحسار ووهن وتراجع فظيع حتى في أوساط المنشغلين بها المشتغلين عليها تعليما ، ويفترض تذوقا ؛ ولي ففي ذلك الوقائع / الأدلة التالية :
1 - خلال مجموعة من حصص اللغة العربية شعبة الأدب ، لاحظت غياب التواصل بيني وبين التلاميذ ، فقرأت المشكلة بالتركيز على جوانب أخرى ، غير أن المفاجأة ستصدر عن أحد التلاميذ ، الذي قرر ، منفردا أو باتفاق مع أترابه: أن يخرج من الصمت : ( وادْرّج أوستاذ !) ؛ كان بذلك يشخص واقعا اعتاده طيلة سنوات مضت ، ويقترح حلا يبدو له المخرج من حوار الطرشان .
2 - حقيقة مُرة ذات صلة بالواقعة الأولى : كثير من أساتذة اللغة العربية يتواصلون داخل أقسامهم ، مع متعلميهم ، وفي الندوات التربوية وفي المحافل الأدبية .. باللغة العامية ، وبعضهم يستعمل ما يسميه باللغة العربية الوسطى بين العامية والفصحى !! فلمَ نؤاخذ المتعلمين ؟!
3 - مجموعة من كتاب المنتديات ، ومنهم عدد كبير ممن يفترض فيهم أن يكونوا القدوة في التواصل الإبداعي بالعربية الفصحى السليمة ، يرتكبون أخطاء إملائية ونحوية وصرفية .. فادحة غير مبررة .( أنا لا أتحدث عن هنات الرقن التي يجب أن نعمل على التخلص منها بدورها لأنها قد تكون مؤثرة على الفهم والتذوق ) .
4 - لغات التواصل في البيوت والشوارع المــغربية - نموذجا - دارجة أو أمازيغية أو فرنسية ، في غياب مطلق للعربية الفصحى ، ولغة الإدارات مزيج من الفرنسية والعربية ، ولغة التواصل داخل المدارس تتسم بالإزدواجية bilinguisme تارة وبالتعددية trilinguisme تارة أخرى .
ملحوظة :
( سبق لي أن أنجزت بحثا حول أثر الازدواجية اللغوية في إنشاءات تلاميذ إحدى الإعداديات بمدينة القنيطرة واتضح وقتذاك أن الأثر سلبي ) .
5 - الواجهات والمحال التجارية واللوحات الإشهارية تعتمد لغة مهجنة ، هي عبارة عن خليط من العامية والفصحى والفرنسية والإنجليزية والأمازيغية ؛ ألا يؤثر هذا المزيج على حصيلة مستعملي لغة الضاد مكرهين ؟!
6 - لغة عدد معتبر من الصحف تثير الغثيان والشفقة .
7 - لغة التواصل بين الشباب في النت / الشات ابتكار غريب الوجه واليد واللسان ، لغة خلاسية بامتياز !!
8 - واضح أن موضة التعليم الخصوصي ، فيما له صلة باللغات ، هو التهميش المتعمد للغة العربية .
9 - ما حجم ونوعية إقبال المشتغلين على اللغة العربية الفصحى على القراءة والإسماع ، وسيلتي تعلم كل اللغات ؟
أفلا تؤثر هذه السلبيات على واقع اللغة العربية ؟ الظاهر أن الجواب باالإيجاب ..
واقع مرعب لعشاق اللغة العربية لغة السحر والبيان ، ( وإن من البيان لسحرا ) ، اللغة الشاعرة ، لغة القرءان الكريم ، لغة أبدع بها فطاحلة وبُزَّل الشعر والنقد والفلسفة والعلوم ... العرب دون الشعور بعقدة النقص التي تلازم البعض من أهل لغة الضاد ، فصاروا مرتزقة وأرانب سباق إلى إقبار لغة الجمال التي كتب بها أجمل نصين على الإطلاق : القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ..
ينتابني إحساس لذيذ وجميل حين أتذكر قوله تعالى : " إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون" ، بأن الله الذي اختار اللغة العربية لغة للقرءان سيحفظ هذه اللغة مهما حاربها الفرانكفونيون والأنكلوفونيون والعرب المفرنسون و" المنكلزون " و" المأسبنون " ...
نحن لسنا ضد تعلم اللغات الأخرى وامتلاكها كلغات للتواصل العلمي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي والإنساني ...، ولسنا من دعاة الانغلاق ، بل نحن من دعاة الانفتاح الإيجابي المتكافئ ، لكننا نؤمن بأن للغتنا العربية الصدارة وللغات الأخرى المراتب الموالية ،" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" ، إذ " من تعلم لغة قوم أمن شرهم ".
أجدد شكري لك أستاذي زيد على هذا الموضوع الحيوي .
محمد الورزازي المحمدي كِرْكاس