عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-08-15, 17:56 رقم المشاركة : 1
عبد الغني سهاد
موقوف
إحصائية العضو








عبد الغني سهاد غير متواجد حالياً


c2 رمضان يغير الكثير من سلوكاتنا


رمضان يغير الكثير من سلوكاتنا



إن الإجتماع العادي بالآخرين في سائر الأيام الغير الرمضانية، تتحكم فيه الحاجة إلى تحقيق رغبات حيوية غريزية مختلفة بشكل تلقائي، أما ما يحصل في أيام رمضان فيتعلق بالتخلص من تلك الضرورة التي تتحكم في سلوكنا، وتجعلنا حيوانات لا نعبأ بتامل وجودنا الخاص كوجود يختلف عن وجود سائر الكائنات بخاصية الصوم. إن خاصية الصوم هذه يشترك فيها الإنسان مع بعض الحيوانات مثل السلحفاة، غير أن السلحفاة تصوم صوما تلقائيا غريزيا غير ناتج عن التأمل العقلي. إن الصوم الناتج عن التامل العقلي يرجع إلى اختيار الإنسان له كوسيلة من وسائل التضامن والتعاون مع سائر البشر وخاصة الفقراء، والمرضى، وتبادل نفس المشاعر والاحاسيس، مشاعر الحرمان، الألم، كما أن اختيار الإنسان للصوم، يأتي كاستجابة للدين الذي يؤمن به، ذلك أن الإنسان ليس فقط مجرد حيوان اجتماعي، بل حيوان متدين، يؤمن، والإيمان يختلف تعريفه باختلاف الأديان، كما يختلف فهم الإيمان باختلاف مستوى درجة فهم الإنسان لظاهر وباطن دينه،



هناك ثلاث مستويات عقلية مختلفة تؤثر في طريقة فهم الإنسان لدينه، يحددها الفيلسوف المسلم العربي الأندلسي ابن رشد في :


المستوى الحسي/ المستوى الظني/ المستوى البرهاني. وهذه المستويات العقلية تجعل إيمان الناس يختلف رغم وحدة إيمانهم، تماما كاختلاف تصرفاتهم رغم وحدة امتلاكهم لذلك الاستعداد الفطري الذي نسميه بالقدرة على التفكير. إننا بتاملنا لواقعنا اليومي، ولغتنا المتداولة، نلاحظ ذلك الاختلاف في التصرف، وذلك الاختلاف في طريقة فهم الدين، والإيمان به. فمثلا نجد البعض يتخذ من الدين موقفا بقوله: " أنا مؤمن بالله ولكن لست مطبقا للشريعة". ويدل هذا القول على ان المؤمن ليس بالضرورة شخص يطبق ما يأمر به الدين أو ينهي عنه.


ما سبب وجود هذه المفارقة في سلوك المؤمن بالله الغير المطبق لأوامره، ونواهيه؟


كثيرون هم الذين يظلون معتنقين لموقفهم هذا إلى ان يحصل في سجل تاريخ تجاربهم المعاشة ذاتيا حدث ينقلهم إلى اعتناق موقف جديد، يتحدد في تطبيق الشريعة، بدل الاكتفاء بالتعاطف معها، ويصبحون مثلهم مل هؤلاء الذين يظلون متعاطفين مع حزب ما، غير ملتزمين بالعمل فيه لغياب المحفزات القوية والحاسمة ولكنهم بمجرد ما تتوفر الدوافع القوية، ينغمسون في العمل السياسي، انغماس المجاهد الاستشهادي في العمل العسكري. وهكذا تتغير مواقف الأفراد وتتطور وتنتقل من حالة إلى أخرى.


لكن ما يمكن ملاحظته هو أن تغير موقف الأفراد في أيام شهر رمضان يكون مثيرا، فهم في هذا الشهر بالضبط يطبق الكثيرون منهم الشريعة بقبول مبدأ الصوم وإقامة الصلاة والزكاة إلخ... والبعض الآخر يقبل تطبيق مبدأ الصوم دون إقامة الصلاة. وفي اعتقادي أن هذا الشهر الكريم له تأثير خارق ليس فقط على المكلفين من المسلمين، بل حتى بالنسبة للأطفال الصغار، وبالنسبة للذين لا عقيدة ولا إيمان لهم، فالصوم يغري المؤمن وغير المؤمن. غير ان المؤمن يصوم بحكم إيمانه الكلي بالشريعة والعقيدة، اما غير المؤمن فصومه تتحكم فيه الرغبة في التعاطف مع المؤمن، أو الرغبة في المعرفة ومعاناة نفس التجربة أثناء النهار وطيلة الشهر. وهذا امر لايخلو من قيمة أخلاقية


وإذا كانت حالة هذا المتعاطف مع المؤمن الصائم، تتكرر باستمرار لدرجة تجعله عاجزا عن التخلي عنها، فهذا يعني استمرار تعاطفه مع الآخرين والتعاون معهم والشعور بما يشعرون به وذلك ليس لمجرد التجربة أو المعرفة بل من أجل الاقتراب منهم، ومبادلتهم الحب والود، وهذه أقصى غاية يسعى إليها العقل والدين معا.


فما مدى تحقق حب الاجتماع بالناس والاقتراب منهم والتعاطف والتعاون معهم بفضل حلول شهر رمضان؟


في أيام شهر رمضان، تكثر الخطابات الداعية إلى اعتناق قيم الدين الإسلامي، وهذا يحدث بالخصوص في شهر رمضان، وبمجرد ما يغادر الشهر، تعود المياه إلى مجاريها مندفعة بتلقائية دون وقفة تأمل في الدين أو في الآخر أو في الذات. وكأن لسان الأحوال يقول قول أحد الشعراء مبتهجا بانتهاء رمضان:


رمضان ولى يا ساقي فاسقنا مشتقات تدعو إلى اشتياق!


بل إن شهر رمضان يكاد يكون مناسبة ليلاحظ فيه المرء ظواهر جديدة لم يكن يعرفها من قبل مثل ظاهرة تغير البرامج التلفزية تغيرا يجعلها تأخذ بالألباب وتشد العين وليس البصيرة، تشبع الحواس وليس العقل، تجعل المشاهد يستغرب ويلح عليه السؤال التالي: " مالذي يجعل التلفزة غنية في شهر رمضان بالطاقات الفذة العظيمة، المسكوت عنها في سائر الأيام؟


ومن جهة أخرى يلاحظ ظاهرة كتلك التي تتعلق بما يسمى "النرفزة" وهي لفظ دارج في لغتنا المغربية مشتق من اللفظ الفرنسي "nervosité".


وتعني السرعة في رد الفعل بشكل عنيف لمجرد سوء فهم بسيط لسلوك ما. وبما أن أغلبية الناس في رمضان يشتهون الطعام والشراب وتستفزهم مغريات السوق فإن أغلبيتهم لا يملكون القدرة على شراء ما يشتهون، وهم بسبب ذلك -يتنرفزون- والخطير في أمر ظاهرة - النرفزة- أنها تفرض لغة خاصة متداولة مثل الخطاب التالي " اتركه ..إنه صائم" !؟ وهذه الجملة تتضمن أن قائلها يتعاطف مع تلك النماذج العنيفة من الصائمين، والمفارقة التي تنطوي عليها هذه الجملة تتحدد في ان التنازل يحصل من شخص هو نفسه صائم، واللهم إنه صائم. والسؤال الذي يطرح هو لماذا عادة يبرر الناس سلوك أصحاب -النرفزة- بكونهم قاموا بفعل الصيام؟ هل الصوم يضاعف من حدة - النرفزة- ام انه من شانه أن يؤثر عليها ويضعفها؟ أليست أيام الصيام مناسبة ليتحكم الإنسان في ذاته،ويتحرر من سلطان العادات السيئة، وينتقل إلى عالم جديد تتغير فيه الحياة وينقلب فيه النهار ليلا والليل نهارا؟


وبالإضافة إلى ما سبق تلاحظ أيضا في أيام شهر رمضان ظاهرة إقبال الناس على المساجد، صحيح أنهم يقبلون عليها يوم الجمعة كعادتهم في سائر الأيام، لكن في شهر رمضان تنضاف أعداد هائلة إلى قائمة المصلين العاديين، فيستغرب المصلي العادي ذلك لدرجة أنه يتمنى لو استمر شهر رمضان، وأصبح بديلا للأيام العادية.


كما يلاحظ في أيام رمضان تغير استعمالات الزمن في المؤسسات التعليمية


فينعكس ذلك على سلوك التلاميذ ..يتضاعف صياحهم وصراخهم، وكان من شان قداسة هذا الشهر أن يجعل قوة الصياح والصراخ تنخفض لديهم بدلا من ان ترتفع، والسبب يرجع إلى ان درس رمضان بخصوص السلوك التلاميذي وعلاقة التلميذ بالمحيط المدرسي لم يتم بعد تناوله وتبليغه، لأن خطب شهر رمضان تظل مرتبطة بالعبادة أو بالتعريف بالإيجابيات الآنية وليس المستمرة لدلالة الصوم، وبالتالي فالدروس الرمضانية دروس استهلاكية مناسباتية.


ومن خلال ما سبق يمكن استنتاج أنه بحلول شهر رمضان تظهر تصرفات اجتماعية جديدة، تعبر عن شكل من أشكال علاقة الفرد بالآخرين، وأن شهر رمضان رغم أنه مناسبة لاقتراب الإنسان من الآخر والتعاون معه وتبادل قيم الإنسانية العليا، فإن حياة الناس في شهر رمضان تتغير في اتجاه سيئ وان سوء تصرفاتهم تبرر بارتباطها بالصوم، وهكذا يتكرر القول "اتركه ..إنه صائم" اللهم إني صائم. لكن تعالى شهر الصيام أن يكون سببا في وجود ظواهر غير إنسانية، أو تصرفات سيئة....


مما راق لاقواس النصر
فشارككم فيه





آخر تعديل عبد الغني سهاد يوم 2010-08-15 في 18:18.
    رد مع اقتباس