عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-06-13, 21:39 رقم المشاركة : 1
مريم الوادي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية مريم الوادي

 

إحصائية العضو







مريم الوادي غير متواجد حالياً


وسام المراقبة المتميزة

b5 الساذجة لأنطون تشيكوف


الساذجة

أنطون تشيكوف



طلبت من بعضة أيام من مربية أولادي ( جوليا فاسيليفنا)موافاتي بغرفة الكتب.

- تفضلي بالجلوس (جوليا فاسيليفنا) – قلت لها – كيما نسوي مستحقاتك ،ويبدو انك تلبسين رداءالتعفف إذ أنك لم تطلبيها رسميا مني رغم حاجتك الماسة للمال ...! حسناً... كنا إذا قد اتفقنا على مبلغ ثلاثين روبلاً في الشهر....

- بل أربعين!

قالت باستحياء.

- كلا...اتفاقنا كان على ثلاثين. دونت ملاحظة بذلك أدفع إلى المربيات ثلاثين روبلاً عادة. لقد عملت هنا مدة شهرين لذا.....

- شهران وأيام خمسة .
قالت مصححة.

- بل عملت لمدة شهرين بالتمام والكمال -قلت بإصرار- لقد دونت ملاحظة بذلك وهذا يعني انك تستحقين ستين روبلاً يخصم منها أجر تسعة أيام تعرفين تماما أنك لم تعملي شيئاً ل(كوليا) أيام الآحاد وكنت تكتفين بالخروج به للنزهة...هناك أيضاً ثلاث إجازات و...

ولم تعقب ....اكتفت المسكينة بالنظر إلى حاشية فستانها فيما كست محياها حمرة شديدة....مانبست ببنت شفة!

- ثلاث إجازات فلنخصم من ذلك إذا اثني عشر روبلاً...كما وأن (كوليا) قد مرض فاستغرق ذلك ثلاثة أيام لم يتلق عبرها أي درس...شغلت إبان ذلك بـ(تانيا) فقط، ، هناك أيضاً ثلاثةأيام شعرت فيها بآلام في أسنانك ممضة أعفتك زوجتي خلالها من العمل بعد الظهر ... اثنا عشر وسبع يساوي تسعة عشر واطرحي ذلك فيتبقى بعد ذلك ..آ..واحد وأربعون روبلاً.. أصبح ذلك؟


واحمرت العين اليسرى (لجوليا فاسيليفنا) ثم ..غرقت بالدمع فيما تشنج ذقنها وارتعش.. وسعلت بشدة ثم مسحت أنفها ..إلا أنها ..لم تنبس بحرف.

- قبيل ليلة رأس السنة كسرت كوب شاي وصحنه، يخصم من ذلك روبلان رغم أن تكلفة الكوب هي في الواقع أكثر من ذلك إذ إنه كان ضمن تركة قيمة...لايهم !ليست تلك هي أولى مامنيت به من خسائر...! بعد ذلك ونتيجة لإهمالك صعد (كوليا ) شجره فتمزق معطفه ، يخصم من المجموع عشرة روبلات..كما وأن الخادم قد سرقت- بسبب لامبالاتك حذاء (فانيا )ينبغي أن تفتحي عينيك جيدا... أن تتوخي الحذر والحيطة!
فنحن ندفع لك ثمن ذلك...حسناً نطرح من كل ذلك خمسة روبلات وإني قد أعطيتك عشرة روبلات يوم العاشر من يناير!


- لم يحدث ذلك !
همست (جوليا فاسيليفنا).

-بلى! دونت ملاحظة بذلك.

قلت بإصرار.

-حسناً وإذا.

أجابت بنبرات كسيرة.

- فإذا ما خصمنا سبعةَُ وعشرين من واحد وأربعين فسيتبقى لك أربعة عشر روبلاً.

وغرقت بالدموع يومها كلتا عينيها فيما ظهر العرق على أنفها الصغير الجميل ....ياللبنية المسكينة!

- لم أحصل على مال سوى مرة واحدة!

- قالت بصوت راعش متهدج النبرات - وكان ذلك من زوجتك. ماتجاوز ما استلمته ثلاث روبلات... لا أكثر سيدي.

- حقاً ؟ أرأيت ؟ لم أدون ملاحظة بذلك – سأخصم من الأربعة عشر روبلاً ثلاثة فيتبقي لك أحد عشر روبلاً.

ودفعت إليها بالمبلغ فتناولته بأصابع مرتجفة ثم دسته في جيبها .

- شكراً.

قالت هامسة.

-ولماذا هذه ال( الشكراً) ؟

سألتها .

- للمبلغ الذي دفعته لي.

- لكنك تعرفين أني قد غششتك .... أني قد سرقتك ونهبت مالك فلماذا شكرتني؟!

- في أماكن أخرى لم يكونوا ليدفعوا لي شيئاً البتة.

-لم يمنحوك على الإطلاق شيئاً؟ زال العجب إذاً! لقد دبرت هذا المقلب كي ألقنك درساً في المحافظة على حقوقك، سأعطيك الآن مستحقاتك كاملة ...ثمانون روبلاً..لقد وضعتها في هذا الظرف مسبقاً..لكن تساءلت مشدوهاً- أيعقل ذلك ؟ أن يتسم إنسان بكل ذلك الضعف والاستسلام؟ لماذا لم تعترضي ؟ لم كل ذلك الصمت الرهيب... أيعقل أن يوجد في هذا العالم النابض بالظلم والأحقاد والشراسة إنسان بلا أنياب أو مخالب ؟ إنسان في سذاجتك وخضوعك ؟

وابتسمت في ذل وانكسار فقرأت في ملامحها ((ذاك ممكن)) واعتذرت منها مجدداً عما سببته لها من ألم وإحراج، إذ إن الدرس كان قاسياً حقا قبل أن أسلمها الظرف الذي يحوي أجرها... ثمانون روبلاً تناولتها بين مكذبة ومصدقة ... وتلعثمت وهي تكرر الشكر.. المرة تلو المرة ثم غادرت المكان وأنا أتأملها وسيل من جراحات الإنسان المعذب في أرجاء غابة الظلم ينداح في أوردتي وهمست لنفسي:

-حقا ماأسهل سحق الضعفاء في هذا العالم!






    رد مع اقتباس