عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-06-17, 15:08 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

a9 قوم أصابهم مس من التدريج- بقلم حسن بويخف


قوم أصابهم مس من التدريج- بقلم حسن بويخف


ّ حسن بويخف

التجديد : 17 - 06 - 2010
تتعالى اليوم أصوات أكثر من جهة للمطالبة باعتماد الدارجة بدلا من اللغة العربية في المغرب، سواء في التعليم أو في الإعلام أو في الإدارات. ليس في الأمر جديد على اعتبار أنه مجرد صدى متأخر لدعوات مماثلة في عدة بلدان عربية مثل لبنان ومصر وغيرهما. وهي دول ابتليت نخبتها بنوع من الفراغ جعلها تمتهن الجدل في كل شيء وفي لا شيء أيضا. مرت ببعض نخبنا إذا ريح التدريج. وأيقظت فيهم فجأة نعرة الدارجة. وتنادوا: لا مستقبل للمغرب إلا في دارجته! فأصاب النخبة مخاض عسير. وتسابقوا في تسمية المولود المنتظر. فناداه البعض اللغة الأم وناداه آخرون المغربية تيمنا بالمصرية واللبنانية... وقال حكماؤهم، كما يقول المثل الدارجي، ملي يتزاد نسميوه! وبحثوا في شرعية الحمل. وقال ذوو النزوعات الشعبوية المتحمسة فيهم، الدارجة هي لغة جميع المغاربة! وقال استئصاليون، اللغة العربية ماتت والدارجة سليلتها! وقال أدعياء البراغماتية، العربية متجاوزة وغائبة في مجالات الاقتصاد والإدارة و... ! وقال مستلبون واضحون، المستقبل في اللغة الفرنسية...
لقد كان مؤتمر اللغة.. اللغات، المنعقد مؤخرا في الدار البيضاء، بمثابة أحد مراكز الولادة التي دخلت حلبة التنافس على نيل شرف إعطاء النسب للمولود المنتظر. وكان الحاملون لهدايا الميلاد من شهوده، يجمع بينهم شيء واحد هو العداء للغة العربية بصفتها رمزا للمرجعية الدينية في المجتمع، كل حسب المنسوب إليه. فمنهم العنصريون الذين استفزتهم المنجزات التي حققها المغرب في إحياء اللغة الأمازيغية وكان لابد من المزايدة عليها، بعد محاولات خنقها في المدرسة وإضعافها في الإعلام...، بطرح بديل تكون له شرعية شعبية تحقق شروط التنافسية! ومنهم الفاشلون في اللغة العربية، ويسعون إلى رفع القيود المتعلقة بالأداء اللغوي كتابة وخطابا، وهذا كان شأن بعض الإعلاميين. ومنهم الأذكياء من الفرانكفونيين الذي لا يرون في مشروع اعتماد الدارجة بديلا لغويا غير وسيلة استراتيجية لإضعاف اللغة العربية من جهة، وللتمكين للفرنسية بصفتها البديل الراجح لملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب العربية من الساحة، لا قدر الله، من جهة ثانية. ومنهم عبثيون، إنما يخوضون مع الخائضين، لا يهمهم إلا استئصال كل ما قد يربط المغاربة بتاريخهم ودينهم، كما لايهمهم إلا نوع من الألقاب التي تكتسب عادة بالخوض في قضايا الاجماع وفي الثوابت وفي المحرمات وما شابهها. ومن هؤلاء قوم اختلطت الأمور عليهم بفرط الضغط الذي يسعى إلى أن يشمل المغرب أيضا حراك هجر لغته الرسمية كما وقع هنا وهناك؛ أملا في تحقيق النهضة المنشودة. ومنهم ما دون ذلك ...
وكان كل هؤلاء بصدد انتظار وهم، ورسم كاريكاتير غير مسبوق. فإذا كانت اللغات، وضمنها العربية، يعتريها ما يعتري الأحياء، من تخلف وتتطور وجمود وموت وحياة ... فإن البديل الذي ينفخ فيه هؤلاء الروح لا يجيب على جل الانتقادات ذات الاعتبار التي وجهوها إلى العربية وهم من قتلتها. فهي، باستثناء بعدها الجماهيري، ليس لها من مواصفات لغة النهضة المنظرة شيء. ويحتاج تحويلها إلى لغة بتلك المواصفات جهودا جبارة لو ينفق معشار معشارها في الاعتناء باللغة العربية لتحققت النتائج الباهرة إذا توفرت الإرادة الخالصة. فاللغة العبرية مثلا، التي صنفت قبل بضع عقود من اللغات الميتة، تم إحياؤها وأصبحت في المدارس والجامعات وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي البحث العلمي وفي جل الجامعات العالمية وفي الإعلام... لكن كيف تم ذلك؟ بشيء واحد: تضافر إرادة دولة إسرائيل والمجتمع اليهودي.
وتكشف تجربة اللغة العبرية أن التبريرات التي يطرحها دعاة الدارجة مجرد أقنعة للتنصل من مسؤولية محاولة إقبار اللغة العربية التي عمرت لأزيد من 14 قرنا في المغرب. ويتم تمرير المؤامرة اللغوية ضد العربية في المغرب بالحديث عن تاريخ نشوء اللغات من الدارجة. وهو حديث له مبرراته حين يتعلق الأمر بإحياء الأمازيغية مثلا. لكن هل له مبررات تصوغ قتل اللغة العربية وإقصاءها؛ مع تجاهل حقيقة فاضحة مفادها أن الحديث عن منشأ اللغات هو حديث أيضا في غياب تلك اللغات حينها. أما إنشاء لغة بديلة مع وجود لغة لها مكانتها ورصيدها اللغوي والمجتمعي والرمزي و ... فذلك منتهى العبث.
لكن ما الذي يمكن قوله لمن يعيش وهم السير في جنازة اللغة العربية وهو من الساعين إلى قتلها؟







    رد مع اقتباس