شاعر يحكي...محمد محضار ...شاردا أمشي على الرصيف , تقبض أصابع يدي اليسرى على جريدة يومية , شبق غريب يلهث في أحشائي أحلام من نوع سوف أفعل, تترامى على ذهني . الخطوة تلد ثانية وإتجاهي غير معروف. صامتا أتوقف قرب محطة المسافرين, أحك مؤخرة رأسي بأنامل يدي اليمنى, ألعق شفتي بلساني حتى أبدد جفافهما. الضجة تنتقل عبر جوانب المحطة , منبهات الحافلات تحطم السكون . الحمالون يعرضون خدماتهم على أصحاب الأمتعة . المتشردون والمتسولون يعترضون سبيل المسافرين مادين أيديهم.. نظراتي الفضولية تطارد الحسناوات المسافرات , تغازل بصمت هذه وتلك . كثيرون من عشاق النساء يتخدون من المحطة مقرا لسد حاجياتهم ,..كهلة ثخينة الجسم تحمل كيسا بلاستيكيا ضخما , تقترب مني , صوتها ذو الرنة الأطلسية يطرق اذني: -هل أستطيع ان أسألك يا ولدي الله "يرضي عليك "؟؟ -تفضلي -في أي ساعة تتحرك الحافلة المتجهة نحو دمنات؟؟ -لا أعلم يمكنك أن تسألي قاطع التذاكير أو أحد الحمالين . تسأل الكهلة أحد الحمالين ثم تعود من جديد الى الإقتراب مني, تقول: -قال أنها لن تتحرك قبل الساعة الواحدة لم أعلق على كلامها ,تتابع الحديث: -لقد جئت لزيارة إبني..إنه يعمل مهندسا وقد تزوج منذ بضعة أيام بمعلمة , جئت أبارك له لكنه غير عنوانه ومقر عمله فلم أجده, إنه يتهرب مني رغم أنني أمه.. دون أن أنبس بكلمة , أبتعد عن الكهلة , وأتابع المسير . مشاكل من هذا النوع مللت سماعها... أدخل مقصفا لبيع العصير , فتيات بميداعات المدرسة , يضعن أحمر الشفاه , والبودرة , وطلاء الجفون , يجلسن الى طاولات المقصف , شبان يرتدون سراويل فضفاضة وأقمصة ملونة يحاذونهن في الجلوس. بعضهم وبعضهن كان بدخن, أجلس بمواجهة فتاة المقصف العاملة خلف الحاجز الخشبي , نظراتها تلتهم وجهي الشاحب , تتسلل الى ياقة قميصي ثم السلسلة الذهبية التي تحيط بعنقي , تسألني بصوت ناعم : -ماذا تشرب ؟ -عصير موز من فضلك تمر دقائق ., تقدم لي عاملة المقصف كأس العصير. فتاة في حدود العشرين تقترب من مكاني تجلس بمواجهتي , شعرها الأشقر المعقوص يبدو ساحرا , بشرتها الناعمة تبعث الدفء, تخرج من محفظتها علبة سجائر , تمسك لفافة تبغ , تودعها بين شفتيها المطليتين بالروج ..تسألني عود ثقاب , أعتذربخجل فانا لا اذخن,, تسأل فتاة تجلس على يمينها , تلبي طلبها . تنقث ذات الشعر الأشقر دخان سيجارتها بانتشاء , تضحك في وجهي كلما التقت نظراتنا . تمر دقائق على هذا الحال. أخرج صحبتها , نستقل سيارة اجرة الى شقتي , تسألني الفتاة اثناء الطريق : -هل تعيش وحدك؟ - نعم منذ خمس سنوات والداي يعيشان بدكالة -انا طالبة جامعية أسرتي تقيم بسطات. التاكسي يتوقف , بمعية الفتاة انزل , أنقـد السائق أجره , صحبتها أسير على الرصيف . نتخطى باب العمارة حيث توجد شقتي . نتسلق الدرج بخفة , أخيرا نصل , ندلف الى الشقة , تطوف الفتاة بين غرفها الضيقة . تجلس الى مكتبي , تعبث ببعض الاوراق المتناثرة عليه , لا أعارض , تقرأ إحداها بصوت مرتفع , أبتسم في وجهها , صوتها يتسرب دافئا الى مسامعي: -هل تكتب الشعر؟ -منذ زمن بعيد - أنا احب الشعر كثيرا , أقرأ لنزار قباني والبياتي وأدونيس والمجاطي.. ابحث لحظة , امسك بكتيب صغير اقدمه لها ضاحكا : -هذا ديواني الاول طبعته مِؤخرا بتحويشة العمر ..اقدمه لك هدية . تنفرج شفتاها عن ابتسامة ثم تقول : -انها المرة الاولى التي ارافق فيها شاعرا الى بيته... محمد محضار نشرت هذه القصة بجريدة العلم المغربية يوم 2 غشت 1986
__________________ |