عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-07-25, 15:04 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

افتراضي بيداغوجية الإدماج والإرادة المعكوسة.... الجزء الثاني / لحسن كجديحي


بيداغوجية الإدماج والإرادة المعكوسة.... الجزء الثاني
بواسطة: المسائية العربية
بتاريخ : السبت 24-07-2010 06:23 مساء



لحسن كجديحي

غاية السفر الأولى الوصول إلى المكان. لكنّ المكان يقيم خلف المسافة، والمسافة تقيم خلف الزمان. لذا، كان على السفر أن يُلغي هذين التوأمين المتلازمين العصيّين: المسافة والزمان. ولكنْ في السفر مقاومة لإلغاء الذات، يقوم بها «الانتقال» في السفر: الـ«هنا» يرغب دائماً في الاستيلاء على الـ«هناك». الصفّة الانتقاليّة معرّضة دائماً لهجوم الرغبة في البقاء بعنف.


عندما جلس واضعو بيداغوجية الإدماج ليرسموها من خلال أنفسهم ، لم يضعوا قبالتهم مرآة عادية ليروا أنفسهم من خلالها كما كان رائجاً. بل اختاروا مرآة محدبة. وأكثر من ذلك، لم يرسموا صورتها على لوحة مسطحة من القماش، بل اختاروا قطعة محدبة ومستديرة من الخشب. وهذا الشكل العام المتميز لهذه اللوحة يكاد يشتت الذهن عن كل ما عداه. فلماذا هذا الخروج عن المألوف والسائد من التعامل مع الشأن التربوي؟



ولكن المهم في هذه اللوحة، هو أن التلاميذ ( الخبراء) أرادوا أن يدفعوا بالدراسة من البعد الثاني إلى مستوى يتجاوز ما وصل إليه أستاذ عصرهم. فاختاروا بدورهم المرآة المحدبة التي تشوه الأحجام وتلوي الخطوط المستقيمة وتكبّر ما هو قريب منها، وتصغر البعيد عنها. ففيما عدّل الأستاذ وضعيته بشكل يبقى فيه وجهه على مسافة متوسطة من هذه المرآة، كي لايخضع لأكثر من الحد الأدنى من التشويه، فتبقى شخصيته واضحة، نرى أن تطبيق هذا الحد الأدنى لهذه البيداغوجيا قد أصبح أقواساً وهمية. ولأن صاحبنا هو (المعلم)، تكمن مهارته ومهنته في انتقاء مساعديه وفرض شروطه، نرى هذه الرؤية في مقدمة مداخلاته، كبيرة وبيضاء وبالغة الوضوح، حتى تكاد تبدو أنها هي موضوع اللوحة السالفة الذكر.



وإضافة إلى ما تقدم، فإن الاهتمام بدراسة الإستراتيجيات «المشوهة» وترتيب الوضعية الملائمة للجلوس أمام المرآة، لم يشتت اهتمام الأستاذ بباقي عناصر اللوحة. فالشروط المصاحبة لعناصر اللوحة من طرفه مدروسة جيداً في إحاطته بمجموعة من الخبراء؟؟ والانتقال من المساحات المضاءة إلى المظللة أو الداكنة يبدو لطيفاً وسلساً وأميناً لواقنا المغربي؟ إذا جاز التعبير. والنتيجة، صورة مدهشة في واقعيتها البصرية، أصبحت لاحقاً واحدة من الحجارة الأساس التي قامت عليها مدرسة (الخداع البصري) المطبل له من طرف أصحاب ( العام زين).



هناك متتبعون كثر قرأوا في هذه اللوحة خطابات فكرية حول موقف الأستاذ من الواقع والحقيقة، ودور الممارس في التطلع إلى الواقع واتخاذ موقف منه، وأموراً كثيرة من هذا القبيل. وقد لا يكون هؤلاء على خطأ. ولا يمكننا الجزم بأنهم يحمّلون اللوحة أكثر مما تحتمل. ولكن من وجهة نظر أخرى، تعتبر قيمتها الشكلية والحرفية كافية لأن تحتل مكانها، ليس فقط كلوحة جميلة وممتازة، بل أيضاً كلوحة رائدة في تاريخ التربية، متجاوزة لما سبقها، ومؤسسة لتوجه تربوي لاحق.



إن الإقرار بوجود هذه العقبات والمشكلات والشعور بنتائجها أصبح من غير الممكن إنكاره أو تجاهله. وتتمثل هذه المشكلات في أخلاقيات العمل وسلوكيات الأفراد في دوائر ومؤسسات الشأن التربوي سواء الإدارية أو السياسية منها.



إن هنالك الكثير من النشاط الفردي في الممارسة التربوية للحد من تدني التمدرس، لكن يبقى المطلوب هو وضع استراتيجية واضحة وصريحة تُمثل القيم والأخلاق التربوية الأصيلة وتمنع اعتبار المصلحة الفردية لأي مسؤول فوق المصلحة العامة، وتحرم على أي موظف في الدولة التصرّف بأموال الخزينة لمنفعة شخصية وما شابه. الخطوة التالية هي تفعيل عمليات التنفيذ التربوية منها التي تشكّل البنية التحتية للمجتمع، ثم الإدارية والقضائية، التي تتولى مسؤولية التحقيق العادل والصارم في آن واحد. وبعد هذا ربط ما تقوم به الوزارة المعنية كأفراد بسياسة عامة تربط تعهدات المصالح الخارجية بميثاق عام يشمل جميع المصالح التابعة لها، ويشارك في التراث النمائي الساعي لبناء المجتمع المغربي المرتبط بقيم إنسانية عليا نسعى إليها جميعا.هذه الخطوات بالإضافة إلى رفع قدرات الموظفين في ميدان تطبيق المبادئ الأخلاقية عن طريق التدريب والتثقيف والقيادة الملتزمة بالمصلحة العامة أصبحت جميعها أساسية ولا يمكن تحاشيها.

ينبغي أن نعي أن هناك، في الحقيقة تربية واحدة للجميع: تربية وظائفيّة ، بمعنى النشاط المؤسس لأولى التصوّرات الوسطية بين المعنى المجرّد والإدراك، وهي مجموعة العناصر الرئيسية الحسنة البناء لنشاط معيّن: عناصر لم تكوّن مسبقاً بل تتبلور عبر النشاط، قيد التكوين، بفعل اتصالها بالأشياء التي يطبّق عليها هذا النشاط. وما يمهّد لحدوث ذلك إنما يكمن في أن الإنسان يولد مزوّداً بطاقات كامنة بالقوة وتتبلور بفعل تفاعله الداخلي مع العالم الخارجي، وبخاصة مع الأسرة.

وتذهب بعض الكتابات إلى أن المفهوم ( بيداغوجية الإدماج ) ليس جديدا تماما على الفكر الإنساني حتى وإن لم يكن المصطلح نفسه معروفا أو متداولا وأنه يشير إلى المعرفة المكتسبة والقيم والمعايير والقواعد والتوقعات حول أنماط التفاعلات التي تستخدمها أي مجموعة من الأشخاص في ممارسة أنشطتهم وحياتهم اليومية، كما يرتبط ارتباطا وثيقا بالتعاون والمشاركة في العمل والالتزام بالنظرة المستقبلية للأمور، وأنه يتكون تدريجيا بمرور الزمن ويكمن في التفاهم والفهم العام وليس في الأبنية الفيزيقية والمادية. ولكن إذا كانت الفكرة قديمة فلماذا أثير الاهتمام بها من جديد في الوقت الحالي ولماذا يزداد الربط بينها على المستوى العالمي وبين مشكلة الهدر وظاهرة التهميش والاستبعاد التي يعاني منها عدد كبير من أبنائنا وبناتنا، وبوجه أخص الفئة الفقيرة منهم، والجهود المبذولة للقضاء على هذه الظواهر؟



من خلال انطباعي الشخصي يحتاج المرء إلى بعض الوقت للمرور عبر دهاليز هذا الواقع الخرب إلى (الأحداث) التي لا يمكن فصلها عن كواليسها، فعبر القراءات المتكررة الأولى للرصيد المؤطر لبيداغوجية الإدماج يمكن رسم ملامح المكان وأجوائه عبر لغة مجازية مكثفة، بموتيفات متكررة نتعرف بها دائما على المكان وشخوصه، فالصدأ لا يفارق أيادي الأستاذ وكذا الخبراء؟؟ وسرعان ما يتسلل إلى جلباب هذه البيداغوجيا، والأشياء التي تلمع ترى، لذا فكل ما يلمع يعمل لحساب الأمن، كما تلمع أيضا الخصلة على جبين الديكتاتور المعلقة صوره في كل مكان، فيرى كل شيء. ويطل بعينيه السوداوين يوميا على المواطنين عبر صفحات الجريدة.والرسالة واضحة هي أننا نستطيع أن نمسك بك وقتما نشاء، وأنك تحت أعييننا طول الوقت.






    رد مع اقتباس