عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-19, 23:20 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

b7 من يدفع ضريبة غياب المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟


من يدفع ضريبة غياب المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟


نعمان الهاشمي

المساء : 19 - 05 - 2010
منذ 14 سنة، أقر المغرب تعديلا دستوريا، تمثل في الطبعة المنقحة لدستور 1996، وكانت المرة الأولى التي حظي فيها ذلك المشروع بإجماع القوى السياسية، باستثناء منظمة العمل الديمقراطي، التي لم يعد لها وجود. وترتب عن إقرار التعديل أن أحزاب المعارضة، التي كانت تطعن في شرعية الانتخابات، انتقلت إلى تحمل المسؤولية الحكومية، في ضوء تحويل البرلمان
إلى غرفتين لضمان نوع من التوازن.
وبعد أن كان ثلث أعضاء البرلمان يأتون من ضفة الناخبين الكبار في المجالس البلدية وغرف التجارة والصناعة والفلاحة والمركزيات النقابية، أصبحت لهم غرفة كاملة باختصاصات واسعة، تشمل إمكانية سحب الثقة من الحكومة بعد توجيه إنذاري لها، إذا وقع نزاع في تأويل أو ممارسة.
غير أنه لحد الآن لا يزال المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي أقره الدستور المعدل لعام 1996، كمؤسسة دستورية، يراوح مكانه، وسيكون على حكومة الوزير الأول، عباس الفاسي، أن تدرس في اجتماعها اليوم القوانين التنظيمية لهذا المجلس، قبل دخوله حيز التنفيذ، وهو ما يعني أن الفترة الطويلة التي مرت من دون إقرار هذا المجلس اتسمت بالتردد أو التلكؤ حيال مؤسسة دستورية، كان يفترض أن تضطلع بدور استشاري لفائدة الحكومة والبرلمان في القضايا ذات الاختصاص.
قد يعزو البعض هذا التأخر إلى انشغالات سياسية أو ترتيبات تنظيمية، لكن ما وقع هو أن بندا في الدستور لم يتم احترامه لحد الآن، وقد ألح الملك محمد السادس، مرات عدة، على هذه المسألة، من خلال دعوته الموجهة إلى الحكومة لوضع القوانين التنظيمية لهذه المؤسسة، لأن القضية تزيد عن تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى احترام مقتضيات دستورية واضحة.
يمكن للنقاش أن يتطور حول مكونات هذا المجلس، أي رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد والباحثين الاجتماعيين ومندوبي الجاليات المغربية المهاجرة في الخارج ومكونات الحوار الاجتماعي، إلى غير ذلك من الاجتهادات، ويمكن أن يطال، بالقدر نفسه، تحديد دوره الاستشاري وآليات اشتغاله، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يستغرق فترة طويلة.
وقد دلت التجارب على أن بعض الهفوات التي يمكن أن تنزلق فيها الحكومة أو البرلمان، يتم تقويمها من خلال اجتهادات المجلس الدستوري الذي يراعي مدى مطابقة القوانين التي تقرها المؤسسة التشريعية مع الدستور، لكن في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذه الهفوات لا تكاد تجد الإطار الملائم لمعالجتها.
لنأخذ، مثلا، مدونة السير التي أثير حولها المزيد من الجدل، فهل كان ممكنا للحكومة أن تجيزها وتقدمها إلى مجلس النواب لو أن نقاشا واسعا وموضوعيا ونزيها جرى في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟ الأكيد أن مهامه الاستشارية كان بوسعها أن تدقق في الأخطاء وأن تعاين الهفوات.
لنأخذ، على سبيل المثال، أيضا، أنماط الحوار الاجتماعي المتعثر بين مكونات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين ومندوبي المركزيات النقابية، فهل كان واردا أن تتعثر هذه الجولات أو لا تسير وفق المأمول منها لو كانت هناك مرجعية يمكن الاستئناس بها من خلال تفعيل دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟
ولأن القضايا تتوالد من بعضها، فإن تجربة كتلك التي أقدمت عليها الحكومة السابقة، ضمن ما عرف ب«المغادرة الطوعية»، التي أفرغت الإدارة من الكفاءات ولم تحقق الأهداف المرجوة منها، هل كان بالإمكان إقرارها كما أخرجت إلى حيز الوجود لو تمت استشارة المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟
لنأخذ أيضا القوانين والإجراء ذات العلاقة بتشجيع الاستثمارات الخارجية، والتي أصبح واضحا أن كلفتها عالية جدا، بالنظر إلى استنزاف العملة الصعبة، فهل كان واردا كذلك أن يتم القفز على هذه المعطيات التي باتت تهدد الاستقرار المالي للبلاد لو أن الاحتكام في بعض جوانبها أوكل إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟
نخشى القول إن عمل الحكومة الذي كان يجب أن يُصان من خلال رقابة البرلمان، يمكن أن ينفلت من زمام السيطرة إذا لم تكن هناك أطراف أخرى خارج الجهازين التنفيذي والتشريعي تتولى تقديم النصائح. إذ ما دامت الحكومة تتوفر على أغلبية نيابية يدعمها الائتلاف الحكومي الراهن، فإن بوسعها أن تقر ما تشاء، ثم يأتي وقت إبداء الحسرة فيه على ما حدث.
لنتأمل قليلا في تجربة مجلس المهاجرين، ولنقم بعمليات حسابية حول ما يصرف على هذه التجربة التي أصبحت مهمتها تكاد تقتصر على تنظيم الندوات واللقاءات الثقافية والسياحية، ألم يكن من الأجدى البحث في صيغة أفضل لدفع المجلس لأن تكون مساهمته أكثر فعالية، وتحديدا من خلال التفكير في انتخاب ممثلين عن الجاليات المغربية في المؤسسات التشريعية؟
ليست هناك وصفة جاهزة أو فرضيات لا تقود إلى غيرها من الفرضيات النقيضة، لكن الأهم أن يتم التصرف في إطار الدستور، فقد لا يحمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي حلولا سحرية لمثل هذه الإشكاليات. لكن وجوده أفضل من عدمه، مادام أي تعايش أو حوار لا بد أن تنبثق عنه نتائج ما، ودور الحكومة أن تعمل على تسريع الإجراءات التنظيمية ذات الصلة باحترام الدستور.






    رد مع اقتباس