عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-07-15, 22:26 رقم المشاركة : 1
MoSt@Fa
الإدارة الـتـقـنــيـة
 
الصورة الرمزية MoSt@Fa

 

إحصائية العضو







MoSt@Fa غير متواجد حالياً


وسام المركز الثالث في مسابقة استوقفتني آية

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي المكتبة المدرسية وفعل القراءة


بسم الله الرحمن الرحيم
المكتبــة المدرسيـة و فعـــل القــراءة
ذ . معمر بختاوي
عرفت المكتبة المدرسة في السنوات الأخيرة اهتماما ملحوظا ، سواء من جانب وزارة التربية الوطنية أو من جانب الفاعلين التربويين على اختلاف مواقعهم و تخصصاتهم .
وقد جاء هذا الاهتمام نتيجة إدراك الجميع أهمية الخدمات التربوية و الثقافية و الترفيهية التي تقدمها المكتبة ، والتي من شأنها المساهمة في تعضيد المقومات الأساسية للعملية التعليمية التعلمية ، وتحديث المنظومة التربوية وفقا للتصور الإصلاحي المرتقب .
ولعل ما يميز المكتبة المدرسية في مفهومها الوظيفي هي أنها أصبحت من مظاهر الرغبة في النهضة والتطور و إصلاح مجال التربية و التعليم في المدرسة الحديثة في جميع البلاد العربية ،لأنه لم يعد أي مجال للشك في أهمية المكتبة المدرسية ، كما لا يوجد من " يقلل من قيمتها التربوية بعد أن أصبحت في ضوء المفهوم الحديث للمنهج جزءا ضروريا لا يمكن للمدرسة أن تستغني عنه في عمليتها التعايمية ". ( 1)
ومن هنا جاءت ضرورة الاعتناء بهذا المرفق التربوي والتثقيفي الهام وإعطائه العناية و الاهتمام الضروريين بعد الغبن و الإهمال الذي طاله زمنا طويلا .
وحتى تؤدي المكتبة المدرسية وظيفتها كاملة أصبح من الضروري أن تخضع لتخطيط منهجي مدروس تحدد على ضوئه أهدافها ووظائفها التي تصب في آخر المطاف في غايات و أهداف المنظومة التربوية التي تقوم بها المدرسة .

تعرف المكتبة عموما بأنها " مجموعة من المواد المكتبية نظمت تنظيما فنيا يسهل الوصول إليها واستخدامها " .( 2) وتقوم الخدمة المكتبية على ثلاثة عناصر أساسية هي : 1 - الفضاء المكتبي، أي المكان الذي يكون المكتبة . 2 - الرصيد الوثائقي من كتب ووثائق مختلفة ، 3- العنصر البشري ، وهو القيم أو المشرف على المكتبة .
وتعرف لوسيل فارجو فضاء المكتبة بقولها " إنها كمختبر للقراءة ، هي قاعة يرتاد التلاميذ رفوفها (تحت الإشراف) ويتصفحون ما عليها من كتب ومجلات وكتيبات و ملفات للصور ، وهي المكان الذي يتعلمون فيه كيف يستخدمون الكتب والأدوات ، وذلك باستغلالها في الرجوع و البحث والتنقيب، وهي المكان الذي تشارك فيه الصفوف الأولى من المرحلة الثانوية خاصة في الخبرات عن طريق سرد القصص و القيام بالتمثيليات ، وعرض الملخصات ، وإدارة المناقشات ، و غيرها من المناشط الاجتماعية " .(3)
ولعل هذا التعريف الأخير يحدد بعض المهام التربوية و التنشيطية و الثقافية التي تقام داخل فضاء المكتبة ، باستغلال الرصيد الوثائقي ،و تحت إشراف القيم على المكتبة و بتعاون مع المدرسين و مجلس المكتبة و جماعة أصدقاء المكتبة و الرواد ...
وبالإضافة إلى إكساب عادة القراءة و البحث فإن المكتبة المدرسية وسيلة تعليمية عالية للتثقيف الذاتي و هي تساهم في التكوين المستمر و التعليم الدائم .
فالمكتبة من هذا المنظور دعامة أساسية للبرامج الدراسية وقناة تساعدها على التطور السريع و الفاعل .
وهكذا لم تعد المكتبة المدرسية مجرد مكان للمطالعة و اقتناء الكتب و الوثائق فقط " بل عاملا رئيسيا من عوامل التربية و التعليم و البحث و التثقيف والتكوين الذاتي " (4)
ولذا اعتبرت المجتمعات الحديثة المكتبة بنية أساسية داخل المؤسسة التعليمية و " إحدى الوسائل الأساسية التي تسهم في إعداد المتعلم لاكتساب القدرات التي تؤدي إلى نموه نموا متكاملا ، ومن أهم القنوات لنشر المعرفة ، والتثقيف والبحث و التسلية و التعلم الذاتي". (5)

لعل مما تقدم يتبين الدور الهام الذي أناطه الباحثون في مجال المكتبات و التوثيق و الإعلام بالمكتبة المدرسية ، التي استقرت كمرفق حيوي من مرافق المدرسة ، لما توفره من مصادر تعليمية تعتمد عليها البرامج التعليمية و التربوية ، ولذلك فكلما تطور التعليم وارتفعت كفاءاته الداخلية و الخارجة إلا و ازدادت أهمية المكتبة المدرسية في الفعل التربوي ، وبرز دورها الرائد في المساهمة في تحقيق التطور المطرد .
ومن هنا حق القول بأن المكتبة المدرسية " تمثل أهمية متميزة في التعليم الحديث ، إذ عن طريق خدماتها و أنشطتها المتنوعة يمكن تحقيق الكثير من الأهداف التعليمية و التربوية للمدرسة العصرية ". ( 6)
فكلما زاد نطاق الاهتمام والاعتناء بالمكتبة المدرسية ومكوناتها إلا و ازداد تأكيد و جودها داخل فضاء المدرسة ، باعتبارها مرفقا حيويا لا يمكن الاستغناءعنه أو التقليل من أهميته لما تؤديه من وظائف تربوية تعليمية و تثقيفية لا تعزب عن بال المهتمين و المربين .
و ما يميز المكتبة المدرسية عن أنواع المكتبات الأخرى ، كالمكتبة الجامعية و المكتبة العمومية والمكتبات الخاصة التجارية ومراكز التوثيق و الإعلام ، هو أنها أول ما يقابل المتعلم أو القارئ في حياته ، وبالتالي فإن علاقته بهذه المكتبة الأولى ستتحكم في مسار القراءة لديه من خلال المهارات التوثيقية والقرائية التي اكتسبها في مرحلة تردده على المكتبة المدرسية في المرحلة الابتدائية ، كما سترسم علاقاته بالمكتبات الأخرى في سنوات حياته فيما بعد .
ومن هذا المنظور يمكننا القول " بأن المكتبة المدرسية يقع عليها عبء تكوين المجتمع القارئ الذي يقود الحياة الثقافية و الأدبية و العلمية في المستقبل " ( 7)
ومما يؤكد ضرورة التفكير في تعميم المكتبات المدرسية في جميع المؤسسات التعليمية ، وعلى مختلف أطوار التعليم ، تأكيد الأبحاث والدراسات والتقارير التربوية في المنظومات التعليمية الغربية على مساهمة مكتبة المدرسة في التغلب على الكثير من المشاكل التعليمية و التربوية الناتجة عن المتغيرات التربوية و الإجتماعية الوطنية و العالمية ، وذلك بفعل دورها التكاملي مع البرامج و المناهج الدراسية ، وتعميق أهداف وغايات التعليم، وتطعيم فعاليته عن طريق تزويد المتعلم بمهارات و خبرات تعمل على تعديل سلوكه و ترسيخ عادات تربوية و اجتماعية و تعليمية مرغوبة ، خصوصا في المرحلة التعليمية الأولى التي تعد مرحلة أساسة في ترسيخ السلوك الإيجابي الذي هو غاية هذه المرحلة الهامة في وظيفتها و أهدافها ، لا توفرها المدرسة التقليدية بأساليبها العتيقة و برامجها المعتمدة على التلقين و الحفظ .

جاء في بيان اليونسكو الخاص بالمكتبات المدرسية ما يلي : " إن المكتبات المدرسية توفر معلومات و أفكارا تعتبر عاملا أساسيا للنجاح في العمل في المجتمع المعاصر القائم على المعلومات و المعارف ". ( 8)
وهذه المعلومات و المعارف التي توفرها المكتبة المدرسية للتلاميذ ، تشكل نوعية مضافة و مكملة للبرامج الدراسية ، وخصوصا في عالم تتغير فيه المعرفة و تتطور باستمرار ، وهكذا تبقى المهارات المكتسبة رصيدا ضروريا للتعلم مدى الحياة ، بما يترسخ لدى المتعلم من مدارك خيالية و علمية و أدبية تمكنه في المستقبل من العيش كمواطن مسؤول .
ومن مهام المكتبة المدرسية توفير خدمات متنوعة للرائد و المتعلم ، سواء بواسطة الكتاب أو الوثائق والمصادر و الموارد المعرفية الأخرى بجميع أشكالها و شتى وسائطها ..وسيخلق الانتفاع الفعلي و الإيجابي للمعلومات و المعارف لدى المتعلم استعدادا و رغبة في تكوين استقلالية فكرية و أدبية واكتساب قدرة فعلية على التفكير الناقد والمبدع المستقل .
ولكن لن تكون هذه الخدمات في تطور و اطراد ما لم يسع المسؤولون في المصالح المركزية و الإقليمية و المؤطرون و القيمون و الإدراة التربوية و الجمعيات و الهيئات المتشاركة في المؤسسة التربوية ، إلى العمل على تطوير سياسات الخدمات و البرامج التأهيلية و اختيار واقتناء الرصيد الوثائقي وإغنائه باستمرار ، " وتوفير الإمكانيات المادية و الفكرية للانتفاع بالمصادر الملائمة للمعلومات ، وتوفير المرافق التوجيهية ، واستخدام الموظفين المدربين " .( 9)
ويمكن رصد أهم الخطوات لتأمين خدمات مكتبية فعالة ومسؤولة في النقط الآتية :
ـ صياغة سياسة خاصة وواضحة على الصعيد المركزي والجهوي والإقليمي خاصة بالمكتبات المدرسية ، بهدف تحديد الغايات و الأولويات و الخدمات وفقا للمناهج و البرامج الدراسية المقررة .
ـ توجيه عناية خاصة لجانب التكوين و التوثيق وهيكلة المكتبة المدرسية و تنظيمها وفقا للمعايير العلمية و المهنية المتعارف عليها عالميا .
ـ توسيع شبكة المكتبات المدرسية وتعميمها في كافة المؤسسات التعليمية و تزويدها وتأثيث فضاءاتها
ـ جعل المكتبة المدرسية عملا تربويا يساهم فيه جميع الفاعلين التربويين و يعملون على تطويره و الارتقاء به و المساهمة في إنجاحه .
1 - تعريف المكتبة المدرسية : 2 - أهمية المكتبة المدرسية في الفعل التربوي : 3- وظائف وخدمات المكتبة المدرسية :





4 - فضاء المكتبة واكتساب عادة القراءة :
لعل من أهم وظائف المكتبة المدرسية غرس و تنمية عادة القراءة و الإطلاع لدى المتعلم خصوصا في المرحلة الابتدائية وتنمية التفكير العلمي الخلاق الدافع إلى البحث عن المعارف و الحقائق ، بحيث تصبح عادة القراءة و البحث ملازمة للتلميذ و الطالب مدى الحياة ، ولكن هذا لن يتأتى إلا إذا وجد التلميذ داخل المكتبة المدرسية الرصيد الوثائقي المتنوع الذي يشبع فضوله و رغباته عن طريق تحقيق متعة القراءة في ما يطلبه و يميل إليه ، وأيضا القيم الكفء و المطلع صاحب المهارات والكفايات القرائية الذي يرشده إلى اختيار الكتب والمواد والمواضيع الكفيلة بتحقيق الأهداف الفردية و الجماعية لتي تلبي إشباع رغبة القراءة لديه .
إن المكتبة لا تبدأ من حيث تنتهي المدرسة ، بل إنها تعمل معها في تواز مستمر ، لأن الغرض الأساسي من وجودها هو مساعدة المدرسة على تحقيق رسالتها في النواحي التعليمية و التربوية كافة ، فهي إذا مكتبة الغرض الواحد .
فكل ما تقوم به المكتبة المدرسية يصب في اهتمام واحد هو خدمة المتعلم و المدرس والموظفين بالمؤسسة التربوية .
أي أن خدمة الرواد هو الهدف النهائي من جميع الأنشطة التي تؤديها المكتبة المدرسية ، ومن أهم هذه الخدمات إكساب المتعلم مهارة القراءة التي لا تتاح له داخل الفصل الدراسي الذي يعرف مشاكل تربوية و إدارية و تنظيمية عديدة لا تسمح له بتطوير هذه المهارة و لا باكتشاف متعة القراءة و آفاقها .
فالقراءة نشاط ذهني مركز ، وهي أساس التحصيل المعرفي و الثقافي ،ومن هنا يرى بعض المربين بأن القراءة " يجب أن تأتي في مقدمة المواد الدراسية جميعها " .( 10)
وقد انتقل مفهوم القراءة من التصور التقليدي الذي اعتبرها على أنها إدراك بصري للرموز المكتوبة و التعرف عليها، إلى اعتبارها "عملية فكرية عقلية يتفاعل القارئ معها و يفهم ما يقرأ و ينقده و يستخدمه في حل ما يواجهه من مشكلات و الانتفاع بها في المواقف الحيوية ". ( 11)
فالقراءة أصبحت مرتبطة بالعامل الوظيفي ، وهي لا تنتهي بانتهاء العمر الدراسي ،
بل إن رسوخها في المرحلة الأساسية الأولى يضمن بقاء هذه العادة المحمودة مدى الحياة .
ويرى الكثير من المربين المتشبثين بالكتاب و القراءة في العصر الحالي ، بأنه بالرغم من تطور الوسائط المعرفية و التثقيفية و المعلوماتية وتنوع أوعيتها و استخدامها في العملية التعليمية ، إلا أن القراءة ستظل عماد العلم و المعرفة .وهكذا سيظل المبدأ و الهدف الأساسي الذي تسعى الخدمة المكتبية إلى تحقيقه و المحافظة عليه هو جعل القراءة و الكتاب جزءا هاما في حياة المتعلم حاضرا و مستقبلا ، عن طريق الاتصال المباشر بمصادر المعرفة المختلفة وخصوصا الكلمة المكتوبة التي يمكن الاطمئنان إلى صحتها .
وإذا كان الاتصال المباشر بالكتاب يؤدي إلى تحقيق الرغبة في التعلم و المعرفة و إشباع الفضول العلمي ، فإن فعل القراءة سبيل إلى الوصول إلى مجالات أوسع للتنمية الذاتية ، وتحقيق التعلم الذاتي من خلال القراءة الفردية التي تعول عليها المدرسة الحديثة و العملية التعليمية في تحقيق أهدافها و غاياتها .
و لا يجادل اثنان في كون القراءة الذاتية الطواعية التي يكون دافعها الرغبة و الميول هي الضمان الوحيد لتعليم يحقق أهدافه ورسالته ، وبدونها فإننا لا نحصل إلا على تعليم هزيل .
وتتنوع القراءة بتنوع الغرض منها ، فهناك القراءة التحصيلية أو الدراسية و جمع المعلومات لغرض من الأغراض ، وهناك القراءة للمتعة الذهنية و الترويح و استغلال وقت الفراغ ، بالإضافة إلى القراءة النقدية التحليلية .
إلا أن المكتبة المدرسية ينبغي أن توفر جميع أنواع القراءة و ذلك بتنويع و إغناء رصيدها الوثائقي وتحسين وجودة خدماتها ، حتى يجد كل قارئ ما يستهدفه و يصبو إليه .
ويمكن تحديد بعض أهداف القراءة في المكتبة المدرسية في النقط الآتية :
· تحسين مهارات القراءة
· التعرف على تنوع المواضيع و أشكال المعرفة
· اكتساب الميل إلى القراءة بدافع المتعة الذهنية و العقلية
· استغلال فعل القراءة في تكوين اهتمامات و أغراض أخرى
· تعميق المعرفة واكتشاف الاستعدادات و الميول في لون من ألوان الكتابة الأدبية أو العلمية
· تحسين مهارات استخدام المراجع و المصادر في الأبحاث والكتابات
· التعمق في معرفة الحياة عن طريق الإطلاع على حياة الكتاب والمواقف و التجارب والانفعالات
· استخدام القراءة لتكوين أحكام منطقية و صحيحة على الأفكار و الناس في الحياة العامة
· استخدام القراءة في حل المشكلات الشخصية و في تنمية الهوايات و الاهتمامات الشخصية
وهكذا يتبين لنا الدور الهام للمكتبة المدرسية في توفير مجال القراءة والتشجيع عليها وتهيئ الفضاء الملائم لها ، وكلما تنوعت الخدمات المكتبية الهادفة أساسا إلى تنشيط القراءة و الدفع إليها و تحبيبها إلى المتعلمين و الرواد ، إلا و انعكس ذلك إيجابا على مردودية التلاميذ و الرفع من المستوى التعليمي ، وإبراز جهود المدرسين و المربين وإنجاح رسالة المدرسة في تحقيق أهدافها وغاياتها .

تقول إحدى الباحثات في مجال المكتبات المدرسية " الحاجة إلى القراءة الحرة أصبحت ماسة وضرورية ، بل أساسية تماما ، كحاجتنا إلى الحركة و النمو و إلى المشي والكلام " .(12)
ولكن ما هو السبيل إلى جعل القراءة الحرة حاجة ماسة ؟ وكيف تبدأ هذه الحاجة و متى نشعر بها ، وكيف ننميها ..؟
هذه هي الأسئلة التي لم تطرح بجدية و لم تعالج بالقدر الكافي من المسؤولية و العمق و الواقعية حتى نقف على المعوقات الحقيقية التي تحول دون القراءة الحرة ، وبالتالي معرفة الخلفيات الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية في ظاهرة الابتعاد عن هذه الحاجة الماسة ، حاجتنا إلى القراءة الحرة .
إن فعل القراءة عملية بناء تساهم فيها ذات المتعلم بنشاط و فعالية ، خصوصا إذا كان القارئ يحس بالمتعة في ما يقرأ ، وكلما ازدادت هذه المتعة ازداد انجذاب القارئ نحو المزيد من القراءة ، وبهذه الطريقة تترسخ عادة القراءة .
وعلى المكتبة المدرسية أن تشجع التلاميذ في المستويات الأولى على الخطوة الأولى لملامسة الكتاب و تكسير الحاجز الوهمي بين الطفل و الكتاب .
وحتى تنشأ بين الكائن الإنساني والكائن الورقي مودة و صداقة دائمة كان من الضروري البحث عن أنجع الوسائل لجعل هذا القارئ المفترض مترددا على المكتبة المدرسية ، منخرطا في فضائها شاعرا بألفة المكان وبصداقة و محبة المسؤولين له .
ومن أهم الخطوات الممهدة لضمان صداقة التلميذ للمكتبة المدرسة حصوله على ما يريد قراءته بسرعة و سهولة ، حتى يتقوى لديه مع مرور الوقت ألفة الاحتكاك و الاتصال بالكتاب .
وعدم إرغامه على قراءة ما لا يرغب فيه ، ولا سيما في المراحل الأولى من التعليم .
ويبدأ تعويد الطفل على القراءة قبل دخوله المدرسة ، وذلك بتركه يتعرف على الكتب المصورة في البيت و في رياض الأطفال و في مؤسسات ما قبل التمدرس " فإذا ما وضعت هذه الكتب بين يدي الطفل ليقلب صفحاتها و يتأمل صورها و يستمتع بألوانها فإنها تساعده على توسيع مجاله الإدراكي ، ونمو ثروته اللغوية ". ( 13)
5 - كيف تنمى عادة القراءة لدى المتعلمين ؟ :



ولا شك أن هذا الاتصال المبكر بالكتاب سيكون له أثره النفسي العميق على مشاعر و اهتمامات الطفل ، وسيكون لها الأثر البعيد في تنمية خياله و قدراته الحسية الحركية بما يسقطه على ما في الكتاب من صور و رسوم للطبيعة و الحيوانات ..وهو بذلك " يقرأ حياته و يعبر عنها و يمثلها في مسرح حقيقي من خلال كتبه المحببة ". ( 14)

وتزداد ألفة التلميذ وصداقته لمكتبة المدرسة كلما وجد فيها تنوعا و غنى في الكتب و المجلات والأشرطة وغيرها من الوسائط السمعية البصرية التي تفسح له مجال اختيار المواضيع و الأشكال التي تتلاءم وميولاته واهتماماته ومستواه و قدرته على الفهم و الاستيعاب ، و تشبع لديه رغبة الفضول المعرفي والعلمي و الخيالي، وتجعله يشعر بالمتعة فيما يقرأ ، لأن الطفل " لكي يميل إلى القراءة ليس بحاجة إلى أن يعرف أن القراءة ستكون مفيدة له في المستقبل ، ولكن عندما يقتنع أن القراءة ستفتح له الباب نحو تجارب ممتعة وتساعده على فهم العالم و على التحكم في مصيره " ( 15 )


وكلما أدرك التلميذ أهمية القراءة الحرة و مزاياها و فوائدها القريبة و البعيدة إلا وكان إقباله و مواظبته عليها أكثر ، وهنا يتجلى دور المدرسين و قيم المكتبة في تعريف التلميذ بهذه المزايا و الفوائد ولاسيما في التعليم الإعدادي والثانوي ، فالتلميذ في حاجة إلى من يرشده و يوجهه ويعطيه إمكانية اختيار


ما يقرأ ، في جو من الصداقة و الحوار والتفاهم و تبادل الرأي والمناقشة ، وهو ما يعطي التلميذ فرصة التعبير عن أفكاره و رغباته و تصوراته مما ينمي لدية قوة الشخصية والاعتزاز بالنفس ويولد فيه الجرأة على إبداء الرأي الحر المستقل و يكون لديه ملكة النقد و الكتابة .


ومن المفيد جدا أن يعرف التلميذ في هذه المستويات ما تتيحه المواظبة على القراءة الحرة المتنوعة من إمكانية التفوق الدراسي، و تنمية التفكير و القدرة على الفهم و الاستيعاب ، وتكوين الشخصية المستقلة ،وتحقيق المتعة الذهنية ، و ما تضفيه عليه في المستقبل من قيمة اجتماعية و أدبية و علمية .


يقول د .عبد الرزاق جعفر : " لا نستطيع أن نزعم أننا فزنا في ( معركة القراءة ) إلا إذا رأينا الطفل يأتي إلى الكتاب ، من تلقاء ذاته ، دون مساعدة منا ، أو حتى دون موافقتنا ". ( 16) وهي معركة بالفعل بين النفور و الإقبال على القراءة . ويرجع الكاتب هذا النفور من القراءة إلى فكرة أساسية وهبي : أن الطفل يرفض الكتاب عندما يشعر به و كـأنه غرض تافه لا قيمة له أو عندما يشعر بالكتاب وكأنه عدو له . ويرى بأن هذه الحالة توجد في جميع الأوساط التي لا تهتم بنمو الطفل الفكري والثقافي .


وعلى ضوء هذا الرأي يمكن أن نطرح التساؤل التالي ، ما هو موقفنا إزاء ظاهرة عدم إقبال الطفل على الكتاب و النفور من القراءة ؟




إننا لا نستطيع أن نجعل الطفل يقبل على القراءة دفعة واحدة و بالإكراه ، وقد يبدي مقاومة إذا أرغمناه على هذا الفعل الذهني النفسي الوجداني، لكن نبدأ باختيار قصة أو حكاية أو كتابا آخر مشوقا ونابضا بالحياة نلتمس فيه أنه سيستهويه ، ثم نقرأ جزءا منه على الطفل ونحثه على قراءة الجزء المتبقى .وبعد ذلك نتبع قاعدة التدرج من السهل إلى الصعب ، أو من البسيط إلى المركب مع مراعاة تنويع الأساليب والأشكال من سرد و حوار و مقالة .. متفادين وضع كل أشكال الحواجز و العراقيل أمام الطفل " وعلينا أن نلاحظ صعوبات كل قارئ صغير وأن نقترح له القراءة المناسبة . وهذا يتطلب من المربي الحصيف تواضعا عظيما وواقعية كبيرة . " ( 17)


ويمكن أن نتدرج مع التلاميذ من خلال ما يسمى ب ( الكتاب - الطعم ) فتوزع على التلاميذ


الذيــن لا يترددون على المكتبة ، من خلال المكتبات الصفية الموجودة داخل الفصل الدراسي، كتبا تتصف بالبساطة و الوضوح في اللغة و المضمون و التشويق والجاذبية و الجمالية في الشكل و المحتوى .وقد تكون قصصا منتقاة بعناية لأن القصة عادة تتضمن أفكارا و معلومات متنوعة ، فضلا عما تحمله من تخيلات و تصورات ، ودعوة إلى اتخاذ مواقف و أنماط سلوك " فالطفل شديد التعلق بالقصص ، فهو يتجاوب مع موضوعاتها ، ويتوحد مع شخصيات أبطالها ، ويتعايش مع أحداثها و أفكارها " ( 18) ولا ننسى دائما قاعدة التدرج مع التلاميذ ، القراء المفترضين ، بحسب نموهم و تطورهم ، وأن نقيم حوارا معهم في مجالات اهتماماتهم ، مع الاعتماد على الاقتراح بدل الحظر والزجر ، مع تفادي ما أمكن أسباب الملل التي تسببها بعض السلوكات أثناء القراءة .



6 - المكتبة المدرسية مركز للتعلم الذاتي:
إن التعلم الذاتي هو مطمح التربية الحديثة و نحن " إذا استطعنا أن نجعل من تلامذتنا قراء و بحاثا سنكون قد وضعنا بين أيديهم وسيلة مهمة للتفتح على الحياة و أداة أساسية للتمكن من القيام بعملية التكوين الذاتي auto-formation ) ) .( 19 ) وفي هذا الصدد فإن تعاون المدرسين وقيم المكتبة المدرسية يعتبر ضروريا ، فالمدرس من خلال الحث و التوجيه و التشجيع والتحفز ، وقيم المكتبة المدرسية بوسيلة الاحتضان و المساعدة و توفير الكتب و المراجع التي تساعد التلميذ على البدء في الخطوات الأولى في التعلم الذاتي و الوصول إلى المعلومات و المعارف بنفسه ، فكلما بذل التلميذ مجهودا أكبر عن رغبة ذاتية لتعلم ما يرغب فيه إلا وكان تحصيله أكبر و أسهل و أنفع .

إن القراءة الحرة هي بوابة التكوين الذاتي الذي يعد عنصرا تربويا أساسيا للدخول في عالم البحث والتعمق و الاستقلال الفكري ، والوصول إلى آفاق أرحب للمعارف والمعلومات ، فلا غرو إذن أن تركز النظريات و الاتجاهات التربوية الحديثة على فعالية و نشاط المتعلم ، أي تعليم المتعلم عن طريق مجهوده الشخصي و العمل على إكسابه مهارات التعلم حتى يستطيع أن يعلم نفسه بنفسه " إذ كلما اعتمد التلميذ على نفسه في التحصيل ، وكان توجهه لاكتساب المعرفة عن طواعية و رغبة ذاتية ، إلا وكان هذا التحصيل مجديا فعالا ". ( 20 ) وهكذا تصبح القراءة الحرة تعبيرا عن إرادة وروح التعلم الذاتي ، أو هي بداية لــــــها .


وتعتبر المكتبة المدرسية الفضاء المثالي لإكساب التلاميذ مهارات التعلم الذاتي عن طريق التربية المكتبية أو ما يسمى بالإرشاد المكتبي ، وغرس و تدعيم عادة القراءة و الإطلاع لديهم ، لأن التلميذ الذي يتيسر له الإتصال و التناغم و التحاور مع الكتاب بشكل ثابت و منظم و دائم ستتاح له الفرص السهلة لتنمية مهاراته القرائية ، بالإضافة إلى تحقيق النمو الذاتي من خلال القراءة المستمرة التي تحقق له - وهذا من باب تحصيل الحاصل - الرقي الفكري والعقلي و الوجداني ، بالإضافة إلى متعة تذوق الأفكار السامية والمعاني و المشاعر النبيلة .


بالأساس ، ففيها يتحول النشاط التربوي التعليمي من التعليم إلى التعلم وهذا جوهر ما تصبو إليه المدرسة الحديثة ، كما سبقت الإشارة . وعلى خلاف المدرسة التقليدية بمناهجها و برامجها و طرق تدريسها المعتمدة على التلقين و التخزين واعتماد المدرس كمصدر وحيد للمعرفة ، فإن المكتبة المدرسية المنظمة و المعقلنة تنمي قدرات المتعلم و خبراته القرائية بما توفره له من مصادر ومراجع متنوعة الأوعية و الوسائط ، وبما تتيحه له من ممارسة مختلف الأنشطة التربوية و الاجتماعية و الثقافية ، لأن التعلم في آخر المطاف ما هو إلا " عملية تنتج من نشاط الفرد و تهدف لهدف معين له أهمية عند هذا الفرد وينتج عنها تغيرات في سلوكه " ( 21)


ولكي تقوم المكتبة المدرسية بهذه المهمة التربوية النبيلة فمن الضروري أن يكون فضاؤها باعثا على الارتياح من حيث الشكل و المضمون " لضمان الإقبال عليها و حسن استعمالها حتى تصبح بالإضافة إلى أهميتها في التكوين و التثقيف وسيلة للترويح على النفس بطريقة مهذبة هادفة ". (22) كما أن حسن التنظيم المؤسس على التصنيف والفهرسة والببليوغرافيا يشجع على التردد على المكتبة و يحفز على القراءة و المطالعة .





7 - خاتــــمة :
إن المتتبع لشؤون المكتبات المدرسية في المغرب سيقف على التفاتة وزارة التربية الوطنية في السنوات الأخيرة لهذا المرفق التربوي الهام بعد أن كان عرضة للإهمال و النسيان ردحا من الزمن ، وذلك من خلال

تعيين مؤطرين وقيمين على المكتبات المدرسية وتزويد المكتبات برصيد وثائقي رغم قلته يبقى محمودا . إلا أن معظم مؤسسات السلك الأول من التعليم الأساسي تبقى محرومة من المكتبة المدرسية ومن خدماتها التربوية والتعليمية وخصوصا في العالم القروي ، الذي يعاني أصلا من الافتقار إلى المكتبات العمومية و المراكز التثقيفية و التربوية و دور الشباب ومن كل منابع التأهيل و التنوير والترفيه . ومن هنا يكون من الواجب أن تبذل جهود أكبر لتتمكن أيدي الأطفال الصغيرة في القرى النائية ذات يوم من احتضان كتاب ينعش فيها قوة الفكر والخيال و المشاعر و يحيي فيها الأمل بحياة أفضل في الغد القريب .




هوامش ومراجع البحث



1. د. عبد الله الشريف : مدخل إلى علم المكتبات و المعلومات ، المنشأة العامة للنشر والتوزيع و الإعلان . ليبيا . ط 1 . 1983 . ص 42

2. حسن محمد عبد الشافي : المكتبة المدرسية و دورها التربوي ، مؤسسة الخليج العربي . ط 2 . 1987 ص 38

3. لوسيل ف فارجو : المكتبة المدرسية : ترجمة د محمد الفراوي ، القاهرة ، دار المعرفة . 1970 ص 63

4. أحمد عبد الله العلي : المكتبات المدرسية و العامة ، القاهرة 1993 ص 42

5. محمد أبو نعيم و أحمد السعيد أكريط : واقع المكتبات المدرسية و أفق تفعيلها ، مجلة خطوة تصدرها ( نيابة سيدي يوسف بن علي ) عدد 1 شتمبر 2001 ص 32

6. حسن محمد عبد الشافي : المكتبة المدرسية و دورها التربوي ن مرجع سابق ص 13

7. المرجع الساتبق ص 13

8. بيان الإتحاد الدولي لرابطات المكتبات و أمناء المكتبات ( إيفلا) و اليونسكو بشأن المكتبات المدرسية ، دون تاريخ ، ص 1

9. المرجع السابق ص 3

10. لوسيل فارجو : المكتبة المدرسية : مرجع سابق ص 121

11. عبد العليم إبراهيم : المرجع الفني لمدرس اللغة العربية ، نقلا عن المكتبة المدرسية و دورها التربوي ، مرجع سابق ص 50

12. ماري جميل فاشة : دليل المدرس في إنشاء مكتبة ، دار الشروق للنشر و التوزيع ، الأردن ، ط 2 1986 ص 165

13. د. محمد عباس نوزر الدين : التنشئة الإجتماعية للطفل ، سلسلة : المعرفة للجميع عدد 1 نونبر 1998 ص37

14. المرجع السابق ص 34

15. BETTELHEIM ( Bruno) et ZELAN ( Karen) ; la lecture et l’enfant , ed, l’affont , 1981 p 46-47
16. د عبد الرزاق جعفر : الطفل و الكتاب ، دار الجيل ، بيروت ط 1 1992 ص 80


17. المرجع السابق ص 86

18. د فيصل عباس : علم نفس الطفل ك النمو النفسي و الإنفعالي للطفل ، دار الفكر العربي ، بيروت ط 1 ، 1997 ص 139

19. محمد بن الشيخ : الدور التربوي للمكتبات المدرسية ، مجلة علوم التربية ن عدد 8 السنة 4 مارس 1995 ص 91

20. محمد أبو نعيم و أحمد السعيد أكزيط : واقع المكتبات المدرسية و أفق تفعيلها ، مرجع سابق ص 31

21. إبراهيم وجيه محمود : التعليم ؛ أسسه و نظرياته و تطبيقاته ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1976 ص 19
حسن تركوي : قراءة في كتاب تنظيم المكتبات ل رانجا ناثان ، مجلة النداء التربوي ، عدد 3 السنة 1 (ماي يونيو يوليوز ) 1998 ص 69 .


منقول للافادة





التوقيع



||| سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم |||

    رد مع اقتباس